السبت، 8 سبتمبر 2012

الروح لإبن القيم


تأمل وتدبر :

‏{‏وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً، وَلَئِن شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنَا وَكِيلاً، إِلاَّ رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ إِنَّ فَضْلَهُ كَانَ عَلَيْكَ كَبِيرًا‏}‏ ‏[‏سورة الإسراء‏:‏ الآيات 85-87‏]‏‏


نبذّة :

من أعلام الإصلاح الديني الإسلامي في القرن الثامن الهجري. ولد في دمشق من أبويين كرديين ودرس على يد ابن تيمية الدمشقي الذي هو ايضاً من ابويين كرديين وتأثر به. كانت مهنته الإمامة بالجوزية. التدريس بالصدرية وأماكن أخرى. التصدي للفتوى والتأليف. اتصاله بابن تيمية اتفقت كلمة المؤرخين على أن تأريخ اللقاء كان منذ سنة 712هـ وهي السنة التي عاد فيها من رحلاته إلى دمشق واستقر فيها إلى أن مات بدمشق سنة 728هـ.

مشايخه له عدد كبير من المشايخ جمعهم الشيخ بكر أبو زيد وذكر منهم خمسة وعشرين ونذكر بعضهم : قيم الجوزية: والده. ابن تيمية. ابن عبدالدائم: أحمد بن عبد الدائم بن نعمة المقدسي مسند وقته. أحمد بن عبدالرحمن بن عبد المنعم بن نعمة النابلسي. ابن الشيرازي: ذكر في مشيخة ابن القيم ولم يذكر نسبه فاختلف فيه. المجد الحراني: إسماعيل مجد الدين بن محمد الفراء شيخ الحنابلة. ابن مكتوم: إسماعيل الملقب بصدر الدين والمكنى بأبي الفداء بن يوسف بن مكتوم القيسي. الكحال: أيوب زين الدين بن نعمة النابلسي الكحال. الإمام الحافظ الذهبي. الحاكم: سليمان تقي الدين أبو الفضل بن حمزة بن أحمد بن قدامة المقدسي مسند الشام وكبير قضاتها. شرف الدين ابن تيمية: عبدالله أبو محمد بن عبدالحليم بن تيمية النميري أخو ابن تيمية. بنت الجوهر: فاطمة أم محمد بنت الشيخ إبراهيم بن محمود بن جوهر البطائحي البعلي، المسندة المحدثة .

مدخلَ :

"هل تعرف الأموات زيارة الأحياء وسلامهم؟
هل تتلاقى أرواح الأموات وتتزاور؟
هل تُميز الأرواح بعد مفارقة الأبدان بعضها البعض؟! تلك التساؤلات وغيرها الكثير تجد إجابتها في هذ الكتاب القيم لابن القيم "

قبل قراءته كنت هائماً في كثير من التساؤلات حول الروح ،
وكيفيتها وماهيَ ، وتساؤلات وشكوك ، تؤدي بـ الإنسان إلى الضياع ..
حدثوني عن كتاب الروح لأبن القيم ، خفّت كثيراً فكنت في سنُ لايسمح لي بقراءة مثل هذه الكتبَ ، لم أتزود بعلُم أو بحصانة ثابتة .. فغامرَت وقرأته
توقعت بأن لغته أصعب من أن أفهمها، ولكنه جداً خفيف، وموثق بآيات من القرآن و بأحاديث صحيحة، وقصص أشخاص ثقات.
الكتاب يضم عدد كبير من المسائل التي بحث فيها الجوزي،لحاجة العالم اليوم لذلك بعد
أن أصبح يدخل في الإسلام أجناس متعددة، كانت خلفيتهم تعتمد على حضارات سابقة
من المسائل التي طرحها: أن الأرواح بعد أن مفارقة الأبدان إذا تجردت بأي شيء يميز بعضها من بعض حتى تتعارف وتتلاقى؟ وهل تتشكل إذا تجردت بشكل بدنها الذي كانت فيه وتلبس صورته أم كيف يكون حالها؟
لمن يريد معرفة جواب المسألة عليه بقراءة الكتاب
الكتاب يشبع الفضول، ومفيد جداً ..


نظُرة عن قُرب :

ما هي الروح ..؟؟ ماذا يحدث بعد خروجها ..؟؟ هل عندما نموت ننتهي من الدنيا أم سنتزاو كآرواح مع الأحياء ..؟؟
كتاب رائع بكل معنى الكلمة .. استمتعت بقراءه عدة مسائل منه
كمسألة التزوار وتلاقي أرواح الأموات سوية أو الأموات مع الأحياء وقت النوم، وما تخللت به من قصص رائعة حدثت لأعلام الأمة لترسخ المعنى و تأكده
و المسأله اللي تفرق بين الروح والبدن و أخرى بين النفس والروح
وايضا المسألة التي تتحدث عن الخطوات التي تحدث بعد الموت فورا من خروج الروح والقبر، مستدلة بأحاديث المصطفَى عليه الصلاة والسلام .
كتاب من وجهه نظري .. جعلني أؤمن أكثر وآكثر بل وأوقن بحياه البرزخ وهي حياه الأرواح فبالموت لا تنتهي الأرواح بل تنتهي الدنيا بالأبدان فقط، ولكن الأرواح باقيه تعامل على ماكسبت في السويعات الدنيوية .. فيا هنيئاً لمن كان قريبا من المولى بدنياه بقرب روحه منه بالبرزخ، ويا حسره على من بعُد بالدنيا فتكون في أسفل السافلين بالبرزخ .. وهكذا نكون باقين كأرواح حتى يأذن المولى بالنفخ بالصور لتقوم الساعه فتردّ أرواحنا للأبدان للحساب والجزاء فإما جنه وإما نار ..
جعلني الله وإياكم من الأرواح الطيبة لنكون من أصحاب النعيم .
..
فصّل كثيراً في الفرق بين الروح والنفس .. ثم عرّج على عالم الأرواح في حياة البرزخ وذكر قصصاً كثيرة .. أسند بعضها لمن هم في نفس المرحلة التاريخية .. وصدّق عليها ..
كتاب الروح بقي الكتاب الأساس لعالم الأرواح عبر القرون المتلاحقة .. الكثير يستند لآراء الإمام ابن القيم في الكتاب .. رغم عدم جزمي بمرحلة تأليف الكتاب ونحن نعرف أن ابن القيم رحمه الله مرّ بمرحلة تصوّف في بداية حياته وألف بعض كتبه في تلك المرحلة .. وتكلم الكثير من العلماء أن هذا الكتاب وغيره من ضمنها ..
يبقى لابن القيم روحه ونفسه وطريقته في السرد وفي إعطاء المعلومة بشكل جذاب .. وله إسهامات في بداية الصحوة بكثير من الكتب النافعة ..
تأملاته عميقة رحمه الله .. وله تأثير قوي في تكوين شخصيتي في بدايتها ..




جانب من الكُتاب

هنا سأعرض سُتة مسائل يتحدث عنها إبن القيم ، ويجيب عليها
..


المسألة الأولى : هل تعرف الأموات بزيارة الأحياء وسلامهم عليهم أم لا ؟

الجـــواب : قال صلى الله عليه وسلم : " ما من مسلم يمر بقبر أخيه كان يعرفه في الدنيا فَيُسَلم عليه ، إلا رد الله عليه روحه ، حتى يرد عليه السلام" فهذا نص في أنه يعرفه بعينه ويرد عليه السلام . وقد شرع النبي صلى الله عليه وسلم لأمته إذا سلموا على أهل القبور أن يسلموا عليهم سلام من يخاطبونه فيقول المسلّم : " السلام عليكم دار قـومٍ مؤمنين" وقد تواترت الآثار عن السلف بأن الميت يعرف زيارة الحي له ، ويستبشر به. ويكفي في هذا تسمية المسلِّم عليه زائراً ، ولولا أنهم يشعرون به لما صح تسميته زائراً ، فإن المزور إذا لم يعلم بزيارة من زاره لم يصح أن يقال : زاره ، هذا هو المعقول من الزيارة عند جميع الأمم. وكذلك السلام عليهم أيضاً ، فإن السلام على من لا يشعر ولا يعلم بالمسَلِّم محال ، وقد ثبت في الصحيح أنالميت يستأنس بالمشيعين لجنازته بعد دفنه .

المسألة الثانية: وهي أن أرواح الموتى هل تتلاقى وتتزاور وتتذاكر أم لا ؟

الجــــواب: الأرواح قسمان :
1 - أرواح معذبة والعياذ بالله ، فهي في شغل بما هي فيه من العذاب عن التزاور والتلاقي .
2- أرواح منعمة ، وهي مرسلة غير محبوسة ، تتلاقى وتتزاور وتتذاكر ما كان منها في الدنيا ، وما يكون من أهل الدنيا. فتكون كل روح مع رفيقها الذي هو على مثل عملها ، وروح نبينا صلى الله عليه وسلم
في الرفيق الأعلى ,قال تعالى﴿يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي﴾ أي ادخلي في جملتهم وكوني معهم. وهذا يقال للروح عند الموت. وقد أخبر الله تعالى عن الشهداء بأنهم ﴿ أحياء عند ربهم يرزقون﴾
وهذا يدل على تلاقيهم من ثلاثة أوجه :
1 - أنهم ( أحياء ) والأحياء يتلاقون .
2 - إنهم إنما يستبشرون بإخوانهم لقدومهم عليهم ولقائهم لهم .
3 - أن لفظ ( يستبشرون) يفيد أنهم يبشر بعضهم بعضاً

المسألة الثالثة : كيف تتعارف الأرواح بعد مفارقة الأبدان ؟

الجـواب: أنها بعد مفارقتها الجسد تأخذ من بدنها صورة تتميز بها عن غيرها ، فإنها تتأثر ، وتنتقل عن البدن ، كما يتأثر البدن وينتقل عنها ، فيكتسب البدن الطيب والخبث من طيب النفس وخبثها ، وتكتسب النفس الطيب والخبث من طيب البدن وخبثه .

المسألة الرابعة : هل عذاب القبر يكون على النفس ؟ أو على البدن ؟ أو على النفس دون البدن؟ أو على البدن دون النفس ؟ وهل يشارك البدن النفس في النعيم والعذاب أم لا؟

الجـواب: مذهب سلف الأمة وأئمتها أن الميت إذا مات يكون في نعيم أو عذاب ، وأن ذلك يحصل لروحه وبدنه ، وأن الروح تبقى بعد مفارقة البدن منعمة أو معذبة ، وأنها تتصل بالبدن أحياناً ، ويحصل له معها النعيم أو العذاب. ثم إذا كان يوم القيامة أعيدت الأرواح إلى الأجساد،وقاموا من قبورهم لرب العالمين. وعذاب القبر ثابت بالكتاب والسنة ، ومن كان مستحقاً له ناله نصيبه من العذاب سواء قبر أو لم يقبر،فسواء أكلته السباع أو أحرق حتى صار رماداً ونُسف في الهواء ، أو صلب ،أو غرق في البحر،وصل إلى روحه وبدنه من العذاب ما يصل إلى القبور،بقدرة الله عز وجل .

المسألة الخامسة : وهي: هل عذاب القبر دائم أو منقطع؟

الجــواب: أن عذاب القبر نوعان :

1- نوع دائم : يدل عليه قوله تعالى: ﴿النار يعرضون عليها غدواً وعشياً﴾، وقوله صلى الله عليه وسلم في الذي يعذب: "فهو يُفعل به ذلك إلى يوم القيامة" رواه البخاري. وقوله صلى الله عليه وسلم في قصة الجريدتين اللتين وضعهما على قبري من يعذبان : "لعله يُخفف عنهما ما لم ييبسا" فجعل التخفيف مقيداً بمدة رطوبتها فقط. فالأصل أن عذابهما دائم .
إلا أنه قد رويت بعض الأحاديث تفيد أن العذاب يخفف عنهم ما بين النفختين، فإذا قاموا من قبورهم قالوا: ﴿يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا هذا﴾ .

2- نوع يبقى إلى مدة ثم ينقطع ، وهو عذاب بعض العصاة الذين خفت جرائمهم، فيعذب بحسب جرمه ثم يخفف عنه .
المسألة السادسة : وهي: أين مستقر الأرواح ما بين الموت إلى يوم القيامة؟

الجــواب: قد اختلف العلماء في هذا اختلافاً كثيراً، ولكل واحد حجته، فمنهم من قال: هي في الجنة ، ومنهم من قال: هي عند باب الجنة، ومنهم من قال: هي على أفنية قبورها، ومنهم من قال : هي مرسلة تذهب حيث شاءت، ومنهم من قال: هي عند الله ، ومنهم من قال: أرواح المؤمنين عن يمين آدم عليه السلام وأرواح الكفار عن شماله .
والصواب: أن ( الأرواح متفاوتة في مستقرها في البرزخ أعظم تفاوت فمنها: أرواح في أعلى علِّيين في الملأ الأعلى وهي أرواحُ الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ، وهم متفاوتون في منازلهم كما رآهم النبي صلى الله عليه وسلمفي ليلة الإِسراء .
ومنها: أرواح في حواصل طير خضر تسرح في الجنة حيث شاءت وهي أرواحُ بعض الشهداء لا جميعهم ، بل من الشهداء من تُحَبسُ روحُه عن دخول الجنة لدَيْن عليه أو على غيره ، كما في المسند أنَّ رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ، ما لي إن قُتلت في سبيل الله ؟ قال " الجنة " ، فلما ولى قال: ( إلاَّ الدَّين ، سارني به جبريلُ آنفاً . ومنهم : من يكون محبوساً على باب الجنة كما في الحديث الآخر: ( رأيتُ صاحِبكم محبوساً على باب الجن . ومنهم: من يكون محبوساً في قبره ، كحديث صاحب الشملة التي غلها ثم استشهد ، فقال الناس: هنيئاً له الجنة ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم والذي نفسي بيده إن الشَّملة التي غلَّها لتشتعل عليه ناراً في قبر .
ومنهم: من يكون مقره باب الجنة كما في حديث ابن عباس الشهداءُ على بارق – نهر بباب الجنة – في قبة خضراء، يخرج عليهم رزقُهم من الجنة بكرةً وعشية).رواه أحمد.وهذا بخلاف جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه حيث أبدله الله من يديه جناحين يطير بهما في الجنة حيث يشاء .
ومنهم: من يكون محبوساً في الأرض ، لم تَعْلُ روحُه إلى الملأ الأعلى فإنها كانت رُوحاً سفلية أرضية، فإنَّ الأنفسَ الأرضيَّةَ لا تجامعُ الأنفس السماوية ، كما لا تجامعها في الدنيا، والنفس التي لم تكتسبْ في الدنيا معرفةَ ربِّها، ومحبته وذِكْره والأنس به، والتقرُّب إليه، بل هي أرضية سفلية، لا تكون بعد المفارقة لبدنها إلا هناك .
كما أنَّ النفسَ العلويَّة التي كانت في الدنيا عاكفةً على محبة الله عزّ وجلّ وذكْره ، والتقرُب إليه والأنس به تكون بعد المفارقة مع الأرواح العلوية المناسبة لها، فالمرءُ مع مَن أحبَّ في البرزخ، ويوم القيامة ، والله تعالى يُزوِّجُ النفوس بعضها ببعض في البرزخ ويـوم المعاد كما تقدَّم في الحديث ، ويجعل روحه – يعني المؤمن – مع النسيم الطيب؛ أي الأرواح الطَّيبة المشاكلة، فالروحُ بعد المفارقة تلحق بأشكالها وأخواتها وأصحاب عملها فتكون معهم هناك .
ومنها: أرواح تكونُ في تنّور الزُّناة والزواني ، وأرواح في نهر الدم تسبح فيه وتلقم الحجارة ، فليس للأرواح سعيدها وشقيّها مستقر واحد ، بل روح في أعلى عليين ، وروح أرضية سفلية لا تصعد عن الأرض ).



..

في النهاية :

الكتاُب قيَم كـ عقل صاحُبه
جميل جداً يحدثّك عن الزُمن وعن مآهية الروح
كيف خلقت ،ولما ، وأين مستقرها ، وكيف ترحل وكيف تدنو
هناك تساؤلات .. عميقة في مخيلَة الأنسان يظن أن نطق بها
فقد هلك ، خصوصًا عن الأرواح .. فـ إبن القيَم
أتى بالسهل الممتنع . ليجيب على كل تلك الأسئلة التي طالما تؤرقنآ .

الكتاب طويلً ومفعم بالجماليات والأسهامات والأسهابات والتعابير اللطيفة
البسيطة السلسّة التي تدخل إلى ذهن الباحث أو القاريء
أنصح بجميع الأخوة بقراءتهَ لما فيه من خيرَ وفير
وعلمَ غزير حول الروح وأسرارها .
.

لتحميل الكتّاب
عن طريق 4shared
http://www.4shared.com/office/uM4SsdC0/___.html

_
عن طريق mediafire
http://www.mediafire.com/?m875jvx9ax43cwz


شُكراً

الخميس، 6 سبتمبر 2012

أبهّرني لأتعُلم ..


تأمل :

إن أهم مرحلة في حياة الإنسان لا تتمثل في مرحلة الدراسات الجامعية، بل تتمثل في أولى مراحل الحياة التي تمتد من الولادة إلى سن السادسة ..
،،
إذا أردنا أن نحقق السلام الحقيقي في العالم، فعلينا أن نبدأ بتعليم الأطفال ..
،،
أقترف البشر أخطاء كثيرة ولكن أسوأ جريمة اقتُرفت على الإطلاق هي التخلي عن الأطفال، وإهمال ينبوع الحياة. ويمكن إرجاء الكثير من الأمور إلى وقت آخر. الكثير نعم، ولكن باستثناء الرعاية بالأطفال. فمرحلة الطفولة هي المرحلة التي تنمو فيها كل خلية من خلايا جسم الطفل وكل حاسة من حواسه. وبالتالي علينا أن نتصرف "اليوم" وألا نترك الأمور إلى الغد .



#المدارس :



المدارس الفنية، أو مدارس تعليم الفن، هكذا كان يطلق على مدارس «ريجيو إميليا» ظنًا منهم أنها تهتم بتدريس الأطفال الاستراتيجيات الفنية المتنوعة. ولكن هذه النظرة كانت قاصرة ومحدودة. إذ أن هذه المدارس في حقيقتها كانت تهتم باللغة البصرية والرمزية التي تتيح طريقًا للاكتشاف والتكيف مع العالم بالنسبة للطفل. فاللغة البصرية تعتبر لغة أخرى متاحة للطفل عطفًا على اللغة المنطوقة، خصوصًا لأولئك الأطفال الذين يعانون قصورًا في الكتابة والقراءة. فالفنون ليست مادة تدرس لذاتها، بل هي عبارة عن مهارات متنوعة تعطي الطفل مفاتيح التعلم الإبداعية المتنوعة بدون قيود، وكذلك تشجع الأطفال على التمثيلات البصرية والرمزية الواقعية والخيالية على حدٍّ سواء، إذ يُعتبر كلا النوعين حتميًّا لتكامل المنظومة التعليمية لديه.



#رؤية ريجيو إميليا التربوية :


ريجيو إميليا منهج مختلف عن باقي الرؤى التربوية المهتمة بالطفولة المبكرة، وقد لاقى رواجًا في الأوساط التعليمية العالمية المهتمة في هذا المجال نظير النجاح الباهر الذي حققه في تعليم الأطفال للمفاهيم المختلفة وإكسابهم معلومات ثقافية واجتماعية وعلمية مختلفة، عن طريق عدة أساليب، تعتمد في مجملها على العمل الجماعي والتعلم بالمشاريع، والتفاعل بين المدرسين والأطفال، والتركيز على الطفل نفسه كمصدر للمعلومات التي تنطلق منها عملية التعلم. فالتفاعل لا يرتكز على الروتين اليومي وأداء الأطفال، وإنما يرتكز أساسًا على العمل نفسه ومخرجاته. فكلا الطرفين «الأطفال والمعلمون»، يشتركون بصورة متساوية في محاور النقاش، وتطور العمل والأفكار والتقنيات المستخدمة. ودور الأطفال في ذلك هو المحاكاة لنشاطات البالغين، والتفاعل معها كجزء فعّال في العملية التعليمية.
صاحب هذه التوجّه في التعليم هو (مالاجوزي) الذي يستحق أن يذكر اسمه مع المفكرين أمثال: (فروبل، مونتيسوري، بياجيه، وديوي)، فهو قد كرس حياته لتأسيس مجتمع تعليمي وتكوين مجموعة من المعلمين المهتمين ببرامج للطفولة المبكرة، والبحث في سبل التعلم الفُضْلى لهذه الفئة التي كانت إبّان بروز هذا النوع من التعليم تحت سيطرة الدولة وتعاليم الكنيسة، التي كانت تظهر عدم اهتمام بهم واهتمامها بالسياسة والسلطة وإعطاء الأطفال معلومات معلبة واحدة ومكررة.
بدأ منهج ريجيو إميليا في سنة 1946م لمدارس تُدار من قبل الآباء. بعد الحرب العالمية الثانية حين قررت مجموعة من النساء في قرية صغيرة بالقرب من مدينة ريجيو إميليا تدعى (فيلا سيلا) في إيطاليا بناء أول مدرسة للأطفال من أنقاض البيوت المهدمة بعد انتهاء الحرب، مما أثار حماستي، هكذا يقول «مالاجوزي» فذهبت إلى هناك لأرى حقيقة الأمر الذي شاء القدر أن أكون جزءًا منه فوجدت نساء يغسلن بعض قطع الطوب, واتفقن مع مجموعة من الشباب على بيع دبابة حربية وبعض العربات والجياد المتبقية من الألمان، مما أثار أيضًا حماسة عدد من المهتمين بالمشروع فسارعوا للمساعدة بما يستطيعون، فكانت تلك المدرسة بمثابة الأمل المفقود, والقاعدة الأساسية لإعادة الإنسانية التي تلاشت في الحرب حين رأى أهل القرية أن هذه المدرسة تمثل حاجة ملحة لإخراج الشحنات السلبية لدى الأطفال بعد الحرب ومساعدتهم على التعبير عن أنفسهم وحاجاتهم والمصاعب التي تحول دون النمو السليم والمتوازن.
إرادة أهل القرية وعزمهم على انتشال أطفالهم من بؤر الدمار النفسي والاجتماعي، وعزمهم على إيجاد بيئة سليمة وثرية لأطفالهم في بناء مدرسة متخصصة بالطفولة المبكرة كان لبنة لمدارس عدة تطبق نفس النظام، ففي أواخر الستينيات تم دمج هذه المدارس في الجهاز التعليمي التابع لوزارة التعليم التابعة للسلطة المحلية وأصبحت تجد دعمًا ماديًا منها.


#الأسلوب التعليمي :


النظام التعليمي قائم على التحفيز واستنباط المعرفة من كل شيء حولهم وتوظيفه في الحياة العامة، فقد تأثرت مدارس ريجيو إميليا بأفكار بياجيه كثيرًا فأضافت الرياضيات والحساب وغيرها من المعارف، ولكن يقول: «مالاجوزي» لقد اقتنعنا أن هذا ليس أمرًا مفروضًا على الأطفال للعمل على الأرقام، والكميات والتقسيم والأبعاد، والأشكال والمقاييس، والتحول والبقاء، والتغير والسرعة والفراغ؛ لأن مثل هذه الخبرات ترتبط بالخبرات اليومية في الحياة واللعب والتفاوض والتفكير والتحدث والتعبير الرمزي والبصري، لذا فلا داعي لإقحام الأطفال وإجبارهم على التعلم الموجه واعتبارهم متلقين لمعلومات أكثر من كونهم متفاعلين معها.
تستقبل المدارس الأطفال من سن ثلاثة شهور إلى سن ست سنوات، والزائر للمدارس ينبهر من الطريقة الجميلة في تأسيس البيئة المحيطة في المدارس، والاهتمام بالتفاصيل الدقيقة التي يراعى فيها توفير الرعاية المتكاملة للأطفال، حيث يظهر فيها التخصص والجهد المبذول في التعامل مع جوانب البيئة التي تضمن الفرح والسعادة لهذه الفئة، مثل الاستخدام المتعدد للأضواء وأنواعها الخافتة والعالية والمتوسطة الإضاءة، واستخدام المرايا المتنوعة ثلاثية الأبعاد، وتنظيم هذه البيئة بطريقة مرتبة جدًّا تعكس الحياة اليومية المفترضة والمثالية لهؤلاء الأطفال، فيظهر تركيز المنهج على النظافة والتنظيم، والممارسات الجيدة للعادات مثل تنظيف الأسنان، غسل اليدين، العناية الشخصية.
يعمل المدرسون بشكل ثنائي متعاون في إدارة الفصل ويستمر المعلمان لمدة ثلاث سنوات مع الأطفال في الفصل الواحد، حيث الاهتمام يرتكز على إنشاء علاقات اجتماعية ثابتة وقوية مع الأطفال وذويهم، وخلق نوع من التقارب والاتصال مع الحياة الأسرية لعائلاتهم، حيث يقومان بالتخطيط مع آباء الأطفال، وأصدقاء العمل حول الأسلوب الأمثل للتعلم والاحتواء. إلا أن المدرسين والآباء في التطبيق الأمريكي للمنهج لا يفضلون استخدام هذا التنظيم، حيث يرون وجوب وجود محترفين لكل فترة زمنية. فهناك محترفون للرضع، وآخرون للتعامل مع الأطفال من سن الرابعة والخامسة، بالإضافة إلى أنه أبدى كثير من الآباء تحفظات كثيرة في قضاء أطفالهم لوقت كبير مع معلم واحد.
ويرى البعض أن تغيير المعلم والفصل من سنة لأخرى يعد إرهاقًا للطفل ويشعره بعدم الأمان ويضيع عليه فترة زمنية يقضيها في إعادة التكيف مع المعلم الجديد والفصل والتي كان سيتجاوزها فيما لو أنه بقي مع نفس المعلم ونفس الفصل لثلاث سنوات.
يلتقي المعلمان مرة في الأسبوع لمناقشة الأفكار والتدريب التشاركي على الخدمات الجديدة والأنشطة المختلفة، ويتم التركيز في مدارس ريجيو إميليا على حجم الفصل أكثر من عدد المعلمين، حيث إن هناك اعتقادًا راسخًا نابعًا من تجارب علمية لمفكرين متخصصين أمثال «بياجيه ومونتيسوري» أن التدخل الزائد من البالغين في أنشطة الأطفال يقلل من استفادة الأطفال من التعلم من بعضهم البعض ويحد من احتفاظ الطفل باللحظة الغالية في الاكتشاف والتعلم الفردية.
يتعلم الأطفال في القاعات الدراسية عن طريق العمل في مجموعات أو في ثنائيات، بالإضافة للأعمال الفردية، وفي مناهجهم التعليمية يمارسون مهارات التفكير الإبداعية، كالتفكير الناقد عن طريق عرض للرسومات أو للمقاطع التمثيلية التي يقومون بها، ثم تتم مناقشتها من قبل الأطفال مع المعلم، إذ يتم من خلال هذه المناقشات بناء للمعرفة الجماعية بدل تقديم المعرفة بشكل مباشر للطفل.
التعلم قائم على التشجيع الدائم بدون ضغط، وعرض أفكارهم مع الإنصات الكامل واحترام آراء الآخرين. وتبني ريجيو إميليا تعليمها على أساس إعطاء الأطفال حريتهم لبناء المعرفة وتوسيع مداركهم عن طريق العمل الفني في المجموعة وهو لا يلغي الفروقات الفردية أبدًا بل يؤكد عليها، فيتم تحفيز الأطفال على المناقشة والاعتراض والتعامل مع مشاكلهم بأنفسهم في إطار المجموعة.


#البناء المعماري للمدارس:


- صالة الاستقبال وهي صالة تؤدي إلى عدة غرف ويتمركز دورها في الإعلام والتوثيق ويعبر شكل الصالة عن نظام المدارس.
- تؤدي صالة الاستقبال إلى صالة الغذاء مع وجود مطبخ وطباخ متخصص وخادم (جرسون).
- أيضًا تؤدي صالة الاستقبال إلى فناء اللعب وإنشاء الصداقات المختلفة والاحتكاك الاجتماعي بالآخرين والأنشطة المكملة للفصل المدرسي، فكل منطقة لها سياستها وأهدافها التي يعرفها المعلمون جيدًا ويسعون من خلالها إلى الالتزام بها وتحقيقها وقياس مدى تحققها مع جميع الأطفال في الفصل الواحد.
- الفصول المدرسية: توجد على بعد مسافة ولكنها متصلة بالمنطقة المركزية، وكل فصل يحتوي على حجرتين دراسيتين متشابهتين، تطبيقًا لنظرية بياجيه العملية التي تنادي بضرورة تحقيق الفردية والجماعية في تعليم الأطفال، ففكرتها إما أن يكون الأطفال مع معلمهم أو أن يعملوا بمفردهم.
- يوجد بجانب الفصول الدراسية صالة عرض المدرسة التي يعرض خلالها التجارب البصرية والأفلام الموثقة والمحددة مسبقًا لخدمة أهداف المنهج، وقد تكون هذه الأفلام هي امتداد للمشاريع والخطط التعليمية العلمية مع الأطفال، فبإمكان الأطفال أنفسهم عرض أفلامهم ومحاكاة المعلم في الحديث عن تفاصيل الفيلم ومناقشة أحداثه وحيثياته.
- المعامل الصغيرة التي تسمح بامتداد مشروع العمل إليها فهناك معمل الموسيقى، ومسرح الدراما التمثيلية.
- الأرشيف، وهو منطقة كبيرة وهامة جدًا وليست تابعة أبدًا للمدرسة ففي هذه المنطقة يتم حفظ الأعمال الفعّالة والمفيدة من جانب المدرسين والآباء أيضًا، في صناديق مخصصة وفي كل صندوق دليل علمي لسير التجربة أو العمل، والأعمال منظمة حسب التخصص وتاريخ العمل عليها والمعلم أو الشخص الذي قام بها مع وسيلة للاتصال به في حال الحاجة للرجوع إليه وسؤاله عنها، لضمان فعالية تدويرها والاستفادة منها إلى أقصى حد ومراعاة للجهود المبذولة وحفظًا لحقوق الملكية الفكرية للأعمال المختلفة.
- أفنية المدارس بمنزلة معارض مؤقتة ودائمة للوحات الأطفال المختلفة والمرتبة، وتوحي للزائر أنك في معرض فني منظم وليست مجرد ملصقات متناثرة هنا وهناك بشكل عشوائي، فكل عرض يخدم هدفًا محددًا ؛ إذ تجد عروضًا للوحات خاصة بزيارة أحد المتاجر أو المصانع ومعنونة بذلك في أعلى لوحة العرض. ويوجد دليل خاص بمشروع الرسم لمن يحب أن يطّلع عليه على جانب اللوح، وكل لوحة يوجد بها مكان مخصص ليكتب الطفل عليها اسمه وتاريخ العمل ويوقع في أسفلها، وأخرى خاصة بالرسومات الخاصة بالعائلة، والمناسبات المختلفة.
إضافة إلى أنه تتم دراسة هذه اللوحات من قبل مختص للرعاية النفسية، عبر تحليل وتدارس رسومات الأطفال وتأثيرها وتعبيراتها المختلفة، ويقوم المختص بزيارات ثابتة ومحددة طوال العام ليخطط ويتدارس مع المعلمين والآباء أسلوب التعليم الأمثل والأهداف والمشكلات أو الصعوبات المختلفة التي قد تؤثر على الأطفال، وقد يوجد في بعض المدارس مختص نفسي مقيم فيها.


#وصف المنهج في ريجيو إميليا :


يتكون المنهج من ثلاثة عناصر رئيسة:
- الخصائص المنظمة للبيئة الصفية.
- دور المعلم فيما يخص عملية الاتصال والتواصل مع الأطفال والآباء والمدرسين الآخرين.
- الخطوط المحددة لاستخدام اللغات الرمزية المختلفة للأطفال مقارنة بأعمارهم والمهارات التابعة لها.
هذا المنهج يساعد الأطفال على زيادة التطور العقلي من خلال التركيز المنظم على التمثيلات الرمزية وتشجيعهم على اكتشاف بيئتهم والتعبير عن أنفسهم من خلال لغاتهم الطبيعية أو من خلال الأنماط التعبيرية المختلفة التي تشمل الكلمات والحركات والرسم والطلاء والبناء والنحت والمسرحيات الدرامية والموسيقى.
ويهتم كثيرًا بقيمة التعاون وتلبية حاجات الآخرين، بخلاف المناهج الأمريكية التي تركز بشكل كبير على قيمة الاعتماد على النفس والفردية وإغفال مشاعر الآخرين. ويتم ذلك عن طريق عرض الأنشطة والمشاريع الجماعية والتعاون بين المجموعات. لذلك نجد أن المعلمين لا يضحون أبدًا بالمهارات الاجتماعية والقيم من أجل أن يكتسب الطفل المهارات الأكاديمية، حيث إن المهارات الاجتماعية تعد ضرورة للمجموعة وأحد أهم أساسيات النجاح في الأعمال.
مبادئ تقديم المنهج


1. المشروع :


- نسعى للاكتشاف وليس للتخطيط له.
- يقام في ثنائيات أو في مجموعات صغيرة تتراوح بين الثلاثة والستة أطفال.
- انسياب الأفكار من جميع الأطفال دون تحجيم.
- تشجيعهم لفعل شيء معقد ومستمر لفترات طويلة.
- جميع المشاريع جيدة وصالحة حتى تلك الخاصة بالمشاعر.
- المشروع يمثل حاجة ملحة للتواصل مع العالم الخارجي.
- ربط الإمكانات والمواقف والمناسبات بالمشاريع.
- اعتبار المشروع محتوىً تعليميًّا أكاديميًّا للطفل.


2. التقنيات والاستراتيجيات المتبعة في التعليم:


- الرسم والتصوير للتمثيلات الخاصة بالكبار مثل الخرائط والطرق...وغيرها.
- رسم الأطفال لنماذج وصور مُتخيّلة للأصوات والمشاعر.
- تشجيعهم على التطوير باستخدام نماذج الرسم الأولى كمرجع لتحسين الأداء.
- تصوير رسومات الأطفال واستخدامها في المشاريع التعليمية.
- استخدام الرموز التمثيلية النموذجية كمحكمات لتبديل الرموز التي يستخدمها الأطفال.
- تحفيز الأطفال على ابتكار رموز للتواصل والفهم مثل رسم خطوات الأرجل للدلالة على المسافة أو الطريق، رسم رموز السعادة والفرح بالورود أو الشمس، أو القمر للدلالة على الليل وهكذا.
- استخدام الأساليب الفنية كأداة للتفكير.
- إيجاد علاقة التكامل بين التصوير الخيالي والملاحظة المباشرة الواقعية.
- تكرار رسم نفس الموضوع في فترات متباعدة لملاحظة تطورات الإدراك والملاحظة لدى الطفل.
- رسم نفس الموضوع ولكن من جوانب أخرى، مثلًا يتم زيارة متجر ما لعدة مرات على فترات متباعدة، وفي كل مرة يرسم الأطفال مشاعرهم وإدراكهم للمحسوسات بالرجوع للرسومات الأولى للمتجر، ثم يقومون بزيارة نفس المتجر ولكن وهو مغلق ويطلب منهم رسم الموقف لدراسة أثر ذلك وفهمهم الناتج من اختلاف الموقف لنفس المكان، أو الزيارة الصباحية ثم زيارة مسائية لدراسة إدراك تأثير الزمن بالنسبة للطفل.


3. مجموعات العمل والعمل التعاوني:



- المشاركة الديمقراطية والتصويت والتغلب على المشاكل وتخطيها وإبراز البدائل المتاحة كأسس تدريسية تعرض على الأطفال.
- السماح لهم بنقد أعمالهم السابقة والحالية ونقد أعمال بعضهم البعض وإعطائهم مفاتيح النقد الموضوعية المقبولة.
- مساعدة الأطفال على تحويل الاختلافات إلى أفكار جديدة يمكن الاستفادة منها وإضافتها لأفكارنا لتطويرها وتحسينها ليساعدهم ذلك على النظرة الإيجابية للمشكلات.
- الولاء للجماعة وجعله نظامًا يمثل الوساطة التعليمية.
- إشاعة روح التعاون مع المجموعات الصغيرة وتقديم المساندة بما لديهم من إمكانات.
- إعطاء الأطفال طرق حل المشكلات ودور الاختلاف بين الجنسين في طريقة حل المشكلات وفي التعامل مع بعضهم البعض.
- إعطاء الثقة للأطفال في عرض الأفكار أثناء المناقشات واحترام رأيهم.
- استخدام كلمات تعزز العمل الجماعي وتحسنه مثل (نحن) (معًا) (سويًا).
- استخدام قوانين الجماعة وربطها بالقواعد الاجتماعية بطريقة غير مباشرة لتعزيز الانتماء للمجتمع المحلي.
- استخدام المشاريع كحدث يخدم ويمثل المجتمع بشكل متكامل.


4. طرق التدريس:


- رفض جميع المواقف التي تتصارع فيها التعاليم الأكاديمية مع القيم الاجتماعية والعواطف.
- اعتبار الأطفال مصادر للتعلم وتسجيل كل ما يقولونه ويفعلونه في نهاية اليوم.
- الاستعانة بالمواد والأفلام لدعم أنشطة الأطفال ومشاريعهم.
- إتاحة الفرصة للأطفال للتحدث عن أي رموز تمثيلية تؤدي إلى تواصل ناجح.
- إتاحة الفرصة أمام الأطفال لاختيار الوسائل الأمثل للتعلم.
- تهيئة جميع فرص التعلم المختلفة الفنية والعلمية، المرئية والمسموعة.
- إصدار التعليقات يكون على العمل نفسه ومستوى المهارة وليس الطفل.
- التركيز على قصور المهارات الفنية عند بعض الأطفال والتركيز على المهارات العقلية المصورة في رسوماتهم.
- تجميع المواد وربطها بطريقة غير تقليدية أثناء التعلم مثل: إحضار شيء من الخارج للمعمل أو إخراج شيء من المعمل للخارج، لكسر قيود الاكتشاف وفتح مجالات الإبداع.
- يتعلم الكبار والصغار سويًا، وهذا القانون الذي يعرفه الجميع:
«تعلم من الأطفال وهم يحاولون التعلم معك»
- إعطاؤهم الوقت الكافي للاكتشاف.


5. الأهداف المعرفية:


- مساعدة الأطفال في التفكير في عدم وجود شيء وأثره وكيفية استبداله بشيء آخر متاح.
- مساعدة الأطفال على التفكير في عملية تحول الأشياء وتغيرها.
- مساعدة الأطفال على فهم العلاقات الثنائية المتبادلة بين الأشياء والأفراد.
- مساعدة الأطفال على إعادة تشكيل الأشياء المعتادة إلى أشياء أخرى جديدة ومبتكرة.
- التركيز على المعرفة العميقة للنظم التمثيلية المتكاملة.
- السماح للأطفال بنقد ومناقشة الطبيعة غير المتكاملة لعملهم.



6. تفسير وتقييم أعمال الأطفال:



- التوثيق المستمر لتطورات الأطفال.
- مشاركة التوثيق مع آبائهم والمختصين.
- أخذ وجهة نظر المختصين النفسيين والباحثين في خصائص الطفولة المبكرة وطرق التدريس.
- وجود قاعدة بيانات لمشكلات الأمس كمرجعية لمشكلات اليوم.
- مراجعة صور الأطفال باستمرار واعتبارها مصدرًا للتخطيط لنموذج التعليم القادم.
- تشجيع الأطفال على استخدام جميع مقومات الرموز التمثيلية المختلفة.
- التعامل مع جميع إجابات الأطفال واعتبارها أساسًا للمنطق والإدراك لديهم.


7. النظام اليومي:


يتشابه النظام اليومي مع الأنظمة المعتادة في الروتين المتبع، حيث يجتمع الأطفال في الصباح في حلقة جماعية ثم يبدأ وقت طويل للعمل يتراوح بين الساعتين والساعتين والنصف يتخللها وجود وجبة خفيفة توضع في الفصل لمن يريد أن يستعيد نشاطه لاستكمال العمل مثل صحن للفواكه، أو البسكويت أو المقبلات الخفيفة ويحصل عادة الأطفال على وجبة الفطور والغداء وفترة للعب الجماعي، وأخرى لتبادل الكتب والخبرات المختلفة خلال اليوم، وتطبق مدارس ريجيو إميليا نظام اليوم الكامل وتتضمن الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة أيضًا.
نظام ريجيو إميليا يخلق نوعًا من التواصل بين الصغار والبالغين ويكسب الأطفال إحساسًا كبيرًا بتاريخهم وتراثهم والتقاليد الثقافية لمجتمعهم، ويمدهم بنظرة هي امتداد لنظرة البالغين للحياة والمستقبل القادم؛ لذا إذا أردنا تطبيق المنهج وتحويله إلى نظام تعليمي عربي مسلم أو الاقتباس منه ما يلائم مدارسنا العربية المسلمة فعلينا أولًا الإيمان بأهمية هذه الفئة العمرية وحاجاتها الاجتماعية والأكاديمية للتعلم، مع إخلاص العمل للنهوض بهم، واكتساب النظرة المشرقة للحياة قبل أن نتعامل مع الأطفال لنتمكن من إقناعهم بأن الحياة جميلة وتستحق المغامرة، وسبل الاكتشاف متاحة دائمًا.


النهاية :

العادات التي نكسبها للأطفال في مرحلة الطفولة المبكرة هي التي تحدد ما إذا كان الأطفال سيعيشون حياة الفقر أو الثراء، أو الإنتاجية أو الخمول، أو الخير أو الشر. فلنعلمهم العادات الجيدة منذ صغرهم لنضمن لهم مستقبلاً آمناً ..

كلنا عرفنا في طفولتنا لحظات كانت بمثابة ولادة جديدة. وعندما نعود بالذاكرة إلى تلك اللحظات نقول لأنفسنا "إنه اليوم الذي أصبحت فيه ما أنا عليه الآن ..

تخُبرني فأنسى ، تٌريني فأتذكر
وتشّركني مع الأخرين فأتعلم .


شُكراً

فريداً يا وحيّد


حيث .. الله
حيث الحياة ، هناك في مقلتَا أم لاتكفَ عن البكاء ،
ترتدي جلالاً فضفاضاً للصلاة .. تصلي خُشية أن يزفوا إليه خبراً
يجعلَ وتيرة صوتها متقطعَة مع المعبَود .. يجعلها ترحل من سُكون إلى جنون .
إلهي كُن لطيفاً كريماً عوناً للُمنتظرين من الأمهات والمساكين .

Crow

..


