الثلاثاء، 28 أغسطس 2012

الفضيلة


قبل سويعات كنت أتصفح الُنت فوجدت قصيدة العزاء التي كتبها المنفلوطي في فرجيني عندُما ماتت
تذكرت تلك الأيام التي قضت وقرأت فيها تلك الرواية ، فلم أكف عن الشجَن والتخيلات والعيش معهم في أحلامهم الغضَة البسيطة وحياتهم الرغيدة .
ففكرت ، و
وجدت هذه الرواية تُفيد القارىء لغوياً بشكل كبير.. ينثر فيها الكاتب كمية من التراكيب اللغوية الجميلة والصور والأخيلة .. جميلة لمن يسعى لتطوير لغته وكتاباتهِ النثرية

أتساءل !
أنكون اشخاصا مختلفين لو اننا نشأنا في عالم بعيد كل البعد عن كل ما هو آليّ..؟
فكرة جابت في رأسي لمدة طويله , وكان خيالي كالداومه..لو عشنا كما عاش اجدادنا منذ مئات السنين , أي نوع من الاشخاص سنكون ؟
بعيدا عن كل هذا الصخب المجنون الذي عرفنا به حياتنا ..
أنكون أكثر تسامحا ؟ أم اكثر شراسه نظرا لقساوة بيئتنا ؟ ان افترضت اننا نعيش في صحراء قاسيه وفي خيمة قماشية ..
وكيف هو تأثير بيئتنا الحاليه , الذي صنعنا مانحن عليه الآن ؟ وكيف تدخل نمط معيشتنا الحالي في نمط تفكيرنا ؟
في روايه بول وفرجيني وجدت تجسيدا للفكرة , امهات قادتهن ظروف معينه الى غابات افريقيه , هناك وسط الاحراش , بعيدا عن صخب الناس و عن صخب المدينه ..
قرأت الكتاب مرتين , وفي كل مرة تأخذني دهشه جديدة تختلف عن الدهشه الأولى , يأخذني بعدها ذهولا ..
"ربما وقع نظري عليكِ و أنا على قمة الجبل و أنتِ في سفحه .. فيخيل إلي أنكِ وردة بين الورود النابتة
".



مدخّل

المؤلف الأول لها هو الأديب الفرنسي برناردين دي سان بيير ولكن الأديب العربي مصطفى لطفي المنفلوطي قام بترجمتها وتعريبها وصياغتها من جديد ببلاغته الساحرة
أحداثها طويلة تدور في مجتمع قروي وهي تدعوا إلى امكارم الأخلاق وتمجيد الفضيله هذه القصه جميله في معانيها و اضاف إسهاب المنفلوطي في الوصف واستعماله الفاظ عربيه مهجوره من متعة قرائتهاوستضيف الى مخزونك اللغوي الكثير

..



تلخيصَ


عبارة عن قصة واقعية عاشها أفراد أسرتين في إحدى الجزر النائية، الأسرة الأولى تتكون من الأم مرغريت التي زلت قدمها في الرذيلة لترزق بولد بول الذي لم تورثه أيا ولا جاها إلا متاعا من الفضيلة التي جنتها من سنوات العبرات والنظرات النادمة المؤمنة ... والأسرة الثانية متكونة من هيلين و ابنتها فرجيني التي توفي أبوها بعد زواجه سرا بأمها لان مركزه الدنيء لم يسمح له بخطبتها آنفا..
التقت المرأتين وعاهدتا نفسيهما أن تربيا ابنيهما على الفضيلة فلا تزل قدم فرجيني في الرذيلة و لا تمتد عين بول لما فوق بصره..
وهكذا عاشت الأسرتان في كوخين فقيرين من كل شيء إلا من قيم المحبة التسامح والقناعة.فنشأت قصة حب صافية نبيلة و أبدية بين ابنيهما و التي لم يفرقهما شيء حتى الموت.فبعد رحيل فرجيني إلى فرنسا بدعوة من احد الأفراد للميراث لم تنل الفتاة شيئا سوى أجواء حياة النبلاء المزيفة بأضواءها فآثرت العودة لاميها وخليلها الوفي الدين كانت قد أورثتهم بعد رحيلها الشجن والأسى... لكن هيهات فقد عصفت الريح بالباخرة المقلة لفرجيني كما عصف الدهر بحياتها لكن ليس بعفتها لان وحتى الدقائق الأخيرة لغرق السفينة أبت الفتاة العفيفة أن ترتمي في أحضان الرجل العاري الذي هب لينقدها بعد أن نجا الجميع ... وهكذا ماتت فرجيني في سبيل الفضيلة فلحقها فيما بعد أفراد أسرتها تباعا.
الكتاب أكثر من روعة أسلوبا. وسرديا غطى فيه الكاتب أهم مظاهر حقبة الاستعمار الفرنسي مع وضع الأسرتين في قالب مقدس بعيد عن آفات دلك العصر.


مُقتطفات



"للكون إله يتولى شأنه و يرعاه .. "

"الحياة أبسط من أن تحتاج إلى كل هذه الجلبة و الضوضاء .. فخذوها من أقرب وجوهها .. إنما أنتم مارون لا مقيمون"

"كان يخيل لهم أحياناً أن الفضاء الذي بين أيديهم إنما هو معبد مقدس يصلون لله في أي بقعةٍ من بقاعه شاؤوا .. "

"ربما وقع نظري عليكِ و أنا على قمة الجبل و أنتِ في سفحه .. فيخيل إلي أنكِ وردة بين الورود النابتة .. "

"سكنت نفسها إليه سكون الطائر الغريب إلى العش المهجور "


بُسطور ورأي شخصيَ :


نصِبَ تمثالا في أحد حدائق فرنسا المشهورة , الحديقة النباتيه التابعة للمتحف الوطني الفرنسي .. رجلا في أعلى التمثال يفكر عميقا , وأسفل التمثال فتاة صغيرة يجلس بجوارها فتى صغيرا يبدوان وكأنها صديقان أو أخوين ويبدوا انهما سعيدان وتغمر ملامحها البراءة ..

من يكون هذا الرجل في الأعلى ؟ ومن هم الأطفال في أسفل التمثال؟ وما قصتهما حتى ينصب لهما تمثالا في أحد الحدائق الوطنية ؟ أيكونوا شخصيات تاريخيه أثرت بدرجه كبيرة على الشعب فنصب لهم تمثالا ؟ ..

إن الرجل في الأعلى هو جاك دي سان بيير , كاتب رواية بول وفرجيني , وفي الأسفل بول و صديقته فرجيني وهما شخصيات خياليه في كتابه الشهير ..الروايه تقدم الفضيلة بأبهى صورها ويقدم الكتاب الحياة كما يجب ان تقدم ..و تعتبر روايه بول وفرجيني من اجمل كتابات برناديين و صنفت من اكبر الادبيات الفرنسيه ..

انها قصه الأخوة والمحبة الصادقة , هي من الجمال ما يجعلك ترى الدنيا بأبهى حلة وبمنظار بسيط يرى الامور بلا تعقيد , انها تعيد تذكيرنا بالأهداف الأولى لنا والقيم الكبرى التي ينبغي العيش والموت لأجلها ..

شجاعه ووفاء فتى صغيرا .. وفتاة تحافظ على عفتها وشرفها وبراءتها التي نشأت عليها بالرغم من انغامسها لسنوات في مجتمع مترف ..! فتبقى البذرة التي غرستها امها في صدرها نقية فالعنب لا يخرج من الشوك ..

إن الفقير يعيش في دنياه في أرض شائكة قد ألفها واعتادها ، فهو لا يتألم لوخزاتها ولذعاتها ، ولكنه إذا وجد يوما من الأيام بين هذه الأشواك وردة ناضرة طار بها فرحا وسرورا وأن الغني يعيش منها في روضة مملوءة بالورود والأزهار قد سئمها وبرم بها ، فهو لا يشعر بجمالها ولا يتلذذ بطيب رائحتها ، ولكنه عثر في طريقه بشوكة تألم لها ألما شديدا لا يشعر بمثله سواه ، وخير للمرء أن يعيش فقيرا مؤملا كل شيء ، من أن يعيش غنيا خائفا من كل شيء .

مرغريت لديها إبن وهو بول , زلت قدمها عندما كانت في السابعة عشر من عمرها مع شخصيه مرموقة في مجتمعها , وعدها بالزواج ووأخذ يلون احلامها الورديه , ثم تركها , ونبذها مجتمعها بسبب حملها الغير شرعي ..

و هيلين , الشابة من الطبقة المخملية , أحبت شابا فقيرا .. تلك الجميلة .. لم يكن يسعى لمالها لكنه وعدها بالزواج و رفضت عائلتها لكن هيلين ثارت و تزوجت الشاب بالسر , تبرأت منها عائلتها فهربت مع الشاب بعد ان تزوجا في كنسيه بالسر .. هربا الى افريقية ..و لكن الفرحه لم تكتمل فتوفي زوجها عندما كان ذاهبا في مهمه تجارية في غابات افريقيا .. وكانت حاملا فوضعت ابنتها فرجيني في الأدغال ونشئت الابنه في بيئه بدائيه بعيدة عن صخب الناس وعن همومهم ..

كلا من الأمين كانوا فقراء , الا من كوخ صغير و مزرعة وبعض الدجاج .. لكنهما كانتا غنيتان بالطبيعه التي كانت حولهما , كانت الطبيعة حولهما كمعبد مقدس كلما ارادا التأمل والعبادة انطلقا الى بقعة نائيه وأخذا يتأملان جمال الأشجار , كانت الجزيرة الأفريقية التي يسكنوها كالفردوس لشدة جمالها ..

ان روايه بول وفرجيني لبرنادين دي سان بيير كانت حصيله سنوات طويله من التفكير ومن التجارب الذي خاضها المؤلف بشخصه , و كان هدفه الأوحد هو إحداث تغيير ايجابي في نفس كل من يقرأ روايته, وإحداث تغير اجتماعي يحوّل انظار الناس الى القيم العظيمة التي ينبغي العيش لأجلها ..

وبذل جهدا كبيرا في ان تلامس هذة الروايه ارواح من يقرأها .. وهذا ما كان , حيث ان روايه بول وفرجيني تعتبر من أجمل ما كتب برنادين دي سان بيير ..



في النهاية

لن أتحدث كثيرًا عن ترجمة المنفلوطي ...فكما قال لي والدي لم يكن المنفلوطي مترجمًا بل كان مُعَرِبًا ..و كأن لُغة الكتاب الأصلية هي العربية .. و رأيتُ في تعبيراته العربية الأصلية الكثير من الجمال و الفن مما يجعله من أروع الكتب المترجمة التي قرأتها ..
الرواية رؤية يوتوبية أخرى تعرض وجهة نظر برناردين دي سان بيير عن الحياة كما يجب أن تكون .
عن بول و فيرجيني الطفلين الذين ترعرعا في مزرعتهما ذات الموارد البسيطة التي بالكاد تكفي أسرتيهما
و عن مدى السعادة التي أدركاها في بعدهما عن باقي البشر بعيدًا عن كُل ما يخص الرذيلة حيثُ لا مكان لها في عالمهما المحدودُ الذي لا حدودَ لجمالِه .

-
لتحميل الراوية
هُنا

http://www.4shared.com/office/vGE3mkFI/___.html

هناك 4 تعليقات: