السبت، 1 سبتمبر 2012

السعودية ، والليبرالية ، والمفهوم الأخر !



مدخل :

تعرف الليبرالية حسب المفهوم لها هُنا في السعودية أو في عند العرب
أو حتى بعض الأفكار الأختلاطية الغربية أنها
هي مذهب رأسمالي ينادي بالحرية المطلقة في السياسة والاقتصاد ، وينادي
بالقبول بأفكار الغير وأفعاله ، حتى ولو كانت متعارضة مع أفكار المذهب والدين وأفعاله000!
، شرط المعاملة بالمثل . والليبرالية السياسية تقوم على التعددية الإيدلوجية
والتنظيمية الحزبية . والليبرالية الفكرية تقوم على حرية الاعتقاد ؛ أي حرية
الإلحاد ، وحرية السلوك ؛ أي حرية الدعارة والفجور ، وعلى الرغم من مناداة
الغرب بالليبرالية والديمقراطية إلا أنهم يتصرفون ضد حريات الأفراد والشعوب في
علاقاتهم الدولية والفكرية . وما موقفهم من الكيان اليهودي في فلسطين ،
وموقفهم من قيام دول إسلامية تحكم بالشريعة ، ومواقفهم من حقوق
المسلمين إلا بعض الأدلة على كذب دعواهم .


..

الأن مع تحليلات ونظريات لليبرالية من
جريدة عكاظ ، وأيضا أون لاين ، وجرائد ومواقع مختلفة :

في السنوات الأخيرة ظهر تيار في بلادنا يرفع شعار التجديد والتغيير ويسمي نفسه بالتيار السعودي الليبرالي، وهو يشتمل على مجموعة كبيرة من المثقفين كتابا وإعلاميين ومدونين ونحو ذلك. وهذا التيار لا يزال نخبوياً؛ أي أنه لم يتجذر في المجتمع السعودي ويكون له حضور قوي وفاعل لأسباب عديدة، منها ضعف التواصل مع فئات وأفراد المجتمع. ورغم هذه البداية الهشة لهذا التيار فإن توجيه سهام النقد له لا ينبغي أن يعد إرهاقا له بقدر ما هو تعضيد له وتطوير لحركته. وأنا في هذا المقال أواصل هذا النقد الذي يغلب عليه التحليل السريع أكثر من الفحص الدقيق للمبادئ والأصول.
إن الظهور المتأخر الذي حظي به التيار الليبرالي عندنا هو امتداد لظهورات سابقة اتخذت عدة تسميات كالنهضة والحداثة وغيرهما، إلا أنه ظهور ملفت للنظر بسبب أحداث سياسية واجتماعية طارئة وبسبب ــ أيضا ــ التطور التكنولوجي في وسائل الاتصال. وهذا ما جعله يأخذ ذلك الصدى الذي لم يحظ به من سبقه. إلا أن هذا الظهور لا يزال في طور «الموضة». والموضة حسب تقديري هي نمط من الفكر والسلوك الجديدين اللذين يكونان مجرد ردة فعل على القديم السائد. وبعبارة أخرى الموضة هي الجديد أياً يكون. وحينما أقول إن «الليبرالية السعودية» لا تزال موضة ولم تتخط بعد هذه العتبة فأريد بذلك أنها لم تتأسس على مبادئ وأصول مستقلة وذاتية وإيجابية، بل إنها مجرد رفض للتيار السائد. إنها «أيديولوجيا سلبية»، وهذه نتيجة لكونها «موضة». والأيديولوجيا الليبرالية السلبية هي تلك التي تتحدد وتنبني على معارضة ومناقضة التيار السائد. وهذا ما يحصل لدينا، فـ «الليبراليون السعوديون» لا يهتمون بالمبادئ والقيم التي تقع خارج دائرة الصراع مع التيار المحافظ، وللإيضاح فمبدأ الديمقراطية ــ مثلا ــ لا يشغل التيار الليبرالي السعودي بقدر ما يشغله أمور أقل أهمية لسبب بسيط وهو أنه لم يندرج في دائرة الصراع تلك. ويجب علي توضيح نقطة مهمة جداً، وهي أن هناك «ليبراليين» من السعودية ولكنهم لا يندرجون في تيار «الليبراليين السعوديين»، وسأحتفظ بمصطلح «الليبراليين السعوديين» ــ مؤقتا ــ لوصف الأغلبية السائدة من كتاب الصحف وكتاب المنتديات الإلكترونية والمدونات وغيرها. هؤلاء ــ بكل أسف ــ لا يمتلكون وعيا عميقا وشاملا بالقيم التي يمكن وصفها بالليبرالية. وسنعرف لماذا.
هذا التيار الليبرالي ــ وليس الأفراد المستقلون ــ ينهض على أساس معرفي هش. وهذه الهشاشة المعرفية والضعف الفكري ناجمان من استقائه لمعارفه من مصادر معرفية هشة ومنخرطة في السجال الأيديولوجي الذي يحضر فيه كل شيء إلا المعرفة!. أجل، ما أكثر ما يكون المرجع المعرفي لأعضاء هذا التيار هو تحديداً تلك الميادين التي وجدوا أنفسهم يصطرعون فيها مع التيار المحافظ. وأقصد أنهم دخلوا في ميادين السجال واكتسبوا معارفهم وقيمهم «الليبرالية» من هذا السجال ذاته، وهذا ما جعل مبادئهم قائمة على مجرد المعارضة والمناقضة. ومع ذلك فإن التعارض والتناقض بين التيارين ليس حاداً، فلقد تأثر كل واحد بأسلوب الآخر حتى كدنا لا نعي الفرق!
إن الضعف المعرفي والهشاشة الفكرية أديا بهذا التيار إلى تجاهل قضايا ومسائل مهمة جدا، وما كان تجاهلهم لها وتركهم إياها إلا لأنها ليست من المبادئ التي ينافح عنها التيار الخصم!. وهنا ــ تحديدا ــ غابت الليبرالية بمعناها الحقيقي الذي لا يجعلها مجرد «أيديولوجيا سلبية». فالليبرالية بمعناها الحقيقي لا تقوم على هذا السجال الحاد الذي يحفزه التعصب والكراهية وحب المخالفة. ومجرد رصد سريع للمقالات التي تمتلئ بها الصحف وتكتظ بها المنتديات يظهر لنا أن المسألة لا تعدو أن تكون مجرد صراع مخجل حول قضايا ثانوية. إن كل تيار يتحدد بناء على مخالفة خصمه هو تيار أيديولوجي سلبي، وهو غير قادر على البناء ولا على الصمود أمام العقبات والمهمات التي ينبغي عليه القيام بها لو كان صادقا فيما يرفع من شعارات. أن تكون ليبرالياً لا يعني أن تنخرط في صفوف «تيار الليبرالية السعودية»؛ وإنما أن تنافح، بكل ما تملك، عن أهم مبدأ من مبادئ الليبرالية وهو «الحرية»، ويجب التذكير أن مبدأ الحرية ليس امتيازا خاصا بك وبتيارك وبالناس المتفقين معك، بل هو حق أصيل لخصمك أيضاً. وإذا لم تعطه إياه... إذا لم تعترف به له، فلست سوى أيديولوجي سلبي لا غير. وكلنا يعرف أن هناك أفراداً من التيار الإسلامي هم أكثر ليبرالية ممن يتسمى بهذا الاسم. إن الليبرالية ليست سوى الحرية وأما ما عداه فهو تهويش ولغط. وحتى الكلمة في أصلها اللاتيني هي الحرية ولم أبقِ عليها إلا لشيوعها.
أن تكون ليبرالياً يعني ــ كذلك ــ أن تمارس النقد المتواصل لذاتك أولا قبل انتقاد غيرك. والنقد لا يراد به مجرد المس الطفيف والمداعبة اللطيفة بل الحفر في أعماق الوعي وفي أصول الخطاب والقيام بالمراجعة والمساءلة، بناء على معايير موضوعية؛ كالعقل والعلم والواقع المعاش، وليس بناء على ما يملكه الخصم وما لا يملكه من مبادئ وقيم. إنك إن تجعل خصمك معياراً لك تقع فيما يقع فيه وتتشابه معه بصورة دقيقة. إني لا أنكر وجود الصراع والسجال، ولكني أنكر أن يكون هذا وذاك هو المحرك لك ولفكرك وسلوكك. لقد أثبتت الأحداث السياسية الجارية في العالم العربي على صحة هذا الرأي. لقد كانت ــ بحق ــ مختبراً أصيلا للقيم والمبادئ، ولقد تهاوى من حولنا هذا البناء الفكري الهش مع أول موجة من موجات التغيير والتحرر. فما الذي يبقى من «الليبرالية» إذا كان أفرادها أول من ينخدع بالتضليل الإعلامي وأول من يجحد القيم الليبرالية ذاتها في لحظة حماس أعمى أو نفاق ممجوج؟!
أن تكون ليبراليا يعني أن تكون مستقلا؛ غير مرتبط بأية مرجعيات حزبية أو عقدية أو سياسية رافضة لمبدأ الديمقراطية. لك الحق، كليبرالي، أن تنضم لأحزاب وتجمعات معينة تؤمن بالتغيير والتطور والديمقراطية ولن يلومك أحد، ولكن لا يمكن أن نعتبرك «ليبراليا» وأنت تنخرط، ولو بإراداتك، في أية هيئة اجتماعية أو سياسية غير مؤمنة بالحرية والديمقراطية.



..
النظرة الأخرى والقراءة المنهجية ، من الأستاذ عبدالرحمن العميري من موقع صيد الفوائد :

يلحظ المراقب للحالة الفكرية في الداخل السعودي نشاطا مكثفا للتيار الليبرالي , فقد أخد بكل ما أوتيه من قوة يعرض نفسه للناس في محافل كثيرة , ويبدو بأصوات متعددة , ويظهر في أشكال مختلفة , باحثا بكل ذلك عن موطئ قدم يبني عليه مشروعه الفكري والاجتماعي .
وقد تناول عدد من المثقفين مخرجات التيار الليبرالي بالتوصيف والتمحيص والنقد , وجاء هذا المقال ليتناوله من جهة معرفية بحتة , وليحاكمه إلى الشروط التي يجب توفرها في كل مشروع ناضج منتِج , وليقارنه بالمشاريع التي استطاعت أن تقدم للمجتمعات حلولا حقيقية تخرجها مما تعانيه من أزمات , وتعيشه من إشكاليات .
وإذا حاول المراقب أن يتعاطى مع التيار اللبيرالي السعودي بهدوء وأن يتعامل مع منتجه الفكري والثقافي بمهنية في التحليل وإتقان في التوصيف .. ليتعرف على مقدار ما يمتلكه من مؤهلات معرفية وفكرية وسلوكية تؤهله للعيش والنمو في الحالة السعودية .. سيخلص منذ المرحلة الأولى من التحليل إلى نتيجة مفادها : أن التيار الليبرالي يعاني من أعراض مرضية حادة تحول بينه وبين أن يكون مشروعا رائدا أو مخلصا أو ملبيا لحاجيات العقل الواعي الذي يميل إلى الانضباط في الاستدلال والعمق في التحليل والاتساق مع المبادئ واحترام القيم وتعظيم التمسك بها .
فالمراقب الواعي إذا تجول في مخرجات التيار الليبرالي وسار في جنباته ووقف على أبرز محطاته التي برز فيها للعيان , وسلط الأضواء على مرتكزاته المعرفية , تصيبه الدهشة بسبب ما يراه من الفقر الشديد في مؤهلات النمو الصحي , وبسبب ما يلحظه من الهشاشة الكبيرة في مرتكزات شرعية وجوده في الساحة الفكرية .
وسيكتشف أن الليبرالية السعودية تعاني من أزمة فكرية ومنهجية عميقة , أزمة في المصطلح، وأزمة في الخلفيات الفلسفية، وأزمة في السلوكيات اليومية، وأزمة في الالتزام بالقيم، وأزمة في الاتساق مع المبادئ , وأزمة في الاطراد، وأزمة في التوافق بين أسس الليبرالية وبين قطعيات الشريعة الإسلامية .
وقد استفحلت تلك الأعراض حتى وصلت إلى حالة مهكلة خرجت عن السيطرة , وتسببت في إنهاك جسده ووصوله إلى حالة مرضية خطيرة , وأضحت تلك الأعراض معوقات حقيقية للحيلولة دون نموه بشكل صحي .
وحتى لا تكون هذه النتيجة مخالفة للواقع , أو متصفة بالاستعجال والتهور , أوالتسرع في استخلاص النتائج , فإنا سنبرز أعقد تلك الأزمات التي اتصف بها التيار الليبرالي , وتسببت في تشوه صورته وتعرقل مسيرته , وسنمارس معها التحليل المنبسط والتفكيك المسترسل والهادئ حتى نتحقق من صدق تلك النتيجة .
الأزمة الأولى : إشكالية التأسيس :
تبدى التيار الليبرالي وهو يحمل اسما نشأ في بيئة مختلفة وتربى في محاضن فكرية مغايرة , ومع هذا فهو يعاني في أصله من اضطراب وقلق في انضباط مفهومه , ومصاب بغموض شديد في تحديد مقصوده , ومشبع بمضامين فكرية وفلسفية تتقاطع مع الإسلام تقاطعا ظاهرا.
فليس خافيا على أحد من المثقفين أن الليبرالية نشأت أول ما نشأت في الفكر الغربي تحت ظروف فكرية واجتماعية محددة وفي أحوال دينية خاصة , وقد تضمنت في حالتها الغربية مبادئ أساسية لا تنفصل عنها , كمبدأ الحرية المطلقة ومبدأ الفردية ومبدأ العقلانية , حتى غدت من المتلازمات في ذهنية القارئ .
وهي بهذه المبادئ تتضمن القول بنسبية الحقيقة وتدعو إلى العلمانية وفصل الدين عن الحياة السياسية والاقتصادية وغيرها , وتقرر المساواة بين الأديان وحرية التنقل بينها , وتسمح بحرية مزاولة المحرمات القطعية في الشريعة , وتقطع الأخلاق والمبادئ عن الأساسات المرجعية لها سواء الدينية أو غيرها , وتعتقد أن الحرية المطلقة هي المبدأ والمنتهى والباعث والهدف والأصل والنتيجة في حياة الإنسان .
ولما كانت الليبرالية الغربية بهذه الصورة حدث انفصام نكد في التيار الليبرالي السعودي , فقد انقسم في موقفه من حالة الليبرالية الغربية إلى قسمين ظاهرين :
القسم الأول : من لم يبد الإنكار لتلك المضامين , وقرر ما تقوله الليبرالية الغربية من أنها الانفلات المطلق والحرية الكاملة ,والتحرر من كل قيد , وكرر بعض منتجاتها , كالقول بنسبية الحقيقة وتاريخية الأحكام الشرعية , والانفتاح الكلي لدلالات النصوص وقابليتها لكل التأويلات .
وفي ضمن هذا القسم ظهرت لنا الليبرالية في مظاهر شاذة جدا , ومقالات شنيعة , وصلت إلى درجة إنكار وجود الإله , والاستخفاف بالنبي والاستهزاء الفاضح بالإسلام ووصفه بكل ذميمه , كل هذا ظهر تحت مسمى "شبكة الليبرالية السعودية " .
القسم الثاني : من ادعى الخصوصية السعودية في مفهوم الليبرالية , وأخذ يقول بأن الليبرالية السعودية تتميز عن غيرها في كل شيء , حتى في المفهوم نفسه , ورفعوا شعار" الليبرالية السعودية ليس كمثلها ليبرالية" .
فقد أدرك هذا القسم فضاعة ما تؤدي إليه الليبرالية في نسختها الغربية الأصلية من مناقضة للإسلام وأصوله , فاضطر إلى أن يمارس نوعا من التهذيب ويجري عمليات تجميلية عديدة ؛ حتى يتخلص من الموروث الغربي لها , ويتوصل إلى نسخة مخففة جدا , فأبقى على المبادئ الأساسية لليبرالية , وأخذ يبحث عما يمكن أن يوافقها في النصوص الشرعية , وغدونا نسمع بأن الليبرالية تعد من صميم الإسلام ؛ لأن الإسلام يحفظ للفرد حريته ويحترم له علقه .
وهذه العمليات التجميلية للمنتجات الغربية ليست جديدة على الساحة العربية , فقد مورست من قبل في الدعوة إلى الحداثة والدعوة إلى البنيوية وغيرها من المناهج النقدية الغربية , وقوبلت بإنكار شديد من قبَل عدد من كبار المفكرين العرب , وعدوا ذلك تشويها وتحريفا مغلفا .
وها هو الحال يتكرر في الليبرالية السعودية , فيبدوا أن عمليات التجميل لم ترض كثيرا من كبار المثقفين , فأنكروا دعوى الخصوص السعودية ووصفوها بالخدعة والأكذوبة , ووصفوا من مارسها بأنهم أدعياء ومتسولون .
وقد أبدى بعض المراقبين تحفظا من جهة أخرى , وهي أن الليبرالية السعودية ادعت الخصوصية , ولم تبين لنا معالم تلك الخصوصية ولا الحواجز الفاصلة بينها وبين النسخة الأصلية , ولا القيم التي تقوم عليها ولا الأسس الفكرية التي تستند إليها , وإنما غاية ما ذكروه ممارسات يومية مشتتة يجمعها وصف واحد وهو المضادة للتوجه الشرعي في السعودية .
فغدت الليبرالية السعودية بدون أسوار ولا أبواب يدخل فيها كل من يريد .
وبهذا كله ازدادت الليبرالية غموضا إلى غموضها وقلقا إلى قلقها واضطرابا إلى اضطرابها , مما يؤكد مدى الأزمة التي تعاني منها في بناء مشروعها وعمق الإشكالية التأسيسية التي أصيبت بها منذ اللحظة الأولى من ولادتها , وهذا كله كانت له أبعاد كثيرة في كيفية توصيفها وفي منهجية تصنيفها .
الأزمة الثانية : التناقضات المتزاحمة :
ركبت العقلية البشرية على التسليم بالمبادئ الفطرية التي تتنافى بشكل قاطع مع الاضطراب والقلق , فالعقل البشري بطبعه يميل إلى الاتساق ويشعر بالارتياح إليه وبالسرور به .
ولكنه يفقد ذلك كله حين يكون متابعا للمنتج الليبرالي في السعودية, فنتيجة لانعدام الرؤية الناضجة في قيم الليبرالية , وضبابية الموقف من الأسس الفكرية , فقد وقعت الليبرالية في ممارسات تناقضية عديدة .. تألم منها بعض إتباع التيار الليبرالي نفسه , وكتب فيها مقطوعات رثائية عديدة , ومنها مقطوعة "المكارثيون السعوديون الجدد" يرثي فيها لحال زملائه ويندد فيها بالأوضاع المزرية التي وصلوا إليها من التناقض .
1-فبينما ينادي التيار الليبرالي السعودي صباح مساء بالحرية الفردية , ويطالب بفتح الباب لحرية الرأي , ويؤكد على أنها الأساس الذي يقوم عليه التطور والارتقاء والوصول إلى النضج المعرفي , فلا يكاد ينتهي من هذا كله إلا وتتهاوى هذه الدعوة في أول محطة من المواجهة , وتجده يتخلى بكل سهولة عما ينادي به , ويمارس الإقصاء ومحاربة الرأي المخالف له بكل صرامة , فكم اشتكى المثقفون من الإقصاء الليبرالي , وكم منعت أصوات جراء الحرب الضارية التي أقمها التيار الليبرالي على الحرية الفكرية .
ولم يكتف التيار الليبرالي بمحاربة الحرية بنفسه , بل انتقل إلى مرحلة أخرى , وهي التحريض على المنافذ الإعلامية التي تتيح للرأي المخالف رؤية النور , والدعوة إلى إغلاقها والتضييق عليها ولو بأسلوب متلوي متعسف , وأقرب مثال على ذلك : ما مارسه التيار الليبرالي من تحريض شديد على قتاة المجد لما ظهر من خلالها رأي يخالف التوجه الليبرالي .
ومع ذلك كله فالمتابع لا يجد لأكثر التيار الليبرالي كلاما عن انتهاك الحرية السياسية وقمع الأصوات التي تنادي بمحاربة الاستبداد وتداول السلطة , وتسعى إلى تحقيق العدالة , ولا نجد لهم كلاما عمن سلبت منهم حرياتهم بسبب انتقاده للاستبداد والتفرد بالسلطة , كل هذه الموضوعات يسكت عنها التيار الليبرالي , وكأنها لا علاقة لها بالحرية الفردية !!
ويبدو أن التناقض بين القيم الليبرالية وبين الممارسات اليومية للتيار الليبرالي بدا يشكل كابوسا مزعجا يلاحقه في كل زمان ويظهر له في كل مكان .
2- ويلاحظ المراقب أن التيار الليبرالي جعل من أبجدياته اليومية الدعوة إلى محاربة التطرف والتشدد والإرهاب , وكرر على أسماع الناس بأن هذه المحاربة هي التي تؤدي إلى الاعتدال والاستقرار .. ولكننا نجده يتناقض في مواقفه من التطرف فقد غض الطرف عن تطرف آخر بلغ من الشطط والشذوذ مبلغا كبيرا , والغريب أن هذا التطرف ظهر للناس وهو يحمل اسم الليبرالية السعودية , فقد مورست شناعات دينية تحت ظل هذا الاسم , فظهر للعيان إنكار وجود الله والاستهزاء بالنبي والتشكيك في القرآن تحت مظلة " الشبكة الليبرالية السعودية " , ولم ير المراقبون من التيار الليبرالي الحماس النقدي ولا الكتابة المكثفة ولا الدعوات المركزة لإنكار هذا التطرف مثل ما رأوه في إنكار النوع الآخر , مع أنه في النوع الثاني أوجب على الليبرالية وألزم لأنه خرج بنفس الاسم الذي يحملونه وتحت المظلة نفسها .
3- ويدعو التيار الليبرالي في كل محفل وعند اقتراب معارض الكتاب إلى ضرورة الانفتاح المعرفي والمجتمعي على العالم والسماح بنشر كل مؤلف من غير تضييق عليه أو تحريض , ويسعى إلى إلغاء الرقابة على المنتجات الورقية وغيرها .. ولكننا نفاجأ بأنه في بعض خطاباته يتبنى الدعوة إلى الرقابة المشددة على منتوجات التوجه الديني من الكتب والمجلات والأشرطة والمواقع والقنوات والبرامج , ويدعو ولو بطرف خفي إلى التضييق عليها , وتكثيف الرقابة والمراقبة .
4- ولا يكاد يهدأ أكثر التيار الليبرالي من توجيه الذم إلى المجتمع ووصفه بأنه متخلف لم يعرف التطور ولم يذق طعم التقدم , ولم يعش الارتقاء , وأنه ما زال يعيش في عصر التقييدات المكانية والزمنية , وأنه لم يخرج عن البداوة والقبيلة .. ثم نجد ذلك الذم يقف عند دائرة المجتمع فقط , ولا يصل إلى السلطة الحاكمة , بل يصل في بعض المظاهر إلى الإطراء من شأن السلطة والإعلاء من رقيها وتقدمها , مع أن السلطة جزء من المجتمع , بل هي أحد الأسباب التي أدت إلى حدوث التخلف في المجتمع وإلى استمراره .
5- ويشن عدد من التيار الليبرالي حملة لا هواة فيها على التصنيف الفكري للمجتمع ويعلن الإنكار القاطع لتقسيم المجتمع إلى تيارات معرفية متدافعة , ويصور ذلك على أنه أحد النواقض الكبرى لمفهوم الوطن الواحد , ولكن المراقب للمنتج الليبرالي يجد حضورا مكثفا للتصنيف والتقسيم , فهو من أكثر التيارات التي تقسم المجتمع إلى متشدد ومعتدل ومتطور ومتحجر ومتفتح ومنغلق وعقل أحادي وعقل تعددي وغيرها من التصنيفات التي لا يكاد تخلو منها الصحافة الليبرالية .
6- وقد اعتبر عدد من التيار الليبرالي الاختلاف الثقافي والمجتمعي والواقعي أحد الموانع التي تمنعنا من الاعتماد على التراث الإسلامي , فهو نشأ في بيئة مختلفة عن بيئتنا وفي نطاق فكري مختلف عن فكرنا , وبالتالي فلا داعي لاجتراره واستهلاك الوقت في إحيائه – كما يقولون - , ولكننا في المقابل نسمع صباح مساء دعوات مؤكدة على ضرورة الاقتراض من التراث الغربي وفتح الأبواب أمام الانغماس في أمواجه المتلاطمة , مع أنه هو الآخر مختلف عنا في كل الجوانب التي ذكرها التيار الليبرالي في تحييد التراث الإسلام!
ومن جهة أخرى يشهد المتابع للمنتج الليبرالي حضورا مكثفا للدعوة إلى الانفتاح على التراث الإنساني وضرورة الاستفادة مما فيه من قيم ومبادئ – ولا شك أن هذه دعوة صائبة في أصلها – ولكننا في المقابل نلمس تقليلا وتحقيرا من التراث الإسلامي وإعراضا ظاهرا عنه , ومحاولة لصرف الأنظار عنه , وكأنه ليس تراثا إنسانيا أيضا , وكأنه لم يقدم أي معنى من معاني الإنسانية .
7- ويستمر التيار الليبرالي في تناقضه , وذلك أنه أكثير من يتهم الآخرين بأنهم يزعمون لأنفسهم امتلاك الحقيقة ويصف من يفعل ذلك بالتحجر وضيف الأفق والخروج عن الواقع ولكن المراقب الواعي إذا تجول في المنتج الليبرالي يجد أنه من أشد التيارات التي تسلك مسلك من يرى أن الحقيقة لا تخرج عما يقول , ومن يرى أنه لا أحد يمتلك الحقيقة غيره , ويتجلى ذلك في عبارات القطع والجزم والتجهيل والتخطئة الجازمة والمؤكدة لأقوال من يخالف توجهاته , فإذا كان هذا الأسلوب لا يمثل امتلاك الحقيقة فما الذي يمثلها إذن؟!
8- ويقلل بعض التيار الليبرالي من أهمية الدعوة إلى المحافظة على الخصوصية الفكرية والمجتمعية , ويهون من أهمية الحفاظ على الهوية المعرفية ويستهجن فكرة الغزو الفكري ويعدها خيالا مصطنعا , بحجة أنا نعيش في عصر العولمة الذي أضحى العالم فيه قرية واحدة , ولكننا في المقابل نجده يقول إن الليبرالية السعودية لها خصوصيتها التي لا يشاركها فيها حتى الدول العربية , فهي ليبرالية ليس كمثلها ليبرالية , لأنها تتمتع بخصوصية وهوية صارمة لا تقبل الاختلاط بغيرها !
إن هذه الممارسات المتناقضة وغيرها مما لاحظها المراقبون استشرت في جسد الخطاب الليبرالي حتى وصلت على درجة الازدحام , وهي تؤكد مدى المعاناة المعرفية التي يعاني منها , وتشير إلى مقدار الأزمة المعرفية المخيمة عليه وتقيس كمية القلق الثقافي الذي تحدثه في الساحة الفكرية , وتظهر الكثافة الضبابية التي خيمت على أسس الليبرالية .
وإذا رجعنا إلى الاستقراء التاريخي لنستجلي الدلالات التي تستخلص من كثرة التناقضات وتزاحمها في مشروع ما فإن نجدها تدل إما على تفتت أصول المشروع وهزالتها وإما على ضعف تصور صاحب المشروع لها وإما على ضعف إيمانه بها وقلة تصديقه بمضمونها وفائدتها , وبالتالي يخالفها في ممارساته اليومية , وكل واحدة من هذه كفيلة بالتسبب في إفلاس المشروع وتعثره .
والتيار الليبرالي بهذه التناقضات يكون فاقدا للمشروعية المعرفية وخاليا من مؤهلات النجاح الفكري ؛ لأنه مفتقر إلى أوليات المنهجية المنتجة وأبجديات الأسس الأصلية التي تقوم عليها المشاريع المقنعة لأصحاب العقول المتسائلة .
ومن المستغرب حقا أن التيار الليبرالي ما زال مصرا على المضيء قدما في مزاولة تلك التناقضات , مع كثرة الأصوات الثقافية المنادية بالإنكار والتشنيع على صنيعهم والمحذرة من الآثار الفكرية والثقافية التي تحدثها تلك المزاولات في الساحة , ولكنه ألقى بكل الأصوات وراء ظهره , وكأنه يقول : ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد .
الأزمة الثالثة : التضليل المعرفي :
من أساسيات الوعي الفكري التي يمثل المساس بها انخراماً خطيراً في البنية التحتية : احترام الفكرة نفسها وصدق التعامل معها , وتقدير عقل المتلقي لها , ومتى ما حدث تجاوز لهذه المبادئ فإن الفكر يتوجه مباشرة إلى التضليل والتزييف والتلاعب والانحطاط والتشويه.
والمتابع للمنتج الليبرالي والمطلع على العملية التفكيرية التي يمارسها في تعاطيه مع القضايا التي يسعى إلى تكريسها ونشرها في الوسط الثقافي السعودي يجد أن لديه انزلاقات خطيرة في تصوير الحالة الفكرية، وفي منهجية التعامل معها، وفي طريقة تركيب النتائج واستخلاصها.
وقد تسببت هذه الانزلاقات في تضليل الوعي المجتمعي، وإبعاده عن الحقيقة، وإقامة حواجز غليظة تحول دون الرؤية الناضجة للواقع.
فالمتابع الواعي يجد أن أكثر التيار الليبرالي لا يفرق بين الغلو والتطرف وبين مظاهر التدين الصحيحة , فيبدو للعيان أنه لا يفرق تفريقاً واضحاً بين من يتبنى فكر التطرف والغلو والتكفير وبين المتدين المتمسك بالشعائر الظاهرة, وأخذ يدخل في التطرف قضايا شرعية صحيحة لا علاقة لها بالتطرف , وأخذ ينقد المتطرفين والغلاة في مسائل شرعية ليست هي سبب حصول الغلو والتطرف لديه , وهذا كله تسبب في تضليل مفتعل لا حقيقة له.
ويجد أيضا أن التيار الليبرالي لا يفرق بين التقدم والتطور والارتقاء الحضاري وبين منتجه الفكري والصحفي , وبالتالي فكل من ينتقد منتجه أو يتحفظ عليه سواء في قضايا المرأة أو غيرها فإنه يُصَوَّر على أنه مخالف للتقدم والتطور، وأنه معاد للمعاصرة ويدعوا إلى التخلف والعيش في الظلام، وأنه محارب للعدالة والمساواة، ولديه أزمة في علقه وقلبه! , وكل هذا نوع من التضليل الفكري المفتعل.
وإذا حاول المتابع أن يقوم بعملية استقرائية للصحافة الليبرالية ليتعرف من خلالها على الهموم المسيطرة على منتجها سيجد أنها في أغلبها منصبة على موضوعات محدودة جدا كموضوع عمل المرأة، والإرهاب، وآراء بعض الدعاة , وهذا الطرق المكثف والتناول المركز يؤدي إلى التضليل الفكري بشكل ظاهر ؛ لأنه يوجه المشهد الثقافي إلى خانات محددة لا تمثل كل إشكالياته الحقيقية ولا كل أزماته الملحة.
وإذا استمر تجوال المتابع في ساحات المنتج الليبرالي سيجد نوعا آخر من التضليل المعرفي , سيجد أن الخطاب الليبرالي انتقى نوعا من العلماء وطلبة العلم ممن يتوافق مع بعض أطروحاته وجعلهم الممثلين للنضج الشرعي , وصور للقراء بأنهم هم الذين يمثلون الاعتدال والعلم الحقيقي , وأنهم المنقذ للأمة مما تعانيه من تخلف , وسعى إلى إبرازهم وإظهارهم , بل وصل الحال إلى عقد تراجم شخصية لبعضهم.
وإذا حاول المتابع أن يتعرف على أسباب ذلك لا يجدها ترجع إلى التمكن العلمي، ولا إلى النضج الاستدلالي، ولا إلى الخبرة في الاستنباط، ولا إلى الإتقان في الملكة العلمية , ولا إلى الثراء في النتاج العلمي , وإنما إلى أنه قال قولا يوافق الخطاب الليبرالي , أليس هذا تضليلا للفكر وتلبيسا على المتلقي ؟!
وتتبدى عليمة التضليل المعرفي في مجال آخر , فإن الخطاب الليبرالي حين أراد أن يبحث عن المؤيدات الشرعية لمواقفه , قام بحملة تشريعية كبيرة , ولكنه وقع في أخطاء بحثية عديدة، نتيجةً لضعف المعرفة بالعلوم الشرعية، ونقص الأدوات البحثية لديه, من أفتكها : الانتقائية الاستدلالية , بحيث إنه لا يستقرئ النصوص الشرعية ليستخرج من مجملها حقيقة ما تدل عليه , وإنما انتقى منها ما يراه يدل على قوله.
ولأجل هذا لما اقتنع بعض الخطاب الليبرالي بأن النص الشرعي منفتح على كل الدلالات وأنه قابل لكل التأويلات , وأراد أن يشرعن لهذه النظرية ويبحث لها عن مستند في التراث , انتقى مقولة علي رضي الله عنه للخوارج , حين قال لهم : " إن القرآن لا ينطق وإنما يتكلم به الرجال " , وتوصل من خلالها إلى أن علياً يقول بنظرية انفتاح الدلالة , ونسي أن عليا رضي الله عنه أرسل ابن عباس ليناظر الخوارج فيما فهموه من القرآن وليبين لهم أخطاءهم , ونسي أن علياً قاتل الخوارج لما كفروا المسلمين بناء على ما فهموه من القرآن , نسي كل ذلك وتوقف عن تلك المقولة فقط.
أليس هذا تضليلا للفكر وتلبيسا على المتلقي ؟!.
ويجد المتابع تضليلا آخر لدى الخطاب الليبرالي , فإنه يجد في المنتج الليبرالي زيادة طافحة في جرعة التضخيم للأمور إلى درجة الخروج بها عن الواقع والتصادم مع المحسوس , فقد مارس عدد من التيار الليبرالي تضخيماً موسعاً لبعض الأفكار التي دعى إليها بعض الدعاة والشرعيين – بغض النظر عن القول بصحته أو خطئه – حتى وصل إلى درجة التمويه على عقلية القارئ والاستخفاف به , وأقرب مثال على ذلك : التشويه المفتعل الذي مورس على الدعوة إلى هدم الحرم وبنائه على شكل يحقق فك الاختلاط بين الرجال والنساء , فقد أصر الخطاب الليبرالي على تصوير هذه الدعوة على أنها دعوة لهدم الكعبة نفسها !!
ومن مشاهد التضليل المعرفي التي يجد لها المراقب حضوراً مكثفاً في الخطاب الليبرالي : السعي إلى تحويل عدد من الشعائر والعبادات الدينية إلى عادات اجتماعية وتفريغها من البعد الديني وربطها بالأوضاع التاريخية والمحلية ؛ حتى يسهل تجاوزها والقدح فيها , كما هو الحال في تصوير الحجاب على أنه عادة من العادات الاجتماعية وليس من الشعائر الدينية.
وهذه العملية التضليلية مارسها الخطاب العلماني العربي في قضايا كثيرة كقضية الميراث، وقضية الحجاب، وقضية الحدود الشرعية، وقضية الطلاق، وقضية القوامة، وقضية تعدد الزوجات، وغيرها , وهاهو الخطاب الليبرالي السعودي يعيد تلك التجربة ولكن بجرعة مخففة.
وإذا تابع المراقب توصيف الخطاب الليبرالي للمشاريع النقدية التي ظهرت في الفكر العربي كمشروع محمد أركون، ومشروع حسن حنفي، ومشروح محمد الجابري، ومشروع نصر حامد أبو زيد، فإنه سيقف على تضليل معرفي من نوع آخر , فبعض الخطاب الليبرالي السعودي وصف أصحاب تلك المشاريع بالأوصاف الاطرائية العالية , وصفهم بأنهم أكبر المجددين في الإسلام وأنهم من حكماء المسلمين الكبار , وأن مشاريعهم تمثل فتحا جديدا للفكر الإسلامي , وهو بذلك كله يمارس تضليلا معرفيا على عقلية القارئ ؛ لأنه لم يراع مقدار الوعي الذي وصل إليه العقل العربي ولا مقدار الحاسة النقدية التي استطاع الارتقاء إليها , ولم يلتفت إلى كمية الجهود البحثية التي قام بها الخطاب العربي بجميع أطيافه – سواء العلمانية أو الإسلامية – في نقد تلك المشاريع.
فالمستقرئ للساحة الفكرية يجد أن تلك المشاريع النقدية قُدِّمت حولها بحوث علمية جادة أظهرت ما فيها من الخلل المنهجي الغائر في البنية المعرفية والبحثية لديها , وأبرزت ما احتوت عليه من الأخطاء التاريخية والتراثية , وأبانت ما فيها من المخالفة الصريحة لقطعيات الإسلام , وما تضمنته من الانزلاقات الاستدلالية والنتائجية , وكشفت مقدار التحريف الذي وقعت فيه سواء في التراث العربي أو الغربي , وبينت آثارها الفكرية المدمرة للفكر والمعرفة , ولكن الخطاب الليبرالي يتعالى على كل هذه الجهود وكأنه ليس لها وجود!
إن شيوع هذه الممارسات التضليلية في الساحة الفكرية له آثار سلبية مميتة , فهي من أقوى الأسباب التي تؤدي إلى حدوث القلق والفوضى بأنواعها , فوضى في تصوير أقوال الآخرين، وفوضى في موزين النقد والتقييم، وفوضى في بناء المواقف وتركيب النتائج.
الأزمة الرابعة : القطيعة المتصلبة :
تحتاج المناهج الإصلاحية في مسيرتها إلى أساسات متينة تبنى عليها , وإلى ركائز قوية تستند إليها , سواء كانت دينية أو اجتماعية أو تاريخية أو فكرية , ومتى ما فقدت شيئا من هذه الركائز فإنها منتهية على السقوط والفشل.
والمتابع للخطاب الليبرالي السعودي بهدوء والمتلمس للأبعاد النفسية والفكرية التي تكمن في مظاهره , يجد أنه فاقد لكل تلك الأساسات , فهو يعاني من قطيعة شعورية متصلبة مع المجتمع , لأنه يعيش حالة انعزال مع بعض أصوله الدينية، وحالة انعزال مع تاريخه وتراثه، وانعزال مع بعض رموزه وقيادته الفكرية , وقطيعة مع كثير من قيمه.
وهناك مؤشرات عديدة تؤكد هذه الحالة الانعزالية :
ومن تلك المؤشرات : أن الخطاب الليبرالي ظهر للمتابعين بالقدح في الرموز الدينية في المجتمع , ومارس معها حالة نقدية واعتراضية عارمة , وزاول عمليات اعتراضية على الحالة الدينية بشكل مكثف , وأظهر الاستخفاف بالعلماء وبموافقهم ووصفهم بأوصاف قاسية , وبذل جهودا في محاولة إسقاط منزلة العلماء واخفاء دورهم.
وقد قامت الأقلام الليبرالية بتوجيه حملات نقدية وإسقاطية متتالية على عدد كبير من علماء الاتجاه الشرعي لما أبدى ما يخالف قولهم , كل ذلك مع فقر شديد في المستندات الشرعية وضعف بـيـِّن في اللغة الشرعية.
وهذه الحملات أدت إلى حدوث القطيعة بين التيار الليبرالي وبين المجتمع ؛ لأن كل مجتمع في الوجود لا بد أن يكون لديه رموز يتعلق بهم ويصغي إليهم.
ونوعية تلك الرموز تختلف باختلاف طبيعة المجتمعات , فالمجتمعات التي تغلب عليها الحالة المادية تتخذ رموزا تمثل هذه الحالة, يعد المساس بها قدحا في مشاعر المجتمع واستخفافا بعقله وذوقه, والمجتمعات التي تغلب عليها الحالة الدينية تتخذ رموزا تمثل هذه الحالة ,يعد المساس بها قدحا في مشاعر المجتمع واستخفافا بعقله وذوقه.
ومن المؤشرات الدالة على القطيعة الشعورية لدى التيار الليبرالي مع المجتمع : غياب الاهتمام بأعقد المشكلات التي يعشها المجتمع , وتهم قطاع عريض منه , فالمتابع للصحافة الليبرالية يجد فيها خفوتا كبيرا في التحدث عن ظواهر تعد من أكبر الهموم التي يتحدث فيها الناس , ويمثل وجودها خللا دينا ومجمعيا كبيرا , كمشكلة الفقر وارتفاع معدلات البطالة في الشباب , وارتفاع معدلات الجريمة والسرقة والسطو وجرائم الزنا , وزيادة معدلات الطلاق , والتلاعب بالمال العام والحقوق المشتركة , واستشراء الفاسد الإداري والرشوة وغيرها من الإشكاليات التي تفاجئنا الصحافة اليومية بمعدلاتها المرتفعة.
والمتابع للخطاب الليبرالي لا يجد حضورا يتناسب مع ضخامة هذه الإشكاليات , وإنما يجده يتمحور غالباً حول إشكاليات عمل المرأة ومواجهة الإرهاب , إلى درجة الإملال , وهذا التمحور يشعر المتابع المدرك للوضع الاجتماعي أن التيار الليبرالي يعاني من الانتقائية الشديدة فيما يطرح ويناقش , وأنه ليس مهموما بالارتقاء بمجتمعه وحل ما يعانيه من أمراض وأزمات حقيقية.
ومن مؤشرات القطيعة الشعورية لدى التيار الليبرالي مع المجتمع : أن الخطاب الليبرالي معرض إعراضا تاما عن التعايش مع الأحداث المؤلمة التي تمر بالأمة الإسلامية , فقد عاشت المجتمعات الإسلامية حالات محزنة , ومواقف مبكية , جراء الأحداث الأليمة التي مرت بإخوانهم المسلمين في فلسطين والعراق وفي غزة وغيرها , وتألموا على ذلك غاية التألم , بينما نجد بعض الخطاب الليبرالي يتغافل عما يحدث وكأنه يعيش في كوكب آخر , ولا يجده الناس إلا في التعليق على فتوى بعض العلماء، أو في التحريض على مظهر من مظاهر التدين في المجتمع , أو في النقد لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر , أو في التطبيل لقرار سياسي ولو كان استبداديا , أو في التلميع لمفكر علماني ناقد للفكر الإسلامي.
وحين حزن المسلمون لنبيهم صلى الله عليه وسلم لما تطاول عليه الرسامون , وصوروه بصور لا تليق به , وأظهروا تألمهم وحزنهم عليه , ظهرت من بعض التيار لليبرالي مواقف تقلل من شناعة هذا الحدث الذي هز كيان الأمة , وتنكر على الأمة بأنها أعطت الأمر أكبر مما يستحق , بل حمل بعضهم المسلمين مسؤولية تلك الشناعة , وظهر لدى البعض الآخر ركودا كتابيا كبيرا في التعامل مع هذه الحادثة الأليمة، فهل تحمس الخطاب الليبرالي لنقد تلك الممارسات كما تحمس لنقد بعض الدعاة والعلماء لما أظهورا بعض أقوالهم؟!
إن المراقب الذي يمتلك قدراً بسيطاً من الوعي لا يكاد يجد في مثل هذه الممارسة إلا أنها دليل على مقدار القطيعة التي يعيشها التيار الليبرالي مع مجتمعه.
كان المجتمع يتمنى أن يجد تلك الحماس في التصدي لمن أساء إلى وحي ربهم، وقدح في نبيهم صلى الله عليه وسلم , كان المجتمع يتمنى أن يجد حرفا واحدا في نقد من دعا إلى ضرب الكعبة بقنبلة نووية , ولكنه تفاجأ بأن حماسة التيار الليبرالي ليست موجهة إلا إلى الداخل والشأن الديني فقط!
ومن آخر الأحداث المؤلمة التي زاد فيها بعض الخطاب الليبرالي من القطيعة بينه وبين المجتمع : ما حصل من إغلاق حلقات تحفيظ القرآن في مكة وجدة , فقد مثّل هذا الفعل جرحا عميقا تألم منه المجتمع , وثارت أحزانهم على كتاب ربهم , ومع هذا بادر بعض الخطاب الليبرالي إلى مباركته وتأييده , ودافع عنه ولمعه وكأنه فتح لم يقع للأمة مثله في التاريخ!.
ويزيد من الهوة الانعزالية التي يعيشها الخطاب الليبرالي مع المجتمع : ما يلحظه المراقبون من طغيان روح التبعية للثقافة الغربية , وما يشهده المتابعون من الاستلاب المعرفي للفكر الغربي ولمن تأثر به , فإنا نشهد إطراء عاليا للحالة الغربية وحضورا مكثفا لرموزها , كمثل فوكو وهيجل وكانت وريكور ورسل وجاك دريدا , ونجد في المقابل حالة نقدية للتوجه الشرعي وتقليلا من رموزه من الدعاة والعلماء وتحقيرا بالغا للتراث.
واجتماع هذه الأنواع من القطيعة في الخطاب الليبرالي يدل أنه يعاني من فقدان الأساسات المركزية التي يقوم عليها أي مشروع فكري ناضج مثمر , لأن المشروع الذي اجتمعت فيه تلك الانعزالات يكون فاقدا للبعد الاجتماعي، وفاقدا للبعد التاريخي، خاليا من البعد الديني، وخاويا من البعد الفكري , فهو بنيان لم يقم على أساس ولم يرتكز على قواعد حقيقية.
الأزمة الخامسة : التفتت الأخلاقي :
يجد المتابع للمنتج الليبرالي حضورا طاغيا للنماذج المتنافية مع أخلاقيات الفكر الراقي , ويقف على إزهاقات للمبادئ الأخلاقية التي تمثل العمود الفقري لأي منتج ثقافي ناضج.
فقد وجدت الألفاظ الشوارعية التي يستعملها عادة المراهقون , كلفظ " اللقافة , والصفاقة والخبالة والسذاجة والنذالة " محاضن مريحة في الصحافة الليبرالية , فترعرعت هذه الألفاظ ونمت بشكل ظاهر بسبب استدعاء التيار الليبرالي لها واعتماده إياها في تداوله الصحفي والفكري.
وكم مرت على المتابع مشاهد محزنة انتهكت فيها الصحافة الليبرالية الذوق الثقافي العام وتجاوزت فيه حدود الاحترام للآخرين , ونزلت به إلى مستوى متدني جدا , فإن بعض التيار الليبرالي لا يتردد في وصف من يخالفه , ولو كان شيخا كبيرا أو عالما مشهورا أو مثقفا مرموقا , بأنه مصاب باللقافة أو الصفاقة , أو بأنه " تسيل من وجهه حماقات الدينا " أو أنه " يحمل فكرا متعفنا " أو أنه " ليس لديه إلا ثقافة الصديد والضحالة " أو بأن عقله منتن.
كل هذه الألفاظ وغيرها يقف عليها المتابع في الصحافة الليبرالية وتمر عليه بشكل مستمر.
ولو قمنا باستقراء مبسط للمنتج الليبرالي لنتحقق من الطريقة التي يفكر بها والنفسية التي يتعامل بها مع المخالفين لأطروحاته , والألفاظ التي يستعملها في التعبير عن مشاعره ومواقفه , فإنا سنصل إلى أنه يعاني من التشنج والتوتر وفقدان التوازن , وأنه يسعى غالبا إلى "شيطنة المخالف له ".
ويؤكد هذه النتيجة ما قام به بعض المتابعين من عملية استقرائية، درس من خلالها الحالة النقدية التي مارسها الخطاب الليبرالي ضد د/ سعد الشثري , حين أبدى رأيه في جامعة كاوست , وقد ظهر من خلال الدارسة بأنه أبدى في ذلك المشهد حالة انفعالية شديدة , انتهكت من خلالها كل المقومات الأخلاقية وتجاوزت فيها كل الحدود والمبادئ التي يقوم عليها الفكر الناضج.
فقد وصف د/سعد الشثري بأنه المعطل لمشروع التقدم، وأنه يسعى ضد الحياة , وأنه العاشق للركود والتخلف , والمناقض لأوامر الملك والمبدد لأحلامه! وأنه لا يعرف من الحياة إلا ذيل البعير , وأنه يسير ضمن الأفكار الضلامية , وأنه خرج ضمن سياق التطرف الذي خرجت منه الحركات الإرهابية , وأن موقفه أخطر من إنفلونزا الخنازير , وأنه بموقفه ذلك داخل ضمن دائرة شيوخ المسيار والمسفار , وأنه لا يروق له إلا نموذج الإمارة الطالبانية.
كل هذه الحالة الانفعالية حدثت في مشهد واحد فقط , وقد تكررت هذه الحالة بنفس الصورة في مشاهد فكرية أخرى.
وهذا كله يؤكد مدى الفقر الأخلاقي الذي يعيشه الخطاب الليبرالي , ويصور مقدار التفتت الذي ينخر في بنية ذلك الخطاب وفي مبادئه , ويصور للقارئ حجم الانحطاط السلوكي الذي يمارسه مع المخالفين له.
وما زال الباحثون والمثقفون يرصدون الأزمات الفكرية والسلوكية التي يعيشها التيار الليبرالي السعودي.
ومن آخر العمليات النقدية التي أحدثت حراكا فكريا كبيرا : العملية التي قام بها د/عبدالله الغذامي , فقد تناول المنتج الليبرالي بالتفكيك والنقد , وأبرز ما فيه من التناقضات مع أصول الليبرالية نفسها , وأبدى ما وقع فيه الليبراليون من خلط بينها وبين الإصلاح , وبين بأنهم ادعوا إنجازات ومبادئ قيمية ليست خاصة بهم.
وما قدمه الغذامي يمثل بلا شك حدثا كبيرا، وضربة قوية أبرزت إشكالية عميقة متجذرة في الخطاب الليبرالي , حيث إنه صادر من مفكر يتبوأ منزلة عالية في الساحة, ولديه أصول فكرية واضحة , ويمتلك إيمانا كبيرا بمبادئه.
ولكن يلحظ المراقب أن الغذامي كان متوجها في نقده لليبراليين وليس لليبرالية نفسها , فهو لم يكن ناقدا لليبرالية كفكرة ومنهج , ولم يتعرض لأصول الليبرالية ومبادئها , ولم يفكك ما تتضمنه من أفكار ومضامين معرفية , ولم يبين للقراء مدى اتساقها وصحتها في نفسها ولا مدى معارضتها لأصول الشريعة الإسلامية.
فالغذامي حين نقد الليبراليين نقدهم لأجل أنهم لم يلتزموا بأصول الليبرالية كما هي , ولم ينقدهم لأجل أنهم تبنوا أصولا خاطئة أو تمسكوا بمبادئ تخالف الشريعة , وحين غضب من الشبكة الليبرالية , لم يبن غضبه على ما فيها من شذوذ فكري وديني, إنما لأنهم حاربوا الحرية في الفكر.
ومع أن ما ذكره الغذامي عن الليبرالية صحيح , إلا أنه ليس هو كل ما عند الليبرالية , بل ليس هو أخطر وأفضع ما ظهر في منتجها الفكري.
وحين يستمع المراقب لنقد الغذامي لليبرالية يدور في ذهنه سؤال مشروع , وهو : إذا وجدت الفكرة الليبرالية الحقيقية كما هي في الفكر الغربي , ووجد من يتمثلها بشكل حقيقي وتام , فهل سيوجه الغذامي سهام نقده على هذه الحالة؟!! وهل سيكتب مقالات نقدية فيها ؟!! وهل سيسعى إلى تقويضها وتحجيمها ؟!!
إن المراقب الواعي لن يخرج بجواب واضح من خلال ما قدمه الغذامي في محاضراته ومقالاته عن هذه الأسئلة.


..

تقول الأستاذه سهيلـة حمادة :

عندما يُسأل أي ليبرالي سعودي عن تعريف الليبرالية السعودية وملامحها ومنهجها، نجده يتحدّث عن الليبرالية الغربية ورموزها، مشيدًا بها، ويصورها بصورة مخملية مثالية، وأنّها جاءت لحل المشكلات العويصة لكل ما يعانيه البشر، فيصفها الدكتور تركي الحمد في مقاله الذي نُشر في جريدة الوطن «الليبرالية ببساطة عش.. ودع غيرك يعيش»، «لا تسعَ إلاّ لخير الإنسان، فهي في النهاية فلسفة الإنسان»، هي أسلوب حياة يقوم على أساس احترام الفرد وحقوقه وحرياته التي تشكل دوائر مستقلة لا تتقاطع مع دوائر الآخرين، فحرية الفرد وحقوقه تتوقف حين تتقاطع مع دوائر الآخرين. أنا حر، وأنت حر، ولكن حين تتقاطع حريتي مع حريتك، وحقي مع حقك، هنا يأتي دور القانون الذي ينظم العلاقة بين الأفراد وحدود حرياتهم وحقوقهم، ويصل في النهاية إلى تلخيص معنى الليبرالية بأنّها «تلك الحرية المسؤولة المقيدة بالقانون».
هذا التعريف لليبرالية يستوقفنا لأنّه:
أولاً: يلغي دور الدِّين في تنظيم وضبط السلوك البشري بإحلاله القانون محل الدِّين.
ثانيًا: يعلن تبعية الليبرالية السعودية لليبرالية الغربية تبعية كاملة، لأنّ الدكتور الحمد عمّم هذا التعريف، ولم يقصره على الليبرالية الغربية.
ثالثًا: يزيّف واقع الليبرالية الغربية، فتعريفها بتلك الحرية المسؤولة المقيدة بالقانون، ينافي حقيقة وواقع الليبرالية، فالليبرالية الغربية قائمة على الميكافيلية (الغاية تبرر الوسيلة)، وعلى البقاء للأصلح، ومن هنا برّرت لليبرالية الغربية احتلالها للشعوب، واستعبادهم، والتعالي عليهم، ونهب خيراتهم، فاحتلال العراق وأفغانستان أليس فيه تعدٍّ على حرية وحقوق الآخر؟
وعد بلفور البريطاني لليهود بإقامة وطن قومي لهم في فلسطين، أليس فيه تعدٍّ على حرية وحقوق الآخرين؟ وأين الضابط القانوني من الليبرالية البريطانية التي تغيّر في قوانينها الآن من أجل ألاَّ يُحاكم القادة الإسرائيليون في محاكمها كمجرمي حرب؟
وأين الضابط القانوني أمام التأييد الغربي اللامحدود لكل انتهاكات إسرائيل للقوانين والقرارات الدولية، وارتكابها المجازر، واستخدام حق الفيتو للحيولة دون إدانتها، أليس فيه تعدٍّ على حرية وحقوق الآخرين؟
النَّيل من الرسول صلى الله عليه وسلم من خلال الرسوم الكاريكاتيرية أليس فيه تعدٍّ على حقوق المسلمين ومشاعرهم؟ ولم يتدخل القانون باعتبار ذلك ممثلاً لحرية الرأي والتعبير، في حين وضعت الليبرالية الغربية قانونًا يُجرّم مَن ينتقد السياسة الإسرائيلية، وجرائمها، وجرائم الحركة الصهيونية، فيسجن وتُصادر أمواله، ويُقتل سياسيًّا بتهمة المعاداة للسامية.
كما نجد الأستاذ يوسف الدخيل في رده على هجوم الدكتور الغذَّامي على الليبرالية السعودية كان مُركّزًا على الدفاع عن الليبرالية الغربية، مستنكرًا إغفال الدكتور الغذّامي لرمزيْن من رموزها وهما جون لوك وجان جاك رسو ونظريته عن مفهوم العقد الاجتماعي، ولم يوضح منهج ورؤية الليبرالية السعودية، مؤكدًا بذلك تبعيتها لليبرالية الغربية بدفاعه بصورة خاصة عن الليبرالية الأمريكية، مدعيًّا نبذها التمييز العنصرى بتنصيبها أسوَد لرئاستها متجاهلاً احتلالها للعراق وأفغانستان، وإقامتها معتقل جوانتنامو، ودورها في تقسيم السودان إلى دولتيْن، وفرضها الحصار على الشعوب العربية المستضعفة، وهي تعمل الآن مع إسرائيل والقوى الصهيونية على تقسيم العالمين العربي والإسلامي إلى دويلات عرقية وطائفية متناحرة فيما بينها. وفي الوقت الذي يجمّل الليبراليون السعوديون الوجه القبيح لليبرالية الغربية مزيّفين واقعها نجد المخرج السينمائي العالمي جيمس كاميرون الأمريكي الكندي وصف الليبرالية الأمريكية في فيلمه «أفتار» < Avatar> توصيفًا صحيحًا، وكشف زيفها، وبيّن وجهها القبيح، وروحها الاستعمارية، وامتصاصها لثروات العالم ليس على كوكب الأرض فقط، وإنّما في الكواكب الأخرى، فالكوكب الذي اكتشفته تريد امتصاص ثرواته، وأخذه ليصبح ملكها، والجيش الأمريكي يصف أهل هذا الكوكب المسالمين جدًّا في دفاعهم عن أنفسهم بالغجر والإرهابيين والصراصير، ولم يُفضّل التوصل إلى أي حل سلمي معهم، وفضّل القيام بحرب من جانب واحد، كاشفًا عن نوع فكر القوة والغطرسة الأمريكية، وعضّد الموقف المتوحش للجيش بالموقف النفعي من الساسة والاقتصاديين الذين يريدون خيرات هذا الكوكب بغض النظر عن ماذا يكلّف هذا العمل، الأهم هو أن يمتلكوا العالم، وتكون كل ثرواته تحت أيديهم، وهذا ما فعلوه مع الهنود الحمر، والآن مع المسلمين والعرب.
فالليبراليون السعوديون الذين تبنوا الدفاع عن ليبراليتهم عندما وصفها الدكتور الغذّامي بالموشومة، والمُوشوّشة، والمزيفة للحقائق. قد أكدّوا هذا التوصيف، فالليبرالية السعودية امتداد لليبرالية الغربية لا شخصية لها، ولا ملامح، ولا مشروع إصلاحي كما يزعم منسوبوها، فهي مسخ ممسوخ من الليبرالية الغربية المنبثقة من العلمانية التي أسسها سبينوزا اليهودي صاحب مدرسة النقد التاريخي، رائد العلمانية باعتبارها منهجًا للحياة والسلوك، ولذا نجد الأستاذ محمد علي المحمود يعتبر كتاب الشعر الجاهلي للدكتور طه حسين في مقال له “الخطوة الأهم في العشرينيات”، وأنَّه طرح منهجًا. {جريدة الرياض: الخميس 26 ربيع الأول 1429هـ - 3 أبريل 2008م - العدد 14528}.
ونجده في مكاشفاته في ملحق الرسالة بجريدة المدينة يشيد بالليبرالية الغربية لنقدها نفسها، وهو يلمح إلى اتباع المنهج النقدي على القرآن الكريم والسنة النبوية، مُشيدًا بنقد الدكتور طه حسين للقرآن الكريم، معتبرًا ذلك الخطوة الأهم في العشرينيات من القرن الماضي، كما نجده في مقال آخر يصف كتاب مستقبل الثقافة في مصر للدكتور طه حسين الخطوة الأهم في الثلاثينيات (من القرن الماضي). والذي يدعو فيه دكتور طه إلى الأخذ بالحضارة الغربية خيرِها وشرِّها، وما يُحمد منها وما يُعاب، ولذا نجد الأستاذ المحمود يعلي من شأن الحضارة الغربية الراهنة، معتبرًا ما سبقها مجرد أبجديات متناثرة، لم تتكوَّن منها جملة واحدة مفيدة، أي أنَّ وصْفها بالحضارة يكاد يكون من باب المجاز لا الحقيقة، معتبرًا الانفتاح الثقافي في العصر العباسي انفتاحًا نسبيًّا، أملاه طبيعة التوسع الإمبراطوري واحتضان الإمبراطورية لكثير من الأجناس ذوي الثقافات المتباينة. نلاحظ هنا أنه قد غيّب مصطلح «الخلافة» واستبدل به «الإمبراطورية».

..

في النهاية
هُنا تعريف ، هنا ربما بحراً زاخراً بكل ما يتمناه القاريء عن مفاهيم الليبرالية
من حقيقة ، وزيف ، وغش ، ووهَم ، وكل شيء يخُطر على فؤاده ـ أو أسئلة لطالما أرقتَه ..
ولو أنني مسُهب في الكتابة
كثيراً وتجسيد مفهوم النقّاد في الشعب ، وفي مختلف الاراء القلمية
عن مفهوم الليبرالية السعودية ، وهل هي موجودة حقاً ونشأتها هُنا ، وأبرز ماقيل فيها
وأبرز من حاربها . كل ماتراه أيها القاريء ماهو إلا من كتابات بعضها متناقض ، وبعضها متوافق
فهناك من يشيد وهناك من يعارض .. والحياة مبنية منذو القدم على إختلاف الاراء .
بعد أن تقرأ أنت من يقرر هل أنت مع الليبرالية بمفهوم سعودي أو بمعنى أشمل
بمفهوم إسلامي لها ، أو معارض ومحارب لها من كل الأتجاهات حسب الأسس الوثيقة لليبرالية الغربية الممنهجة
على الحياة بدون قيود . كالحياة " البهيمية " أي دون حسيباً ولا رقيب بلا عقل .. تعيشّ .
وكيفما تشاء وكيفما رغبت ، متعدياً ربما على حرية الأخرين وحريتك أيضا .

شكراً

الأرواح المتُمردة



قلبُ بين يدي قلبَ
يد الله كل قلُب ..
عيُن ترعى عينا ،
وعين الله ترعّى
كلمة طيبة صدقة ،
تبسَمك لأخيك ، صدقه
كل معروف ، صدقة ..

..
سآمي يوسف

،،


مدُخل :
بالأمس كنت عاكفاً على قراءتَ أشياء من الماضي ، فإذا بي أجد كُتاباً منزوع الغلاف ، عندما قرأت البداية
أدركت أن هذا الكتاب أو الرواية لـ جبران خليل جبران .. بعنون الأرواح المتمرّدة ..


رؤُية وتمهيد :

"منذ ابتداء الدهر إلى أيامنا هذه والفئة المتمسكة بالشرف الموروث تتحالف وتتفق مع الكهان ورؤساء الأديان على الشعب هي علة مزمنة قابضة بأظفارها على عنق الجامعة البشرية ولن تزول الا بزوال الغباوة من هذا العالم عندما يصير عقل كل رجل ملكا ويصبح قلب كل امرأة كاهنا"

كانت تلك العبارة في مقدمة الكتاب أحسست إنها تمثل الواقع الآن بما يحمله من إسهال ديني بدون وجود ورع الدين بذاته في قلوب الناس أو في معاملاتهم
جبران خليل جبران سمعت عنه كثيرا ولكنه أول تصادم بيني وبينه رجل عانى في حياته كالعادة مع معظم الكتاب وكأن الكآبة والشقاء تعتبر مصدر الإلهام العالمي للكُتاب ، حياته مأساة وحتى مماته تجعلك تتوقع ان تحمل حكاياته نفس القدر من المعاناة وقد صدق الرجل ولم يكذب خبراً .
نظرَة عن كثب :


داية الأرواح المتمردة قصة قد تقرأها في جريدة في صفحة الحوادث أو تسمعها على القهاوي تشعر أن زمن حدوثها الأن وكذلك في باقي الحكايات رجل ثري يشتري امرأة بفلوسه ولكن المرأة تجد حب تهرب إليه تاركة كل ما تشتهيه النفس وراءها سعيا للحب لو كانت الحكاية بتلك البساطة لما استحق الرجل أن ينشر كتابا واحدا ولكنه يضعك في صراع فيأتي برواية الزوج أولا فتكره الانثي أيما كره على مكرها وخديعتها وعدم استحقاقها تلك الحياة الكريمة ثم يذهب لها ويعطيها فرصة التحدث ليجعلك تنقلب مرة اخرى ليس على الرجل ولكن على نفسك لظنك السيء بها ولكن هنا يرجع الحكم لك تجد صراع بين القلب وما يملكه من عاطفة والعقل بما يملكه من حكمة وتقدير للأمور ف جبران قد أصدر حكمه وأعلن أنه يميل للعاطفة وأعطاها البراءة اما انا فأجد نفسي اصدر عليها احكاما قاسية أقلها أنها زانية ولا يوجد ما يبرر فعلتها ..

الأرواح المتمـردة..أتذكر تاريخ قراءته جيداً..رغم مرور الأعوام..وتتابع السنين..لأنه شكل لي علامة فاصله,وفارقه في حياتي ..ربما ليس محتواه..ولكن تلك الأيام الماضية نفسها كانت ولادة أخري لي شكلتها المعاناه..وحاكهاالألم .حقاً كتاب يستحق القراءة ليس فقط لأنه من أبداعات الشاعر جبران خليل جبران..لكن لأنه يحكي أحداث واقعية حدثت بالفعل...ولا يوجد روايات أروع من تلك التي تسطرها الحياة ..ويحكيها لنا الواقع.

وأخيراً..لقد عشت عمري الماضي كله مثل تلك اللأرواح التي لا تهدأ..فقراءته لا تشكل لي غربة..لكن أوقات أعيشها بين أشخاص..أشعر أني آلفهم تماماً .



مقتطفات :

“..عرفت أن سعادة المرأة ليست بمجد الرجل وسؤدده، ولا بكرمه وحلمه، بل بالحب الذي يضم روحها إلى روحه، ويسكب عواطفها في كبده، ويجعلها ويجعله عضواً واحداً من جسم الحياة..”


“إن العواصف والثلوج تفني الزهور ولكنها لا تميت بذورها”


"أن الله لا يريد أن يكون معبوداً من الجاهل الذي يقلد غيره”


"إذا كنتم أفضل من الناس السائرين في موكب الحياة عليكم أن تذهبوا إليهم وتعلموهم وإن كانوا أفضل منكم امتزجوا بهم وتعلموا”



“اسمعينا أيتها الحرية، ارحمينا يا ابنة أثينا، انقذينا يا أخت رومة، خلصينا يا رفيقة موسى، أسعفينا يا حبيبة محمد، علمينا يا عروسة يسوع، قوي قلوبنا لنحيى أو شددي سواعد أعدائنا علينا فنفنى وننقرض ونرتاح”


“ويقولون لك أكثر من ذلك لأن أشباح جدودهم مازالت حيةً في أجسادهم فهم مثل كهوف الأودية الخالية يُرجِعون صدى أصوات ولا يفهمون معناها.”


“منذ ابتداء الدهر إلى أيامنا هذه والفئة المتمسكة بالشرف الموروث تتحالف وتتفق مع الكهان ورؤساء الأديان على الشعب هي علة مزمنة قابضة بأظفارها على عنق الجامعة البشرية ولن تزول الا بزوال الغباوة من هذا العالم عندما يصير عقل كل رجل ملكا ويصبح قلب كل امرأة كاهنا "


“وقد حاولتُ وباطلاً حاولت أن أتعلم محبته فلم أتعلم. لأن المحبة هي قوةٌ تبتدع قلوبنا، وقلوبنا لا تقدر أن تبتدعها”


"ابن الشرف الموروث يبني قصره من أجساد الفقراء الضعفاء. والكاهن يقيم الهيكل على قبور المؤمنين المستسلمين. الأمير يقبض على ذراعي الفلاح المسكين والكاهن يمد يده إلى جيبه. الحاكم ينظر إلى أبناء الحقول عابساً والمطران يلتفت نحوهم مبتسماً. وبين عبوسة المنر واتسامة الذئب يفنى القطيع. الحاكم يدعي تمثيل الشريعة والكاهن يدعي تمثيل الدين، وبين الاثنين تفنى الأجساد وتضمحل الأرواح.”


في النهايةُ :

كان جبران ملماً باللغة إلماماً يجعل القاريء يسبَح في خيالاُت الهوى معه
لدرجة أنه يعيش مع الأخرين هُناك ويتجسد أحداث الرواية ، ويقيسهاً على ذاته
وعلى مجتمعه ، بأختلاف الاعراق والأجناس ، والتصانيف البشرية والألوان ..
حقاً إن جبران يفهمنا .. ويفهم طريقة العيٌش هنا في الشرق ..
هنا حيث اللاشيء في الشيء .
لتحميل الرواية :

http://www.4shared.com/office/RnuVR1NA/___.html


شُكراً

الخميس، 30 أغسطس 2012

Death is True , it's Beautiful




هُناك كثير من الأشياء التي
رغم إختلاف مكوناتها وأساسها
كاللغات التي إن فسُرت
بالجمال لاقت الأستحسان
لكن جمالَ الله جلّ في علاه
لو أجتمعت كل لغات العالم
لاتستطيع وصف ذرّة من جمال كونه
فما بالك عظمته.
..
.. إن الموت جميل
فيديو قريباً للصوفية الحسنة
جميل جداً يستحق المشاهدة
يجعلك تستعيد حسابات كثيرة
شيءَ ما يلامس الأحساس
شيء ماً .. لا أستطيع وصفه بل إُكنه
وأحسَـه يجري في كل ذات بشرية
نعم فـ
" القلب يعشق كل جميل "
 
 

Oh, i truly love you my lord . please forgive me

الأربعاء، 29 أغسطس 2012

النظرات


نبذّة :

هو مصطفى لطفي بن محمد لطفي بن محمد حسن لطفي أديب مصري من أم تركية قام بالكثير من الترجمة والاقتباس من بعض روايات الأدب الفرنسي الشهيرة بأسلوب أدبي فذ ,و صياغة عربية في غاية الجمال و الروعة.لم يحظى بإجادة اللغة الفرنسية لذلك أستعان بصاحب له كان يترجم الروايات و من ثم يقوم هو بصيغتها و صقلها في قالب أدبي رائع . كتاباه النظرات والعبرات يعتبران من أبلغ ما كتب بالعربية في العصر الحديث.
ولد مصطفى لطفي المنفلوطي في منفلوط إحدى مدن محافظة أسيوط في سنة 1289 هـ الموافق 1876م ونشأ في بيت كريم توارث اهله قضاء الشريعة ونقابة الصوفية قرابة مائتى عام ونهج المنفلوطى سبيل آبائه في الثقافة والتحق بكتاب القرية كالعادة المتبعة في البلاد آنذاك فحفظ القرآن الكريم كله وهو دون الحادية عشرة ثم أرسله ابوه إلى الأزهر بالقاهرة تحت رعاية رفاق له من أهل بلده وقد اتيحت له فرصة الدراسة على يد الشيخ محمد عبده وبعد وفاه أستاذه رجع المنفلوطى إلى بلده حيث مكث عامين متفرغا لدراسة كتب الادب القديم فقرأ لابن المقفع والجاحظ والمتنبي و أبى العلاء المعري وكون لنفسه أسلوبا خاصا يعتمد على شعوره وحساسية نفسه.
المنفلوطي من الأدباء الذين كان لطريقتهم الإنشائية أثر في الجيل الحاضر، كان يميل إلى مطالعة الكتب الأدبية كثيراً، ولزم الشيخ محمد عبده فأفاد منه. وسجن بسببه ستة أشهر لقصيدة قالها تعريضاً بالخديوي عباس حلمي وكان على خلاف مع محمد عبده، ونشر في جريدة المؤيد عدة مقالات تحت عنوان النظرات، وولي أعمالاً كتابية في وزارة المعارف ووزارة الحقانية وأمانة سر الجمعية التشريعية، وأخيراً في أمانة سر المجلس النيابي.
للمنفلوطى أعمال أدبية كثيرة اختلف فيها الرأى وتدابر حولها القول وقد بدأت أعمال المنفلوطى تتبدى للناس من خلال ما كان ينشره في بعض المجلات الإقليمية كمجلة الفلاح والهلال والجامعة والعمدة وغيرها ثم انتقل إلى أكبر الصحف وهي المؤيد وكتب مقالات بعنوان نظرات جمعت في كتاب تحت نفس الاسم على ثلاثة أجزاء.
من أهم كتبه ورواياته:
النظرات (ثلاث جزاء). يضم مجموعة من مقالات في الأدب الاجتماعي، والنقد، والسياسة، والإسلاميات، وأيضا مجموعة من القصص القصيرة الموضوعة أو المنقولة، جميعها كانت قد نشرت في جرائد، وقد بدأ كتبات بها منذ العام 1907.
العبرات. يضم تسع قصص، ثلاثة وضعها المنفلوطي وهي: اليتيم، الحجاب، الهاوية. وواحدة مقتبسة من قصة أمريكية اسمها صراخ القبور، وجعلها بعنوان: العقاب. وخمس قصص ترجمها المنفلوطي وهي: الشهداء، الذكرى، الجزاء، الضحية، الإنتقام. وقد طبع في عام 1916.



مدخل :

في هذا الكتاب "النظرات" مجموعة من المقالات التي كتبها
المنفلوطي بأسلوبه الراق العذب السلس يلقي فيها الضوء
على بعض ما استوقفه في المجتمع أيامه ,لكني
في غاية الانبهار والدهشة فاذا به يحدثني أنا , ويتحدث عن عصري
وكأنه كتبه في هذه الايام ! بالتأكيد غيرت نظراته كثيراً
من آرائي.

ويوجد به مجموعة من القصص معظمها مترجم , قام هو بصياغته بلغته
وبأسلوبه فأعطاه نكهة مميزة , فقد هزتني قصة "ماري" زوجة السياد المسكين
التي تعيش في كوخ فقير بائس , وقصة "ايلين" الفتاة الرقيقة البريئة
التي يقودها الاحساس بالانتقام الى تجربة غيرت فيها الكثير لكن ما لبثت أن
عادت الى براءتها ورقتها مرة أخرى.. ومقاله رداً على رسالة ذلك الفتى الذي
فقد سمعه واراد تعزيةً فكانت رسالته مفاجأة لي غيرت كثيرا من تفكيري!..
والكثير غيرهم من النظرات التي شدت انتباهي وحركت شجوني.

بالتأكيد كان هذا الكتاب بداية لتفكيري في اعادة نظري الى الأدب وفي
قراءاتي المستقبلية, وكان أولها أني اقتنيت بعض الأعمال للمنفلوطي
لعلي أواصل استمتاعي بما أنجزه هذا الفّذ


نظُرة ورؤية :

أعترف بعجزي عن النقد بموضوعية عندما يتعلق الامر بالمنفلوطي، من جهة اجد في سلاسة اسلوبه و بعده عن التكلف و تسلسل المنطق في طروحاته لذه افتقدها في غيره ، و من جهة اخرى المثالية الاخلاقية و الرومنطقية التي تلف جميع كتاباته بشكل او اخر تخلق لدي -احيانا- نوع من الضيق وتترك انطباع ال"انصاف حقائق".
لعل المنفلوطي من اوائل الكتاب اللذين درّجوني على الاختلاف الادبي بعد ان دفعت لقراءته من قبل صديقتي التي تعتبره من الاعمق تأثيرا من بين اللذين طالعت اعمالهم. و سواء اختلف او اتفقت ، امام رقة المنفلوطي في التعبير
أذهلني جداً حتى تملك كل أحاسيسي .

قرأتُ هذا الكتاب منذ سنوات و أذكر أنه كان على مستوى ربما يفوق عمري آنذاك
بحيث يتميز أسلوب المنفلوطي بشئ من التعقيد و العمق في التشبيهات والمفردات
و لكني حصلت في النهاية على كومة من السطور التي استوقفتني دونتها في مذكرتي و أحتفظ بها حتى اليوم .


مقتطفات :
و جاز لكل انسان أن يقتل كل من يخالفه فى رأيه ومذهبه
لأقفرت البلاد من ساكنيها .


لا تأس على مافاتك
فِ إنما كان [وديعة] من ودائع الدهر ، أعاركها برهة من الزمن
 ثم استردها ! .


لا سبيل إلى السعادة فى الحياة إلا إذا عاش الإنسان فيها حراً مطلقاَ
لا يسيطر على جسمه وعقله ونفسه ووجدانه وفكره مسيطر إلا أدب النفس .


ليست الفضيلة وسيلة من وسائل العيش او كسب المال وانما هى حالة من حالات النفس تسمو بها الى أرقي درجات الانسانية وتبلغ بها غاية الكمال .


أكثرُ الناس يعيشون في نفوس الناس أكثَر مما يعيشون في نفوس أنفسهم
أي أنهم لايتحرَّكون ولا يسكنون، ولا يأخذون ولا يَدَعون إلا لأن الناس هكذا يريدون .


أنت شريفاً في نفسك ، فكن شريفاً في حُبك .


يجب أن ينفس عن المرأة من ضائقة سجنها لتفهم أن لها كيانا مستقلا، وحياة ذاتية، وأنها مسؤولة عن ذنوبها وآثامها أمام نفسها وضميرها، لا أمام الرجل.
يجب أن تعيش في جو الحريّة الفسيح وتستروح رائحته الأريجة، ليستيقظ ضميرها الذي أخمده السجن والاعتقال من رقدته، ويتولى بنفسه محاسبتها على جميع أعمالها، ومراقبة حركاتها وسكناتها، فهو أعظم سلطانا، وأقوى يدا من جميع الوازعين المسيطرين .


لأم هو الينبوع الذي تتفجر منه جميع عواطف الخير والأحسان في الأرض .


المرأه
أنها تفهم معنى الحياة كما يفهمها الرجل، فيجب أن يكون حظها مثل حظه.
أنها لم تخلق من أجل الرجل، بل من أجل نفسها، فيجب أن يحترمها الرجل لذاتها لا لنفسه .


يقولون أشقى الناس في هذه الحياة هم العقلاء ، ويقولون ما لذّة العيش إلا للمجانين ! .



أيها الغد ..
إن لنا آمالاً كباراً وصغاراً ، وأماني حساناً وغير حسان ,،،
فحدثنا عن آمالنا أين مكانها منك ؟ وخبرنا عن أمانينا ماذا صنعت بها ؟ أأذللتها واحتقرتها ، أم كنت لها من المكرمين ؟
لا ، لا صن سرك في صدرك ، وأبقِ لثامك على وجهك ، ولا تحدثنا حديثا واحداً عن آمالنا وأمانينا ، حتى لا تفجعنا في أرواحنا ونفوسنا فإنما نحن أحياء بالآمال وإن كانت باطلة ، وسعداء بالأماني وإن كانت كاذبة .



ليس معنى الوجود في الحياة أن يتخذ المرء لنفسه فيها نفقا يتصل أوله بباب مهده وآخره بباب لحده ثم ينزلق فيه انزلاقا من حيث لاتراه عيم ولاتسمع دبيبه أذن حتى يبلغ نهايته كما تفعل الهوام والحشرات والزاحفات على بطونها من بنات الأرض، وإنما الوجود قرع الأسماع، واجتذاب الأنظار، وتحريك أوتار القلوب، واستثارة الألسنة الصامتة،وتحريك الأقلام الراقدة، وتأريث نار الحب في نفوس الأخيار، وجمرة البغض في قلوب الأشرار، فعظماء الرجال أطول الناس أعمارا وأن قصرت حياتهم، وأعظمهم حظا في الوجود وأن قلت على ظهر الأرض أيامهم .



أنا لا أقول إلا ما أعتقد, ولا أعتقد إلّا ما أسمع صداه من جوانب نفسي, فربَّما خالفتُ الناس أشياءً يعلمون منها غير ما أعلم, ومعذرتي إليهم في ذلك أن الحقَّ أولى بالمجاملة منهم, وأن في رأسي عقلاً أُجِلُّه عن أن أنزل به إلى أن يكون سيقةً للعقول, وريشةً في مهاب الأغراض والأهواء .


إن الإنسان الذي يمد يديه لطلب الحريه ليس بمتسول ولامستجد، وإنما هو يطلب حقا من حقوقه التي سلبته إياها المطامع البشريه، فإن ظفر بها فلا منة لمخلوق عليه.



السبب في شقاء الانسان أنه دائما يزهد في سعادة يومه ويلهو عنها بما يتطلع إليه من سعادة غده، فإذا جاء غده اعتقد أن امسه كان خيرا من يومه، فهو لاينفك شقيا في حاضره وماضيه .



تمَ

في النهاية :

عندما قرأت للمنفلوطي النظرات ، كانت طويلاً جدا في سلسلَة ثلاث كُتب
وجُمعت في كتاب واحد سمُي بـ الأعمال الكاملة .
في البداية ، كان السرد طويلاً ومملاً ، لكن أكثر مايشَد إنتباه القاريء
هو بديع تصوير وفلسفة وحس المنفلوطي في إيصال الرسائل والمُبتغى
.. قرأتها مرُتين في سن الخامسة عشر ، وفي التاسعة عشرَ ..
ما أجملها من بلّوغ ، ومن مراهقة . فالأبحار مع المنفلوطي
أشبه بالحياة السرمديُة في عالم لامُتناهي من جمالياتَ وأحداث
 و وقائع .


لتحميل الكتاب :

http://www.4shared.com/office/4fC4eiw-/_-_.html





الثلاثاء، 28 أغسطس 2012

كيفية كتابة المقال



لمحُة

في البداية كان الأمر مُجرد إقتراح
من صديق
عن كيفية كتابة مقال أو ماشابه
أو رسالة نموذجية ، فالفكرة واحدة
والموضوع متاحَ لمن يريد المشاركة ..
فكرة المقال تأتي
بأن هناك يكون يوماً لشخص ما منكم 

  يكتب مقالاً أو رأي عن شيء ماَ
عن حياة .. عن واقع .. عن حل
عن خيالَ ..
كل شيءُ يأتي عن تفكيرَ .

وهناك خطوات كثيرة لكتابة المقال لذلك . أردت أن

أذكُركم بطريقة بسيطة لكتابة المقال للمبتدئينَ
في هذا المجال ..



تعريف

" فكرة محددة تتناول موضوعاً بالبحث يجمع الكاتب

عناصره ويرتبها ويستدل عليها بحيث يؤدي إلى نتيجة معينة ".

بناء على الأسباب التالية :

1- كون هذا
التعريف الأسهل تدريساً فتدريباً ثم تقويماً .
2- تناسبه وعناصر بناء المقال (
سوف تذكر بعد ) .
3- إتاحته تعريفاً مستقلاً للخاطرة عن المقال لا سيما وأن
الخاطرة أفردت في مقرر الإنشاء كمهارة مستقلة .
4- مسايرته نوعي الكتابة الأدبية
والعلمية ؛ لذا نجد الدكتور محمد صالح الشنطي في كتابه " فن التحرير العربي " أدرج
المقالة تحت عنوان "بين الإبداعي والوظيفي" .


أجزاء المقال(عناصر بنائه)


1.المقدمة : لتهيئة الأذهان ، وتكون موجزة

ومركزة ومشوقة ، وتشكل مدخلاً له صلة وثيقة بموضوع المقال .
2.العرض : وهو صلب المقال ، ويكون في عدة
فقرات كل فقرة تتناول فكرة جزئية معينة ، وتكون الأفكار متسلسلة ومترابطة بحيث
يستدل عليها بالأدلة النقلية والعقلية المناسبة ، على أن يغلفها الكاتب بانطباعاته
الشخصية ووجهة نظره الخاصة.3.الخاتمة : وهي ثمرة المقال ونهايتها ، فلا بد من أن تكون نتيجة طبيعية
للمقدمة والعرض ، واضحة ، صريحة ، ملخصة للعناصر الرئيسة المراد إثباتها ، حازمة
تدل على اقتناع ويقين ، لا تحتاج إلى شيء آخر لم يرد في المقال .


موضوعاته

تكتسب المقال موضوعاتها بحسب طبيعة فكرتها ؛ فهناك الديني

والاجتماعي والسياسي والاقتصادي. .إلخ .. من الأقسام .
الحديثة والمسُتحدثة .



أقسامه

ليس للمقال أقسام محددة متفق عليها عند الباحثين

والمهتمين بها ؛ فمنهم من يقسمه إلى : ذاتي وموضوعي ، ومنهم من يقسمه إلى صحفي وغير
صحفي .وسوف يتمركز حديثنا حول التقسيم الأول :


المقال الذاتي
ويتميز بالآتي

1-ظهور شخصية الكاتب .

2-تدفق عاطفته .
3-الإيقاع الموسيقي.
4-التصوير الخيالي .

ومن أنواعه:

أولاً : مقال الصورة الشخصية : وهو

يعبر عن تجارب الكاتب الذاتية وانطباعاته ومشاهداته الخاصة .
ثانياً : المقال
الاجتماعي : ويهدف إلى نقد المجتمع وما يظهر فيه من عادات دخيلة.
ثالثاً :
المقال الوصفي : وغايته تصوير الطبيعة كما تنعكس في وجدان الكاتب .
رابعاً :
المقال التأملي : وموضوعه خطرات النفس الإنسانية ومشكلات الحياة والكون .
خامساً
: مقال السيرة : وموضوعه رسم صورة حية لأي شخصية إنسانية .


المقال الموضوعي :

وفيه تختفي شخصية

الكاتب ويبرز الموضوع ويلتزم فيه كاتبه بالمنهج العلمي .
ومن أنواعه : المقال
العلمي ، والتاريخي، والنقدي، والسياسي ، والفلسفي ، والاقتصادي




طريقة كتابة المقال :


1.اختيار موضوع المقال : وعلى الكاتب أن

يختار موضوعاً يعرف عنه قدراً كافياً من المعلومات ، وأن يكون الموضوع مقبولاً من
جانب القراء الذين يكتب لهم .
2.تحديد الهدف من المقال
: وهذا مرتبط بالظروف التي أملت على الكاتب اختيار
موضوعه . فقد يكون الهدف توضيح مقولة ما ، أو تزويد القارئ بمعلومات معينة حول مكان
أو فكرة أو مسألة خلافية أو كشفاً عن حقيقة غائبة.
3.اختيار العنوان : وله أهمية كبرى ؛ فهو
المنفذ الذي تقع عليه عين القارئ ليتعرف على مضمون المقال . ومن ناحية أخرى يساعد
على تحديد موضوع المقال . لذا ينبغي أن يكون العنوان محدداً ، ولا يتحقق ذلك إلا
عندما يكون الهدف واضحاً في ذهن الكاتب . وكلما كان الموضوع طويلاً كلما وجب التدبر
لاختيار العنوان .4.التصور النظري : ويعني ذلك رسم المعالم الرئيسة وترتيبها في الذهن قبل المباشرة
في الكتابة وفق خطة مدروسة تساعد الكاتب على تكثيف جهده وتركيزه في طرح منظم
مؤثر .
5.خطوات التنفيذ :
ويقوم الكاتب ببسط أفكاره في ضوء الأجزاء المذكورة سابقاً .




نموذج للمقال الاجتماعي :


( للمنفلوطي تحت عنوان "قتيلة الجوع")


" قرأت في بعض الصحف

منذ أيام أن رجال الشرطة عثروا بجثة امرأة في جبل المقطم فظنوها قتيلة أو منتحرة
حتى حضر الطبيب ففحص أمرها وقرر أنها ماتت جوعاً .
تلك أول مرة أسمع فيها بمثل
هذه الميتة الشنعاء في مصر، وهذا أول يوم سجلت فيه يد الدهر في جريدة مصائبنا
ورزاياها هذا الشقاء الجديد .
لم تمت هذه المسكينة في مغارة منقطعة أو بيداء
مجهل ؛ فنفزع في أمرها إلى قضاء الله وقدره كما نفعل في جميع حوادث الكون التي لا
حول لنا فيها ولا حيلة ، بل ماتت بين سمع الناس وبصرهم ، وفي ملتقى غاديهم برائحهم
، ولا بد أنها مرت قبل موتها بكثير من المنازل تطرقها فلم تجد من يمد إليها يده
بلقمة واحدة تسد بها جوعتها ، فما أقسى قلب الإنسان ، وما أبعد الرحمة من فؤاده ،
وما أقدره على الوقوف موقف الثبات والصبر أمام مشاهد البؤس ومواقف الشقاء .
لم
ذهبت البائسة المسكينة إلى جبل المقطم في ساعتها الأخيرة ؟ لعلها ظنت أن الصخر ألين
من الإنسان فذهبت إليه تبثه شكواها ، أو أن الوحش أقرب منه رحمة فجاءته تستجديه
فضلة طعامه …"




نموذج للمقال الوصفي :


(الرافعي تحت عنوان " موت أم ")


"رجعت من الجنازة بعد أن

غبرت قدمي ساعة في الطريق التي ترابها تراب وأشعة . وكانت في النعش لؤلؤة آدمية
محطمة ، هي زوجة صديق طحطحتها الأمراض ، ففرقته بن علل الموت . وكان قلبها يحييها ،
فأخذ يهلكها حتى دنا أن يقضى عليها ، وحمها الله فقضى فيها قضاءه . ومن ذا الذي مات
له مريض بالقلب ولم يره من قلبه في علة ، كالعصفورة التي تهتلك تحت عيني ثعبان سلط
عليها سموم عينيه.
كانت المسكينة في الهامسة والعشرين من سنها ، أما في قلبها
ففي الثمانين ، أو يفوق ذلك . هي في سن الشباب وهو متهدم في سن الموت.
وكانت
فاضلة تقية صالحة ، لم تتعلم ولكن علمتها التقوى الفضيلة ، وأكمل النساء عندي ليست
هي التي ملأت عينيها من الكتب . فهي تنظر إلى الحياة نظرات تحل مشاكل وتخلق مشاكل ،
ولكنها تلك التي تنظر إلى الدنيا بعين متلألئة بنور الإيمان ، تقرأ في كل شيء معناه
السماوي ، فتؤمن بأحزانها وأفراحها معاً ، وتأخذ ما تعطي من يد خالقها رحمة معروفة
، أو رحمة مجهولة ، وهذه عندي امرأة … وتكون الزوجة ، ومعناها القوة المسعدة .
وتصير الأم ومعناها التكملة الإلهية لصغارها وزوجها ونفسها".


نموذج أخير للمقال :


( أحمد حسن الزيات تحت عنوان " الإسلام دين القوة")



"الإسلام دين القوة . وهل في ذلك شك ؟ شارعه هو الجبار ذو القوة المتين ،

ومبلغه هو الجبار ذو القوة المتين ، ومبلغه محمد الصبار ذو العزيمة الأمين ، وكتابه
هو القرآن الذي تحدى كل لسان وأعجز، ولسانه هو العربي الذي أخرس كل لسان وأبان ،
وقواده الخالديون هم الذين أخضعوا لسيوفهم رقاب كسرى وقيصر ، وخلفاؤه العمريون هم
الذين رفعوا عروشهم على نواصي الشرق والغرب . فمن لم يكن قوي البأس ، قوي النفس ،
قوي الإرادة ،قوي العدة كان مسلماً من غير إسلام ، وعربياً من غير عروبة
.
الإسلام قوة في الرأس ، وقوة في اللسان ، وقوة في اليد، وقوة في الروح.
هو
قوة في الرأس ؛ لأنه يفرض على العقل توحيد الله بالحجة ، وتصحيح الشرع بالدليل ،
وتوسيع النص بالرأي ، وتعميق الإيمان بالتفكر .
وهو قوة في اللسان ؛ لأن البلاغة
هي معجزته وأداته . والبلاغة قوة في الفكرة، وقوة في العاطفة ، وقوة في العبارة
.
وهو قوة في اليد ؛ لأن موحيه ـ وهو الحكيم الخبيرـ قد علم أن العقل بسلطانه
واللسان ببيانه لا يغنيان عن الحق شيئاً إذا أظلم الحس، وتحكمت النفس ، وعميت
البصيرة. فجعل من قوة العضل ذائداً عن كلمته ، وداعياً إلى حقه ، ومنفذاً لحكمه ،
ومؤيداً لشرعه . كتب على المسلمين القتال في سبيل دنيهم ودينه ، وفرض عليهم إعداد
العدة والخيل إرهاباً لعدوهم وعدوه ، وأمرهم أن يقابلوا اعتداء المعتدين بمثله .
ولكن القوة التي يأمر بها الإسلام هي قوة الحكمة والرحمة والعدل ، لا قوة السفه
والقسوة أو الجور ، فهي قوة فيها قوتان قوة تهاجم البغي والعدوان في الناس، وقوة
تدافع الأثرة والطغيان في النفس.
والإسلام بعد ذلك قوة في الروح ؛ لأنه يمحص
جوهرها بالصيام والارتياض والتأمل .


تم


..

هابرمآس



يورغن هآبرمس 1345210849251.jpg



تعريف :


يورغن هابرماس فيلسوف وعالم اجتماع ألماني معاصر يعتبر من أهم علماء الاجتماع والسياسة في عالمنا المعاصر. ولد في دوسلدورف، ألمانيا وما زال يعيش بألمانيا.يعد من أهم منظري مدرسة فرانكفورت النقدية له ازيد من خمسين مؤلفا يثحدث عن مواضيع عديدة في الفلسفة وعلم الاجتماع وهو صاحب نظرية الفعل التواصلي.
وصل يورغن هابرماس إلى درجة من الشهرة والتأثير العالمي لم ينجح الرعيل الأول من ممثلي النظرية النقدية الاجتماعية والمعروفة في حقل الفلسفة المعاصرة بمدرسة فرانكفورت في الوصول إليها. فعلى الرغم من الثقل العلمي لأفكار الجيل الأول (هوركهيمر، أدورنو، ماركوزه، إريك فروم…)، إلا أن هابرماس هو الفيلسوف الوحيد الذي فرض نفسه على المشهد السياسي والثقافي في ألمانيا كـ"فيلسوف الجمهورية الألمانية الجديدة" وفقاً لتعبير وزير الخارجية الألماني يوشكا فيشر، وذلك منذ أكثر من خمسين عاماً.
انه بالفعل يعتبر الوريث الرئيسي المعاصر لتركة مدرسة فرانكفورت كما يعبر عن ذلك ايان كريب، وعلى الرغم من أن هناك افكارمشتركة واضحة بينه وبين أسلافه، فإنه نحا بهذه المدرسة منحى مختلفاً. واذا كان ما يجمع أعمال أدورنو وهوركهايمر وما ركوزه الاهتمام الشديد بحرية الإنسان مهما بعدت إمكانية وجود تلك الحرية عن أرض الواقع، فإن هابرماس أقل حماسا في هذا الجانب رغم وجوده.إنه يتحرر من التذبذب بين التفاؤل والتشاؤم ويركز جل تفكيره بدلاً من ذلك على تحليل الفعل والبنى الاجتماعية، ولا جدال في انتماء هابرماس إلى اليسار، إلا أنه، وربما بشكل غير متوقع ينتقد التقاليد الفكرية التي تنتمي إليها، الأمر الذي اتنهى به إلى النأي بنفسه عن الحركة الطلابية التي ظهرت في الستينات. ويمكن النظر إليه، أولا، باعتباره متماسكا بتصور يزاوج بين البنية والفعل في نظرية كلية واحدة.وثانيا، بوصفه مدافعاً عن مشروع الحداثة، بالأخص عن فكرتي العقل والاخلاق الكليين.أما حجته في ذلك فهي أن مشروع الحداثة لم يفشل بل بالأحرى لم يتجسد ابداً ،ولذا، فالحداثة لم تنته بعد. ويظهر أن هذا الموقف يضعه في اتجاه معارض تماماً مع أسلافه بالنظر إلى موقفهم من نقد عقل التنوير، إلا أن موقفه يتضمن الإصرار على جدل التنوير، أي أن عملية التنوير لها جانبان: يتضمن أحدهما فكر البناء الهرمي والاستبعاد، في حين يحمل الجانب الآخر إمكانية إقامة مجتمع حر يسعد به الجميع على الأقل.إن نظرية ما بعد الحداثة تفتقد حسب هابرماس إلى هذا العنصر الأخير.
ا أما المصالح المعرفية فتعني عند هابرماس أننا دائما نطور المعرفة لغرض معين، وتحقيق ذلك الغرض هو أساس مصلحتنا في تلك المعرفة، والمصالح التي يناقشها هابرماس هي مصالح مشتركة بين الناس جميعاً، بحكم أننا أعضاء في المجتمع الإنساني، فيذهب هابرماس إلى أن العمل ليس وحده ما يميز البشر عن الحيوانات، بل واللغة أيضاً، فالعمل يؤدي إلى ظهور المصلحة التقنية، وهي المتمثلة في السيطرة على العمليات الطبيعية واستغلالها لمصلحتنا. وتؤدي اللغة، وهي الوسيلة الأخرى التي يحوّل بواسطتها البشر بيئتهم إلى ظهور ما يدعوه هابرماس "المصلحة العملية" وهذه بدورها تؤدي إلى ظهور العلوم التأويلية. ويذهب هابرماس إلى أن المصلحة العملية تفضي إلى نوع ثالث من المصلحة وهي مصلحة الانعتاق والتحرر، وهذه الأخيرة تسعى لتخليص التفاعل والتواصل في العناصر التي تشوههاعن طريق إصلاحها ومصلحة الانعتاق والتحرر تؤدي إلى ظهور العلوم النقدية.
يتوجه هابرماس في أعماله الأخيرة وبخاصة في" نظرية فعل التواصل" (1984-1987) إلى فلسفة اللغة ابتغاء توسيع أساس التظرية النقدية وقد قدم أطروحة صعبة سنجملها في مراحل ثلاث:
1- المرحلة الأولى: يدعو إلى ضرورة التحررمما يدعوه "بفلسفة الوعي" التي يعني بها الفلسفة التي ترى العلاقة بين اللغة والفعل كالعلاقة بين الذات والموضوع (أي التحرر من منظومة الفكر التجريبي).
2- المرحلة الثانية: يمكن أن يتخذ الفعل صورتين، الفعل الاستراتيجي وفعل التواصل. الأول يتضمن الفعل الغائي العقلاني، في حين أن فعل التواصل هو ذلك الفعل الذي يرمي للوصول إلى الفهم.
3- يترتب على فعل التواصل الأولية عدة أمور:
أولاً، العقلانية بهذا المعنى ليس مثالا نقتنصه من السماء، بل هو موجود في لغتنا ذاتها، إن هذه العقلانية تستلزم نسقاً اجتماعياً ديمقراطياً لا يستبعد أحداً.
ثانياً، ثمة نظام أخلاقي ضمني يحاول هابرماس الكشف عنه، وهو الأخلاق الكلية الذي لا يتوجه إلى تحليل مضمون المعايير بقدر توجهه إلى طريقة التوصل إليها، والتوصل إليها -حسب هابرماس- يكون عبر نقاش حر عقلاني.
ويمكن ملاحظة أن مناقشة هابرماس للرأسمالية الحديثة تفتقد للحماس الذي اتسمت به أعمال الرعيل الأول لمدرسة فرانكفورت. فهابرماس يرى في الرأسمالية، أساساً، مرحلة يمكن أن تنحرف فتؤدي إلى كارثة، لكنها عنده ليست شراً مستطيراً. ولقد ركز شأن الرعيل الأول على ظاهرة الهيمنة التقنية والعقل الأداتي السائد في هذا النظام. وحول ماركس يرى هابرماس أن الجزء المبدع لأعماله أصبح مدفوناً تحت خرسانة النزعة الأداتية والوصفية. ويرى هابرماس أن مسؤولية ذلك على عاتق ماركس نفسه، وعلى تركيزه تركيزاً شديداً على العمل باعتباره الخاصية المميزة للبشر.
لقد وجهت لهابرماس مجموعة انتقادات أهمها اثنان:
1- لم يثبت ولا يستطيع أن يثبت أولوية فعل التواصل على الفعل الاستراتيجي.
2 – مرتبط بالنقد الأول، أن أطروحته حول الانعتاق والتحرر لم تثبت، ليس هذا فقط، بل إن محاولة إقامة النقد على التفرقة بين النقد والحياة اليومية تقوض وضع التحرر الذي يزعمه والمشكوك فيه أصلاً. وبذلك يظهر أن مشروع هابرماس يعاني بمجمله من تناقض في الأهداف، فإن أخذنا مشروعه الأكبر بأوضح معانيه، فسيظهر أن محاولة تأمين أولوية التواصل في فلسفة اللغة، تجهضها تلك التفرقة التي يقيمها بين النسق والحياة اليومية. وهكذا إن إعطاء الأولوية لطرف على آخر في معادلة الفعل أو البنية تقوض النظرية من عروشها.
وإذ أقدم هذه الترجمة لهابرماس أشعر بثقل المهمة لصعوبة أبجديات الفلسفة التي يطرحها، بالإضافة إلى المصطلحات التي صكّها والتي تحتاج منّا وضعها في سياقاتها التي أرادها لها صائغها. إنني أعتبر هابرماس نموذجاً للمثقف الديناميكي الذي يتفاعل مع حركة المجتمع والتاريخ، إيمانا منه أن النظرية تحتاج دائماً إلى أن تدلل على نفسها كلما حاولت أن تطبق نفسها في ميدان أو آخر.

رأي شخصي :

خطر لي تقديم بعض رموز التيارات النظرية والفلسفية المعاصرة، وبيان أوجه من النقاشات المستعرة في المركز الكوني حول مستقبل الاجتماع البشري، خاصة تلك التي تنظر في إمكانية التحول الاجتماعي، منافسة للشجرة الماركسية أو معضدة لها، تنويعاً و تطويراً. ليس في سبيل البحث عن "أصولية" ماركسية، ولكن بغرض تقصي علوم "التحرير" في عالمنا المعاصر بالتضاد مع عقيدة الجمود الرأسمالية باسم "نهاية التاريخ"، وهي عبارة آيديولوجية قحة اتخذت شارة الحق في الدعاية الليبرالية الجديدة تدليساً. أول من اخترت منقذ مشروع الحداثة غزير الإنتاج: يورغن هابرماس.
يعتبر يورغن هابرماس (مواليد 1929م) من أبرز الفلاسفة الألمان المعاصرين، كما يعتبر وريثاً لمدرسة فرانكفورت (ماكس هوركهايمر، ثيودور أدورنو، هربرت ماركيوز، وآخرون). تركز أعماله بالدرجة الأولى على عملية نشوء وتحول (الرأي العام)، بجانب كيفيات وإشكاليات تكوين الأفكار، وفي المحصلة كيفية تخلق (الحوار العقلاني) في المجتمعات الحديثة المتقدمة. بهذا المنظور يمكن اعتبار هابرماس أحد أهم المنافحين المعاصرين عن مشروع (التنوير) الأوروبي. من جهة أخرى يمكن قراءة أعمال هابرماس باعتبارها محاولة لتطوير منهج توليفي في الماركسية أو (النيوماركسية) المعاصرة يستقي من مصادر متعددة، في هذا السياق يمكن إدراك تشديد هابرماس المتكرر على مفاهيم (التشبيك) و(الحوار). من ناحية تطبيقية كان لأفكاره وقع فعال على الكثير من الحركات الاجتماعية في العالم المعاصر، بالدرجة الأولى في أوروبا. من ثم، إذا كان من تصنيف لأعمال هابرماس فهي تتوزع بين ثلاثة قضايا محورية: ركائز النظرية الاجتماعية ونظرية المعرفة؛ تحليل المجتمع الرأسمالي المتقدم؛ الديموقراطية وحكم القانون في محتوى التطور والترقي الاجتماعي.
بجانب اندراج أفكاره ضمن ما يعرف باسم (النظرية النقدية) يمثل فكر هابرماس هيكل تكاملي للفلسفة والنظرية الاجتماعية حيث ينهل من تراث إيمانويل كانط، وفريدريش شيلنغ، وفريدريش هيغل، وفيلهلم ديلثي، وادموند هوسرل، وهانز جورج غادامر، بالإضافة إلى اعتماده الجزئي على كارل ماركس والمدارس النيوماركسية، وإدماجه كل هذا في سياق نظريات علم الاجتماع بخاصة أعمال ماكس فيبر، وإميل دوركهايم، وجورج هربرت ميد، بالتشبيك مع نظريات الفلسفة اللغوية، في المقام الأول لودفيغ فيتغنشتاين، وجون ل. أوستن، وجون ر. سيرل، وكذلك التراث البراغماتي الأميركي: شارلز س. بيرس، وجون ديوي، وتالكوت بارسونز. أوضح هابرماس في عمله المبكر (التحول الهيكلي في المجال العام) أن التصور البرجوازي للديموقراطية ما هو إلا ترجمة لعلاقات البيع والشراء في عالم السياسة، شارحاً أنه، كما في السوق، تنشأ بالضرورة تحت هذه الشروط احتكارات للرأي تحت سيطرة الفئات المهيمنة. في مؤلفه (المعرفة والمنفعة البشرية) ميز هابرماس بين المنافع التقنية التي تدفع البحث الامبريقي التحليلي، وبين المنافع العملية التي تدفع العلوم الانسانية والتي اعتبرها مناط (العقل الاتصالي)، كما فرز مجالاً ثالثاً لمنافع التحرير التي تدفع البحث الفلسفي المختص بكشف ميكانيزمات عرقلة تكون (الإجماع) المضاد أو المعارض بواسطة قوى مختلفة اجتماعية كانت أم نفسية. هابرماس نفسه يعتبر أن انجازه الفكري الأساسي هو تطوير مفهوم ونظرية (العقل الاتصالي) التي تتميز عن التراث العقلاني الأوروبي بموضعة العقلانية في هيكل الاتصال اللغوي بين الأفراد، وليس في هيكل كوني الفاعل فيه هو الإنسان العارف. بهذه القراءة يحسب هابرماس نفسه في صف تراث كانط والتنوير الأوروبي عموماً، وعلى مستوى آخر في صف الاشتراكية الديموقراطية، إذا جاز التعبير، وذلك بتركيزه على إمكانية (تحول) العالم والوصول إلى مجتمع أكثر انسانية وعدلاً ومساواة عبر تحقيق الإمكانيات العقلانية للبشرية. كان هابرماس تلميذاً لكل من ثيودور أدورنو وماكس هوركهايمر، فهو من الجيل الثاني في مدرسة فرانكفورت، لكنه يفارقهما بقطيعته مع الموقف الفلسفي المضاد للتراث الغربي والمضاد للعقلانية الغربية الذي انتهجه الأولون من مدرسة فرانكفورت متخذاً موقفاً بنائياً في تقييمه النقدي للمؤسسات والعقلانية الغربية. في مؤلفه الأساسي (نظرية الفعل الاتصالي) يجادل هابرماس منظري العقلانية وعلماء الاجتماع الكبار بمواجهته الفكرة التقليدية القائلة بالعقل الموضوعي الادراكي الأداتي (الوظيفي) بمقدرات عقلانية أخرى تقوم بمهام ذاتية وبين – ذاتية في النسيج الخصب للتفاعل الاجتماعي، ومنها يخلص إلى تطوير مجال نظري جديد تحت مفهوم (أخلاقيات الخطاب). في مباحثه حول أعمال كارل ماركس يشدد هابرماس على جانب (الأنسنة)، وينطلق منه للاشتغال بالشد والجذب الهيغلي بين النظرية والتطبيق في الفلسفة، مع الدفاع الأكيد عن التصور الكانطي للعقلانية في وجه التفكيك الناقد لمفكري ما بعد الحداثة. لذا تأتي الإشارة إلى هابرماس عادة في سياق النقاش المستعر حول أطروحات ما بعد الحداثة وذلك بالاقتران مع فوكو وليوتار وغادامر، لكن النقاش يبدو في أحيان كثيرة إعادة صياغة وتجديد للمقارعة بين كانط وهيغل، حيث يتخذ هابرماس جانب عقلانية كانط بالتزامه الواثق نحو تراث العقلانية والأخلاق، وفي مركز هذا المشروع مفاهيم كانط حول (العقلانية) و(المشروعية الكونية). وبذا يحاول العودة بماركس إلى ما يعتبره استراتيجية الأخير (الأصيلة) عن طريق إعادة بناء مفهومي كانظ المركزيين وتنقية التراث النقدي من (الصفوية). من هنا يأتي انشغال هابرماس باعادة الاعتبار لأعمال اجتماعية فسلفية طالها نقد مبرح: ماكس فيبر، فيلهلم ديلثي، جورج لوكاش، سيغموند فرويد، ومن المعاصرين جان بياجيه، وشتيفن تولمين. على هذا الأساس عادة ما يصدر النقد الروتيني لأعمال هابرماس من جهة مفكري ما بعد الحداثة، وما بعد البنيوية، وكذلك الحركة الأنثوية. ولعل أقسى حكم صدر ضده كان حكم إدوارد سعيد الذي اعتبر هابرماس ناطقاً باسم الموقف الفلسفي المعارض للسياسة، أو المتجاوز لها بمعنى الحياد.
هابرماس والمجال العام
أكثر بحوث هابرماس اكتمالاً في شأن المجال العام هي مؤلفه (التحول الهيكلي في المجال العام)، كما يعود إيماءاً إلى ذات النقاش في الجزء الثاني من (نظرية الفعل الاتصالي). يميز هابرماس بين ما يدعوه (العالم الحياتي) وبين (النظام). مع أن هذا التمييز يمكن مقارنته بالتقابل بين (المجال الخاص) و(المجال العام) إلا أنهما لا يتماثلان. من جهة يخضع العقل في العالم الحديث لجملة إملاءات تقوم بوظيفتها بحسب عقلانية الغاية والوسيلة، ومثال ذلك النموذجي السوق. ومن جهة أخرى تخضع الأفعال البشرية لإملاء القيم والمثل التي يتم تمريرها عبر الاتصال البشري ويتم تبنيها اجتماعياً لتشكل نسيج العالم الحياتي.

هابرماس ونظرية الاتصال

مساهمة هابرماس الأبرز في (نظرية الاتصال) هي تطوير الجهاز النظري التفصيلي الذي جاء وصفه في الجزء الثاني من (نظرية الفعل الاتصالي). تشغل (القوة) موقعاً مفتاحياً في تصور هابرماس للعقل الاتصالي، وبالاستناد إلى ذلك يحاول مقاربة القضايا التالية: مفهوم ذو معنى للعقل الاتصالي؛ مفهوم للنظام الاجتماعي؛ نظرية ملائمة للعقلانية؛ تشخيص المجتمع الحاضر. يعرف هابرماس (العقل الاتصالي) بأنه عملية دائرية للفاعل فيها دوران: الفاعل المدشن المتحكم في مواقفه عبر فعالية هو عنها مسؤول؛ والمفعول به المتأثر بالإزاحات من حوله باعتباره نتاج مجموعات ينتمي إليها ويتوقف تماسكها الاجتماعي على خاصة التضامن الجمعي، وباعتباره خاضع لعمليات الإدماج الاجتماعي التي من خلالها نشأ وفيها ترعرع. ولعل ما ينتهي إليه المبحث هو وجود لحظة (عقلانية اتصالية) غير قابلة للاهلاك في صلب التشكيل الاجتماعي لحياة الإنسان.

هابرماس والنظرية النقدية
يبدو أن هابرماس هو المنظر الحاضر الوحيد صاحب الاستعداد للدفاع عن تراث الحداثة الأوروبية، فهو المنافح الأول عن التراث العقلاني للتنوير، رغم أنه تلميذ أدورنو الذي أعمل في هذا التراث آلة الشك. هابرماس يعتقد بوجود فرصة دائمة لإنقاذ ما في التنوير من عقلانية، فهو يرى أن ما أنجزه فلاسفة القرن الثامن عشر هو محاولة رائدة منهم لتطوير العلم الموضوعي، والأخلاق الكونية، والقانون الكوني، والفن المستقل، وذلك بحسب المنطق الداخلي لكل من هذه المجالات، بمعنى آخر حسب عبارة هابرماس: حاولت هذه الجماعة من مفكري الحداثة الأبكار ترتيب الحياة الاجتماعية اليومية عقلانياً. مع مساهمته في بيان ميكانيزمات الهيمنة في المجتمع الحديث يتمسك هابرماس بالتقليد الفلسفي الكلاسيكي وعقلانية التنوير. بذل هابرماس جهداً مكثفاً في تقصي فكر التنوير وتراثه من خلال تحليل نقدي لواقعه وتاريخانيته، وأمراضه، وفرصه المستقبلية. عليه، يقف هابرماس تقريباً وحيداً في معارضة التيار الغالب في الفكر الفلسفي المعاصر: أتباع نيتشه الجدد من مفكري ما بعد الحداثة وما بعد البنيوية. عند هؤلاء التنوير محض حكاية كبرى للتقدم والحرية مكانها المناسب سلة القمامة الفكرية، لا تجدي معها محاولات الإنقاذ، ولا بد للعقلانية الأوروبية أن تعلن إفلاسها. أما هابرماس فيعتبر أن الانتقادات الموجهة لمشروع التنوير من هذا المعسكر لا تقف على أية ارضية يعتد بها و فاقدة الحس بالإتجاه، وربما (عدمية). في سياق حوار لم يدم طويلاً مع ميشيل فوكو إتهم هابرماس الأخير باللاعقلانية ما دام قد أعجزه شرح المقاييس التي يعتبرها هابرماس ضمنية في أي إدانه للحاضر. يدافع هابرماس بشدة عن مشروعه إعادة بناء تقليد التنوير الحديث، ضد نقاد الحداثة الذين يعتبرهم من أعداء الحداثة لما في وجهات نظرهم من تضمينات رجعية. افتراض هابرماس أن هنالك امكانية لاستعادة مشروع الحداثة وعلى هذا الأساس يحتج على تشخيص هوركهايمر، وأدورنو، ونيتشه، وهايدغر، وفوكو، وديريدا. أما وسيلته إلى إعادة بناء الحداثة فتتمثل في نظريته (العقل الاتصالي). المهمة التي تواجه هابرماس في هذا الخصوص هي التفوق على تشاؤم الحداثة المتأخرة الذي انغمس فيه رواد مدرسة فرانكفورت (هوركهايمر وأدورنو) بتجاوز محنة العقل المتمحور حول الذات من خلال نموذج (العقل الاتصالي). بحسب هابرماس يكمن الأساس المشترك للاعتقاد في مستقبل الإنسان في الهياكل المشتركة لأخلاقيات الخطاب، وليس في العقل البحت.
في نظريته النقدية يميز هابرماس بين ثلاثة مجالات للمعرفة، لكل منها منهج خاص ومقياس خاص للمشروعية، وهي بدروها تستجيب لثلاثة أوجه للمنفعة البشرية ذات الأصل المستقر في الوجود الاجتماعي: العمل، والتفاعل (الاجتماعي)، والقوة.
(1) معارف العمل: العمل على وجه العموم هو طرائق التحكم في، واستغلال البيئة المحيطة، وهو ما يعرف عادة بالفعل الأداتي (الوظيفي). معارف العمل تقوم على البحث الامبريقي – التحليلي، وتتحكم فيها قواعد فنية، أما مقياس العمل الملائم فهو فعالية التحكم في الواقع. تستند العلوم الامبريقية – التحليلية في أدائها على نظريات تعتمد نسق الفرضية والاستنتاج. على هذا الأساس فإن جميع العلوم الطبيعية البحثية من شاكلة الكيمياء والفيزياء والأحياء تعتبر بحسب تصنيف هابرماس ضمن معارف العمل.
(2) معارف الفعل: مجال الفعل عند هابرماس هو التفاعل الاجتماعي أو (الفعل الاتصالي). بذا تستند العلوم الاجتماعية في مشروعيتها على المثل المتعارف عليها اجتماعياً والتي تحدد بدورها ما هو متوقع من سلوك فردي واجتماعي. مع أنه يمكن تقصي ارتباطات ما بين المثل الاجتماعية وبين الفرضيات الامبريقية – التحليلية إلا أن مشروعية المثل الاجتماعية محلها التفاهم بين الذوات وصولاً إلى تفهم متبادل لمقاصد كل طرف. المقياس المعتمد في هذا المجال من المعرفة هو عملية توضيح الشروط الملائمة للاتصال والتفاعل بين الذوات من حيث المعنى وليس علاقة السببية، وذلك لتحديد ما هو الفعل الملائم. على هذا الأساس يعتبر هابرماس كل العلوم التاريخية – الهرمنطيقية ضمن هذا المجال من المعرفة، على سبيل المثال: العلوم الاجتماعية الوصفية، التاريخ، علم الجمال، القانون، والاثنوغرافيا.
(3) معارف التحرير: مجال التحرير يشمل اجتهاد الذات معرفة نفسها، أو التأمل في الذات. أما مدخل المنفعة إلى هذا المجال فيتمثل في صياغة التاريخ والسيرة بما يوافق الرؤى الذاتية والتوقعات الاجتماعية. التحرير مطلوب إذن من القوى المؤسسية والبيئية والجنسية التي تحد من خيارات الإنسان، ومن التحكم العقلاني في الحياة، والتي يؤخذ بها باعتبارها أمراً واقعاً لا يقوى الانسان الفكاك منه، وواقعة خارج دائرة تحكمه. على هذا الأساس فإن البصيرة المستمدة من الوعي النقدي تعتبر تحريرية بما أنها تسمح بالتعرف على الأسباب الصحيحة والحقيقية لما يواجه الإنسان من مشاكل. معارف التحرير تتأتى من خلال التحرير الذاتي الناتج عن التأمل والذي يفضي إلى (تحول الوعي) أو(تحول المنظور). أمثلة هذا النمط من المعرفة عند هابرماس هي نظريات الأنثوية، والتحليل النفسي، ونقد الآيديولوجيا. يكمن وجه الشبه بين نظرية هابرماس النقدية وبين مشروع ماركس في اتفاق هابرماس مع ماركس على ضرورة الوعي بالتشويه الآيديولوجي للواقع، وضرورة الوعي بالعوامل التي تغذي الوعي الكاذب الذي ما هو إلا انعكاس لمصالح القوى المهيمنة. من هذا الباب يقترب مفهوم (تحول المنظور) أو (تحول الوعي) لدى هابرماس من مفهوم (الوعي) لدى ماركس، وكذلك من مفهوم الوعي (الناجز) المصاحب للبحث العلمي على إطلاقه، من حيث التأكيد على ضرورة التحرر من الآيديولوجيات الجنسية والعرقية والدينية والتربوية والمهنية والسياسية والاقتصادية والتقنية التي تعزز العلاقة الاعتمادية مع القوى المهيمنة. أما وجه الاختلاف فيتمثل في أن (تحول الوعي) عند ماركس يفضي إلى شكل من أشكال الفعل قابل للتوقع، مثلاً التخلص من الملكية الفردية. بالمقارنة، لا ينتج عن (تحول الوعي) لدي هابرماس أي التزام بفعل قابل للتوقع.

أهم الأعمال :

-التحولات البنيوية للأوضاع الاجتماعية

-النظرية والممارسة


-منطق العلوم الاجتماعية


-نحو مجتمع عقلاني


-المعرفة والمصالح البشرية


-التواصل وتطور المجتمع


-الوعي الأخلاقي والفعل التواصلي

-لمحات فلسفية - سياسية


-الخطاب الفلسفي للحداثة


-التبرير والتطبيق


-العقلانية والدين


-مستقبل الطبيعة البشرية


-أوروبا القديمة، أوروبا الجديدة، قلب أوروبا

-الغرب المنقسم

-جدل العلمانية



كتاب يستحق القراءة :

الخطاب الفلسفي للحداثة

http://www.4shared.com/office/5pZ5KH5y/_______.html