الثلاثاء، 28 أغسطس 2012

الأيام




مُقدمة :

طه حسين عميد الأدب العربي هو أديب ومفكر مصري تمكن من النبوغ والتفوق في إثبات ذاته على الرغم من الصعوبات الكثيرة التي واجهها في حياته، والتي يأتي في مقدمتها فقدانه لبصره، وهو ما يزال طفلاً صغيراً ولكنه أثبت بمنتهى الصمود، والقوة أن الإنسان لا يجب أن يوقفه عجزه أمام طموحه، بل على العكس من الممكن أن يكون هذا العجز هو عامل دفع وقوة، وليس عامل إحباط، وهو الأمر الذي حدث مع هذا الأديب العظيم الذي على الرغم من رحيله عن هذه الدنيا إلا أن الأجيال الحديثة مازالت تتذكره ومازالت كتبه واقفة لتشهد على عظمة هذا الأديب العظيم.

كان لطه حسين أفكار جديدة متميزة فطالما دعا إلى وجوب النهضة الفكرية والأدبية وضرورة التجديد، والتحرير، والتغيير، والاطلاع على ثقافات جديدة مما أدخله في معارضات شديدة مع محبي الأفكار التقليدية، وكانت من أفكاره أيضاً دعوته للحفاظ على الثقافة الإسلامية العربية مع الاعتماد على الوسائل الغربية في التفكير.

شغل الدكتور طه حسين العديد من المناصب، والمهام، نذكر منها عمله كأستاذ للتاريخ اليوناني، والروماني، وذلك في عام 1919م بالجامعة المصرية بعد عودته من فرنسا، ثم أستاذاً لتاريخ الأدب العربي بكلية الآداب وتدرج فيها في عدد من المناصب، ولقد تم فصله من الجامعة بعد الانتقادات، والهجوم العنيف الذي تعرض له بعد نشر كتابه "الشعر الجاهلي" عام 1926م، ولكن قامت الجامعة الأمريكية بالقاهرة بالتعاقد معه للتدريس فيها.

وفي عام 1942 أصبح مستشاراً لوزير المعارف ثم مديراً لجامعة الإسكندرية حتى أحيل للتقاعد في 16 أكتوبر 1944م، وفي عام 1950 أصبح وزيراً للمعارف، وقاد دعوة من أجل مجانية التعليم وأحقية كل فرد أن يحصل على العلم دون حصره على الأغنياء فقط " وأن العلم كالماء، والهواء حق لكل إنسان"، وهو ما قد كان بالفعل فلقد تحققت مجانية التعليم بالفعل على يديه وأصبح يستفاد منها أبناء الشعب المصري جميعاً، كما قام بتحويل العديد من الكتاتيب إلى مدارس ابتدائية، وكان له الفضل في تأسيس عدد من الجامعات المصرية، وتحويل عدد من المدارس العليا إلى كليات جامعية مثل المدرسة العليا للطب، والزراعة، وغيرهم.

أثرى طه حسين المكتبة العربية بالعديد من الأعمال والمؤلفات، وكانت هذه الأعمال الفكرية تحتضن الكثير من الأفكار التي تدعو إلى النهضة الفكرية، والتنوير، والانفتاح على ثقافات جديدة، هذا بالإضافة لتقديمه عدد من الروايات، والقصة القصيرة، والشعر نذكر من أعماله المتميزة " الأيام" عام 1929م والذي يعد من أشهر أعماله الأدبية، كما يعد من أوائل الأعمال الأدبية التي تناولت السيرة الذاتية.

عن كثب
"رؤية شخصية " :

من أمتع و أحمل ما قرأت ... أتمسّك به متعلّقا بجوّه و أحاديثه و حكاياته و نظرته إلى الدنيا التي لم يعرف هيئتها و لا ألوانها و لا أوصافها , قراءته متعة حقيقيّة تخفّف عنك و تريحك لتكون كأنّك رفيقه في الكتّاب أو الرّبع أو الأزهر أو في مكاتب الجريدة أو في مقاعد الجامعة وصولا إلى باريس و حبّه العاصف قراءةً في جنوبها ... لا يبارحك سؤال طيلة صفحات الكتاب : كيف لمن ولد ضريرا لا يعرف معنى الضوء من العتمة ولا الأسود من الأبيض و لا الربيع من القحل , كيف ينظر و أيّ قيد و سجن و وحدة هي ذاتُه , كيف لرهين هذا المحبس أن يصف لنا الدنيا و يسكننا و يرينا ذكرياته ؟!!!
ازددت حقّا عشقا لنعمة البصر و خوفا مقيما من وحدة العتمة المقيمة , هذا رجلٌ يستحقّ أن تحترمه و تكبره و تنحني لحلمه و جرأته و جهده ليعيش فوق الأرض لا خلف العمى ... شقّ من خلال العتمة دربا لم يطمح له المبصرون القادرون المالكون جماع أمرهم , مهما اختلفنا معه أو صدمنا شيء من آرائه أو حتى لو اعتبرنا شيئا من نظراته في الشعر أو الدين خطأ بعيدا عمّا نرضاه و نألفه , فلا نملك - و لا يجوز - سوى هذا الاحترام و الإكبار لهذه القامة الباسقة.

الأيام:

لم تكن الايام هي التي كُنا نروادها ذاتها .. هُنا طه حسين كـ سيرة ذاتية
عندما قرأت هذا الكتاب لأول مره خطر في بالي رواية العُمى .. كأنهما خيطاً واحد
هي الهواجس ذاتها التي راودتني حين قراءة رواية العمى لجوزيه ساراماغو ..
إن كانت قراءتي في النهار أنتهي من قراءة المقاطع وأغمض عيني طويلاً .. كيف للحياة أن تكون مظلمةً هكذا !
وإن كانت قراءتي قبل منامي أنتهي و أطفئ الضوء فتستشري العتمة .. وأقول : هكذا هي الحياة في عينيْ أعمى !
الأنس بالشيء أحياناً يولد من إدراكنا للملامح .. فتصوّر إذن صعوبة التأقلم مع حياةٍ لم تعرف منها إلا صوتها وصورتها المظلمة !
حتى أهلك وأحبتك وزوجتك .. كلهم تلامسهم دون أن تعرف على أي شكلٍ يكونون .. الألوان .. تتحدث عنها وليس لك منها إلا الأسود !
لن أبالغ إن قلت أن طه حسين هو ماركيز العرب .. الإغراق في التفاصيل دون ملل ..!
الكتاب سيرة ذاتية .. يتحدث فيها المؤلف عن حياته .. عن الأيام .. منذ بدء إدراكه في القرية وحتى إلى حين زواجه في فرنسا وحصوله على الدراسات العليا !
لكن الكتاب مليئ بالتحدي والقوة ، يتعثر فيقوم ، يتألم فيكون الألم حافزه في المضي أكثر إلى الأمام ، لم يمنعه العمى من الكتابة والقراءة والحب والزواج ونيل الشهادات العليا ومن أشهر جامعات فرنسا ، تفوق طه حسين في أمور كثيرة فشل فيها رهين المحبسين أبو العلاء المعري .
نجمة سقطت من أجل عدة أمور عبت فيها الكتاب :
- بعض الألفاظ تكررت بصورة فظيعة ..
- أغفل ذكر أسماء كثير من الأشخاص إلا أصحاب المقامات العالية ..
- صاحب السيرة يكتب سيرته بكثير من الغرور وهذا ما جعلني أقرأ وأشعر كأن شوكة تنغز عقلي ولا تهبني الراحة التي أريد ..
لكن الكتاب جميل عموماً ويستحق القراءة .


فلسفة لامنطقية عن الأيام
"رؤية شخصية " :


الأيام من روائع ماسطّر هذا العميد ، فيهِ إختصر بدع الأيام بين ثنايا الأحرف ! كان شخصًا ولا شخص ..
الكتاب طراز فريد في خلق المعجزات والتحدّي ، وفرط كلّ القيود لحريةٍ أعظم ..
في الأيام مايجدر للإختلاف أن يكون.
يذكر أنه كان يحب الخروج من الدار إذا غربت الشمس، فيعتمد على قصب هذا السياح مفكراً مغرقا في التفكير، حتى يرده إلى ما حوله صوت الشاعر وقد جلس على مسافة من شماله ، والتفّ حوله الناس وأخذ ينشدهم في نغمة عذبة أخبار أبي زيد الهلالي وخليفة ودياب ، وهم سكوتٌ إلا حين يستخفهم الطرب فيستعيدون ويتمارون.
ومن أيامه :
عرف الصبيّ أكثر أنواع اللعب دون أن يأخذ منها بحظ، وانصرافه هذا عن العبث حببَ غليه لوناً من ألوان اللهو، هو الاستماع إلى القصص والأحاديث ، فكان يحبّ أن يستمع إلى إنشاد الشاعر أو حديث الرجال إلى أبيه ، والنساء إلى أمه.. ومن هنا تعلّم حسن الاستماع.
وتحدث طه حسين في الأيام عن الشيوخ أهل الطرق.. ومنهم هذا الشيخ الذي كان في أول امره حمّارا ثم أصبح تاجراً واقتصرت حمره على نقل تجارته .. ومنهم هذا الشيخ الذي لم يكن يقرأ ولا يكتب ولا يحسن قراءة الفاتحة ، ولكنه كان شاذلياً من أصحاب الطريق ، وكان يجمع الناس إلى الذكر ويفتيهم في أمور دينهم. فلما سأله أحدهم عن تفسير قوله تعالى( وقد خلقكم أطوارا) قال الشيخ: خلقكم كالثيران لا تعقلون شيئاً . وفي تفسيره لقوله تعالى ( ومن الناس من يعبد الله على حرف) قال : أي على دكــة . وشيوخ الطريق كانوا كثيرين منبثين في أقطار الأرض وكانوا قد تقسموا الناس فيما بينهم فجعلوهم شيعاً ، يتسلطون على الأسر ، فإذا نُصب المجلس واجتمع الناس إلى حلقة الذكر .. ذكروا الله قاعدين ساكنين ثم تتحرك رؤوسهم وترتفع أصواتهم ثم تتحرك أنصافهم ثم تنبث في أجسادهم رعدة فإذا هم جميعاً وقوف قد دفعوا في الهواء ينشدون.
..
وبين ثنايا الكتاب نجد حياته في الأزهر وعظم علمه وروحه ولهوه ..
من أرقّ ماكتب وحزن لوفاة الصبية الصغيرة ، تلكَ الحسناء أخذت قلوب الجميع وماتت

"أتعرفينه ؟ انظري إليه .. هو هذا الملَك القائم الذي يحنو على سريركِ إذا امسيتِ لتستقبلي الليل في هدوء.. ليس ديــْنُ أبيك لهذا الملَـك بأقل من ديْنـــكِ .. فلتتعاونا يا ابنتي على أداء هذا الديْن."


مقتطفات :

يا ابنتي إن حدثتك بما كان عليه أبوك في بعض لأطوار صباه أن تضحكي منه قاسية لاهية ، وما أحب أن يضحك طفل من أبيه وما أحب أن يلهو أو يقسو عليه .


..

عَرِفَت لنفسه إرادةٌ قوية ، ومن ذلك الوقت حرم على نفسه ألواناً من الطعام لم تبح له إلا أن جاوز الخامسة والعشرين ، حرم على نفسه الحساء والأرز وكل الألوان التي تؤكل بالملاعق لأنه كان يعرف أنه لا يحسن اصطناع الملعقة ، وكان يكره أن يضحك عليه إخوته ، أو تبكي أمه ، أو يعلمه أبوه في هدوء.

..


كان يجلس بين الطاعمين خجلاً وجلاً ، مضطرب النفس مضطرب حركة اليد ، لا يحسن أن يقتطع لقمته ، ولا يحسن أن يغمسها في الطبق ، ولا يحسن أن يبلغ بها فمه ، ويخيل إلى نفسه أن عيون القوم كلها تلحظه ، وأن عين الشيخ خاصة ترمقه خفية ، فيزيده هذا اضطراباً ، وإذا يده ترتعش ، وإذا بالمرق يتقاطر على ثوبه وهو يعرف ذلك ويألم له ولا يحسن أن يتقيه .

..

حتى إذا أنشئت الجامعة وعلم الفتى علمها ذهب عنه الخوف وملأ الأمل نفسه رضا وبهجة وسرور ، واستمع الفتى لأول درس من دروس الجامعة في الحضارة الإسلامية ، فراعه ما راعه شيء لم يكن له بمثله عهد في الأزهر ... ، كان تحرقه لدرس اليوم الثالث أشد من تحرقه إلى الدرسين اللذين سبقاه ، فسيكون الأستاذ إيطالياً ، ويتحدث باللغة العربية.





تُم

لتحميل كتاب الأيام :


http://www.mediafire.com/?z1la0enn82hhatt

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق