الجمعة، 21 ديسمبر 2012

حُلماً أخضر






رأيت حلماً .. أخضر
عصفوراً يعاُنق غصَن الزيتون
وقلبِ يابًس .. كالأراك ..
إنني رأيت حلماً قرمزياً ..
يميل إلى الأخضر ..
فتُاة كالشمّس الهاجرُة
تجعل أهدابي ترفّ‏ ولعاً لإحتضاُن
عينيَها الداكنتّين ..
وفي سرّاب الخيال المبّتذل
أشعلت حريقاً بجُسدي كيّ ترَآني
أسرفت في الكلمات ..
عاُنيت .. من الشتات ..
ومن ضياع المُفردات ..
عشرون عاماً خلف الخُصر مقّيد
أموت في الفتّك وفي الأفتظاظ ..
والسائل القاتل بين الشفُائف
الحمراء ..
..
ذات مساءً لم أكُن نائماً
حلمتً حلما نائياً ..
أحد ما يأتي‏ .. على عجُل
يرتدي وشاح الُصمت
ولثام الخوف ..
أحد ما يقتّرب ..
وأنفاسه الساخُنة تلتهبَ
أحد أجمل‏ .. من أي يوم مضى ..
وكنت واعياً مع أحد .
أحدًَُ
لا يشبه أحداً، ‏
يسرق شيئاً من قهوة الصباح
كأن الفجر مولودَ بين فمُه والديك والصيّاح
لُه من أمي الشيء الكثير .. كـ رائحتها الخّمرية
ومن غُموض أبي الوفير .. كـ ثوب سرّمدي
ومني .. أنا .. أخذني بكلي أنا .
..
إنه مثل لون السماء ..
وزنُبقة الماء ..
وظلّه الَخفي ... يٌقطن في زقّاق الروح
والقلب والفناء ..
ووجهه‏ .. تاّه الوصف تَاه
خيالاً ، سراباً صيفياً
أو هرطقة وذوّأه
عيُنان تلمعان كالسيف ..
المشحّذ بسُم العشق .
وأنفاً كالطود العتيق خلف أسوار
الأرض ..
وفُمَ يغنيك عن نبيذّ لاتينيَ
معُتق ..
أحد .. ليس كـ أحد
إنه يرتدي مشاعري التي أبحث عنها
يرُتدي سترة قلبي المثقوبة .
ولا يخاف ..
يتمخطّر في حجُيرات القلب
يسّري كالدم في الأوعية ..
يملأ الصدر رُحاب ورقّة
شيء .. يصنعُ مني نرجساً
بعدما كُنت غابّة نكرُة.‏
وإسمه الذي لا أستطيع أن أنطق به
أصبح رمزاً ونجدة وهُدأ ..‏
.. ضاع مني ذات يوم ..
وكنت الميُت في رجاءّ
إستقمت حتى ذّبت
وكنت ملح .. في مُدن وقرّى
كنت لك كفاً .. وفنجان
بمقدوره أن يقرأ بعين مغمضة‏
أو بإبتسامة حب فاسقة .
كل كلمات العشق الخالّدة
لاتعنُي لها شيئاً ..
هذه المدينة الباردة ..
ليس لهُ شأن بها ..
كان يتململَ ، يسرق الليل
ويسرقنّي في خفاء ..
بلا تخاذل،‏ ينادي
فأجيب النداء
الدمع كان عوناً
و أوفى الأصدقاء .
شريكاَ لي في محُبتهِ.
سراً صغيراً بيننا أو منأجاة .
.. في ساعة الغروب الأبدي
رأيت حلماً .. كان الحلم
أنا .. وفتاة
كان الشتاء .. دافيئاً بالهجر
أكثر ممِا مُضى
كم أفتقد ثلوج الشتاء .
كان .. وكان
وفجأة ضاع في الزمن ..
حّل اللون الأخضر .. ومات
غصن الزيتون ..
وأصبح القلب رطّب
وإنتعشت الحياة ..
وشُمس الشتاء كسولة
من خدرها تجّور علينا
فلا تأتي إلا بعد
خمر الدموع المنسكب
و آنّات العُشاق والضحايا
وسيد الغّرام في الظلام
لاينير .. أخذه الغياب بعيداً
وطُد الأمتعة .. والقلوب موّطدة
خصبّ هو الحزن ..
كافراً هو الليل ..
والأمل .. كالوردة النتّنة الذابلة
جميلة في المبُهى والمنظر
تأسرك ..
لكن لا رائحُة لها ..
..
وأخيراً أشرقت الشمُس
بعد عناء .. وصراع
ثوّرة .. على الجسد .. والأحلام
لننام ..
ونصحوً مع قمراً أخر
أو ليلاً بلا ألوان ..
ليلاً أخضر أخر .
وحلماً .. أخر .


هِبة








قّرب فوهةّ الهواء .. أختنق
وتحت رحمة البشر لا أود ولا أتفق .
غريبًا أنا .. حتى في ثكنّات الموت
لي رسالة .. صفاء أخيرة
هبّة ..
من أين أتيتِ .. كيف قتلّتي كل هذه السنابل
كيف أحرقتي قلبي في موسم الحصّاد
من أين .. لك ..
لم يعد ذلك العود في عيّني
لم يعّد ..
غضًُك الأخضر .. أحرقتها رياح الهجر
وتبخر بفعل نيرّان الخوف .
فسهاّم الذكرى كالماء ..
وعيُناك الرمّاة
في الليل الخائف .. أنا خائفَ
حبّطً .. ودمي يُشتمني ..
وأعضائي من خشيتها تتبرّم
البشر يتنصلون أحاديثهم دون إقتراف
والمساءات مؤذية .. فكم من لسانِ
يتغّنى بك .. ونار الغُيرة تشعل
كهوف مظلمة في أضلعّي
البحر .. جفّ من قدميك ..
والجندول الصغير .. ثقبتها الأحلام
فغّرق ..
الحياة غادرت .. بعد عامَ أصفر
عام الموت الأبدي ..
هبّة .. أريد أن أغرق بك
أريد أن أحُبك ..
إقطفّيني ياهبة فموسّم حصاد الموتى
قد حآن .. مارسي الطقوّس علناً
وأرسمي للقمر .. أية خالدة
..
أختالَ بك .. فالنساء حولي كثير
والكّراهية في عدم الإمتلاك ..
تسبق العين في الرؤية
نّدى الصباح .. في تلك الوجوه ساكّن
وأنا أيضا لازلتُ ساكن
هبّة .. قوديني إلى الجنون
إلى مابعد الجنوّن ..
إلى الشوق الفاضح
تحت غصن الصدى
أصرخ بإسمك .. فأقطف
ثمارّ الردى
وجسدّي لايزال ساكن ..
تحت دياجيرَ الظلام
أناجي السماء بإسمك ..
فتسقط بين يديّ نجوم متلألأة .
وفمكِ ساكن .. والغرُبة مؤذية
هنيئاً لذلك الوطّن .. والتراب
هنيئاً لأرض تباركت بخطواتِك
سيدّتي .. التي لاسيد لها ..!!
أنا لم أعُد شخص "ساكن"
قتلوني ودفنونّي
في أرض سبخّه ..
وجراحي مثٌُخنة .. ظنواّ ..
إنهم أنتزعوني ..
ظنوا إنهم إنتهوا وأنا إنتهيت.
وبعد قرون مديدة.
أنبتت الأرض شجرة
الحب اللانهائي ..
شجرة تدعى بـ "هبّة "
تموت إن سقوها الماء ..
وتعيش إن نثروا الملح
فوق جراح جذّعها النازف ..
فتأتي العصافير إليها
من شتّى بقاع الأراضي البعيدة
لتقطف ثمّراً يانعًا وتعود
تصدح بالأكوان ..
هبُة .. هبِة .


عائشّة










عائشة .. إن الحياة فِي الشرق كألهة الخوف بين أعين فتاة دمشقية صغيرة.
ذهب صوت الرصاص بإبيها .. وسحق دفء الأُمومة في مرفقيها ..
إن رياح التغيير تحُث جسدي على الموت البطيء
ضمور الخافَق . يجعلني أستوطن الثرى .. وأُشعل فتيل الولع من رماد ..
عائشة ..
إن الحياة تٌنقضي كأربعيُنية الولادة ..
يأتي يوم ليودع يوماً أخر ويوَصيُه القدر أن لايترك فيني مقدار أنُملة من صبر.
ومن خّمر الأيام .. تم نفّي وحرماني .. من نقمّة الحق ولقمة الرغد ..
كأن الصحائف خُطت من أجل أن تكتب لي شقاءاً بالنعيم
والتلذذ بالشقاء .. حتى صوتي ..بالاّكاد أسمعه
سخطي ياعائشة بات قُرين لي ..
أصبحت أتوهج كالنار المستعرة في وحدتي
وأحيك من الظلام نوراً لسريرتي ..
عائشة .. عائشة .. أين أنتي ياعائشة ..
الصبر يقتلع عُشي المكنون
ورائحتك بدأت تُنشف !!
وصمتكِ بدأ يخدر ..
الأرض غُير مباركة ..
جفاف .. الأرواح يؤرقني ..
أمطار اليأس كالسهام الوابلة .
خبيَئني ..
أنا خائف .. ياعائشة .


مُثقّلاً






تشرعُ بِي الحياة في كل وجه .. عابر
إنْ صّب الوجد لازال فِي عيُني مسافر،
يطُالع النجم ويقتل كل شفَقة
ورموز الأستعباد في وجَنتيه كالقنديل
.. يٌقتل الألباب .. دون أن يِشعر
وإذ بكُى صاحت الأرض لصياحه
تداعّت الصخور والبراكين من فجواته
غرُيمه الأزلي .. الزمن
والشمُس محبوبتة الساخنة الهائجة
تصحو مُدينته البعيدة .. على قطُرة مطر
من عينه البريئة .. الوديعة
والُرق في شَفتيه
يأتون من كل فوج .. مُن هنا
من هُناك .. وتارة من بين أحضان الأرض
حُفاة .. يقطعون الأرض مشياً بلا إدراك
مقيديّن بالنظر .. بروح وعُطش
وعشق وصبر. .. السراب يطُردون
والأبجدية الخالدة منها يرّفلون
يدثرون بعُضهم بشيئاً من الأحرف
وكم في صدورهم نقشَا من ثراء
تُيبست الحياة في تلك الأفواه .
لايعرفون من الألوان .. إلا لون الألم
ويصلون كل فجر .. لـ لون الأمل
فيأتي المساء .. وهم هُناك عاكفين
على التلاوة .. على النجآة
وفي الفراغ .. نبُذت من بينَهم
تعديت عشقٌهم الخّرف
ونقشَت وشمًا على عُذرية الماء .
تحدثت كثيراً ، إلى السماء .
ونُمت .. من التعب .. بلا وعيَ
وأثناء النوم .. أفقُت في حلُمي
وظل يقودني .. حتى تّاه
والبرد يقتل كل الٌقرى التي أزورها
وحصاد الأرواح يفتك بالموت حين أدُيرها
لا أحمل القمح معيَ ولا الزاد ..
فقيرُ صّب .. ليس معي إلا
بضع قصائد " درويُشية "
ومساءاتَ .. وشيء مِن عتّآد
ونًصيب الأرض منِي كفن ..
والريّح تعصف بعقلي بلا هُوآد
شعوري بات ممُكن ..
كل شيء أصبح بارد .. حتى ذلك العضو الدافيء
خلف الغطاء .. خائفاً في الأحشاء
ينتظر مُوسم الحصاد ..
ربما سنبّذر روحاً في هذه الأرض
ليولد من جديد ..
نعيقاً وبلونه الأسود ..
كائُن غريب .. يسُمى
بـ الغُراب .