قناة تلفزيونية ليس فيها، على مدار الساعة، سوى لقطات متتابعة لرجل شبه عارٍ، يتجوّل وحيدًا في أنحاء جزيرة بعيدة. ونقاشات بين مجموعة من الباحثين حول هذا الرجل وحياته الغريبة على تلك الجزيرة. المشهد على شاشة التلفزيون كان معتادًا للصبية الذين لم يتجاوزا الخامسة عشرة، فقد ألفوه منذ أن وعوا. لكنه ليس كذلك بالنسبة للكثيرين ممن هم في عمري، ممن عاصروا بداية الحدث.
كنتُ يافعًا في الثامنة عشرة عندما بدأ الحدث وأُعلن عنه. شاهدته كما شاهده الناس في كل مكان من العالم، من خلال البث المرئي عبر شبكات المعلومات ومحطة التلفزيون التي خصصوها لمراقبته لحظة بلحظة. كان في أول مشهد له مخدّرًا يرقد في سبات عميق في أحد المراكز الطبية البحثية. أفقدوه الذاكرة تمامًا، بعد أن صوبوا شعاعًا من الليزر إلى دماغه، فانتزعوا منه كل معلومة سابقة، وكل خبرة حياتية مكتسبة، وكل علاقة له تتصل بأحد من البشر.
انقسم الناس حول الحدث في وقتها، بين مؤيد ومعارض، حينما تم تخديره عنوة، وإفقاده الذاكرة، وحمله وهو في سباته العميق إلى تلك الجزيرة المعزولة في المحيط الهندي. وهناك أنزلوه ولم يزل في حالة مستغرقًا في حالة السبات. طرحوه بهدوء على الرمال الناعمة على شاطئ الجزيرة، عاريا مجرّدًا من كل شيء حتى من ذاكرته. وانصرفوا عنه، بانتظار إفاقته.
كانت الجزيرة بيئة طبيعية متكاملة، أشجار وحشائش وحيوانات أليفة وأخرى متوحشة وكهف اصطنعوه ليسكن إليه الإنسان الذي سيعيش عقودًا من السنين على تلك الجزيرة، ونبع من الماء القراح. كان وحيدًا ولكن الناس جميعًا يشاهدونه ليل نهار، بفضل شبكة من مئات الكاميرات ذاتية الطاقة المخفية في الجزيرة. كاميرات موجودة تحت الرمال، وأخرى في قلب الصخر، وفي جذوع الأشجار، وبين الزرع، وفي أطراف الجزيرة على السواحل وتحت المياه وفي كل مكان على الجزيرة. كانت الكاميرات صغيرة جدًا بحجم العدسة، تستطيع التقاط الصورة حتى في الليل، لا سلكية في نفس الوقت، تنقل الصورة مباشرة إلى القمر الصناعي الذي يعيد بث المشاهد عبر قناة تلفزيونية مخصصة.
- «ما الهدف من التجربة؟» سؤال وجهه إليّ الطالب «نبيه»، أحد طلبتي الذين أتعلم وإياهم كمرشد وموجه لعملية التعلّم التزامنية عبر شبكة تعليمية إلكترونية.
بدت الشاشة مقسّمة أمامي إلى عشرين مربعًا، في كل مربع يظهر طالب واحد من أولئك الطلبة الذين يتوزعون في أنحاء متفرقة من المدينة. قبل حوالي مئة سنة كان الطلبة يجتمعون في مكان واحد يطلق عليه المدرسة. لقد أضحى التعلّم عبر الشبكات الحاسوبية هو القاعدة، أما الاستثناء فهو لقائي الشهري لمرة واحدة مع الطلبة في مركز تعلّمي مخصص للقاء كل مرشد مع طلبته.
سؤال «نبيه» كان وجيهًا في تقديري، فقد كان يسألني عن سر الرجل الوحيد الذي يظهر على شاشات التلفزيون يتجول ليل نهار في جزيرة معزولة. وسؤال «نبيه» وجيه في نظري أيضًا، لأنه جاء قبل أوانه، وفي وقت مبكر، حيث كان برنامج الطلبة التعلّمي مزدحمًا بالمقررات المصممة في تتابع معد سلفًا. لكنني بادرته بسؤال قبل أن أجيب عن سؤاله، فالتعلّم الذي أمارسه مع طلبتي قائم على الحوار حتى الوصول إلى المعرفة.
- «وهل ترى أنها تجربة يا نبيه؟».
- «ألا يظهر في ركن شاشة التلفزيون عنوان دائم: «تَجْرِبَةُ وَحِيدٍ»؟».
- «نعم، ولكن هل تعرف ما تعنيه كلمة تجربة في العلم؟».
- «التجربة العلمية هي القيام بإجراء مقصود، وتسجيل النتائج الملاحظة أثناء وبعد القيام بذلك الإجراء».
- «وهل ترى التجربة خيّرة على الدوام؟».
- «نعم فالتجربة خيّرة على الدوام، بافتراض خيرية العلم الذي يستهدف خير الإنسان».
- «أحسنت، ولكن مجموعة الباحثين، ولا أود تسميتهم علماء، الذين قاموا بإفقاد هذا الرجل ذاكرته وتراهم على شاشة فرعية في أوقات متفرقة يعقدون الجلسات النقاشية تلو النقاشات... ».
- « الذين أفقدوه ذاكرته؟! وهل يفقد المرء ذاكرته؟!!». قاطعني هذا السؤال الملحّ الذي ظهر على شاشتي قادمًا من أطراف شبكة التعلّم العشرين التي تنتهي إلى كل واحد من طلبتي.
أرسلتُ برمجيّة تعلّمية إلكترونية إلى طلبتي، كنت قد صممتها سابقًا حول الدماغ. كان محتوى البرمجية تفاعليًا يستطيع كل طالب من خلاله، وفي زمن أقصاه ساعة واحدة، أن يعدّد أقسام الدماغ، ويحدد الأجزاء المسؤولة عن الذاكرة.
بدأ الطلبة في العودة تدريجيًا إلى فصلنا الافتراضي التزامني، وطلب «نبيه» الحديث:
- «عظيم أيها المرشد، إذًا فقرن أمون يمثل جزءًا من الدماغ مسؤولًا عن الذاكرة».
- «نعم ولذلك فإن ضمور هذا الجزء من الدماغ، مع التقدم في العمر، يؤدي إلى الخرف وضعف الذاكرة تدريجيًا لدى المسنين، وعليه فإن التدخل الطبي في هذا الجزء من الدماغ، قد يؤدي إلى محو الذاكرة تمامًا». وواصلتُ حديثي إلى الطلبة:
- «ولذلك فإن التدخل طبيًا وبطريقة معينة يمكن أن يُفقد المرء الكلمات والذكريات والعلاقات الإنسانية فقط، دون أن يفقده القدرة على المشي أو الجري أو القيام والجلوس أو التآزر الحركي».
- «ما الهدف من التجربة؟» ما زال سؤال «نبيه» قائمًا. وبعد أن تأكدت أن جميع الطلبة قد انضموا للفصل الافتراضي، بدأت بعرض فيلم وثائقي عن بداية التجربة، وأهم مشاهدها وتطوراتها، تاركًا لطلبتي متابعة الفيلم، دون تدخّل بتعليق أو خلافه.
مجموعة من علماء النفس والاجتماع والأنثروبيولوجيا تشكّل فريقًا علميًا برئاسة «البروفيسور فريد»، يتقدم إلى «مركز أبحاث البوتقة» بمشروع تجربة علمية، تستهدف التعرّف والرصد الدقيق لتطوّر سلوك الإنسان عندما ينشأ بمعزل عن الناس والحياة الاجتماعية، وكيف يتفاعل الإنسان مع بيئته وحيدًا، بدون أية قيم أو عادات مكتسبة من المجتمع. ولذلك لابد من إفقاد واحد من بني البشر لذاكرته ووضعه في مكان معزول، ومن ثم تسجيل تفاعله مع البيئة لحظة بلحظة ومراقبة التطور في سلوكه وتفسير السلوك البشري تفسيرًا علميًا موضوعيًا، بعيدًا عن أية افتراضات أو تعليمات دينية أو اجتماعية سابقة. وحتى يشهد العالم كله تلك التجربة، فقد جرى بثها حية على الهواء عبر قناة تلفزيونية خاصة، مع برامج تلفزيونية نقاشية مصاحبة على مدار الساعة، لإتاحة الفرصة لأكبر عدد ممكن من ذوي التخصصات المختلفة في شرح وتفسير سلوك ذلك الوحيد.
أعلنوا عن التجربة طالبين شخصًا متطوعًا، ولأن التجربة مخيفة، خصوصًا فيما يتعلق بالدماغ، فلم يتقدم أي متطوع. لذلك قرروا إجراء التجربة على أحد السجناء الذين اقترفوا جريمة كانت عقوبتها السجن المؤبد. بدا مشهد السجين الذي تلقى خبر إجراء التجربة عليه مؤثرًا للغاية، وهو يصرخ في هياج من زنزانته:
- «أريد السجن، ولا أقبل بذلك!... أنا لا أقبل، لا أقبل!!»
- «لن نستفيد من حبسك، لكنك ستكفّر عن جريمتك، بإسداء خدمة للعلم، ستكون موضع التجربة». وكان الذي يحاور السجين هو «البروفيسور فريد» نيابة عن فريق التجربة و«مركز أبحاث البوتقة» و«مجلس المدينة».
- «فأر تجربة بعبارة أخرى... أنا لا أقبل، هذه أبسط حقوقي كإنسان!».
- «كإنسان؟!»، وضحك البروفيسور بخبث واستهتار.
كان قرار «مجلس المدينة» حازمًا، ومؤيدًا لفكرة «البروفيسور فريد» واقتيد الرجل إلى المركز الطبي التابع لمركز أبحاث البوتقة، وهناك تم حقنه بمخدر، ثم إفقاده الذاكرة، ونقله إلى الجزيرة المعدة خصيصًا كبوتقة كبيرة للتجربة.
صحا «وحيد» من سباته العميق، وفتح عينيه، ولم يزل مستلقيًا، أجال عينيه يمينًا ويسارًا في سماء الجزيرة الغائمة، كان الوقت منتصف النهار تقريبًا. ظل مستلقيًا لدقائق معدودة، ثم اضطجع يمينًا، ومد بصره إلى وسط الجزيرة حيث الأشجار والطيور، ومن دونها صخرة ناتئة من بين الرمال. استند إلى ذراعه اليمنى، واستوى في جلسة متحفزة، أخذ بيديه حفنتين من رمل الجزيرة، رفعها إلى عينيه وتأملها مليًا، ثم جعلها تنساب من بين أصابعه. أجال بصره في كل النواحي، ولم يزل جالسًا. انتصب واقفًا، وبدأ أولى خطواته على أرض الجزيرة.
حدثت مفارقة، في الساعة الأولى من حياته على الجزيرة، عندما وقف فجأة أمام قطيع من الغزلان. فرّت الغزلان ذعرًا منه، وفر هو في الاتجاه الآخر ذعرًا منها. لكنه أدرك الموقف بسرعة، فرجع لمطاردة الغزلان. طاردها في أنحاء الجزيرة ولكنها كانت أسرع منه، ولم يدركها التعب الذي أجبره على التوقف عن المطاردة، والجلوس تحت إحدى الأشجار.
رفع بصره لأعلى فشاهد الثمار المتدلية بألوانها الزاهية. انتصب واقفًا ومد يده وتناول بعضًا منها، رفعها إلى فيه وقضم إحداها، لاك القضمة بهدوء، بينما أخذ يتأمل الثمرة المقضومة، ثم أخذ يلوك القضمة بسرعة، متبعًا إياها بقضمات أخرى شرهة حتى أتى على الثمرة وثمار أخرى.
أيام «وحيد» الأولى على الجزيرة تجوال متواصل، لا ينتهي حتى يبدأ من جديد. أخذت آثاره تملأ الجزيرة خصوصًا على السواحل، وتكاثرت بقايا الثمار التي كان يتناولها. كان يبيت بجانب الصخرة الناتئة من بين رمال ساحل الجزيرة، بالقرب من المكان الذي صحا فيه لأول مرة، فيما بدا أنه اعتبر هذا المكان نقطة مرجعية له بعد جولاته المتكررة.
بعد أيام عثر على كهف الجزيرة، واتخذه مكانا لسكناه. كانت الكاميرات تتابعه حتى في كهفه. لم يكن كثير حركة في الكهف، إذ لم يكن يمارس فيه سوى النوم.
طالت لحيته، وظهر بصورة مهيبة، تختلف عن صورته التي نقل عليها إلى الجزيرة. كان بين فترة وأخرى يجلس على الصخرة ويقوم بقضم أظافره عندما تطول على نحو ملحوظ، ثم ينزل إلى مياه الساحل الضحلة ويقوم بنتف الشعر من بعض مواضع جسمه في سلوك يتطور مرة بعد مرة.
عثر في يوم من الأيام على رفات لأحد غزلان الجزيرة النافقة. وكان المشهد مؤثرًا عندما أخذ الجلد الذي ما زال مكسوًا بالشعر، واندفع به إلى الساحل وعلى الفور قام بترطيبه وغسله بماء البحر، وثم لف وسطه به متخذه إزارًا، ولأول مرة تستر عورته عن الناس الذين كانوا يشاهدونه على الدوام عاريًا على الشاشات. ظهر السرور والارتياح على وجهه، وبدت هامته أكثر شموخًا من بعد هذا الحدث.
مثل هذه السلوكيات راقت للكثيرين من الناس في كل مكان من العالم، ولم يكن «البروفيسور فريد» ومعظم أفراد فريقه العلمي مسرورين بمثل هذه المشاهد، بل كانوا يعزونها إلى المصادفة ويبرّرونها بمبررات مختلفة.
بنيته الجسدية تقوى يومًا بعد يوم، بعد أن كان رجلاً ضعيف البنية مترهلاً حين نقل إلى الجزيرة. أخذت بطنه في الضمور ولكن ساعديه وساقيه تزدادان صلابة وافتتالاً مع الأيام. أصبحت حركته أكثر رشاقة، وازدادت قدرته على الجري ومطاردة الغزلان حتى أمسك يومًا بأحد الغزلان، ولكنه سرعان ما أطلقه بعد أن قلبه وتفقّده وتعرّف عن كثب على أحد هؤلاء الذين يشاركونه الحياة على جزيرته، وظهرت ابتسامته الأولى جميلة ومؤثرة على شاشات التلفزيون، وهو يرقب الغزال الطليق الهارب.
سلوكه المعيشي يتطور، على نحو ما هو متوقع، وكما جادت به مخيلات الأدباء والمفكرون عبر التراث الإنساني الطويل. تشابهت حياته في واقعها وتطوراتها مع «حي بن يقظان» عند «ابن الطفيل»، و«روبنسون كروزو» لدى «جوناثان سويفت»، و«موغلي» في كتاب الأدغال الذي سطّره «رديارد كبلنغ» وغيرهم ممن تخيّلوا سلوك الإنسان في وحدته وحواره وتفاعله مع البيئة البكر من حوله، صنع الأدوات. استخدم الآنية. نام مبكرًا. واستيقظ مبكرًا. مرض وتعافى. تعب واستراح.. مارس الصيد. جلب السمك من المياه. تذوق اللحم. اكتشف النار وطهى الطعام. حصد الحب وطحن وخبز...
ممارساته تزداد إتقاناً يومًا بعد يوم، وثقته بنفسه تظهر جلية من سلوكه المتطور باطراد. وبدا أن حياته قد أخذت مظهرًا مستقرًا. وكانت النقاشات العلمية حول هذا الوضع المُراقب مستمرة على مدار الساعة. لقاءات متصلة لمجموعات من الأنثروبيولوجيين، والأطباء، وعلماء النفس، والاجتماع، والمتدينين، والملاحدة، والوجوديين، والمثاليين، والواقعيين.. إلا أن النقاشات قد بدأت في الفتور، بعد أن أخذت حياته بالمسير على وتيرة متكرّرة.
قرّر «البروفيسور فريد» إدخال عنصر جديد، لاختبار فرضية حول أهم جانب في حياة الإنسان من وجهة نظره ووجهة نظر تلامذته في كل مكان. وتقرر اختبار هذه الفرضية من خلال إنزال امرأة إلى الجزيرة في إحدى الليالي، ليستيقظ وحيد ويجدها ملقاة على إحدى السواحل.
تطوعت «بارعة» للقيام بهذه التجربة، ورغم أنها كانت ممثلة سينمائية فاتنة وعلى قدر من التهتّك الأخلاقي، إلا أنها اشترطت عقد زواج معلن من طرف واحد، ممثلًا بها، يربطها بوحيد. ورغم تحفظ «البروفيسور فريد»، إلا أنه قد تم عقد أغرب قران في التاريخ، على مرأى ومشهد من الناس على شاشات التلفزيون.
رست باخرة في المساء على مبعدة من الجزيرة، لا تدركها حواس «وحيد»، وبعد غروب الشمس وخلوده إلى نومه العميق، انطلق من الباخرة، في منتصف الليل تقريبًا، قارب في هدوء، وعلى ظهره مجموعة من الرجال جلست «بارعة» بينهم، وقد حشدت على وجهها أكبر قدر من مساحيق التجميل، فيم ارتدت ملابس قرمزية. أنزولها إلى شاطئ الجزيرة، وقفلوا عائدين إلى الباخرة.
استيقظ قبيل شروق الشمس. أوقد نارًا. خبز. أكل. شرب من آنية فخارية. بدأ جولته اليومية. لمح من بعيد، وعلى غير العادة، شيئًا ملقى على الساحل، فقد اضطجعت «بارعة» متظاهرة بالنوم. ظهر اهتمام «وحيد» بالجسم الملقى هناك، وظهر أنه شعر بأن ذلك الشيء ليس حيوانًا من حيوانات الجزيرة، ولا طيرًا من الطيور البحرية، فهو مختلف وأكبر حجمًا من الطيور.
أحسّت «بارعة» بخطوات «وحيد» تقترب، فمالت إلى جهته تنظر من بين أهدابها المسبلة ومن تحت شعرها الذي غطى وجهها، في محاولة للتعرف على تعبيرات وجهه وهو يراها لأول مرة. اقترب «وحيد» حتى بقيت خطوات بينه وبين «بارعة»، ثم توقف. أخذت «بارعة» تتظاهر بالاستيقاظ من نوم طويل. تمطّت وتثاءبت، ثم هزّت رأسها بحركة فاتنة ومتقنة أظهرت بها جبينها من بين شعرها المتناثر.
ابتسمت «بارعة» بإغراء صارخ وإيحاءات غريزية مثيرة، ولكنه كان جامدًا في كل شيء، يداه إلى جانبيه، عيناه مستقرتان في محاجره، جسده متخشبًا كما لو كان تمثالاً ينتصب على شاطئ الجزيرة ولأن الكاميرات الصغيرة التي تنتشر في كل بقعه من الجزيرة كانت على درجة متقدمة من الدقة، فقد ظهر للناس جميعًا أن وجه وحيد قد أخذ في شحوب متزايد لحظة بعد لحظة رغم جمود حركته.
لم يكن خوفًا ذلك الذي اعترى وحيدًا، فقد سهل على المراقبين والمشاهدين نفي سلوك الخوف أو الهلع، لأن وحيد لم يكن يرجف، ولم يكن مضطربًا، وإنما كان في حالة مفاجئة من الجمود والتخشّب.
نهضت بارعة، وبدت قامتها رائعة. مدت يدها نحو «وحيد» في ود ونداء عاطفي بلغة الإشارة. ولو لم تكن شاشة القناة التلفزيونية مدموغة بعنوان جانبي «تَجْرِبَةُ وَحِيِدٍ» لظن الناس أنهم يشاهدون فيلمًا عاطفيًا كتلك التي كانت «بارعة» تقوم بتمثيلها في العادة.
حاولت «بارعة» بكل ما أوتيت من قوة جسدية أن تزيح الصخرة التي حالت بينها وبين أن تدلف إلى كهف وحيد، حيث تمترس «وحيد» داخل الكهف، في رفض واضح لوجودها في كهفه أو في جزيرته كلها. كان ينظر إليها من ذلك الجزء البسيط الذي لا تغطيه الصخرة. لم يكن يظهر من وجهه سوى عينيه وجبهته، ولم تكن نظراته نظرات الوجل أو الحذر، وإنما كان يرمقها كمن يريد القول «اذهبي من هنا». وبعد محاولاتها اليائسة تلقت «بارعة» تعليمات الفريق البحثي من خلال سماعات دقيقة كانت مثبتتة في أذنيها.
- «كلّميه..!».
- «إنه لا يعرف لغة من لغات البشر»، ردت بارعة على الفريق العلمي الذي كان يسمعها من خلال أجهزة دقيقة مماثلة. كما سمع «وحيد» صوتها لأول مرة.
- «إذًا عليكِ أن تقومي بإجراء آخر...».
- «إجراء مثل ماذا؟».
- «استخدمي لغة الجسد، افعلي أي شيء قد يجذبه».
- «حسنًا سأرقص..!».
أخذت «بارعة» في أداء وصلة من الرقص في الساحة الرملية الصغيرة عند فوهة الكهف، وهي تلحظ وحيدًا الذي كان يراقبها بدوره من خلف الصخرة. لكنها توقفت عن الرقص، بعد أن أحست بخيبة كبيرة، فقد تراجع «وحيد» إلى قعر الكهف، باشمئزاز وعدم رغبة في متابعة الرقص المثير.
ظل «وحيد» يتزود بالطعام المدّخر داخل الكهف، ولا يخرج من كهفه إلا في اللحظات التي تبتعد فيها «بارعة» عن المكان. فقرّر «البروفيسور فريد» سحب «بارعة» بعد بضعة أيام. ورغم معارضة الفريق العلمي إلا أن «البروفيسور فريد» قد فاجأهم بأنه هو شخصيًا من سينزل على الجزيرة في المرة القادمة.
انطلق القارب مجددًا في مساء آخر، حاملًا هذه المرة «البروفيسور فريد». ظهر للناس أن وجه «البروفيسور فريد» كان أكثر تجهّما واضطرابًا من العادة، فقد عرفه الناس رجلاً قبيح الملامح غليظ الطباع، يغطي جسده شعر كثيف، فيما عدا وجهه الذي كان يحلقه بطريقة غير مرتّبة. عُرف عنه التحدث على الدوام بكبرياء واضح ويغلب عليه الفظاظة في الحديث، برغم مكانته العلمية في علم النفس. وعلاوة على ذلك كان ذا بنية جسدية قوية وظهر محدودبًا وجثة ضخمة جدًا.
عندما رسا الزورق على شاطئ الجزيرة، قام «البروفيسور فريد» بالتجرّد تمامًا من ملابسه. توجه البروفيسور إلى كهف «وحيد»، الذي كان يغط في سباته الليلي المعتاد. عندما مشى «البروفيسور فريد» على رمال الجزيرة تحت ضوء القمر الشاحب، متوجهًا إلى الكهف، كان خُيّل لكثير من الناس أنهم يشاهدون غولاً بشعًا ضخمًا كتلك التي تظهر في أفلام الرعب.
وقف «البروفيسور فريد» عند فوهة الكهف، ونظر من الكوة إلى الداخل، وحاول تبيّن ما إذا كان «وحيد» قد أحس بوجوده، ولكن الأخير كان مستغرقًا في السبات. جلس البروفيسور في الساحة الرملية بانتظار إفاقة وحيد، ولكن النوم قد غلبه هو بدوره، ولم يفق إلا والرجل الذي كان موضع تجربته لسنين، واقف على رأسه.
أفاق «البروفيسور فريد» بتثاقل، وانتصب واقفًا بمواجهة «وحيد» الذي لم يرف له جفن. لم يكن «وحيد» كحالته عندما واجه «بارعة» في المرة السابقة، بل كان واثقًا بنفسه، يقوم بأداء إشارات غير معروفة، كان يشير بيديه إلى البروفيسور ثم يشير على الأرض، ثم يدير له ظهره، ثم يعود ويشير إليه بنفس الطريقة، ثم يدير ظهره مرة أخرى. فيما كان البروفيسور ينظر إليه بحقد وبخيبة أمل في وقت واحد.
تكلم «البروفيسور فريد»، وسمعه «وحيد»، كما سمعه الناس في كل مكان:
- «حسنًا يا «وحيد» لقد بدأ الناس في كل مكان برفض جميع فرضياتي حول الإنسان، فرضية تلو الأخرى، والسبب هو تصرفاتك المتناقضة مع ما افترضناه حول الطبيعة البشرية...».
- «أغغغ غغغغغ ».
- «أنت لا تعرف الكلام، سأعلمك الكلام وأعلمك أشياء أخرى، لو لم أكن مشرفًا على عملية محو ذاكرتك، لأيقنت بأنك تحمل بقايا من القيم والتعاليم الموروثة...».
- «أغغغ غغغغغ، هههو هههو».
- «هه، هل تريد القول إن سلوكياتك التي لاحظناها فطرة في الإنسان، وليست موروث بائس مكتسب؟ أبدًا(!) إنها الغريزة وحدها التي تحكم السلوك الإنساني، لقد كان سلوكك الشاذ عن الغريزة مصادفةً محضة.أكره المصادفة التي تعرقل العلم والملاحظة الدقيقة.. كم يلزمني من السنين حتى أُعيد التجربة على مجرم آخر.. ؟!».
- «(؟)».
- «تتعفف من «بارعة» أيها النجس، أنت لا تذكر بالطبع أن جريمتك التي اقترفتها قبل التجربة كانت اعتداء على فتاة تسبب لها بعاهة نفسية مستديمة، استجابةً لغريزتك!! آه لقد فاتنا أنك قد تقدّمت في العمر، ولم تعد صالحًا لإجراء تجريبي كهذا ..».
- «(؟)».
-«في المرة القادمة سوف نقوم بالتجربة على فتى يافع، أو على طفل رضيع يرثك على هذه الجزيرة، ولكن قبل ذلك ينبغي رميك في سلة مهلات المختبر...!».
وانقض البروفيسور فريد بجنون ووحشية وحقد بدائي على عنق «وحيد» الذي كان ضئيل الجسم بالمقارنة مع «البروفيسور فريد».
تحرك زورق على جناح السرعة لإنقاذ «البروفيسور فريد» من قبضتي «وحيد» الذي أطبق بقوة على عنق البروفيسور. خارت قوى البروفيسور تدريجيًا حتى استسلم بعد محاولات لاستعادة سيطرته على الوضع. ذُهل الناس من قوة «وحيد» البدنية التي استطاع من خلالها قلب الوضع واعتلاء البروفيسور. ولكن القارب قد توقف بعد أن وصلته أوامر بالعودة فقد قضى البروفيسور على يدي «وحيد».
هدأت أنفاس «وحيد» بعد هذه المعركة الضارية. وجلس قبالة الجثة الهامدة لساعات حتى المساء. ذُهل الناس مرة أخرى من القدرة الهائلة البدنية التي تمتع بها «وحيد»، فقد حمل جثة البروفيسور، قبيل غروب الشمس، ورفعها إلى الأعلى مادًّا ذراعيه في الهواء، ومشى على هذه الهيئة نحو الشاطئ، في طريق عكسي يتتبع به آثار البروفيسور من حيث أتى. تتبع وحيد آثار خطوات البروفيسور القادمة من الشاطئ حتى وصل إلى حد اتصال اليابسة بالماء.
لم يتوقف «وحيد»، عند حد المياه، بل واصل المشي في مياه الساحل الضحلة، وتدريجيًا بدأت تغمره مياه المحيط، حتى كادت تغطي وجهه، وجثة البروفيسور مرفوعة في الهواء. توقف «وحيد» وقذف بجثة البروفيسور باتجاه الباخرة التي لم يكن يراها. ومرة أخرى تعجّب الناس من قدرة «وحيد» البدنية، فقد كانت قذفته لجثة البروفيسور لمسافة يصعب تصديقها لو لم تكن على مشهد من الناس.
رجع «وحيد» إلى الشاطئ، وواصل السير نحو كهفه دون أن يلتفت أبدًا إلى الوراء. دلف إلى الكهف. وراقبته الكاميرات، ورغم أن الظلام حالك داخل الكهف، إلا أن الكاميرات الدقيقة في الداخل تستطيع رصد كل شيء. تقرفص «وحيد» بالداخل، وانهمرت للمرة الأولى دمعات سخية من محاجره. شعر الناس في كل مكان بحرارة الدموع التي بدأت بالتواتر والانهمار من مقلتيه!
لم ينم «وحيد» تلك الليلة، بل بقي مسهدًا حتى مطلع الفجر، وعيناه تجودان بمزيد من الدموع الحارة . خرج من كهفه مجهدًا في الصباح. لم تطلع شمس ذلك اليوم، بل اكفهرّ الجو بغيوم ملبدة. بدت الكآبة جلية على وجه «وحيد». انتصف النهار الكئيب. لكن الغيوم بدت بالانقشاع تحت أشعة الشمس.
تسلق «وحيد» أطول شجرة في قلب الجزيرة. كانت نخلة باسقة شاهقة في الهواء. كان «وحيد» يعتليها في كثير من الأحيان مكتشفًا أنحاء الجزيرة. لكنه في هذه المرة لم يجل ببصره في النواحي كالعادة، وإنما وقف منتصبًا، شاخصًا ببصره إلى السماء، كما لو كان تمثالاً منصوبًا على قمة النخلة. استمر «وحيد» منتصبًا في هذا الوضع المثير شاخصًا ببصره إلى السماء. حبس الناس أنفاسهم انتظارًا للفصل الجديد من هذا العرض المصوّر والمثير.
حل المساء، ومازال «وحيد» واقفًا بانتصاب شاخصًا ببصره على الأعلى. ولحظة غروب الشمس، أحنى «وحيد» رأسه ونظر فيما بين قدميه، حيث كانت هناك كاميرا أخرى صغيرة، لا يراها «وحيد»، ولكنها رصدت دمعات أخرى أخذت تذرفها مقلتيه، أغمض «وحيد» عينيه بقوة ليمنع الدموع، لكنها تخرج عنوة.
كان هذا هو المشهد الأخير الذي عرضته على طلبتي في قاعتنا التعلّمية الافتراضية هذا اليوم. لم تصلني رسالة واحدة من الطلبة، وإنما خرجوا واحدًا تلو الآخر من الفصل الافتراضي.
لم أكن أتوقع أن طلبتي بهذه الهمة وهذا التأثير السريع. كوّنوا فريقًا افتراضيًا، وتبنوا دعوة على مستوى العالم من خلال شبكات المعلومات لإنهاء «تَجْرِبَةُ وَحِيِدٍ». كانت مخاطبتهم المباشرة لجمعيات حقوق الإنسان في محلها تمامًا.
بدأت الدعاوى تتزايد على مستوى العالم لإنهاء التجربة فورًا، فقد اكتسبت دعوة طلبتي بُعدًا عالميًا. وازدادت الضغوط على «مركز أبحاث البوتقة»، وانتزعت جماعات ضغط، تشكلت خصيصًا لهذا الغرض، قرارًا عالميًا ملزمًا بإنهاء التجربة. وكان القرار الأول هو إيقاف النقل التلفزيوني لحياة «وحيد» على الجزيرة، واحترام خصوصية هذا المسكين، مذكرين بجريمة عرضه عاريًا في بدايات التجربة. وبالفعل قُطع البث وتوقفت الكاميرات عن البث لأول مرة.
وانطلقت من جميع قارات العالم بواخر تحمل المئات من القادمين لانتشال «وحيد» من وحدته وتأهيله للحياة الاجتماعية من جديد، أطباء نفسيين، ودعاة أديان، وقياديي جمعيات خيرية، وصحفيين، وإعلاميين، ومصورين... وفي غضون أيام كانت البواخر تقترب من الجزيرة من جميع النواحي. تجمعت البواخر على أحد الشواطئ، ونزل الركاب جميعًا، حيث لم يجدوا «وحيدًا» على الشاطئ كما توقعوا، لم يكن أحد يعلم بمكان «وحيد» من الجزيرة في هذه الساعة، إذ توقف البث التلفزيوني المباشر منذ أيام. وعليه فقد قدّروا أنه حول الكهف. تفرق القادمون في مجموعات متعددة في اتجاهات متعددة بحثًا عنه. وقبل ذلك تواصوا بعدم إفزاعه وعدم التعرض له بأي نوع من أنواع العنف، بل ملاطفته واحتواه بأية طريقة.
عادت فرق القادمين واحدة تلو الأخرى إلى حيث الشاطئ والبواخر الراسية. لم يجد أي فريق سوى آثار «وحيد» وبقايا طعامه وأدواته. بحثوا عنه ليومين وثلاثة وأسبوع وشهر. جاءت فرق متخصصة في البحث، وعدد كبير من قصاصي الأثر. قلّبوا كل صخور الجزيرة، اقتلعوا الأشجار، حرثوا الرمال، جلبوا أجهزة متخصصة في الكشف عن وجود المخلوقات الحية تحت الركام، عملت الغواصات لأسابيع بحثًا عن جثة غريق في مياه المحيط حول الجزيرة، وسّعوا دائرة البحث إلى أقصى قدر محتمل. لم يشاهد أحد شيئًا ذا علاقة بالبشر على الجزيرة سوى رفات البروفيسور فريد الذي قذفت به الأمواج إلى الشاطئ، فتحلل، ولم يتبق منه سوى هيكل عظمي بشع لرجل محدودب الظهر.


..
كل شيء في الحياة مُؤلم
كل أملاً زائف .. كل روحُ باكية
كل دمعة زائلة ..
كل أنثى .. رافضَة للعُيش
في بلادي يموتون وهم يعلمون ..
في بلادي يعلمُونه الخوف منذو الصغر ..
يصلون ، وبعد الفراغ من العُبادة يصفعونَ
طفلاً ، كبيراً ، صغيراً .. أمُاً .. أباً ، لايشعرون
إلهي .. كُن عوناً في أرضِ حتى المُطر ينفر مُنهم ..
فهم لايستحقون .. حقاً لايستحقون !


،،
مجُرد ثرثرة
شيءُ من خيالاً أو بكاء .. أو حقيقة عوجاء
الله وحده هو من يُعلم


شُكراً

سآرة


وإذا الدٌنْيَا كَمَا نَعْرِفُهَا..
وإذا الأَحْبَابٌ كُلٌ فِي طَرِيق
أيها السَاهِرُ تَغْفُو..
تَذْكُرُ العَهْدَ وتَصْحُو
وإذا ماالتَأمَ جُرْحٌ..
جَدَّ بالتِّذْكَارِ جُرْحٌ
فتَعَلَّم كَيفَ تَنْسَى..
وتَعَلَّم كَيفَ تَمْحُو


،،
إبراهيم نآجي


-

نبُذة :

ولد العقاد في أسوان في 29 شوال 1306 هـ - 28 يونيو 1889 وتخرج من المدرسة الإبتدائية سنة 1903. أسس بالتعاون مع إبراهيم المازني وعبد الرحمن شكري "مدرسة الديوان"، وكانت هذه المدرسة من أنصار التجديد في الشعر والخروج به عن القالب التقليدي العتيق. عمل العقاد بمصنع للحرير في مدينة دمياط، وعمل بالسكك الحديدية لأنه لم ينل من التعليم حظا وافرا حيث حصل على الشهادة الإبتدائية فقط، لكنه في الوقت نفسه كان مولعا بالقراءة في مختلف المجالات، وقد أنفق معظم نقوده على شراء الكتب.

التحق بعمل كتابي بمحافظة قنا، ثم نقل إلى محافظة الشرقية مل العقاد العمل الروتيني، فعمل بمصلحة البرق، ولكنه لم يعمر فيها كسابقتها، فاتجه إلى العمل بالصحافة مستعينا بثقافته وسعة إطلاعه، فاشترك مع محمد فريد وجدي في إصدار صحيفة الدستور، وكان إصدار هذه الصحيفة فرصة لكي يتعرف العقاد بسعد زغلول ويؤمن بمبادئه. وتوقفت الصحيفة بعد فترة، وهو ماجعل العقاد يبحث عن عمل يقتات منه، فاضطرإلى إعطاء بعض الدروس ليحصل على قوت يومه.

لم يتوقف إنتاجه الأدبي أبدا، رغم ما مر به من ظروف قاسية؛ حيث كان يكتب المقالات ويرسلها إلى مجلة فصول، كما كان يترجم لها بعض الموضوعات. منحه الرئيس المصري جمال عبد الناصر جائزة الدولة التقديرية في الآداب غير أنه رفض تسلمها، كما رفض الدكتوراة الفخرية من جامعة القاهرة. اشتهر بمعاركه الفكرية مع الدكتور زكي مبارك والأديب الفذ مصطفى صادق الرافعي والدكتور العراقي مصطفى جواد والدكتورة عائشة عبد الرحمن
" بنت الشاطيء " .



مدخل :

سارة .. رواية ليست برواية وانما هي أقرب الي تحليل لشخصية المرأة
سارة .. رمز للجموح وكسر القيود
هند .. رمز للوداعة و احترام التقاليد
العقاد لم يذكر هند الا في أسطر قليلة
أعتقد أنه يفضل المرأة الثائرة المنطلقة.
في فصل من هي ؟ عشقت سارة بعد ما كنت ألعنها في أول الرواية
أدركت أن سارة هي المرأة بعينها , تجمع تناقضات كثيرة في سلاسة
اذا كان لقب العقاد عدو المرأة الأول فأعتقد أن رواية سارة تثبت أنه يعرف عدوه جيداً قصة تحليلية نفسية يصور فيها الكاتب مشاعر الانسان بتجرد . أسلوب بسيط آسر جميل و صور تشبيهية تجعلك تعيد قراءة الكتاب مرة أخرى . قصة الكتاب عادية جدا جدا لكن ما يدهشك في هذاالكتاب هو آراء و تحليلات و أفكار العقاد . بحق يجعلك هذا الكتاب بفكرته العادية باسلوبه البسيط تدرك من هو عباس محمود العقاد المفكر الأديب.

رُؤية شخصية :

ترتيب الحوادث أن تنتهي ثم نكرّ راجعين للسؤال عن بدايتها. وسبيل التواريخ أن تنطوي السير وتنصرم الدول ثم نتقصّى مناشئها وأسباب ظهورها.
فنحن لا نحيد عن مجرى الزمان حين نعرف الساعة كيف تلاقت سارة وهمام، بعد أن عرفنا منذ برهة كيف كانت القطيعة وكيف كان اللقاء الأخير.
هكذا يبدأ العقاد فصل "كيف عرفها؟" بعد منتصف القصة بقليل، وهكذا سار مسيرته فيها.. فيبدأ بالقطيعة ولقائه بها بعد القطيعة وتخلّفه عن الموعد ويعلل هذا بشكوكه ثم منشأ هذه الشكوك، ثم يسترسل في وصفها شكلاً وروحاً وعقلاً، ثم كيف كان اللقاء الأول فالحب والهوى والشكوك فيها إلى أن كانت القطيعة دون يقين واليقين بعد هذا الفراق.. وهذا أضفى تشويقاً وكأنك تجمّع قطع البازل.
بطلا هذه القصة همام وسارة -كما سمّاهما العقاد بعد مرور أكثر من ربع القصة للتيسير - عاشا "حادثة" - كما يسميها العقاد - وليست علاقة حب.. على الأقل بالنسبة لهمام فهو المخدوع.
همام رجل شكوك ذكي مثقف، وسارة امرأة لعوب ذكية وخبيرة بالحياة. بينما محبوبته الأخرى التي أطلق عليها لقب هند فهي محافظة عكس سارة وحيّية وعلى قدر عال من الثقافة.
تلك القصة التي يحكيها طعّمها بفلسفات عن الحياة والحب والمرأة أعجبني أغلبها، وإن ظهر في بعضها تعميم لصفات على جميع جنس المرأة .



مقتطفات :

كل قبلة غير قبلة المرأة التى يحبها الرجل هى تضحية بل هى إن شئت أن تسميها سَخُرية .


إذا ميز الرجل المرأة بين جميع النساء؛ فذلك هو الحب.
إذا أصبح النساء جميعاً لا يغنين الرجل ما تغنيه امرأة واحدة؛ فذلك هو الحب.
إذا ميز الرجل المرأة لا لأنها أجمل النساء، ولا لأنها أذكى النساء، ولا لأنها أوفى النساء، ولا لأنها أولى النساء بالحب، ولكن لأنها هي هي بمحاسنها وعيوبها؛ فذلك هو الحب .


الإنسان قد يتوقع الغش لفرط إشفاقه من الفقد والخسارة، لا لفرط اتهامه وسوء ظنه .


السبب في الحقيقة أنه لا سبب هناك
السبب هو الحيرة الملحُة التي تستحثنا إلى كل عمل مستطاع دون أن نستوضح أنفسنا عن علة معقولة أو نتيجة مأمولة، وكل من حار هذه الحيرة يوماً ًيذكر أنه فعل شيئًا لا علة له ولا هو يقبل التعليل .


لا فرق بين خيانة الضمير وخيانة الواقع إلا التنفيذ .


حواء أخرجت من جنة، وبناتها كل يوم يخرجن من جنات.. فهل المرأة ضرة الجنة تغار منها غيرة الضرائر؟ لا ندري. ولكنها هي المرأة أبداً لا تريد للرجل أن ينعم بغير ما يعنيها، أو يسعد بغير سعادتها، وليس يعنيها أن تفرح معه كما يعنيها أن تكون سبب فرحه وينبوع سعادته دون كل ينبوع. وبما أرضاها أن تكون سبب ألمه وألمها، ولم يرضها أن تشاركه السعادة الوافية، إن كان للسعادة سبب سواها .


منذ الأزل وقفت هذه الفتنة إلى جانب ووقف إلى الجانب المقابل لها حكماء الأرض وهداتها ومشترعوها وأصحاب النظم والدساتير فيها، وقالت هذه الفتنة كلمتها، وقال الحكماء والهداة كلمتهم، ونظرت ونظروا، ووعدت وأوعدت، ووعدوا وأوعدوا. وأمامك الناس جميعاً فاسألهم واحداً واحداً: كم مرة سمعتم هذه وكم مرة سمعتم هؤلاء؟ وأنا الضمين لك أن في تاريخ كل إنسان مرة واحدة على الأقل سمع فيها لهذه الفتنة ولم يسمع معها لحكم الحكماء ولا لشيء من الأشياء؟ .



إن الرجل ليسره أن يستكشف المرأة، ويسره ألا يزال واجداً فيها كل حين ميداناً جديداً للاستكشاف، ويسره أن يراقب المرأة وهي تستكشفه وتتخذ لها منسوباً إلى عواطفه، وترفع من دخائله حجاباً وراء حجاب، ويسره أن يستكشفا الدنيا معاً، والناس معاً، والطبيعة معاً، بروح مركبة من روحين، وجسد مؤلف من جسدين، وضياء كله شفوف وتجديد، وآفاق تنساح إلى آفاق. فإن وقف الاستكشاف ولم يتجدد من جانب الرجل ومن جانب المرأة فقد يكون سبباً للسآمة والعزوف، لا سبباً للشغف والهيام .



إن المرأة في استكشافها الرجل لكمن يجوس خلال الغابة المرهوبة ليهتدي أولاً وآخراً إلى مواطن الرهبة منها ووسيلة الطمأنينة إلى تلك الرهبة، ثم يرتع في صيدها وثمرها ويشبع من مظاهر العظمة والفخامة فيها. وإن الرجل في استكشافه المرأة لكمن يجوس خلال الروضة الأريضة ليهتدي إلى مجتمع الظل والراحة والمتعة والحلاوة بين ألفافها وثناياها. فهو يستكشف ليعرف أحلى ما فيها، وهي تستكشف لتعرف أرهب ما فيه. ثم تصبح الروضة روضة وغابة، وتصبح الغابة غابة وروضة، ويقوم حواليهما سور واحد يشعران به إذا خرجا إلى الدنيا، ولا يشعران به وهما بنجوة منها .


في النهاية ..
ربما حاول العقاد ، جاهداً عندما أنتصف
في الوصف وفي الطريق وأسهب كثيراً
ربما نُسي نفسه .. أو ربما أراد أن يترك شيء خلفَه
شخصيةُ همام وسارة .. هي تحليلَ للعقاد ذاته ..
تحليلاً لُعشقه لحياته ، لجُنون الكّتاب ..
لجنُون الشك وثورته في قلوب العشّاق ..
أراد العقاد أن يخفي الأسرار .. أو ربما
أراد أن ينثر لنا خيوطاً لانراها ، وأشياء نتتبُعها
لقد حصل على مبتغاه في كلتا الحالتين ..


لتحميل الرواية :

http://www.4shared.com/office/H7WMN0Wi/-_online.html

شُكراً

عُمى الألوان


مدخل :


عمى الألوان يعني عدم القدرة على رؤية اللون الأحمر أو الأزرق أو الأخضر أو مزيجهم سويًا، ومن النادر ألا يستطيع الشخص رؤية أي لون على الإطلاق، غير أن قدرة الإبصار لا تتأثر تمامًا في كافة الحالات، فعمى اللون لا يؤثر في قوة العين أو في مدى رؤيتها.
واضطراب رؤية اللون من الممكن أن يؤثر على حياة الشخص بأكملها، حيث تجعل من الصعب عليه الانغماس في وظيفة ما يتكسب منها، وخاصة الوظائف التي تحتاج إلى مهارات في التعامل مع الألوان.




السبب وراثي :

عمى الألوان مرض وراثي لكنه قد يتجاوز جيلًا, فيورثه جد لحفيده، كما أنه مرتبط بالجنس، حيث يورث من الأب لأبنائه الذكور غالبًا دون الإناث (تبلغ نسبة إصابة الرجال 8-10%، ونسبته عند النساء 1-0.4%). فلا تصاب الإناث إلا إذا كان الخلل الوراثي موجودًا عند الأب والأم معًا.
والإنسان العادي يُبصر الأشياء حوله بوقوع الضوء عليها وانعكاسه إلى العين ليقع على الشبكية التي تحول طاقة الضوء إلى إشارات كهربائية تعبر إلى المخ عن طريق العصب البصري والذي بدوره يترجمها إلى ما نراه من حولنا وبالألوان.
ففي شبكية العين يوجد نوعان من المُستقبلات: (العُصيات)، (الأقماع، أو الخلايا المخروطية).. العُصيات مسؤولة عن البصر الأبيض والأسود ونستخدمها أكثر في الظلام, والأقماع مسؤولة عن البصر بالألوان أو رؤية وتمييز الألوان بعضها عن بعض.
القمع إما أن يحتوي على صبغة حساسة للأزرق أو الأحمر أو الأخضر, ويمتص موجات ضوء ذات طول مُعين.. فالأقماع التي تمتص موجات الضوء القصيرة, تمتص الضوء الأزرق (تميز اللون الأزرق) والأقماع التي تمتص موجات الضوء المتوسطة تمتص الضوء الأخضر (تميز اللون الأخضر), والأقماع التي تمتص موجات الضوء الطويلة تمتص الضوء الأحمر (تميز اللون الأحمر).
يذكر أن الأزرق والأحمر والأخضر هي الألوان الأساسية التي تتكون منها جميع الألوان, فبإثارة تركيبات مُختلفة من هذه الأقماع نرى الألوان باختلافها وتنوعها من حولنا.
ويحدث عمى الألوان عندما لا يكون لدى الشخص إحدى مجموعات هذه الأقماع، أو موجودة ولكنها لا تعمل بالشكل الصحيح، ويُترجم عمى الألوان في عدم القدرة على رؤية أحد الألوان الرئيسية الثلاثة من الأحمر أو الأخضر أو الأزرق، أو قد يراها المصاب بألوان أخرى مختلفة عن لونها الأصلي أو بدرجة مختلفة، وهذا الاضطراب المتعلق بحاسة الإبصار لا يتغير بمرور الوقت، ويؤثر على كلا العينين.




عمى الألوان المكتسب :

في بعض الحالات قد يكون سبب عمى الألوان بعيدًا عن العوامل الوراثية، أي أنه يكون مكتسبًا، وقد يؤثر على عين واحدة أو كلا العينين لكن ليس بنفس الدرجة، ويمكن تصحيحه في بعض الحالات.
ومن أشهر أسبابه: التقدم في السن. مشاكل في العين (المياه الزرقاء، المياه البيضاء، اعتلال الشبكية بسبب مرض السكري، وتدهور المقلة)، إصابة في العين، آثار جانبية لبعض الأدوية، الإفراط التدخين أو الكحول.
وبحسب نوع الخلل في الخلايا المخروطية فإنه يمكن أن نشاهد ثلاثة أنواع من عمى الألوان:


1 – عمى الألوان الكامل، وفيه تغيب الأقماع كليًا من شبكية العين، والمصاب بهذا النوع يرى الأشياء كلها بلونين فقط، هما الأسود والأبيض، وهذا النوع نادر الحدوث.
2 – عمى الألوان (الأحمر – الأخضر)، وينتج من غياب الأقماع الحساسة للون الأحمر أو الأخضر. وهذا النوع أكثر أنواع عمى الألوان شيوعًا.
3 – عمى الألوان (الأزرق)، وهذا ينشأ عن فقدان الخلايا الحساسة للون الأزرق.




الأعراض :


رؤية العديد من الألوان، لكن لا يعلم المصاب أنه يراها بشكل مختلف عن الآخرين.
يستطيع المصاب رؤية القليل فقط من درجات اللون في حين أن غالبية الأشخاص تستطيع رؤية الآلاف من الدرجات.
في الحالات النادرة يمكن رؤية الأسود والأبيض والرمادي فقط.






التشخيص سهل :


توجد اختبارات تقيس قدرة الشخص على التعرف على الألوان المختلفة، وفي إحدى هذه الاختبارات (اختبار إشيهارا) يتم مطالعة كتيب اختبار صغير يحتوي على دوائر صغيرة ملونة، بعض هذه الدوائر تحمل لونًا مختلفًا يشكل رقمًا معينًا، لذا فالشخص المصاب بعمى الألوان لا يستطيع تمييز الرقم، حيث تبدو الدائرة له كلون واحد، وهذا الاختبار يشتمل على 12 نموذجًا، تستطيع تأكيد إصابة الشخص بالمرض أو عدمه، كما أنها تحدد شدة الإصابة وخطورتها. وسهولة الاختبار تكمن كذلك في إمكانية تحديد المرض عند الأطفال أيضًا، وبوسع الطبيب من خلال هذا الاختبار التعرف على اللون الذي لا يتعرف عليه المصاب.
وهناك اختبار آخر يقوم فيه الشخص بترتيب شرائح لها نفس اللون بعضها مع بعض، والمصاب الذي يعاني من عمى الألوان ليس بوسعه ترتيب هذه الشرائح بشكل صحيح.






العلاجات المتاحة :

عمى الألوان الموروث لا يمكن تصحيحه أو علاجه. أما عمى الألوان المكتسب فيتم علاج بعض الحالات منه، وذلك حسب كل حالة، وعلى سبيل المثال: إذا كان الماء الأبيض هو السبب في عدم القدرة على تمييز اللون، فبعد إجراء جراحة الماء الأبيض سيستعيد الشخص قدرته الطبيعية على رؤية الألوان بإذن الله تعالى. وإذا كان دواء بعينه هو سبب عمى الألوان فيتم التوقف عن أخذ هذا الدواء.
كما توجد بعض الحلول المساعدة لاضطراب رؤية اللون وذلك بارتداء العدسات اللاصقة الملونة أو عدسات النظارات الملونة أو ارتداء النظارات التي تعوق الوهج من الضوء الساطع، فالشخص الذي يعاني من عمى الألوان يستطيع الرؤية بشكل أفضل عندما لا يكون الضوء ساطعًا.
أيضًا يمكن تعلم كيفية التعرف على الأشياء من خلال «وهجها» (اللون الأخضر مثلاً يبدو أكثر صفاءً من الأحمر، برغم أنه يراهما بلونين متقاربين جدًا)، أو التعرف على الألوان من خلال «مكانها» بدلًا من لونها (مثل تعلم ضوء الألوان الثلاثة بالترتيب في أماكنها في إشارة المرور).




الطفل المصاب والدراسة :

فحص الطفل منذ الصغر مهم جدًا لاكتشاف مدى إصابته بعمى الألوان، لأن الطفل ينجذب أكثر إلى عالم المرئيات منه إلى عالم الشكليات، كما أن معاناة الطفل من عمى الألوان قد يجعل من الصعب عليه التعلم والقراءة وهو في بداية طريقه لاكتساب مهارات المعرفة التي تثقل كلما كبر في السن، مما يؤدي إلى تحصيل ضعيف وافتقاده للثقة بنفسه.
ويمكن مساعدة الطفل المصاب من خلال:
التأكد من أن الطفل تم فحصه لاضطراب عمى الألوان أثناء الزيارة الدورية لطبيب العيون، فكلما تم التعرف على المشكلة مبكرًا كلما كانت فرص المساعدة أفضل بكثير.
إخبار المدرسين بمشكلة الطفل من أجل أن يجلس بمكان ملائم لا يوجد فيه وهج ضوئي إلى حد يبهر البصر من الضوء الساطع، واستخدام لون من الطباشير يستطيع الطفل رؤيته، والابتعاد عن الطباشير الأصفر على السبورة التي لها لون أخضر.


،،

شُكراً

الفّن


ترُنيَمة :

إن حَظي كـ دقيق فوق شوك نثروه ..
ثم قالوا لحفاَة يوم ريحِ أجمعوه
صعُب الأمر عليهم فقالوا إتركوه ..
إن أشقاه ربي فهل أنتم تسعدوّه !


..

مدخل :


لم يحل المعنى الحالي لكلمة «الفن» في التداول اللغوي إلا في منتصف القرن الثامن عشر، وفي ماقبل ذلك كان الفن يرتبط بمعناه العام ذي الجذور اللاتينية (art) التي تشير إلى «المهارة» ولاسيما المهارة الحرفية والمهنية. ورغم الجدل المستمر حول معنى الفن الذي احتدم وتشعب للحد الذي أصبح فيه الاتفاق على معنى واحد متعذرًا، بخاصة خلال القرن الأخير، فإن التعريف الأكاديمي التطبيقي لا يزال يعتمد «الإنتاج» والمهارة الحرفية المتطلبة فيه كمركز للثقل في صياغة التعريف الرسمي.
تعرّف الموسوعة البريطانية الفن على أنه «استخدام التصور والمهارة لخلق نتاجات جمالية أو صياغة تجارب شعورية أو تهيئة مناخات تتميّز بحس جمالي». وتعرفه موسوعة إينكارتا بأنه «نتاج النشاط البشري الإبداعي الذي يستخدم الوسائل المادية وغير المادية للتعبير عن الأفكار والعواطف والمشاعر الإنسانية». وإذا كانت هذه التعريفات مستوفية للشروط التكنيكية فإنها، وكثير مثلها، لم تستطع إنهاء الجدل حول فحوى الفن، الأمر العويص الذي قد يجر السائل المتفحص إلى عشرات الأسئلة من قبيل: ما الذي يقرر حجم استخدام أو شرعية تلك المهارات أو حدها الأدنى المطلوب أو مدى انطباق مواصفاتها على النتاج المأمول؟ والأعقد من هذا، ما الذي يقرر أن ذلك النتاج فني أم لا؟ هل هناك مواصفات أو شروط محددة ينبغي على النتاج الفني استيفاؤها من أجل أن يصبح نتاجًا فنيًا إبداعيًا؟ وما هي طبيعة الدور الذي يلعبه الزمان والمكان في التأثير على فنية النتاج ومدى إبداعيته؟ ومن ذا الذي يحكم بأن ذلك النتاج فنيٌ أم لا؟ وهل هذه المهمة منوطة بالفنان أم بالمتلقي؟ وهل ثمة دور أو مسؤولية في هذا الحكم تناط بطرف ثالث قد يتمثل بمقاولي وممولي النشاطات الفنية أو النقاد المحترفين والصحفيين والسياسيين والمؤرخين والنفسانيين وعلماء الاجتماع واختصاصيي نشأة الشعوب وتطور مسيراتها الثقافية؟ تشير جميع هذه التساؤلات إلى حقيقة أن من الصعب الاتفاق على تعريف وافٍ واحد للفن يضع النقاط على جميع الحروف، الأمر الذي يزداد تعقيدًا لأسباب جوهرية منها:
- خضوع قيمة الفن والفنانين لأحكام ذاتية أكثر من خضوعها لأحكام موضوعية.
- خضوع الأحكام الذاتية والموضوعية إلى تأثيرات ظرفية مثل المكان والزمان وثقافة المجتمع ومرحلة تطوره.
- خضوع نطاق الفن إلى توسعات وتغييرات منهجية مستمرة.
تضمّن معنى الفن، إضافة إلى ما هو متعلق بالمهارة، معاني وارتباطات أخرى مثل «التشكيل»، المفهوم المتأتي من فعل التوليف والتركيب التنسيقي فضلًا عما يحيط ذلك التوليف من ميزات الخلق والابتكار والإبداع، وهذا المعنى الأخير هو الذي يشير أكثر من أي معنى آخر إلى ما يسمى بالفنون الجميلة، هذا المصطلح الذي ابتكرته أول أكاديمية للفنون، تلك التي تأسست في باريس عام 1648، إذ كان سبب إطلاق المصطلح هو التمييز بين ما وصف بالفنون الجميلة التي ضمت الرسم والنحت والعمارة عن سواها من الفنون التي انتمت للحرف الفنية. على أن هذا الحصر التكنيكي للمفهوم لم يسلم هو الآخر من الإشكالات، فهناك ما يميز الفنون الجميلة البحتة عن الفنون الجميلة التطبيقية، حيث يستأثر كل منهما بمقامه الاجتماعي ويأخذ تصنيفه وتقييمه بموجب ذلك المقام. واستنادًا إلى هذا التصنيف تتركز خصوصية الفنون الجميلة البحتة بالتعبير الذاتي الإبداعي للفنان الذي يعكس الحاجات الفكرية والنفسية للمجتمع، فيما تختلف عن ذلك الحرف الفنية المتميزة بطابعها العملي والمعبرة عن الحاجات الاستعمالية للإنسان. وبين هذا الطرف وذاك تقع الفنون الإعلانية التي ترتبط بالسوق وتعكس حركته التجارية. على أن مفهوم الفن البحت ارتبط بعنصر التعبير الشخصي للفنان، الأمر الذي لم يتبلور تاريخيًا إلا بعد بزوغ المدرسة الانطباعية في الثلث الأخير من القرن التاسع عشر وشيوع موضوع أن بإمكان الفنان أن يرسم ما يختلج في عقله وليس فقط ماتراه عيناه. أي أن يرسم انطباعاته عن العالم الذي من حوله.
وبالرغم من وضع هذه الأصناف من المفاهيم في خاناتها الخاصة، فهي غير مفصولة عن بعضها بجدران حديدية، إنما تختلط وتتداخل وتتفاعل فيما بينها، ولا يكون مبعث الفيصل في تفريقها إلا الآراء الذاتية والاجتهادات الشخصية، على أن مفهوم التعبير الذاتي البحت عن دواخل الفنان وأفكاره هو مفهوم نسبي حتى في حالات توفّر الحرية المطلقة للتعبير، ذلك أن الفنان الحر إنما يعبر بشكل غير إرادي عن حالة العقل الجمعي وثقافة المكان وتقاليده وموروثاته، أما الفنان المؤدلج الذي يقف على نهاية الطرف الآخر من هذا الخط فإنه يعبر عن الأيديولوجية التي يحملها، خيارًا أم قسرًا، الأمر الذي يدفعه بالتدريج إلى التخلي عن ذاته الصغيرة الحقيقية والالتصاق بالذات الكبرى الوهمية سواء كانت قومية، عنصرية، عشائرية، مذهبية أو حزبية.
يتعرض الجدل حول مفهوم الفن أيضًا إلى فكرة أن الفن لا يمكن حصره بمعنى مفرد، بل قد يكون من الحكمة أن يعتبر الفن كمنظومة لمفاهيم عديدة تعنى بجوانب مختلفة ولكن يربطها رابط واحد. وقد مهد مثل هذا الاتجاه إلى نشوء وجهة نظر أخرى تتمثل في أن الفن ظاهرة اجتماعية تستمد وجودها وتكتسب شرعيتها من ارتباطها المؤسسي بالمنظومات الاجتماعية ، وخاصة المنظومات التي تؤلف سلطة الفن كالمتاحف وصالات العرض والنقاد والمؤرخين والصحفيين. يأخذنا هذا الانعطاف إلى التمييز بين وجهتي نظر متناقضتين: الأولى تعود بنا إلى الفلسفة التولستوية التي تفضي إلى أن المتلقي وحده، هو الذي يقرر فيما إذا كان العمل فنًا أم لا، بصرف النظر عن نية الفنان أو مدى جهده أو سعيه، وليس المقصود بالمتلقي هنا شخصًا مفردًا إنما العقل والضمير الجماهيري الجمعي. وبذلك فإن قيمة الفن تتحدد بمدى التأثير الذي يتركه العمل الفني على عواطف الآخرين والانطباع الذي يثيره في أحاسيسهم. أما وجهة النظر الثانية فتعود إلى الفيلسوف الأميركي جون ديوي وما جاء في كتابه «الفن كخلاصة للتجربة» المنشور عام 1934 الذي يؤكد فيه على الدور الأول لنية الفنان وتوجهاته ويورد مثالًا من عالم الأدب فيقول: إن قطعة أدبية ما يمكن لها أن تعتبر قصيدة شعرية، فقط إذا أراد لها الشاعر أن تكون كذلك وقام بتقديمها للقراء كقصيدة، بغض النظر عما يراه بقية الشعراء أو المؤسسات الأدبية. ويمكن لنفس القطعة أن تكون مقدمة مقتضبة لتقرير صحفي إذا ما شاء الصحفي أن تكون كذلك، وبهذا فإننا نتعامل مع النتاج الأدبي نفسه وهو يلبس لباسين مختلفين، ليس لما يميزه من ميزات فنية متأصلة فيه إنما بسبب ما يراد له أن يكون... تستمد وجهة النظر هذه قوة إضافية وتعمل بفاعلية كبرى إذا ما أضفنا إلى نيات الفنان ومقاصده، مدى شهرته ووزنه في الوسط الفني، ونستطيع أن نرى أن ذلك ينطبق انطباقًا جليًا على ماجرى ويجري في أروقة الفن الحديث والأدب الحديث. فمن ذا الذي يعتبر، على سبيل المثال، رسما بسيطا لعلبة حساء، ماركة كامبل (1968)، أو الأدهى من ذلك، مبولة بورسلين حقيقية (1917) أعمالًا فنية شهيرة من نتاجات الفن الحديث التي كتبت عنها الآلاف من الكتب والمقالات، لولا مقاصد أندي وورهول ومارسيل دوشامب، على التوالي، وما تمتعا به من شهرة ونفوذ في الأوساط الفنية. وجميعنا يدرك أن ذلك أصبح من حقائق الحياة الثقافية التي نعيشها محليًا. فلا أحد منا يشك، مثلًا، بإمكانية رفض نشر أجمل وأروع قصيدة يكتبها شاعر شاب غير معروف في الوقت الذي لا يجرؤ أي أحد على رفض أي ترهة أو تفاهة قد يكتبها شاعر مشهور مثل أدونيس أو محمود درويش، بل ستتبارى دور النشر فيما بينها على الاستحواذ على نشر الترهات والتوافه. ولا ينطبق ذلك فقط على تقدير ما هو فني أو غير فني، إنما ينطبق أيضًا على تصنيف الفنون كما جاء أعلاه. فقد أصبح أندي وورهول، وهو فنان إعلان متواضع الكفاءة، من أعلام الفن الحديث ووُصف بأنه أكثر فناني القرن العشرين تأثيرًا في التراث الثقافي في حين لم يعتبر أحد عشرات الآلاف من فناني الإعلان الآخرين ذوي الكفاءات العالية حتى في عداد الفنانين ناهيك عن أنهم ظلوا يعملون في الظل داخل نطاق حرفة الإعلان.
شمل الجدال حول فحوى الفن وجهة نظر أخرى تعتمد على أفكار الباحث الأمريكي المتخصص بعلم الجمال مونرو بيردسلي الذي يعتقد أن وظيفة العمل الفني والسياق الذي يأتي فيه هما اللذان يقرران مدى فنية ذلك العمل. كما كان من أوجه الجدل أيضًا موضوع اشتراط الفن البحت أن يكون متجردًا من القيم الاستعمالية التي تُعهد مهام إنتاجها عادة إلى الحرف الفنية أو في أحسن حال إلى الفنون التطبيقية. ولعل بعض الاعتراض هنا يلقي تبريره بالاستناد إلى المنطق العقلاني الذي لا يسمح بقبول الغياب المطلق للقيمة الاستعمالية للفن مهما كان ذلك الفن بحتا. فبموجب النظرية الاقتصادية للمنفعة، يشكّل الإشباع والرضا والتمتع بالفن، بخاصة الناجم من اقتناء الأعمال الفنية أكبر القيم الاستعمالية، ويبرر ارتفاع القيمة التجارية للأعمال الفنية في السوق. ونستطيع أن نذهب بذلك إلى مدى أبعد، فنعتبر مثل تلك القيمة الاستعمالية متجسدة حتى في قابلية الأعمال الفنية المقتناة على إرضاء مشاعر الغرور والتباهي في قلوب الناس الذين ينفقون أموالًا طائلة على اقتنائها حتى و إن لم يكن لديهم أي استيعاب أو تقدير حقيقي لقيمة الفن الذي يقتنون، ذلك أن القيمة الاستعمالية التي يحصلون عليها ستقاس عندئذ بمدى ما سيرفع الفن من مستوياتهم الثقافية والاجتماعية ويجعلهم عالي الشأن والجاه في مجتمعاتهم، كما يتصورون. ترتبط هذه الفكرة بالذات بموضوعة «الاستهلاك المظهري» التي قدمها الاقتصادي وعالم الاجتماع الأميركي ثورستن فبلن في كتابه «نظرية الطبقة المترفة» المنشور عام 1899. حيث جاءت هذه الموضوعة في معرض تفسيره لعمليات الإنفاق الباذخة التي تقوم بها الطبقات الاجتماعية المترفة والتي تتعدى إلى حد بعيد ما يحصلون عليه بالمقابل من قيمة استعمالية لقاء ما ينفقون وفق نظرية المستهلك. ومفاد تفسير فبلن أن أولئك الذين ينفقون الأموال الطائلة على أشياء تشكل فيها الأعمال الفنية لمشاهير الفنانين مثالًا كلاسيكيًا إنما هم يحصلون على مقابل متكافئ مع ما ينفقون لأنهم يشترون في ذلك ما يساهم في عرض المنزلة الطبقية والجاه الاجتماعي الذي يرغبون في استعراضه على الآخرين. ولذلك فليس من العجب أن يعجز مبدعون حقيقيون غير مشهورين عن بيع روائعهم بأبخس الأثمان فيما يتبارى عمالقة المال والبورصات على شراء بطاقة القطار التي كان بيكاسو قد شخبط على ظهرها في يوم منسي!!
(في صيف عام 2004 توقع مقيّمو مزاد سوثبي الشهير في نيويورك أن تباع لوحة بيكاسو «صبي يدخن الغليون» المرسومة عام 1905 بمبلغ 70 مليون دولار، لكنها بيعت بعد أيام في نفس المزاد بمبلغ 104 ملايين! وقد علق في وقتها بيب كارمل الخبير بفن بيكاسو قائلًا: «إن هذا الحدث يثبت لنا أن قيمة العمل الفني التجارية في السوق ليس لها أي صلة على الإطلاق بالقيمة الفنية التي يحملها ذلك العمل)!
من الانتقادات الأخرى لفكرة وجوب خلو الفن البحت من القيم الاستعمالية تلك الانتقادات التي تورد أمثلة عديدة على قيم استعمالية ظاهرة أو مستترة للفن مثل استخدام الفن كعلاج ووسيلة في التحليل السايكولوجي، كوسيلة للاتصال والخطاب الاجتماعي والسياسي، وكوسيلة تربوية وتعليمية.






