الثلاثاء، 28 أغسطس 2012

وحي القلم



مقدمة :

الرافعى لم يستمر طويلا في ميدان الشعر فقد انصرف عن الشعر إلى الكتابة النثرية وعندما نتوقف أمام ظاهرة انصرافه عن الشعر نجد أنه كان على حق في هذا الموقف فرغم ما أنجزه في هذا الميدان الأدبي من نجاح ورغم أنه استطاع أن يلفت الأنظار إلا أنه في الواقع لم يكن يستطيع أن يتجاوز المكانة التي وصل إليها الشعراء الكبار في عصره وخاصة أحمد شوقي وحافظ إبراهيم فقد أعطى هذا الشعران التعبير عن مشاعر الناس وهمومهم في هذا الجيل. لعل الرافعى هو من اطلق أول صرخة اعتراض على الشعر العربى التقليدى في أدبنا فقد كان يقول: "ان في الشعر العربى قيودا لا تتيح له أن ينظم بالشعر كل ما يريد أن يعبر به عن نفسه" وهذه القيود بالفعل هي الوزن والقافية. كانت وقفة الرافعى ضد قيود الشعر التقليدية أخطر وأول وقفة عرفها الأدب العربي في تاريخه الطويل وأهمية هذه الوقفة أنها كانت حوالي سنة 1910 أي في أوائل القرن الماضي وقبل ظهور معظم الدعوات الادبية الأخرى التي دعت إلى تحرير الشعر العربى جزئيا أو كليا من الوزن والقافية.
الميدان الأول الذي انتقل إليه الرافعى الذي كان مقيدا بالوزن والقافية هو ميدان النثر الشعرى الحر في التعبير عن عواطفه العتيقة التي كانت تملأ قلبه ولا يتعداها إلى تصرفات تخرج به عن حدود الالتزام الاخلاقي والديني كما كان يتصوره. أما الميدان الثاني الذي خرج إليه الرافعى فهو ميدان الدراسات الادبية وأهمها كان كتابه عن "تاريخ آداب العرب" وهو كتاب بالغ القيمة ولعله كان أول كتاب في موضوعه يظهر في العصر الحديث لأنه ظهر في أوائل القرن العشرين وبالتحديد سنة 1911. ثم كتب الرافعى بعد ذلك كتابه المشهور "تحت راية القرآن" وفيه يتحدث عن اعجاز القرآن. ويرد على آراء الدكتور طه حسين في كتابه المعروف باسم "في الشعر الجاهلى".
يأتى الميدان الأخير الذي تجلت فيه عبقرية الرافعي ووصل فيه إلى مكانته العالية في الأدب العربي المعاصر والقديم وهو مجال المقال والذي أخلص له الرافعى في الجزء الأخير من حياته وأبدع فيه ابداعا عجيبا وهذه المقالات التي جمعها الرافعى في كتابه "وحي القلم".

مدُخل :

نقل حقائق الدنيا نقلا صحيحا إلى الكتابة أو الشعر ، هو انتزاعها من الحياة في أسول و إظهارها للحياة في أسلوب آخر يكون أوفى و أدق و أجمل لوضعه كل شيء في خاص معناه ، و كشفه حقائق الدنيا كشفة تحت ظاهرها الملتبس ، و تلك هي الصناعة الفنية الكاملة ؛ تستدرك النقص فتتمه ، و تتناولا السر فتعلنه ، و تلمس المقيّد فتطلقه ، و تأخذ المطلق فتحده و تكشف الجمال فتظهره و رتفع الحياة درجة في المعنى ، و تجعل الكلام كأنه وجد لنفسه عقلا يعيش به . فالكاتب الحقُّ لا يكتب ليكتب ، و لكنه أداة فقي يد القوة المصورة لهذا الوجود ، و تصور به شيئا من أعمالها فنًّا من التصوير ، الحكمة الغامضة تريده على التفسير ، تفسير الحقيقة ، و الخطأ الظاهر يريده على التبيين ، تبيين الصواب ، و الفوضى المائجة تسأله الإقرار إقرار التناسب ، و ما وراء الحياة يتخذ من فكره صلة بالحياة ، و الدنيا كلها تنتقل فيه مرحلة نفسية لتعلو به أو تنزل ، و من ذلك لا يخلق الملهمُ أبدا إلا و فيه أعصابه الكهربائية ، و له في قلبه الرقيق مواضعٌ مهيّأةٌ للاحتراق تنفذ إليها الاشعة الروحانية ، و تتساقط منها بالمعاني ))


(( و لا بد من البيان في ال الطبائع الملهمة ليتسع به التصرف ، إذ الحقائق أسشمى من أن تعرف بيقين الحاسة ، أو تنحصر في إدراكها ، فلو حدّت الحقيقة لما بقيت حقيقة ، و لو تلبّس الملائكة بهذا اللحم و الدم أبطل أن يكونوا ملائكة ، و من ثم فكثرة الصور البيانية الجميلة للحقيقة الجميلة ، هي كل ما يمكن أو يتسنّى من طريق تعريفها للإنسانية ))
(( و لهذا ستبقى كل حقيقة من الحقائق الكبر _ كالإيمان و الجمال و الحب و الخير و الحق _ ستبقى محتاجة في كل عصر إلى كتابةٍ جديدةٍ من أذهانٍ جديدةٍ ))
(( و ربما عابوا السمو الأدبي بأنه قليل ؛ و لكن الخير كذلك ، و بأنه مخالف ؛ و لكن الحق كذلك ، و بأنه محيّرٌ ؛ و لكن الحسن كذلك ، و بأنه كثير التكاليف ؛ و لكنّ الحرية كذلك . ))
..

هذه هي مقدمة بسيطة لكتاب وحي القلم ، للأديب مصطفى صادق الرافعي .



مقتطفآت

1- من سقوط النفس أن يغتر الشاب فتاة حتى إذا وافق غرتها مكر بها وتركها بعد أن يلبسها عارها الأبدي. 1/ 212




2- الذي يجد طهارة قلبه يجد سرور قلبه، وتكون نفسه دائماً جديدة على الدنيا. 1/ 232



3- الإيمان وحده هو أكبر علوم الحياة يبصرك إذا عميت في الحادثة، ويهديك إذا ضللت عن السكينة، ويجعلك صديق نفسك تكون وإياها على المصيبة، لا عدوَّها تكون المصيبةُ وإياها عليك. 1/ 233



4- إن الشقاء في هذه الدنيا إنما يجره على الإنسان أن يعمل في دفع الأحزان عن نفسه بمقارفة الشهوات، وبإحساسه غرور القلب؛ وبهذا يبعد الأحزان عن نفسه؛ ليجلبها على نفسه بصورة أخرى. 1/ 239



5- فكل ما تراه من أساليب التجميل والزينة على وجوه الفتيات وأجسامهن في الطرق - فلا تَعدَّنَّهُ من فَرْط الجمال، بل من قلة الحياء. 1/ 302



6- ويقول - رحمه الله - متحدثا عن اللقطاء: ( ههنا باعث الشهوة قد عجز أن يَسْمُوَ سموَّه - وما سُمُوُّه إلا الزواج - فتسفَّل وانحط، ورجع فسقاً، وعاد أوله على آخره، كان أوله جُرْماً، فلا يزال إلى آخره جرماً، ولا يزال أبداً يعود أوله على آخره؛ فلما حملت المرأة، وفاءت إلى أمرها، وذهب عنها جنون الرجل والرجل معاً - انطوت على الثأر، والحقد، والضغينة؛ فلا يكون ابن العار إلا ابن هذه الشرور أيضاً.


والأمهات يعدون لأجنتهن الثياب والأكسية قبل أن يولدوا ويهيئن لهم بالفكر آمالاً وأحلاماً في الحياة؛ فيكسبنهم في بطونهن شعور الفرح، والابتهاج، وارتقاب الحياة الهنيئة، والرغبة في السمو بها.



ولكن أمهات هؤلاء يعدون لهم الشوارع، والأزِقَّة منذ البدء، ولا ترتقب إحداهن طول حملها أن يجيئها الوليد، بل أن يتركها حياً، أو مقتولاً، فيورثنهم بذلك - وهم أجنة - شعور اللهفة، والحسرة، والبغض، والمقت، ويَطْبَعْنَهُمْ على فكرة الخطيئة، والرغبة في القتل؛ فلا يكون ابن العار إلا ابن هذه الرذائل.


وتظل الفاسقة مدة حملها تسعة أشهر في إحساس خائف مترقب منفرد منعزل عن الإنسانية ناقم متبرم متستر منافق.


ومتى ألقت الفاسقة ذا بطنها قطعته لتوه من روابط أهله وزمنه، وتاريخه، ورمت به؛ ليموت، فإن هلك فقد هلك، وإن عاش لمثل هذه الحياة فهو موت آخر شر من ذلك.


ومهما يتوله الناس، والمحسنون، فلا يزال أوله يعود على آخره؛ مما في دمه، وطباعه الموروثة، ولا يبرح جريمة ممتدة، متطاولة، ولا ينفك قصة فيها زان وزانية وفيها خطيئة ولعنة.


فهؤلاء كما رأيت أولاد الجرأة على الله، والتعدي على الناس، والاستخفاف بالشرائع، والاستهزاء بالفضائل.


وهم البغض الخارج من الحب، والوقاحة الآتية من الخجل، والاستهتار المنبعث من الندامة.


وكل منهم مسألة شر تطلب حلها، وتعقيدها من الدنيا، وفيهم دماء فوارة تجمع سمومها شيئاً فشيئاً كلما كبروا سَنَةً فسنة ). 1/309 -310




7- ويا حسرتا على هؤلاء الصغار المساكين؛ إن حياة الأطفال فيما فوق مادة الحياة - أي في سرورهم وأفراحهم - وحياة هؤلاء البائسين فيما هو دون مادة الحياة، أي في وجودهم فقط.


وكِبَرُ الأطفال يكون منه إدخالهم في نظام الحياة، وكِبَرُ هؤلاء إخراجهم من الملجأ، وهو كل النظام في دنياهم ليس بعده إلا التشريد، والفقر، وابتداء القصة المحزنة. 1/ 311




8- وهؤلاء اللقطاء في حياة العامة قد نزعت منها الأم والأب؛ فليس لهم ماض كالأطفال، وكأنهم يبدؤون من أنفسهم لا من الأباء والأمهات. 1/ 312



9- عجباً! إن سيئات اللصوص والقتلة كلها يُنسى، ويتلاشى، وسيئات العشاق والمحبين تكبر. 1/ 312



10- ولكن المرأة هي التي خلقت؛ لتكون للرجل مادة الفضيلة، والصبر، والإيمان، فتكون له وحياً، وإلهاماً، وعزاءً، وقوة، أي زيادة في سروره، ونقصاً في آلامه.


ولن تكون المرأة في الحياة أعظم من الرجل إلا بشيء واحد، هو صفاتها التي تجعل رجلها أعظم منها. 2/ 151




11 - فمهما تكن الزوجة شقية بزوجها فإن زوجها قد أولدها سعادتها، وهذه وحدها مزية ونعمة. 1/ 292




12- أما الفتاة فكانت في الأكثر للزواج، فعادت في الأقل للزواج، وفي الأكثر للهو والغزل.


وكان لها في النفوس وقار الأم، وحرمة الزوجة، فاجترأ عليها الشبان اجترائهم على الخليعة الساقطة.


وكانت مقصورة لا تنال بعيب، ولا يتوجه عليها ذم، فمشت إلى عيوبها بقدميها، ومشت إليها العيوب بأقدام كثيرة.


وكانت بجملتها امرأة واحدة، فعادت مما ترى، وتعرف، وتكابد كأن جسمها امرأة، وقلبها امرأة أخرى، وأعصابها امرأة ثالثة. 1/ 162 - 163



تمّ

لتحميل ثلاثية من وحي القلم
هُنا
الجزء الأول

http://www.4shared.com/office/aO3eZbCC/______.html

الجزء الثاني

http://www.4shared.com/office/FBkpaLUp/______.html

الجزء الثالث

http://www.4shared.com/office/Pw167Gzo/______.html

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق