الخميس، 4 أكتوبر 2012

بِنت الُربى ..




مايميز هذه الأبيات حقاً .. أنها نادرة ، جداً
ونسبتُ لكثير من الشعراء لكن ، النقّاد والمهتمين في الشعر قالوا
أنها للدكتور غازي القصيبي ..
وهي من نوادر القصائد التائهّ التي لم تُدون بل حفَظت في الأذهان
أو في قصاصَة ورُق ، أو قطعة قماش باليّة .!!


**
أتفهمين إذا قالوا غداً ذهبا؟
أتفهمين إذا قالوا اختفى هربا؟
بلا وداع بلا همس بلا قبل
انسل يحتضن الإعصار والسحبا
مضى وما قال في عينيك قافية
وخلف الكأس تبكي الصيف والعنبا
..

بنت الربى الخضر! أخت الفجر! ملهمتي
تدرين؟ بعدك خضتُ اليأس واللهبا
ما سرتُ من ظمئ إلا إلى قلقي
كأن كل حنان الأرض قد نضبا
ملء الجموع وجوهٌ لستُ أعرفها
وفي الوجوه عيونُ تتقن الكذبا
أود أن أتحدى الزيف ثانية
فأفضح الجرح والإخفاق والسغبا
أقول :إنني أخو حزن...أخو ألم
يودُ لو عاد طفلاً ضج وانتحبا
لو أسلم الرأس صدراً لا يضيق به
وراح يشكو إليه السقم والتعبا.
وكنتِ أمس بقربي.. نخلة نثرت
على هجير حياتي الظل والرطبا
وكنتِ شلال حب... ما شكوت ظمأ
إلا أطل على دنياي وانسكبا
وكنت... ها أبعث الذكرى فتلعنني؟
أواهُ ما أعنف الماضي إذا غضبا
لا تسأليني لما ودعتُ صمتي...ومضى
يومي إلى غده المجهول مغتربا
لعلني خفت من مرأى الربيع على
نهديك... يقفز نشوان الرؤى طربا
لعلني خفت من حب يطوقني
حنانه... كلما ناشدته وهبا
من فتنة... كلما نادمتها هطلت
علي شوقاً...وعطراً مسكراً...وصبا
خفت الينابيع والرمضاء تقتلني
وقلتُ قد يدمن الينبوع من شربا
...
بنت الربى الخضر! أخت الفجر! ملهمتي
حطمت ذل قيودي... عدت منتصبا
رجعت...فستقبليني...جبهة شمخت
على الغبار وقلباً بالهوى اصطخبا
هاتي يديك سنمشي في الدروب معاً
نواجه الناس...والأيام...والتربا


***
غازي القصيبي

دُعاء الكروآن




مدخّل :

صوتك أيها الطائر العزيز يبلغني فتنتزعني انتزاعاً من هذا الصمت العميق، فأثب وجلة مذعورة، ويثب هو وجلاً مذعوراً، ثم لا نلبث أن يثوب إليها الأمن ويرد إلينا الهدوء، فأما أنا فتنحدر على خدي دمعتان حارتان، وأما هو فيقول وقد اعتمد بيديه على المائدة، دعاء الكروان! أترينه كان يرجع صوته هذا الترجيع حين صرعت هنادي في في ذلك الفضاء العريض!!".
ما زالت أصداء صوت الكروان تتردد على صفحات طه حسين رغم بعد الزمن، فكروانه الذي سطر من خلاله هذه القصة الإنسانية المعبرة عن حال المجتمع المصري في تلك الآونة، كروانه ذاك، كان رمزاً لأنثى تصدح بأحزانها عبر المدى، لا من مجيب سوى الصمت وترجيع الصدى والصمت .


رأيَ ونُظرة :

مطرقاً وأفكر ، كيف .. أن يبرع كاتب كفيف في التصوير فترى ريف مصر يتحرك أمامك؟ أم أن ينفذ إلى نفس فتاة فيرتبط القاريء بمن لا يعرفها ولا وجود لها إلا على الورق؟ أم أن يخرج السرد عن السعي وراء الثأر بهذه الرقة وهذا الرُقي؟ لا يعيبها في رأي إلا السمة المميزة لطه حسين؛ الإطناب. ومع ذلك فالحكاية التي بلغ عمرها 78 عاما مازالت تتمتع بحضور طاغٍي

لم تكن منشودةَ لم تكن فاتنة ، ربما العرّب هم شقّين وحدهم من يكتبون والأخرون متعلًمين ولا يقرأون .. قلّة قليلة ، وزمُرة كثيرة تمُتع بصرها بما تراه ..
لم تدرك الرواية ولم يكتب لها أن تُدرك ، إلا بعد أن مُثلت وعرضت في السينما المصرية
ولاقِّ الفلمِ نجاحاً مبهراً كبير .. حتى أن بعضهم ذهب ليعيد قراءة الرواية ليبحث عن أحداث ربما تغافلها النص أو السيناريو في الفلم .


مقتطفات :

فإذا ابتسم الصبح و أشرق الضحى و استيقظت الحياة ذابت كل المروعات .


أنما هو الحب .. هو الحب الذي يطمع في كل شئ و يرضى بأقل شئ، بل يرضى بلا شئ، بل هو سعيد كل السعادة ما وثق بأن بيتاً واحداً يحويه مع من يحب و يهوى. هو الحب ما في ذلك من شك، لكن الشك المؤلم المضني إنما يتصل بالقلب.


لم تكن غريبة هذه الصداقة بيني و بين هذا الشاب على ما كان بيننا من الأئتلاف و الأختلاف؟ أكانت صداقة خالصة ام كان وراءها أكثر من الود الذي يكون بين الأصدقاء؟ .


يالأ قوة النساء! لقد آمنت منذ ذلك الوقت بأن لا أحد لها.
يا لمكر النساء! لقد آمنت منذ ذلك بأنه لا أخر له ولا قرار.
يا لقدرة النساء على الكيد و براعتهن في التلوين و نهوضهن بأثقل الأعباء و ثباتهن لأفدح الخطوب.



هذا الحب الذي اختصمنا فيه وقتاً طويلاً و سكتنا عنه وقتاً طويلاَ، و لكنه لم يسكت عنا فما أظنه قد أمهلك يوماً كما أنه لم يمهلني ساعة. أم ينبغي أن تنتهي هذه الحياة الغامضة إلى ما يجب لها من الصراحة و الوضوح .



أليس من العجب أن يكون هذا الضوء الذي أخذ يغمرنا شراً من الظلمة التي خرجنا منها؟ إن احدنا لن يستطيع أن يهتدي في هذا الضوء إلا أذا قاده صاحبه. إن العبء لأثقل من أن تحمليه وحدك، و إن العبء لأثقل من ان احمله وحدي فلنتحمل شقاءنا معاً حتى يقضي الله أمراً كان مفعولا .


إنني لأخشى إن انجابت عنا هذه الظلمة و غمرنا الضوء أن يكره كل واحد منا النظر في وجه صاحبه .



لكن هي نفس الإنسان ضعيفة حقاً و قوية حقاً. لقد أقبلت علىّ نفس سيدي كما أقبلت على غيري تلتمس عندي الحب و لذاته و آثامه، فلما وجدت مني إمتناعاً و صدوداً عنه و نفوراً ملحاً منه، أعرضت عن الحب و لذاته و آثامه، أو أرجأت الحب و لذاته و آثامه و تعلقت بي أنا، تريد أن تقهرني و تغلبني على أمري و تنتصر عليّ و تظهر مني بما تريد .



بل أصبحت عاجزة كل العجز عن أن تخلو إلى نفسها في يقظة أو نوم، إنما هي مستصحبة هذا الشاب إن حضر و مستصحبة هذا الشاب إن غاب. لا تهم بالخلوة إلى ضميرها حتى تجد صورته ماثلة فيه، ولا تمد عينها إلا رات شخصه .


سأكون وحدي صاحبة السلطان المطلق على بيت هذا الشاب و على قلبه إن أحببت! فقلبه مباح لمن يحسن الوصول إليه و الاستيلاء عليه .


نعم أستطيع أن أنظر إليكِ و لن أستطيع أن أنظر إلا إليكِ و أنتِ أتطيقين أن تنظري إلي ؟ أمازلتِ تضمرين لي الانتقام
" و لم أجب إلا بما تجيب به المرأة المغلوبة التي انكسرت نفسها و ذاب قلبها".


أنما الأشباح و الخوف و الفزع واليأس بنات الليل يطمئن إليها و تطمئن إليه و تستظل به و يبسط عليها ظله المظلم المخيف .

ليتني أستحيلُ ظلاً .. فأفهم كيف هو حديثُ الظلال .. !!


ها أنت ذا تبعث صيحاتك يتلو بعضها بعضاً كأنما هي سهام من نور تلاحقت مسرعة في هذه الظلمة فطردت عن نفسي ذهولها .


إنما هو الهيام في الأرض والسكر بهذا الشراب الخطر الذي نسميه حب الحرية والذي يكلفنا
كل تلك الأشياء الجميلة التي نعيش من أجلها وخلقُت ووجدت من أجلِنا !



في النهاية :

تفكر كثيراً كيف لأعمى لم يرى الألوان .. لم يرى الحياة حقاً .. نشأ بعيداً كان فقيراً قبل أن يكون أعمى ، طفلا بائس كحال فقراء مِصر ، فقد بصرَه بسبب دواء خاطيء منحوه إياه ..
وُلكن رغم فقدانه لبصره ، رّتل لنا قدره أجمل أيات الترانيم والأبداع والفكر ..
مبدعاً في الوصف ، وهو لايرى .. مسهباً في الخيال وهو أجمِـل مابه ..
كل هذا يترجُمه طه حسين .. طه الأصرار والعزيمة والتحدي
الملفت في الرواية
هو استخدامه لأسلوب المتكلم عوضاً عن الروائي و أتقن رسم الصورة كاملة، رغم أن هذا أسلوب فيه نوع من الصعوبة في رسم المواقف كلها...لا أتذكر من الرواية سوى أحداثها التراجيدية و لغتها الشاعرية .

،،

لتحميل الرواية :

http://www.4shared.com/file/34482468...ified=da17f0f5


شُكراً

الأربعاء، 3 أكتوبر 2012

خطُبة ستيّف


في هذه الرحُلة المشوقة مع الرجل الذي أبهر الدنُيا والعالم أجمعّ
نستعرض خطُبة ستيف جوبز في جامعة ستنافورد التي ألقاها على طلاب الجامعة المتحمُسين
ستيف جوبز الأعجوبة ، مبُهر الأفئدة والعقول في القرن الواحد والعشرين .. ستيف جوبز
..
ذلك الطفل الذي تخلت عنه أمه للتبني، لعجزها عن الإنفاق عليه، لكنها اشترطت على من يتبناه أن يعدها بأن ابنها سيذهب للجامعة ويحصل على شهادة جامعية. أريد هنا أن أوضح نقطة هامة، رغم أنه طفل متبنى، لكن المجتمع الأمريكي احتواه ولم يفرق في معاملته، فخرج للحياة عبقريا ذكيا، قدم لمجتمعه الكثير. النقطة الثانية أن والد ستيف جوبز (من حيث الدم) سوري الجنسية (غير مسلم) وهنا أطرح سؤالا: لو كان والده عاد به إلى بلده، هل كنا سنراه اليوم ناجحا بالدرجة ذاتها؟ لا أقصد من سؤالي هذا أن أعيب على سوريا أو أي بلد عربي، بل أعيب على طريقة تعاملنا مع الأحلام وكيف نذبحها في بلادنا كلها. أخيرا، لو كان ستيف جوبز في أي بلد عربي، ولم يحصل على شهادته الجامعية، كيف كانت نظرة الناس والمؤسسات وموظفي الحكومة له؟ من إجابات هذه الأسئلة ستنبع طرق حل مشاكلنا في بلادنا اليوم. عودة إلى الخطبة التي ألقاها الناجح الشهير المتبنى الذي لا يحمل شهادة تخرج جامعية لليوم (للتوضيح، الترجمة بتصرف كبير، وليست حرفية أو آلية أو غبية!).
“” أتشرف اليوم أن أكون معكم في هذا الحفل في رحاب واحدة من أفضل الجامعات في العالم، ولأخبركم الحقيقة كاملة – مكاني هذا هو أقرب ما كنت فيه يوما ما من التخرج من الجامعة، واليوم أود أن أخبركم عن 3 قصص مررت بها في حياتي. نعم، هذا كل ما سأحكي لكم عنه، شيء ليس بالكثير.
القصة الأولى ستكون عن وصل النقاط معا. لقد تركت دراستي الجامعية في كلية رييد بعدما بدأت فيها بستة أشهر، لكني بقيت في رحاب الجامعة أحضر دروس العلم لمدة 18 شهرا أو يزيد، قبل أن أترك التعليم الجامعي بالكلية، فلماذا فعلت ذلك؟
لقد بدأت القصة بمولدي، حين كانت أمي التي حملت بي شابة صغيرة، غير متزوجة رسميا، خريجة جامعية، وقررت أن تهبني للتبني عند ولادتي، بشرط أن يكون من سيتبناني خريج جامعة، الأمر الذي انطبق على محام وزوجته، لكن ما أن جاء موعدي وخرجت برأسي إلى هذا العالم، وتبين أني ذكر، قرر المحامي وزوجه أنهما يريدان تبني فتاة ولذا تخليا عني، بعدهما جاء الدور على والداي بالتبني، واللذان تلقيا مكالمة هاتفية في منتصف الليل تسألهما: لدينا مولود ذكر، هل تريدانه؟ وفورا جاءت الإجابة، نعم. فيما بعد، اكتشفت الأم الأصلية أن الأم بالتبني لم تتخرج من أي جامعة، بينما والدي بالتبني لم يكمل دراسته المدرسية. هذا الاكتشاف جعل أمي ترفض توقيع أوراق منحي للتبني لعدة شهور، حتى وعدها والداي بإرسالي للجامعة حين يأتي وقت ذلك.
بعدها بقرابة 17 سنة، ذهبت فعلا للدراسة في جامعة – اخترتها بسذاجة – وكانت مصاريفها غالية تعادل تلك لجامعة ستانفورد، أخذت تستنزف مدخرات والداي بالتبني. بعد مرور 6 أشهر في الدراسة بهذه الجامعة، لم أستطع العثور على أي فائدة من هذه الدراسة، فلم أكن أعرف ساعتها ما الذي أريد أن أفعله في حياتي، ولم أعرف كيف ستساعدني دراستي الجامعية في معرفة هدفي في الحياة، وفوق كل هذا كنت أنفق كل مدخرات والداي. ولذا قررت أن أترك الدراسة الجامعية الرسمية، على أمل أن تتحسن الأمور بعدها. بكل صراحة، لقد كنت وقتها في قمة الخوف والرعب والقلق، لكني اليوم حين أنظر إلى هذا القرار، أجده صائبا لأقصى درجة.
في اللحظة التي قررت فيها ترك مساري التعليمي الجامعي الإلزامي، بدأت أتوقف عن حضور دروس العلم التي لم أحبها، وبدأت أحضر المزيد من دروس العلم التي أحببتها ووجدت لها عندي اهتماما كبيرا.
لم يكن الأمر رومانسي أو ورديا حالما، فبعد قراري هذا لم يكن لدي سرير أو غرفة في مهجع الطلاب، ولذا افترشت مساحة من أرضية غرفة صديق لي، وكنت أجمع زجاجات مشروب كوكا كولا الفارغة لأعيدها مقابل 5 سنت لأشتري بها طعاما أقتات به، وكنت أسير 7 أميال في ليلة كل يوم أحد لأذهب إلى معبد هندوسي يوزع وجبة طعام مجانية. لقد أحببت هذه الطريقة في العيش، ولقد كان كل ما تعرفت عليه في هذه الفترة الزمنية من شبابي ذا أفضل الأثر علي فيما بعد. دعوني أعطيكم مثالا على ذلك:
في هذا الوقت، كانت جامعة رييد الأفضل في أمريكا من حيث جودة دروس كتابة الخطوط الانجليزية، ولهذا كان كل منشور وكل بطاقة في الجامعة مكتوبة بطريقة فنية جميلة ودقيقة. لأني اخترت الانسحاب من التعليم الجامعي الإلزامي، أتيحت لي فرصة حضور دروس الخط هناك، لأتعلم فنون هذا العلم وأسرار هذا الفن، وتعلمت الكثير عن خط سيرف (Serif) وخط سان سيرف، وتعلمت عن قواعد احتساب المساحة الفارغة اللازم تركها بين كل حرف والتالي، الأمر الذي يساعد على الكتابة بشكل جمالي ومبهر. كان الأمر جميلا، تاريخيا، بشكل يعجز العلم عن وصفه، ولقد تمتعت بكل لحظة منه.
وقتها، لم يكن لدراسة هذا الفن أي إمكانية للاستفادة منه في حياتي المقبلة، لكن بعدها بعشر سنوات، حين كنا نصمم أول حاسوب ماكينتوش، تذكرت هذه اللحظات الجميلة، وأعدنا تطبيقها كلها داخل نظام تشغيل الماك، والذي كان أول جهاز كمبيوتر يقدم نظام عرض للخطوط بشكل جميل وراقي. لو لم أنسحب من مسار التعليمي الجامعي الإلزامي، لم يكن ماك ليقدم خطوطا ذات مسافات متناسبة فيما بين حروفها. ولأن نظام التشغيل ويندوز قلدنا ونسخ ما يقدمه الماك، فأغلب الظن أنه لولا الماك لما قدم أي نظام كمبيوتر الخطوط ذات المسافات المتناسبة فيما بين حروفها.
لو لم أتخذ قراري هذا، لما تمكنت من حضور دروس تعلم الخطوط، ولما كنت تعلمت هذا الفن الجميل، ولما كانت الحواسيب لتقدم نظام عرض الخطوط كما نعرفه اليوم. بالطبع، لم أكن وقتها لأقدر على فهم الصلة ما بين هذه الأحداث وهذه النقاط في حياتي. مرة أخرى، لا يمكنك وصل النقاط عندما تتطلع للمستقبل، بل فقط حين تنظر للماضي وتبحث عن النقاط والمحطات في حياتك، ولذا عليك أن تثق أن نقاط حياتك ستتصل معا بشكل أو بآخر في المستقبل. فقط عليك أن تثق في شيء ما: إحساسك الداخلي – قدرك – حياتك – أعمالك الصالحة، مهما كنت لتعطيه من أسماء.
هذه الطريقة في التفكير لم تخذلني يوما، وهي صنعت الفارق العظيم في حياتي.”


يقول ستيف: ” القصة الثانية هي عن الحب وعن الخسارة، فلقد كنت محظوظا، إذ عثرت على الحب في حياتي في سن مبكرة، حيث بدأت أنا وصديقي واز (كنية عن ستيف وزنياك) شركتنا ابل في جراج / مرآب والدي حين كان عمري 20 عاما. عملنا وقتها بكل قوة، وفي خلال 10 سنوات، كبرت ابل من شركة قوامها اثنين يعملون في جراج إلى شركة رأسمالها 2 مليار دولار يعمل فيها أكثر من 4 آلاف موظف. قبلها بعام، كنا قد أطلقنا أفضل منتج لنا: حاسوب ماكنتوش – وكنت قد أتممت الثلاثين من عمري، ثم طردني مجلس إدارة ابل.
كيف يمكن لأحدهم أن يطردك من شركة أنت من بدأها وأسسها؟ حسنا، مع كبر حجم ابل، قمت بتوظيف شخص ما (جون سكالي) كان الظن به أنه موهوب بما يكفي لقيادة الشركة بجانبي، ومضت الأمور بيننا على ما يرام في السنة الأولى من توظيفه، بعدها اختلفنا وتعارضت رؤيتي ورؤيته لمستقبل ابل، وبدأ هذا التعارض يتزايد حتى توجب على أحدنا أن يرحل. اختار مجلس إدارة الشركة أن ينحاز لصف هذا الشخص، ولذا كان عمري وقتها 30 سنة، مطرودا من شركتي التي وهبتها جل اهتمامي وتركيزي طوال شبابي، وكان لذلك الأمر الوقع المدمر علي.

لعدة شهور، لم أعرف ما الذي يجب علي فعله بعدها، شعرت وكأني خذلت الجيل السابق من العصاميين ورواد الأعمال، وكأني أسقطت الشعلة أرضا وهي تنتقل من يدهم إلى يدي. قابلت ديفيد باكارد (أحد مؤسسي شركة HP) و بوب نويس (مخترع أول دائرة إلكترونية متكاملة IC ومؤسس شركة إنتل) واعتذرت لهما على إخفاقي الشديد. كنت وقتها أشهر فاشل في وسائل الإعلام، حتى أني فكرت جديا في الفرار من وادي السيلكون، على أن شيء ما بدأ يهبط علي – فأنا لا زلت أحب ما أفعله. تطور الأحداث الدرامي في ابل لم يغير ذلك الحب داخلي، لقد حصلت على رفض، لكني لا زلت في حالة حب، ولهذا قررت أن أبدأ من جديد.
لم أفطن للأمر وقتها، لكن الأيام التالية أوضحت لي أن طردي من ابل كان أفضل شيء يمكن أن يحدث لي. ذهب عني العبء الثقيل للنجاح، وحل مكانه سهولة وخفة البدء من جديد، ما حررني لكي أدخل في واحدة من أكثر مراحل حياتي إبداعا وعبقرية.
خلال السنوات الخمسة التالية، أسست وبدأت شركة نكست NeXT ومن بعدها شركة أخرى سميتها بيكسار Pixar، ووقعت في حب امرأة رائعة أصبحت زوجتي الآن. شركة بيكسار أبدعت أول فيلم رسوم متحركة جرى تصميمه وإنتاجه بواسطة الحواسيب في العالم: فيلم توى ستوري أو قصة لعبة، والآن تعتبر بيكسار أنجح وأفضل ستوديو تصميم رسوم متحركة في العالم. في تطور مذهل للأحداث، اشترت ابل شركة نكست وعدت إلى ابل في وظيفة المدير التنفيذي CEO وأصبحت التقنية التي طورتها في شركتي نكست هي الأساس الذي بنت عليه ابل نهضتها ونجاحها من بعدها، وأسست أنا و لورين – زوجتي – أسرة رائعة.
كلي ثقة أن هذه النجاحات لم تكن لتحدث لو لم يطردني مجلس إدارة ابل، لقد كان دواء ذا طعم مرير، لكني أؤمن أن المريض كان بحاجة ماسة له. أحيانا ترميك الحياة بحجر على رأسك، لا تفقد إيمانك ساعتها. كلي ثقة كذلك أن الأمر الوحيد الذي جعلني أخرج من أزمتي هو حبي لما أفعله وأعمله. عليك أن تعثر في حياتك على ما تحبه، سواء ما تحب عمله أو من تحب قضاء حياتك معه. سيشغل عملك جزءا كبيرا من حياتك، والسبيل الوحيد لكي تكون راضيا حقا هو أن تفعل ما تراه عملا عظيما، والسبيل الوحيد للعمل العظيم هو أن تحب ما تعمله. إذا لم تعثر على ما تحبه، استمر في البحث عنه، لا تقنع بغيره، فكما هو الحال مع جميع مسائل القلب، ستعرف ما / من تحبه حين تراه، ومثلها مثل أي علاقة ناجحة، ستزداد العلاقة قوة وتحسنا بمرور السنوات، ولذا استمر في البحث عنه حتى تعثر عليه، لا تقنع بغير ذلك.

يمضي ستيف جوبز ليقول:
“” وأما القصة الثالثة فعن الموت. حين كنت في السابعة عشرة من عمري، قرأت مقولة مفادها: ’إذا عشت كل يوم كما لو كان آخر يوم في حياتك، فسيأتي يوم تكون فيه على حق‘. تركت هذه المقولة أثرها الكبير على نفسي، ومن ساعتها، وعلى مر 33 سنة خلت، وأنا أنظر إلى نفسي في المرآة كل يوم وأسألها: لو كان اليوم آخر يوم في عمري – هل كنت لأود أن أفعل ما أنوي فعله في يومي هذا؟ وإذا كانت إجابتي هي ’لا‘ على مر عدة أيام، ساعتها كنت أدرك حاجتي لتغيير شيء ما.

عبر إبقائي لحقيقة – أني سأموت قريبا – حية في ذاكرتي، كان ذلك الأداة الأكثر أهمية لتساعدني على اتخاذ القرارات الكبيرة في حياتي، لأنه تقريبا يخفت كل شيء في مواجهة الموت – التوقعات، والكبرياء، والخوف من الحرج والفشل – تاركة الأشياء المهمة حقا لتظهر جلية. بأن تداوم على تذكير نفسك أنك ستموت لهو أفضل سبيل لأن تتفادى الوقوع في فخ مظنة أن لديك شيء لتخسره فتخاف عليه. أنت عار بالفعل، ولن تجد سببا مقنعا لكي لا تتبع قلبك.
منذ قرابة عام مضى (منذ وقت إلقاء المحاضرة ويقصد 2004) جاء تشخيص مرض أصابني على أنه السرطان. أجريت مسحا طبيا في 7:30 صباحا، والذي أوضح بشكل ظاهر إصابتي بورم خبيث في البنكرياس، وكنت ساعتها لا أعرف ما هو البنكرياس. أخبرني فريق الأطباء أن مرضي عضال لا شفاء منه، وأن أمامي من 3 إلى 6 أشهر لأعيشها. كانت نصيحة طبيبي أن أعود إلى بيتي وأرتب أموري، أو ما معناه أن أستعد لموتي. كانت هذه النصيحة تحمل في طياتها أن أخبر أبنائي في بضعة شهور – كل ما كنت أظن أن أمامي عشر سنوات لأخبرهم خلالها بما أردت قوله لهم، وأن أجهز كل شيء لعائلتي حتى يصبح رحيلي سهلا عليهم، وأن أودع الجميع.
عشت بهذا التقييم الطبي يومي كله، ثم في المساء ذهبت لأخذ عينة من هذا الورم لتحليلها، من خلال إدخال منظار من فمي وعبر حلقي إلى معدتي ومن ورائها أمعائي، ومن خلال إبرة اخترقت البنكرياس لأخذ خلايا من الورم الذي به. كنت بالطبع مخدرا لا أشعر بشيء، لكن زوجتي والتي كانت حاضرة تراقب هذا الإجراء الطبي أخبرتني إنه حين نظر الأطباء إلى هذه الخلايا المنتزعة مني تحت المنظار / ميكروسكوب – أخذ الأطباء بالبكاء فرحا لأن الورم كان من النوع شديد الندرة القابل للعلاج بالتدخل الجراحي. أجريت العملية الجراحية وأزلت الورم وأنا بخير الآن.
كانت هذه الواقعة أقرب لقاء لي مع الموت، وأرجو أن تبقى كذلك لعدة عقود مقبلة. لكوني خرجت حيا من هذه التجربة، أستطيع الآن أن أقول هذه النصيحة عن واقع خبرة – أكثر منها تشبيها مجازيا أو فكرة تحاول تخيلها.
لا يريد أحد أن يموت، حتى من يريدون الذهاب إلى الجنة، ورغم ذلك فإن الموت هو النهاية التي نشترك كلنا فيها. لا تجد من فر من هذه الخاتمة، وهكذا كيف يجب للأمر أن يكون. الموت هو ربما أفضل اختراع للحياة، فهو من وسائل الحياة للتغيير. إنه يمحو القديم ليفسح الطريق للجديد. في وقتنا هذا الجديد هو أنتم (يقصد طلاب الجامعة) لكن في يوم قريب ليس ببعيد ستصبحون تدريجيا القديم وتمحون من الطريق. آسف لكون كلامي درامي حزين، لكنه عين الحقيقة.
وقتك محدود، لذا لا تضيعه في أن تحيا حياة شخص آخر. لا تقع في فخ العيش وفق ما توصل إليه فكر الآخرين. لا تدع الضوضاء التي تحدثها آراء الآخرين تعلو فوق صوتك الداخلي. الأكثر أهمية من ذلك هو أن تكون من الشجاعة بحيث تتبع ما يمليه عليك قلبك وحدسك. هؤلاء الاثنان يعرفان بصدق ما تريد أن تكون عليه. كل ما عداهما ثانوي.
حين كنت صغيرا، كان هناك هذا الكتيب الرائع: كتالوج الأرض كلها The Whole Earth Catalog والذي كان من أمهات الكتب لجيلي من الشباب، ألفه ستيوارت براند في مكان ليس ببعيد من جامعتكم هذه، ووضع عليه لمساته الشعرية، في نهاية الستينات، قبل أن بزوغ نجم الحواسيب الشخصية والنشر المكتبي، أي كتبه باستخدام الآلات الكاتبة والمقصات وكاميرات بولارويد الفورية. لقد كان بمثابة توفير خدمات موقع جوجل من خلال الورق، أو 35 سنة قبل مجيء جوجل إلينا، كان كتابا مثاليا، مليئا بالأدوات الفنية والأفكار العظيمة.
وضع ستيوارت ورفاقه عدة إصدارات من هذا الكتالوج، وبعدما أخذ وقته وحان وقت النسخة الأخيرة، اجتهدوا في تصميم العدد الأخير، في منتصف السبعينيات، حين كنت في عمركم، وكان الغلاف الأخير للعدد الأخير يحمل صورة عرضت طريقا زراعيا جميلا وقت الصباح، من النوع الذي كنت لتحمل حقيبتك وتستوقف السيارات في الطريق لتأخذك إليه لو كنت من النوع المغامر. مع هذا المنظر الخلاب جاءت جملة تقول: ابق جائعا – ابق أحمق Stay Hungry – Stay Foolish لتكون هي جملة الوداع منهم لقرائهم. ابق جائعا. ابق أحمق. ولقد تمنيت لنفسي أن أكون كذلك. والآن، وبينما تتخرجون لتبدؤون، أتمنى لكم الشيء ذاته.
ابق جائعا. ابق أحمق.



من وجهة نظري القاصرة، أرى ستيف يقصد بالجوع ذاك المعرفي، أي الجوع والنهم لتعلم وتجربة كل ما هو جديد، بينما الحماقة قصد بها أن تخالف توقعات التقليديين الخائفين من التغيير من حولك، وأن تفعل ما يمليه عليه قلبكَ .



ــ
شُكراً
(( شُكر خاص لمدونّة شبابيك )) ..

High Scope



بدأية :

مؤسسة تربوية تعنى بالطفولة المبكرة تدعى (HighScopeEducationalResearch) وهي منظمة تعليمية تربوية متكاملة غير ربحية تأسست رسميًا عام 1970م في الولايات المتحدة الأمريكية وتحديدًا في ولاية ميتشيغان على يد «ديفيد ويكورت». وقد كانت الفكرة في الأصل عبارة عن مخيم صيفي خاص بالمراهقين الموهوبين ثم تطورت لتأسيس مدرسة محلية للحي بدأت نشاطها الفعلي عام 1962م، وقد تم اختيار الاسم من قبل المؤسسين للمخيم بحيث يكون الاسم مرادفًا لأهداف المخيم. هاي (High) وتعني عالي أو مرتفعا والقصد منه للدلالة على الطموح العالي و(Scope) تعني مجالا، للدلالة على المجالات الواسعة التي يطمح رواده أن يصلوا بأهدافهم إليها.
وهي مؤسسة غير حكومية راعية للأطفال وللمعلمين ولأولياء الأمور أيضًا، تهتم بتدريبهم وإعدادهم الإعداد الجيد لتربية وتعليم الأطفال، بدأت تجاربها منذ ما يقارب الأربعين عامًا وتتمثل مهمة المؤسسة في رفع مستوى الأطفال التربوي والتعليمي وإعدادهم للحياة العامة بصرف النظر عن بيئة الطفل ومستواه المادي والاجتماعي.
وتركز نشاطاتها العامة على:
1- تطوير المناهج والبرامج التعليمية، وبرامج التطوير المهني، وأدوات التقييم للمناهج والأنشطة المقدمة للأطفال والشباب.
2- إعداد ورش عمل ودورات تدريبية دورية لتدريب المعلمين وأولياء الأمور والمهتمين بالطفولة المبكرة على وجه الخصوص والشباب بشكل عام.
3- عمل بحوث ودراسات وتجارب متنوعة في مجال التربية والتعليم.
4- دعم البرامج والسياسات التي تصب في مصلحة الأطفال والشباب.
5- نشر الكتب التعليمية وأشرطة الفيديو، وغيرها من المواد الخاصة بالتربية والتعليم.
ينعدم التلقين في منهج هاي سكوب، فأي مفهوم تود مرشدة التعلم أن توضحه للأطفال، تحتاج بدايةً لبلورته على هيئة مشروع ينفذه الأطفال ويراقبون تطوره يوما بعد يوم، فكل الموجودات في البيئة المدرسية من تجهيزات وأدوات قد صممت خصيصا لتحقيق أهداف التعلم النشط، وكما أن التعلم النشط يتطلب نشاط الذهن والتفكير لحل المشكلات وتطوير مهارات التفكير المختلفة، فإنه أيضا يتطلب النشاط الحركي المختلف، خصوصا أن النشاط الحركي عند طفل مرحلة ماقبل المدرسة يعد نشاطا أساسيا يحتاجه كما يحتاج إلى الأكل والتنفس، فأطفال هاي سكوب يستخدمون مهاراتهم العضلية الصغرى والكبرى على حد سواء في عملية التعلم، فهم يقفزون ويشكلون العجين بأيديهم ومرافقهم، ويتدحرجون ويزحفون ويركضون والعديد من الأنشطة الحركية المختلفة التي تصاغ كمكملة للنشاط الذهني، مما يتيح لمرشدة التعلم الفرصة الأكبر لقياس الصعوبات التي يواجهها الأطفال، باعتبار أن الطفل كيان مترابط، فكل جزء فيه يؤثر في الآخر، وبهذه الطريقة تتمكن مرشدة التعلم من تدارك المشكلات وفهمها في وقت مبكر وإدراجها سريعًا ضمن أهداف المشروعات القادمة.




التعلم في مجموعات لتطبيق
مفهوم التعليم التعاوني الممتع في مرحلة مبكرة :


المميز في منهج هاي سكوب أنه يعمل ضمن اتجاهين: الاتجاه الفردي المراعي للميزات الشخصية لكل طفل والصعوبات الفردية له، والاتجاه الجماعي عبر العمل في مجموعات صغيرة تتراوح من ثلاثة إلى ستة أطفال، حيث تهيأ البيئة بعدد من المشاريع والأفكار المتنوعة التي تستدعي العمل الجماعي، فيتعلم الطفل من خلالها عملية توزيع الأدوار، والقيادة، وروح الفريق، والانسجام السريع مع المجموعة الذي يعزز التواصل الاجتماعي مع الآخرين، فيساعد بذلك الطفل على الخروج السريع من مرحلة التمركز حول الذات التي تكون مسيطرة عليه في هذه الفترة.
فبيئة التعلم تتكون من جماعات مقسمة إلى مجموعات أصغر، كل مجموعة منشغلة عن الأخرى بنشاط مختلف ومستمتعة بما تعمل ولديها حس المسؤولية والاهتمام بما لديها، وفي آخر اليوم تجتمع هذه المجموعات لتتبادل خبرات اليوم، فكل طفل لديه ما يقوله وما يهتم به ليخبر عنه الآخرين، كما أن لديه حماسا للعودة للعمل مع الفريق في الغد لاستكمال مشروعه التعليمي التعاوني في القاعات الدراسية.
دور مرشدة التعلم في هذا كله، هو أن تعد الأدوات الفردية الكاملة للمجموعة وتديرها وتوزع المهام ومن ثم تترك لهم حرية توزيع المهام في المرات التالية، فالمعلمة هي متعلمة في نفس الوقت، فهي تجلس معهم وتكتشف وتبحث وتتدارس المفهوم معهم وتعمل كمحفزة ومرشدة لعملية التعلم الخارجة عن أسلوب السرد المعلوماتي المباشر.
ولمرشدة التعلم دور هام في مراقبة الأطفال واكتشاف نقاط الضعف لكل منهم فالعمل مع الجماعة لا يعني إغفال الفروق الفردية بينهم، بل على العكس، فيمكنها من خلال ذلك أن تقيس بشكل جيد هذه الفروقات ومن ثم تحدد خطة التعلم القادمة بحيث تراعي فيها الأطفال ذوي الصعوبات فتختار لهم ما يناسب طبيعتهم، وتحاول من خلال نماذج متعددة من التعلم النشط أن تحدد الطريقة المثلى التي تناسب هؤلاء الأطفال.




عناصر التعلم في منهج هاي سكوب :


1- اللغة عند الأطفال هي القلب النابض للتعلم النشط، لذا نجد أن بيئة هاي سكوب بيئة خصبة للإثراء اللغوي، حيث يتطلب من الأطفال أن يتحدثوا عن خبراتهم السابقة، وما فعلوه خلال النهار، بالإضافة إلى أن عملية التعلم تتطلب إدارة الحوار وطرح الأسئلة والمشاركة الفعّالة، مما يحفز أذن الطفل على الإنصات ومن ثم المشاركة بالحديث، وتنويع المفردات اللغوية، حيث تتمكن مرشدة التعلم أن تثري الأطفال بتراكيب لغوية متنوعة بتلقائية شديدة غير مقصودة وتكررها في كل مرة لتجعل منها مفردات مقبولة يسهل على الطفل اكتسابها لاحقًا. كما أن احترام الآخرين ميزة تميز التعلم النشط وقيمة يركز عليها كأحد القيم البارزة التي ينطلق منها البرنامج في تعامله، فلكل طفل صوت يتحدث به لابد أن نحترمه ونستمع له جيدًا.
2- استخدام نماذج التعليم المختلفة والمتداولة حاليًا عند الكبار ونمذجتها لتصبح مناسبة للأطفال مثل:
أ. استخدام العصف الذهني: حيث تطرح مرشدة التعلم سؤالا بسيطا للأطفال يخدم أهدافًا محددة مسبقًا، ثم تبدأ بتحفيز جميع الأطفال في المجموعة على المشاركة في الإجابة، وتقوم بتدوين الإجابات على اللوح بخط واضح وبهدوء حتى يشعر جميع الأطفال بالمجموعة بأهمية ما يقولون، فكل ما يقولونه تقوم مرشدة التعلم بتدوينه، واستخدام مهارة «التدوين» هامة ليصبح لدى الطفل تصور واضح لمبادئ الكتابة، من اليمين لليسار، أو العكس للغة الإنجليزية، وأشكال الحروف، وأصواتها.
ب. أسلوب النقاش وإدارة: الحوار حيث إن استخدام هذا الأسلوب يحفز الأطفال على التفكير الجيد بالمشكلة أو بالمفهوم المراد طرحه، وبالتالي استنتاج الأجوبة وتجربتها، كما أن إدارة الحوار تعطي الطفل مفاتيح استخدام اللغة الصحيحة في الحوار والمناقشة، بالإضافة لاستخدام مهارات التفكير المختلفة مثل التفكير الإبداعي والتفكير الناقد في سن مبكرة.
ج. التعلم التعاوني والتعلم بالمشاريع: من شأنه أن يتيح للطفل فرصة جيدة للتواصل الاجتماعي مع رفاقه وتوزيع الأدوار والمهارات القيادية وغيرها من المهارات الاجتماعية للحياة العامة.
د. الزيارات الميدانية المرفقة بالأنشطة: فإذا ما تعلموا أجزاء النباتات فإن الجميع يشارك في رحلة ميدانية للحدائق محملين بالمجاهر والعدسات المكبرة، ويقسمون أنفسهم إلى مجموعات، ولكل مجموعة مهمة محددة يجتمعون بعدها ليتحدثوا عن خبراتهم أثناء الرحلة، وهو شيء ممتع يضمن ترسيخ عملية التعلم وتبادل الخبرات والاهتمامات والإنصات بعضهم لبعض ويعزز التواصل الاجتماعي الجيد.
3- الوسائل المتعددة والمثيرة للحواس كمدخل للتعلم وتعزيز التفاعل المباشر وغير المباشر مع الأدوات من خلال التعلم بالاكتشاف لبناء المفاهيم وملاحظة الحياة من حوله وتحفيز قدراته المختلفة، ورعاية النمو الحسي للطفل رعاية مزدوجة تتمثل في:
أ. تربية حواس الطفل وتدريبه على الملاحظة المنظمة.
ب. تنوع خبرات الطفل الفردية حتى يكتسب خبرة متكاملة تعمل على تطور نموه وتكامل شخصيته.
4- تقييم أداء الأطفال، وتقييم الأطفال لأنفسهم ولأدائهم من خلال استخدام خاصية التأمل للأنشطة السابقة، أو المشاريع التي قاموا بها خلال النهار. فتقوم مرشدة التعلم بطرح أسئلة على الأطفال ماذا تعلمنا اليوم؟.. ما الخطأ الذي ارتكبناه اليوم في التجربة؟.. وغيره من الأسئلة التي ستوفر عبر التغذية الراجعة التقييم الأمثل لأهم ما اكتسبه الأطفال من مهارات ومفاهيم على مدى اليوم، ومدى فاعلية النشاط وقياس عيوبه وإيجابياته، بالإضافة إلى أن هذا التقييم إذا ما مورس بشكل يومي سيصبح جزءا من شخصية الطفل فيمارس التأمل بعد كل نشاط خارج نطاق المدرسة ويقيم بنفسه مدى نجاح أو إخفاق هذا النشاط.






البيئة الصفية لبرنامج هاي سكوب :

يركز نموذج هاي سكوب في التعليم على مبدأين رئيسين: مبدأ الحرية والمشاركة الفعالة. فالقاعات الدراسية مهيأة لأن تتيح للطفل مساحة أكبر من المرونة وحرية الحركة واختيار النشاط الذي يميل إليه، بما يناسب قدراته واهتماماته، وكل قاعة يتم الإشراف عليها من قبل مرشدة لعملية التعلم مدربة على منح الأطفال القدرة على التعلم وتنمية الاتجاهات الإيجابية عن ذواتهم. كما أن مشاركة الآخرين في العمل الجماعي والاستمتاع أثناء ذلك هو أساس تنطلق منه أنشطته المتنوعة، فتحرص مرشدة التعلم أن توفر لكل نشاط عددا من الأدوات والوسائل المتشابهة والمناسبة للمجموعة المفترضة، كما تحرص على تنظيم البيئة وهيكلتها بطريقة تشجع الطفل على الاستقلالية واختيار النشاط بحرية تامة ومن ثم إعادته إلى مكانه كما كان تمامًا.
تمزج بيئة هاي سكوب بين اللعب والتعلم معًا، ليصبح التعليم متعة وتنوعا على مدار اليوم، كما أنها توفر عددًا من المواد والأدوات التي تعكس نماذج مختلفة من البيئات لمختلف العائلات لتقرب بين أفكار الأطفال وتربط بينهم بصرف النظر عن خلفياتهم الاجتماعية والمادية والعرقية. ومن الهام التأكيد على أن كل ما يحدث في عملية التعلم داخل البيئة الصفية يتم من خلال المشاركة بين الكبار والصغار، حتى أنظمة وقوانين الصف خاضعة لمعايير الجماعة والاتفاق المسبق عليها لخلق مناخ متوازن بينهم.
ويعتمد منهج هاي سكوب أيضًا على IntentionalTeaching ويقصد فيه التعليم الموجه، لضمان فاعلية ونشاط البرنامج وتوازن انتقاله الانسيابي والنشط من أسلوب لآخر في التعليم، وتنقسم قاعات هاي سكوب عادة إلى مناطق مختلفة تراعي في مجملها تنمية خبرات الطفل وأفكاره المكتسبة من بيئته الأم، مثل: منطقة المنزل والتمثيل والدراما القصصية، منطقة الكتاب، منطقة الرمل والمياه، منطقة البناء، منطقة الألعاب، منطقة الحاسب الآلي، منطقة القراءة والكتابة، منطقة المشاريع، وهذه المناطق مجهزة بالكامل بوسائل وبطاقات مطبوعة لخدمة أهداف أكاديمية تعليمية مخصصة ومتدرجة من السهولة للصعوبة ومن مرحلة التهيئة للمفهوم، حتى تصل بالطفل إلى أعلى مراحل التعلم وهي المرحلة الإبداعية في الفهم لدعم تطور الطفل المعرفي والسلوكي والاجتماعي.




البرنامج اليومي :

ثبات البرنامج اليومي عنصر أساسي لدفع الطفل للشعور بالأمان وتوقع الأحداث ومن ثم الإبداع.
- يبدأ برنامج هاي سكوب اليومي بمجموعات صغيرة للترحيب بعضهم ببعض والسؤال عن أحوالهم ومشاعرهم تجاه اليوم ومدتها تتراوح بين 10 دقائق و 15دقيقة.
- ثم 10 إلى 15 دقيقة أخرى يتم من خلالها التخطيط للمشروعات التي سيقومون بها خلال وقت العمل، ومن ثم تقسيم المجموعات الكبيرة إلى مجموعات أخرى أصغر.
- ثم يبدأ وقت العمل ومدته من 40 إلى 60 دقيقة لتنفيذ الخطط المتفق عليها مسبقًا.
- ثم يلتقون مرة أخرى لمدة 15 دقيقة لاستعراض ومناقشة ما أنجزوه، بعد تنظيف القاعة وإعادة الأدوات إلى مكانها ووضع أسماء الأطفال على المشاريع التي لم تنته بعد لاستكمالها في وقت العمل اللاحق أو في الغد.
- تشترك المجموعات معًا والتي يكون إجمالي عدد الأطفال فيها 20 طفلا في إعداد الوجبة وترتيبها ومن ثم تناولها وتنظيف قاعة الوجبة بعد ذلك، كما تشترك المجموعات في أنشطة اللعب في الخارج وتنظيم ألعاب متنوعة حرة ومنظمة تحت إشراف مرشدي التعلم في المدرسة.
- كما يشترك الأطفال في الأنشطة الفنية الأخرى مثل تعلم الموسيقى والرسم والدراما والتمثيل، والجدير بالذكر أن المؤسسة تركز على تعزيز انتماء الأطفال لمجتمعهم عند تنظيم هذه الأنشطة.
يوفر منهج هاي سكوب للطفل كافة فرص التعلم بتوازن تام: التعلم الجماعي، والتعلم الفردي، والمشاركة في أنشطة واسعة، أو المشاركة في أنشطة صغيرة، ويوفر لهم فرص الاهتمام بأنفسهم من خلال تمرينات الرعاية الشخصية، والحرص على نظافة القاعات والعمل الجماعي على التنظيف والترتيب والاستعداد للفترة التالية، وكل ذلك في مرحلة مبكرة جدًا استنادا إلى أن مرحلة الطفولة المبكرة هي مرحلة نشطة، حاسمة، يتم من خلالها التعلم الكامل وثبات المفاهيم بنسبة كبيرة مقارنة مع المراحل العمرية الأخرى.




هاي سكوب وحل النزاعات :

تدرب مؤسسة هاي سكوب مرشدي التعلم فيها على استراتيجيات حل النزاع، وتركز على مبدأ التسلسل المنطقي لحل النزاعات وتدريب الأطفال عليها بشكل مستمر عند أي موقف يعترضهم، لإيمانهم التام أن حياة الطفل بل حتى البالغ لا تخلو من نزاعات وصراعات حول أمور عديدة، ولابد أن يعرف كيف يتعامل معها بهدوء ورويّة يكتسبها في مرحلة مبكرة لتجعل منه شخصية قادرة على مواجهة الحياة بحكمة وواقعية تمكنه من التغلب على مشكلاته المستقبلية مع نفسه وأقرانه في المجتمع وتسخيرها لصالحه.
فنلاحظ أن مرشدة التعلم تتجنب مبدأ «الثواب والعقاب» لإدارة سلوك الأطفال وتستبدل به أسلوب «المناقشة المنطقية» والتشجيع على عرض المشكلة وتحليلها واختيار الحلول المناسبة لها، والقصد من ذلك كله هو تنمية المهارات الاجتماعية عند الأطفال لكي يصبحوا أكثر وعيًا لأفعالهم وتأثيرها على الآخرين.




استراتيجيات حل النزاع على ست خطوات رئيسة :

1- استخدام الهدوء وإيقاف أي سلوكيات خاطئة أو أقوال نابية «لا أسمح لك بفعل ذلك، أو قول ذلك»، بحزم وهدوء تام، وطمأنة الأطفال المشتركين في النزاع أن الأمر يمكن حله بشكل يرضي جميع الأطراف. «احتضان الطفل المتضرر أو الإمساك بيده أثناء حل النزاع».
2- الاعتراف بمشاعرهم، فالطفل بحاجة للاعتراف بمشاعره وإثرائه لغويًا للتعبير الصحيح عن مشاعره فهو بحاجة أيضا لمعرفة مشاعره «هل تشعر أنك غاضب، محبط، حزين، خائف، وحيد، منعزل...» والغرض منه أيضًا تنمية فهمهم لأنفسهم بشكل أكبر.
3- طرح الأسئلة المفتوحة وجمع المعلومات حول أسباب المشكلة لمساعدة الأطفال على التعبير عن أنفسهم ووصف المشكلة وإخراج الشحنات السلبية بطريقه هادئة. «باستخدام كلمات مقبولة اجتماعيًا».
4- تكرار طرح المشكلة باستخدام مصطلحات بسيطة وواضحة واستبدال الكلمات النابية بأخرى مقبولة.
5- الطلب من الأطفال أن يبحثوا عن حلول مقترحة، وتشجيعهم على تقبل أفكار بعضهم بعضا للخروج بهم من صفة التمركز حول الذات أثناء حدوث المشكلة والتفكير بحلول عملية ملموسة تساعد على رضا الطرفين، كما أنه إذا عرف الأطفال أن هناك حلا ما للمشكلة سيمدهم ذلك بمزيد من الراحة والاطمئنان.
6- اختيار أحد الحلول التي تضمن الشعور بالرضا للطرفين، وقد يلزم الأمر تكرار إحدى الخطوات السابقة للوصول للحل المناسب، ومن ثم دعوة الأطفال إلى إكمال أعمالهم ولعبهم.


النهاية :


إن رؤية هاي سكوب التربوية تدعو إلى تعزيز ذات الطفل وبناء ثقته بنفسه وإعطائه مقومات الكفاءة الفكرية والاجتماعية والمهنية التي تساعده على الاهتمام بنفسه بشكل جيد ومتوازن، وهي تؤمن إيمانًا تامًا بضرورة تدريب أولياء الأمور على بعض الاستراتيجيات الهامة في تطور الطفل وفي تغيير المفاهيم الخاطئة في التربية والتعامل والتعزيز، وحتى في الروتين اليومي المتبع في المنازل، فتمدهم بجرعات متنوعة من الدراسات والمعلومات التي تساعدهم على تربية أبنائهم والرفع من مستوى عطائهم لأبنائهم، كما تقدم لهم المشورة من قبل متخصصين في علاج المشكلات السلوكية للأطفال وتضمن لهم متابعة دقيقة وسرية لسير العملية .
بعد أن تقرأ هذا كُله ، وتقول ماهذه المقالة الممُلة ، طالما سمعنا عن العلم والتقنية والتطور في الغرب ! مالجديد . هل سألت نفسك يوماً . لماذا ثالث ، أو رابع أغنى دولة في العالم ، لاتستطيع أن ترتقي بالعُلم .. ودائما ماتضع اللوم على الشعب وتقول " هم لايريدون أن يتعلمون " لو سألت نفسك من هو الخاسر أذا .. في بلادي لاوجود للتنافسية في العمل .. نرى أناسُ كثيرون حملوا ألقاباً ولازالو يحملونها أوسمة ، ثلاثون سنة أو أربعون وهم على نفس الكرسي. لماذا لم يتبدلوا !

المستفيدين من قتّل العلم والتنافسية وإجهاض الفكر هم هؤلاء الطبقة التي تُدرس أبناءها في مدارس خاصة ، حتى أن مناهجهم مختلفة عن مناهج " وزارة التربية والتعليم " وزارة التعرية والتجهيل !! .. الحقيقة التي لازيف فيها .. أن هؤلاء هم من يسمكون البلد ويرتعون هم وأبنائهم كإمتداد لنسلهم على مكان معُين ..

من الذي يريد أن يبقى الشعب جاهل لايعرف حتى أدنى مستويات حقوقه ، فقط ، يضحك ويلهو ، ويأكل ويشرب .. دون معرفة أدنى واجُباته وحقه ، وماعليه .
نسمع من أفواههم المتشدقة ": لازلنا متأخرين " رغم أنهم مستفيدين من هذا التأخر
لأن حياتهم لمدة 100 سنة قادمة ستكون مؤُمنة لهم ولنسلهم الذي وُلد على العزّ والرفاهية .. السؤال البسيط : دولتي العزيزة من أغنُى الدول العالمية على الأطلاق ، إن لم تكُن الأغنى . أ ليس بأستطاعتك أن تجعلي كل مدارسنا وجامعتاتنا ومعاهدنا كـ هاي سكوب . رغم أن شعب وطني كله من غيرّ الوافدين ولا الجالية : هو قرابة الواحد والعشرون مليون .. أقل بعشرة مليون من سكان نيويورك ! .
وطني شكرًا لك ، شكراً للبشوت السمينة كالخنازير التي لازالت قابعة في ظُلك وحماك .
وطني كم أكره البسمة فوق أرضك .. وطني لم أعد أحتمل فكُرة أنك وطني .. أريد المنفى يا وطَن .. أريد المُنفى ..!




شُكراً


عشرة مبآديء ننسآها



هناك أمور يتوجب علينا أو يفضل أن نقوم بها لكي نعيش بسعادة أو يُسر في الحياة
بحيث نكون إيجابين في القيام بالامور التي نحتار في إختيارها أو نتعايش معها
كـ حياة و واقع . لازلت معاكم أحبتُي بترجمة المقالات الجميلة من موقع ومدونة مارك وأنجل
المدونة الجميلة التي تستقطب جميع القلوب والأفئدة من مُختلف اللغات لما تحمله من خير
وقوراب إنقاذ للباحثين عن الحياة الجميلة في أولويات السطور المهمة
يقول مارك وأنجل هناك عدة سبُل للنجاح كثيرة منها مباديء بسيطة ننساها
ولقد لخصوها في عشّرة وهي :




1 – أنت الشخص المسؤول عن نجاحك :

أفضل أيامك تبدأ حين تقرر أن حياتك ملك لك، دون أن يكون هناك من تميل أو تعتمد عليه – أو تلومه. أنت تتحكم تحكما كاملا في مستقبلك. صدق بكل قوة أنك ستفعل ما أنت مخلوق له. قد يكون ذلك صعبا بشدة أحيانا، لكن ارفض أن تسير على درب السابقين. صمم قواعدك الخاصة و ضع خطتك الخاصة للعمل. لن تجد سعادة أو نجاح حين تلعب في المضمون وترضى بحياة تقليدية أقل مما كان يمكنك تحقيقه.




2 – لا تعيد اختراع العجلة :

في الواقع، لكي تنجح فأنت لست بحاجة لتخترع أي شيء. اختراع الجديد من الأفكار إنما هو طريق من الطرق الكثيرة لتحقيق النجاح الواسع، لكنه ليس الطريق الوحيد أو الضروري. حتما شاهدت الكثيرين يأخذون شيئا اخترعه غيرهم، ويضعون عليه لمستهم الخاصة ويبنون نجاحهم على إضافتهم هذه. ستيف جوبز من ابل لم يخترع الواجهة الرسومية، بل اكتشفها في معامل زيروكس، ثم طورها وجعلها حقيقة على الحواسيب الشخصية، ومثله فعلت مايكروسوفت.




3 – ليس هناك تقدم بدون حركة :

ما لم يبدأ اليوم لن ينتهي في الغد. هناك أفكار عبقرية كثيرة لم نسمع عنها لأن الذهن العبقري الذي أنتج هذه الأفكار لم يعمل لتنفيذها وتحويلها إلى حقيقة. عدم الشروع في التنفيذ يعني ضمان الفشل بنسبة 100%. وعليه، ابدأ في الحركة الآن، وحاول توجيه حركتك نحو الاتجاه الصحيح. ما أن تبدأ في الحركة، ثم تجد أن كل خطوة تالية أسهل من سابقتها، وهكذا حتى تبدأ الرؤية تتضح أمامك، وتجد كل ما كان مبهما وقد أصبح واضحا ومرئيا، وما كنت تظنه بعيد المنال قد أمسى في متناول يدك.




4 – الإصرار يفوز دوما :

قال وينستون تشرشل أن النجاح هو المضي من فشل إلى فشل دون أن يفت ذلك في عضدك أو يقلل من حماستك. تحتاج النخلة لأكثر من حجر تلقمها إياه قبل أن تترك ثمرها يهبط إليك، ولذا كن من الحرص ومن الذكاء بحيث لا تتوقف بعد أول محاولة وأول حجر، وتذكر أن الأنهار تشق أقصى الصخور – ليس بسبب قوتها – ولكن بسبب إصرارها المستمر.




5 – التركيز هو كل شيء :

حين تكون مشغولا بمراقبة من ورائك ومن حولك، ستجد الناس تتخطاك وتسبقك. إذا لم تركز بقوة على شيء ما، فلن تكون فعالا بنسبة 100% في عمل أي شيء. نعم، تعدد المهام وعمل أكثر من شيء في نفس الوقت يجعلك تنتهي من أكثر من مهمة في وقت واحد، لكن بالتأكيد دقتك وإتقانك وفعاليتك ستقل في كل مهمة منها.


6 – الفشل ضروري :


لا تترك نفسك تستيقظ يوما بعد مرور 75 سنة من عمرك لتتساءل ما الذي كان يجب عليك أن تحاوله ولم تفعل مخافة الفشل. فقط افعلها وكن راغبا في الفشل لتتعلم منه في طريقك. قلة قليلة من الناس تصيب الهدف من أول رمية سهم، بينما القسم الأكبر من الناس لا يصيب هدفه إلا بعد المحاولة الخامسة على الأغلب. إذا لم تنتهي الأمور اليوم على الوجه الذي أردته لها، فالغد فرصة جديدة لتكرر المحاولة بشكل مختلف، ولذا اجعل الفشل درسا آخر في طريق النجاح.


7 – الايجابية وقود الإبداع :

الأفكار مثل مقود السيارة، تحرك حياتنا في الاتجاه الصحيح. النجاح يأتي من الطاقة الايجابية. يمكنك أن تختار أن تشغل نفسك بالسلبية التي تحيط بك، أو تقرر أن تفعل شيئا إيجابيا بخصوص حالتك. أنت دائما لديك الخيار. تذكر، السعادة عنصر من عناصر النجاح، وأسعد الناس لا يملك بالضرورة أفضل الأشياء، بل هم يستخدمون الطاقة الإيجابية ليحصلوا على أفضل النتائج الممكنة مما يملكون.




8 – يجب أن تؤمن بقدراتك وبنفسك :

يجب أن تعثر على هذا المكان بداخلك حيث أي شيء ممكن. الأمر يبدأ بحلم. أضف إليه الثقة وسيتحول إلى إيمان. أضف إليه الالتزام ليتحول إلى هدف قريب تراه. أضف إليه العمل والحركة وسيتحول جزءا من حياتك. أضف الإصرار والوقت ليتحول حلمك إلى واقع.




9 – مساعدة الآخرين جزء كبير من كونك ناجحا :

لطالما جاء الناجحون بأفكار ومشاريع جديدة، وطرق مبدعة لمساعدة الآخرين. هذا يعني أن أهدافك وأغراضك تساعدك أنت وكذلك تفيد الآخرين أيضًا. ستجد في الحياة أن نجاحك على المدى البعيد يتناسب بشكل مباشر بمقدار مساعدتك للمجتمع المحيط بك.




10 – النجاح رحلة طويلة مكونة من خطوات قصيرة :

النجاح عملية مستمرة من النمو. إذا أردت أن تكون ناجحا، عليك أن تلزم نفسك ببلوغ معايير أعلى من تلك التي يلتزم بها الآخرون، وأن تجاهد كي تتقن وتتحسن وتتطور. كم من المرات رأيت فيها شركة ما وقد نجحت، لفترة من الزمن، ثم وقعت في دوامة الفشل. قد تمر فترة من الكسل على الانسان، وقد تقع شركة ما ضحية الضعف أو المنافسة. النجاح المستمر يعني التطوير المستمر حتى ولو لم يكن هناك حاجة لذلك. تذكر أن أعظم شيء في الدنيا ليس المكان الذي نقف فيه، بل الاتجاه الذي نسير فيه.


،،

شُكراً

نكهّة الجوع




أعطُني خبزًا وأسقني أمل ..
وأمنع الماء عنيَ فهو يبدد الكللّ
رُتب ماشئت من كلإم
فالجياع لايعرفون ، المنّام ..
أطعمُنا ولك الولاء والفدآء !
**
Crow



بداية :


لو استمعنا إلى المقرر الخاص للحق في الغذاء لدى مفوضية الأمم المتحدة العليا لحقوق الإنسان، عالم الاجتماع السويسري جان تسيجلر، لوجدناه يقول بصراحة غريبة، إن الغرب بشركاته العملاقة، وهيمنته على الاقتصاد العالمي، هو المسؤول الأول عن الفقر في العالم، وعن موت الجياع، ولذا لم يتورع في أن يعطي كتابه الأخير عنوان: (كراهية الغرب)، وهو الكتاب الذي احتل مرتبة متقدمة بين أكثر الكتب مبيعًا في العام الماضي، وحصل على جائزة حقوق الإنسان العالمية في فرع الأدب.




كعك بالطين ومرق بأرجل الدجاج :

رأيت بعيني في سوق دولة عربية، من لا يقدر على شراء اللحم، أو حتى العظام، فيكتفي بشراء أرجل الدجاج ليعمل عليها مرقًا، ويكون في الطعام مذاق له علاقة بمرق اللحم ولو من بعيد.
لكن ما لم تره عيناي، ولم أتخيله من قبل، ما أكله البروفيسور تسيجلر، المواطن السويسري، الذي ارتضى أن يجرب ما يأكله الفقراء في دولة هايتي، والتي يعتبرونها وجبة أساسية هناك، حيث تقوم النساء بخلط الخضراوات وبقايا الفاكهة مع الطين، نعم «الطين» ويتركون هذا الخليط يجف تحت أشعة الشمس، ثم يقومون بتقطيعه وبيعه إلى من لا يملكون ثمن الدقيق والذرة، ويضيف تسيجلر بسخرية مريرة أن هذا الخليط «يعزز الوهم بتناول الطعام، ويسد المعدة، ويحجب الشعور الطاغي بالجوع.»
وتذكرت ما أشيع من حديث عن أزمة الخبز في دولة عربية، اقتضت تدخل رئيس الجمهورية نفسه، والقوات المسلحة، حتى يجد الناس رغيف الخبز المدعم، وطوابير من البشر يقفون من ساعات الفجر الأولى للحصول على رغيف الخبز، قبل أن ينفد. وفي نفس الدولة تدخل محلات السوبر الماركت، لتجد ما لا يقل عن عشرين نوعا من الخبز، متوفرة لمن يملك الثمن، وهم كثيرون، كثيرون جدًا، ناهيك عن الفنادق التي توفر أنواعًا من الخبز لا يعرفها العامة.





لا مكان للفقراء في هذا العالم:

وعودة إلى الخبير السويسري، الذي يقول إن الضحية الكبرى لأزمة الغذاء، هم الأطفال الصغار، الذين يموتون جوعًا، أو يتسبب هذا الجوع في الشهور الأولى من عمرهم، في إصابتهم بعاهات في المخ لا تزول، حتى ولو أمكن إطعامهم بعد ذلك بصورة طبيعية، ويشير هنا إلى أن هناك شخصًا يفقد بصره كل أربع دقائق، بسبب نقص فيتامين (أ)، وأن عدد الأشخاص الأكثر جوعًا في العالم، ارتفع للمرة الأولى إلى ما فوق المليار شخص.
وفي مقابل قيام زعماء الاتحاد في قمتهم في باريس بتاريخ 12 أكتوبر 2008م، بتخصيص مبلغ 1700 مليار يورو، لمواجهة آثار الأزمة الاقتصادية العالمية، انخفضت ميزانية برنامج الغذاء العالمي من ستة مليارات في عام 2008م، إلى أربعة مليارات في عام 2009م، الأمر الذي تسبب مثلاً في إلغاء وجبات الطعام التي كانت المدارس في بنغلاديش تقدمها للتلاميذ، وهي التي كانت تمثل الوجبة الرئيسية الوحيدة في يومهم، في الوقت الذي تدل فيه الإحصائيات على أن المحاصيل الزراعية العالمية، تكفي لإطعام اثني عشر مليار شخص، أي ضعف عدد سكان الكرة الأرضية، لذا يتحدث تسيجلر بكلمات واضحة قائلاً: «الطفل الذي يموت جوعًا اليوم، هو قتيل، فالجوع اليوم هو من صنيع البشر».


صناعة الجوع :

هل يمكن أن تتخيل أن الأشخاص الغربيين المتحضرين الذين يرأفون بالحيوان، وينشئون الجمعيات الخيرية في كل مكان، هم نفس الأشخاص الذين يتحملون مسؤولية موت الأبرياء جوعًا، أو على الأقل يسهمون بصمتهم عن قيام حكوماتهم المنتخبة بعمل ذلك، وحين يقوم صندوق النقد الدولي بجدولة ديون الدول الأشد فقرًا، يفرض عليها زراعة منتجات معينة للتصدير، تحتاجها مصانع الغرب، فدولة مثل مالي مثلاً، تضطر لزراعة القطن، وصدرت في عام 2008م، حوالي 380 ألف طن من القطن، بدلاً من زراعة الحبوب التي يحتاجها السكان المحليون، واضطرت مالي لاستيراد 70 في المائة من المواد الغذائية من الخارج، واشترت الأرز مثلاً من تايلاند، واضطر السكان في مالي لانتظار ثلاثة أشهر بعد موسم الحصاد، لأن وصول الأرز بالسفينة يحتاج إلى هذه المدة.
حتى الدول النامية التي تقوم بزراعة محاصيل زراعية، فإنها تعاني من نقص السماد الجيد، والماكينات الزراعية اللازمة، فمثلاً يحصد المزارع في بوركينا فاسو الإفريقية حوالي 600 كيلو جرام من الحبوب، إذا زرع مساحة قدرها هكتار، في حين أن نفس المساحة تعطي في دول غرب أوروبا حوالي عشرة أطنان من الحبوب.
الجريمة الثانية التي يرتكبها الغرب، حسب تسيجلر، هي المساعدات التي تقدمها الدول الصناعية لقطاعها الزراعي، ويشير إلى أن مجموع هذه المساعدات بلغ في العام الماضي وحده، 349 مليار دولار، ليحصل المستهلك الغربي على منتجات زراعية بأسعار زهيدة، وما يتبقى من هذه المنتجات يشق طريقه إلى الدول الفقيرة بأسعار منخفضة للغاية، تؤدي إلى عدم قدرة المزارع الإفريقي على بيع محصوله، الذي لم يجد من يقدم له المساعدة المالية السخية، ليستطيع المنافسة في السوق، ويصمد أمام المنتجات الأوروبية.
ويشير إلى أن كارثة ثالثة عرفها العالم، بعد الأزمة المالية العالمية، حيث وجد المستثمرون أن قطاع العقارات لم يعد مضمونًا، فانتقلوا إلى المضاربة على المنتجات الزراعية، وارتفع حجم هذه المضاربات من عشرة مليارات دولار في عام 2000م، إلى 175 مليار دولار في عام 2008م، وحقق المضاربون أرباحا خيالية من جراء الصفقات الآجلة، وانتشرت في المصارف السويسرية صفقات الأرز، وارتفعت أسعاره، وفقد فقراء الهند والمكسيك والبرازيل آخر ما كانوا يستطيعون الحصول عليه من الطعام، حتى تمتلئ جيوب الأثرياء بالمزيد من الأموال، ولذا فإنه ليس من المستغرب أن تمتلك أكبر 500 شركة عالمية، أكثر من نصف الناتج المحلي على مستوى العالم، وأن يتم حرق 120 كيلو جرامًا من الأرز لإنتاج 50 لترًا من الوقود البديل عن النفط، تكفي لتعبئة خزان السيارة مرة واحدة، وتكفي لإطعام طفل في دولة فقيرة لمدة عام بأكمله، ويذكر تسيجلر أن الولايات المتحدة حرقت في عام 2008م حوالي 138 مليون طن من الذرة ومئات الملايين من أطنان الحبوب، لإنتاج الوقود الحيوي، المعروف باسم الإيثانول، لكي لا تحتاج إلى النفط القادم من الدول العربية.



الكراهية العقلانية والكراهية المرضية:

وحتى لا يظن القارئ أن تسيجلر يتفق مع الجماعات العنفية المتطرفة التي تكره الغرب أيضًا، وتجعله المسؤول عن كافة المشاكل في العالم، وتبرر بكراهيتها الأعمال الإرهابية الموجهة ضده، فإنه يوضح أن هناك كراهية عقلانية تختلف عن تلك الكراهية، وهذه الكراهية العقلانية نابعة من رفض الظلم الواقع على الأشخاص، فهي كراهية موجهة ضد ما يقمع البشر، وليس ضد من يقمعهم، وتهدف هذه الكراهية إلى تصحيح الأوضاع.
ويقترح مثلاً أن يسن الغرب من القوانين ما يمنع المضاربة في المحاصيل الزراعية، أو أن يفرض الناخبون على حكوماتهم عدم ابتزاز الدول الفقيرة، وأن تتنازل عن ديونها، وأن تتوقف عن استغلال هذه الدول، بتوقيع عقود مجحفة في حق شعوب هذه الدول، مثل عقود استغلال المناجم في بعض الدول الإفريقية، وألا تفرض عليها زراعة محاصيل تحتاجها مصانعها، وإذا لم تستجب الحكومات الغربية لتلك المطالب الإنسانية العادلة، فيجب أن يعاقبها الناخبون بعدم التصويت لها، وعندها ستحترم الحكومات إرادة الناخبين، ويتنبأ تسيجلر بأن «صحوة الضمائر، قادمة لا محالة»، مشددًا على أنه «لا يجوز أن يكون هناك شعور بالعجز في الأنظمة الديمقراطية».
ويؤكد تسيجلر على ضرورة أن تفتح الدول الغربية أبوابها للاجئين القادمين من دول، يتهددهم فيها الجوع، وألا يقتصر اللجوء على أسباب سياسية فقط، ويبدي تفهمه لما يقوم به شباب دول العالم الثالث من السعي للوصول إلى أوروبا بأي شكل، ولو كان بطرق غير شرعية، تهدد حياتهم، من أجل الوصول إلى مكان يضمن لهم العيش بدون جوع.