ميــزات الفـــن :

فيما يلي يمكن لنا استقراء ما يميز الفن كنشاط إنساني وحقل اجتماعي من خلال مقارنته بالعلم:
- خلافًا للعلم الذي يهتم باكتشاف الحقيقة الموضوعية المجردة للطبيعة والإنسان، يعنى الفن بإلقاء الضوء على الحقائق الذاتية المتعددة والمتباينة عبر وجهات نظر هي الأخرى مختلفة باختلاف عواطف الفنانين والتجارب التي يخوضونها والبيئات التي ينشؤون فيها والثقافة التي يترعرعون في كنفها.
- خلافًا لما يختص به العلم من تنشئة للتفكير العقلاني وترسيخ للتحليل المنطقي، يتوجه الفن إلى تنبيه وتنمية المراكز الحسية وتحفيز وتطوير قدرات التصور والحدس.
- خلافًا للعلم ذي الاتجاه المحدد والوسائل التحليلية المباشرة الثابتة، يتمتع الفن باتساع رقعة أنماطه ووسائله وتعدد وتباين سبل تطبيقها مما يؤدي إلى لا مركزية الفعل وعدم مباشرة تأثيره ويؤول بالتالي إلى تعدد وتباين تفسيراته وتأويلاته ولامحدودية نطاقها.
- خلافًا للعلم الذي لاتسمح تفسيرات ظواهره بمساهمة أي كان إنما يشترط فيمن يضطلع في تفسير الظواهر العلمية أن يكون عالمًا متخصصًا متدربًا في مجال بحثه وله خبرات محددة في مجال تخصصه، فإن التفاعل مع الأعمال الفنية وتفسيراتها مفتوح لجميع الناس، ولا يشترط مثل ذلك التفاعل والتفسير أية خبرة أو تدريب، ذلك أن الفنون تخاطب مشاعر الناس بغض النظر عن رصيد معارفهم واتساع نطاق ثقافاتهم، وليس من شأنها أن تتابع خيارات الناس وتتقصى صياغات مشاعرهم.






العنـاصر الأساسيـة فـي العمـل الفنـي التشكيـلي :

للفنان التشكيلي أدواته المتميزة التي تمكنه من إنجاز مهمته التعبيرية في العمل الفني مثل الخط واللون والشكل والملمس والقوام والظل والنور والكتلة والفراغ والتوازن والتماثل والنسب والمقاسات والمنظور. ويمكن النظر إلى هذه الأدوات وهي تصطف لتشكيل عناصر العمل الفني الأولية التالية:
- موضوع العمل الفني: صلب وخلاصة ما ينبغي على الفنان تقديمه أو عرضه أو دراسته أو مناقشته فنيًا.
- الإنشاء الفني: الإخراج العام لترتيب عناصر الموضوع الفني وتحديد نظم تفاعلها فيما بينها سواء كان ذلك بالتماثل أو التوازن أو العشوائية.
- التمويه الفني: صياغة جوانب مختارة من جوانب الموضوع، لاسيما تلك التي تتطلب إضفاء الخدعة الفنية كتداخل الأشكال وتلاعبات الظل والنور أو التحدب والتقعر أو المنظور الهندسي الذي يعمل على استحضار الاشكال ذات الأبعاد الثلاثة على سطح ذي بعدين.
- التعبير الفني: توظيف النمط التعبيري السائد في العمل الفني كحركات الخطوط وسرعتها أو قوتها، طبقات الألوان وقوامها وتفاعلاتها، درجات النور والظل، ضربات الفرشاة والملمس الذي تتركه، مادة السطح وملمسها ودرجة امتصاصها للألوان.
- التجريد الفني: عنصر تحوير واقعية الأشياء بموجب اختزال مظاهرالأشكال وإرجاعها إلى هياكلها الأولية عن طريق توظيف ملامحها الشكلية الدنيا.
- الأسلوب الفني: طريقة اختيار الفنان للهيئة التي تترتب وتتحد وتتكامل فيها العناصر التشكيلية السالفة سواء كان الاختيار شخصيًا بحتًا، أو متبعًا لمدرسة فنية معينة، أو مقلدًا لفنان آخر، أو متبنيًا لخليط من هذا وذاك.






عـودة إلى تولستـوي :

في مقالته ذائعة الصيت «ما هو الفن؟» التي نشرها عام 1897، أرسى ليو تولستوي، الفيلسوف والروائي الروسي، المبادئ الأولية لفلسفة جمالية-اجتماعية كانت ولا تزال إحدى الركائز الأساسية لتفسير مفهوم الفن. في هذه المقالة الرائدة ركز تولستوي على مجادلة معظم النظريات الفلسفية الجمالية التي كانت سائدة آنذاك والتي يعود تاريخ نشأتها إلى ما بين القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، والتي يتشكل قوامها في صياغة فحوى الفن على مبادئ غارقة في المثالية ومفاهيم شديدة النسبية مثل الحقيقة والجودة والحسن. وتوطئة لطرح موقفه الفكري المخالف، بدأ تولستوي بتفنيد الموقف الأفلاطوني الذي يقوم على إعطاء تقليد الطبيعة قيمة الإبداع العليا والركون إلى العلاقة المبهمة بين الفن والمتعة في صياغة مبررات وجود الفن، معتبرًا ذلك الموقف موقفًا متأرجحًا مراوحًا في مكانه. ركز تولستوي على حقيقة أن التجربة الفنية تتمحور حول تجربة الفنان العاطفية الوجدانية وإيصالها إلى الجمهور، ولهذا فقد رأى أنه لابد للفن من إقامة الصلة بين الفنان وجمهوره، والاهتمام بنوعية تلك الصلة. فبقدر تمكن الفنان من التأثير على الجمهور واستنباط الأساليب الخلاقة لإلهاب مشاعرهم وكسب عواطفهم، تتحدد جودة الفن. ولذلك فإن مفهوم الفن لدى تولستوي لا يتعدى كونه ذلك النشاط الإنساني الإبداعي الذي يسمح بنقل تجارب الآخرين عبر لغة العواطف ومن خلال مخاطبة الوجدان الإنساني بأدوات تعكس الفكر السائد ووسائل تتناسب مع روح العصر. ويمكن استخلاص الركائز الأساسية لفلسفة تولستوي في الفن بما يلي:
- الرفض القاطع للتفسيرات الميتافيزيقية للفن، وبخاصة رفض موضوع الفن كمتعة مجردة، وتبني المنهج الذي يعتبر الفن شرطًا من شروط الحياة الإنسانية وإحدى المقومات الطبيعية لتفاعل الإنسان مع محيطه الاجتماعي.
- التأكيد على اعتبار الفن نشاطًا إنسانيًا واعيًا يتم بموجبه نقل التجارب الحسية والعاطفية من الفنان إلى الآخرين بواسطة النتاج الفني الذي ينبغي أن يعمل كوسيلة اتصال ثقافية. وبهذا المنطق يتوجب فهم الفن بأنه العملية والوسيلة التي يتم بموجبها نقل التجارب الشعورية التي يعيشها الفنانون إلى محيطاتهم الاجتماعية. وبسبب اختلاف التجارب الشعورية في حدتها وأهميتها وآثارها فإن نجاح الفن سيتركز حول قوة استحضار التجربة سواء كانت انعكاسًا لأحداث حقيقية أم أنها كانت مختلقة من محض الخيال.
- التاكيد أيضًا على كون الفن مناسبة وأداة لانصهار الشعور الإنساني والتحام العواطف، مما يجعله فعالية ضرورية لديمومة الحياة وتطورها. فلولا مشاركة المشاعر وتبادل الأحاسيس بين الناس والتحاور بالتجارب عبر الأجيال والثقافات وحقب التاريخ لتحولت حياة البشر إلى ما يشبه حياة الغاب. وعلى هذا الأساس فإن وجود الفنون وتفعيلها لايقل ضرورة عن وجود اللغات ودورها الأساس في تأمين الاتصال والتحاور والتفاهم الاجتماعي، على أن غياب الفنون أو تجميد دورها من شأنه أن يشل التفاعل الإنساني الإيجابي ويفسح المجال لمزيد من العزلة ويوجد المبرر لتنامي العدوانية والعنف.
- اعتبارالمعيار الأساس في تفريق الفن الحقيقي عن الفن الزائف متمثلًا في قدرة الفنان على استحضار المشاعر ومخاطبة الأحاسيس وإلهاب العواطف وتحقيق الالتحام الروحي بين الفنان والمتلقي من جهة وبين المتلقي ومحيطه من جهة أخرى. وهذا ما يساهم في تحديد قيمة الفنون بمدى قابلية التجارب الشعورية المتجسدة في العمل الفني للنفاذ إلى دواخل الآخرين والتأثير فيها. على أن نطاق هذا التأثير سيعتمد على:
- مدى خصوصية لغة التجربة وفردانية المشاعر المتجسدة في العمل.
- مدى وضوح التجربة ونضوجها.
- مدى صدق الفنان في التعبير عنها.
- التأكيد على ضرورة تعامل المجتمع مع الفن تعاملًا عقلانيًا من حيث مساحة الحيز التي يتطلبها النشاط الفني، ذلك أن التطرف والمبالغة في تقليص أو توسيع هذا الحيز سيؤدي على السواء، إلى نفس الخسارة. فمنع الفنون والتضييق عليها ومحاربتها من جهة، أو الإسراف والإسفاف فيها وتحويلها إلى أدوات مبتذلة، من جهة أخرى، سيقود إلى نفس الطريق العقيم المسدود الذي يفقد الفن فيه معناه وتأثيره.


في النهاية
للفُن أرواحُ تصلي
للفن أياتَ لم تقرأ !
للفَن تلاوات وصلوات ..
الفَن شيئاً ، من اللآشيء
وحلماً وخيالاً تعانقا ..
فأصبح واقعاً يمشي بلا قدَمين
كالظل خلفنا .. كالسراب أمامنا ..
كَـ الحياة .


شُكراً