النهاية :

أتذكر قصة الواعظ الذي كان يتحدث في الميكرفون المسموع في الشارع عن أهمية الصدقة، والعطف على الفقراء، وسمعت زوجته حديثه المؤثر، وكانت تجهز الطعام، فطرق الباب شحاذ، يطلب أن تعطف عليه، فأولاده جياع، وهو عاجز عن العمل، فناولته كل الطعام الذي أعدته، فلما عاد الواعظ من الخارج، وشم رائحة الطعام من الخارج، سال لعابه، فلما دخل وعلم بما فعلته زوجته، قال لها: «علينا القول، وعليهم العمل». فهل نكون مثل الواعظ، أم نقتسم ما أعطانا الله مع الفقراء؟ كل هذه التواريخ والأرقام والأحصائيات والأحاديث ، لهي مجُرد واقع نعيشه ونراه
منذو 2000 إلى 2012 فترُتنا الحالية .. ونحن نسمع صرخُاتهم تصوّل وتجول
حتى أنه لامست بلاد المسلمين .. ولو سألت نفسك كم هُناك شخص لايجد حتى " الطين" الذي يأكله .. لأيقنت أن عُمر بن عبدالعزيز .. ذلك الزاهد المسلم المؤمن .. ماكان إلا محض أسطورة
بجانب .. أهل الرفاهية والأمن .. وأصحاب الولاء للأوطان !




شُكراً

التنُمر .





دراسات في التنُمر :

لقد أصبحت المدارس محل عمليات تنمر يومية، وأصبح انتشار ظاهرة التنمر فيها أمرًا أثبتته العديد من الدراسات على مستوى العالم، ففي دراسة لكوي (Coy , 2001 , 4) بعنوان «التنمر في المدارس» كشفت نتائجها أنه يهرب يوميًا حوالي ( 160.000) طالب من المدارس بسبب التنمر الذي يلاقونه من زملائهم.
كما كشفت دراسة مسحية لإيرلينغ (Erling , 2002 , Abs) بعنوان «التنمر: أعراض كئيبة وأفكار انتحارية» أجريت على (2088) تلميذًا نرويجيًا في المستوى الثامن عن أن الطلبة ممن يمارسون التنمر وكذلك ضحاياهم قد حصلوا على درجات أعلى بدرجة ملفتة للنظر في مقياس الأفكار الانتحارية.
وفي دراسة لليند وكيرني (, 2004 Lind & Kerrney) أجريت في نيوزلندا، اتضح أن حوالي 63% من الطلاب قد تعرضوا لشكل أو آخر من ممارسات التنمر، كما أشارت دراسة أدامسكي وريان (Rayan , 2008 & Adamski) التي أجريت في ولاية إلينوي بالولايات المتحدة إلى أن أكثر من 50% من الطلاب قد تعرضوا لحالات التنمر، وفي إيرلندا أوضحت دراسة لمينتون (Minton , 2010) أن تعرض الطلاب لمشكلات التنمر بنسبة 35% من طلاب المرحلة الابتدائية و(36.4%) من طلاب المرحلة المتوسطة. أما دراسة تينينبايوم (Tenenbaum) التي أجريت عام 2011م بعنوان «استراتيجيات المواجهة لحالات التنمر في الصفوف من الرابع إلى الثامن» فقد كشفت نتائجها عن أن المواجهة القائمة على التركيز على المشكلة كان النوع الذي غالبًا ما تم استخدامه من قبل الضحايا.
ويعود تنامي الاهتمام بظاهرة التنمر في المدارس، وتطور الدراسات حولها إلى عدد من الأسباب، منها كما يرى سميث Smith , 2000 , 294)) الآثار المدمرة لهذه الظاهرة وخاصة على بعض الطلبة مما أدى بهم إلى الانتحار أو إلى التفكير فيه، وإلى وعي الأهالي بالظاهرة وضغطهم على المدارس لوقفه، وعلى وسائل الإعلام للتوعية بها.
ولقد خطت الدراسات العلمية والتربوية على الصعيد المحلي والعربي في السنوات الأخيرة الماضية خطوات متقدمة نحو الاهتمام بظاهرة التنمر في المدارس، حيث كشفت دراسة للدوسري عن أن التنمر متمثلاً في الاعتداء على الآخرين أو على ممتلكاتهم قد احتل النسبة الأعلى لدى طلاب منطقة الرياض بنسبة (35.2%) (الدوسري، 2003م).
كما كشفت دراسة القحطاني بعنوان «التنمر بين طلاب وطالبات المرحلة المتوسطة في مدينة الرياض: دراسة مسحية واقتراح برامج التدخل المضادة بما يتناسب مع البيئة المدرسية» عن أن نسبة الطلاب والطالبات في المرحلة المتوسطة الذين يتعرضون للتنمر مرة أو مرتين خلال الأشهر الماضية تصل إلى (31.5%) (القحطاني، 2008م، 165)، وكشفت الدراسة عن العديد من العوامل المسببة لانتشار التنمر المدرسي وأشكاله بين الجنسين، وخصائص كل من الطالب المتنمر والطالب المتنمر عليه، والآثار السلبية على أطراف العلاقة. كما أوصت الدراسة بتبني برنامج دان ألويس لمنع التنمر في المدارس (Olwues.s Bulying Prevention Program)، وتطبيقه على مستوى المدارس بالمملكة العربية السعودية والفصول والمستوى الفردي أيضًا لمواجهة هذه الظاهرة والتقليل من آثارها على المتورطين فيها.
كما توصلت (إسماعيل، 2010) في دراستين أجرتهما في عام (2010م) تبحث الأولى منها في المتغيرات النفسية لدى ضحايا التنمر في المرحلة الابتدائية إلى أن هناك علاقة ارتباطية موجبة ودالة عند مستوى (0,01) بين ضحايا التنمر ومتغيرات الدراسة (حالة وسمة القلق، تقدير الذات، الأمن النفسي، الوحدة النفسية)، وعند مستوى (0,05) بين ضحايا التنمر المدرسي والأمن النفسي المنخفض، وفي الدراسة الثانية التي تبحث في فعالية العلاج بالقراءة في خفض التنمر المدرسي لدى الأطفال إلى مدى فعالية العلاج بالقراءة في خفض التنمر لدى الأطفال في المدارس (إسماعيل، 2010).
وتتناول هذه الورقة بتركيز شديد التنمر في المدارس وما يتعلق به من أبعاد مهمة، معتمدة على بعض الدراسات العلمية الحديثة لوصف واقعه في البيئة المدرسية، ومستعينة بالأشكال والرسوم التوضيحية، لتنتهي بعرض أحدث البرامج العالمية للتدخل ومنع التنمر في المدارس، وكذلك الممارسات في المجال على الصعيد المحلي.

تعريف التنمر المدرسي bulling) School
)
يعرف دان ألويس النرويجي (Dan Olweus) - الأب المؤسس للأبحاث حول التنمر في المدارس - التنمر المدرسي bulling School بأنه: «أفعال سالبة متعمدة من جانب تلميذ أو أكثر بإلحاق الأذى بتلميذ آخر، تتم بصورة متكررة وطوال الوقت، ويمكن أن تكون هذه الأفعال السالبة بالكلمات مثلا: بالتهديد، التوبيخ، الإغاظة والشتائم، ويمكن أن تكون بالاحتكاك الجسدي كالضرب والدفع والركل، ويمكن أن تكون كذلك بدون استخدام الكلمات أو التعرض الجسدي مثل التكشير بالوجه أو الإشارات غير اللائقة، بقصد وتعمد عزله من المجموعة أو رفض الاستجابة لرغبته».
ويلفت ألويس (Olweus & Sue , 2002 , 8) النظر إلى أنه كي يصنف الوضع بأنه تنمر لابد أن يكون هناك عدم توازن في الطاقة أو القوة (علاقة قوة غير متماثلة)؛ بمعنى آخر أن الطلاب الذين يتعرضون لأفعال سلبية يعانون بصفة عامة من صعوبة الدفاع عن أنفسهم، ولا حيلة لهم أمام الطلاب الذين يتسببون في مضايقتهم. أما حينما ينشأ خلاف بين طالبين متساويين تقريبا من ناحية القوة الجسدية والطاقة النفسية، فإن ذلك لا يسمى تنمرًا، وكذلك الحال بالنسبة لحالات الإثارة والمزاح بين الأصدقاء، غير أن المزاح الثقيل المتكرر، مع سوء النية واستمراره بالرغم من ظهور علامات الضيق والاعتراض لدى الطالب الذي يتعرض له، يدخل ضمن دائرة التنمر.

خصائص التنمر

في بيئة التنمر المدرسي غالبًا ما يكون ضحية التنمر طالبًا وحيدًا يتعرض للمضايقة من مجموعة تتكون من اثنين أو ثلاثة من الطلاب يتزعمهم «قائد سلبي»؛ لكن هناك نسبة هامة من الضحايا تتراوح مابين (20% - 40%) أفادوا بانهم تعرضوا للتنمر من قبل طلاب منفردين (Barton , 2003 ).
ويمكن تصنيف السلوك العدواني بأنه تنمر عندما تحكمه ثلاثة معايير هي:
1- التنمر هو اعتداء متعمد ربما يكون جسديًا أو لفظيًا أو بشكل غير مباشر.
2- التنمر يعرض الضحايا لاعتداءات متكررة، وخلال فترات ممتدة من الوقت.
3- التنمر يحدث داخل علاقة شخصية يميزها عدم التوازن في القوة سواء كان حقيقيًا أو معنويًا؛ وهذه القوة تنبع من منطلق القوة الجسمانية أو من منطلق نفسي مع الأطفال ذوي التاثير الكبير على أقرانهم فتظهر بين المتنمرين والضحية.
الشائعات المعروفة عن التنمر في المدارس
ومما هو شائع ومعروف عن التنمر في المدارس والذي أثبتت الدراسات عدم صحته (Ballard , et al., 1999, 41 – 42):
1- الاعتقاد أن التنمر جزء من نمو التلاميذ الاجتماعي، وجميعهم يجتازونه.
2- أن الإيذاء يساعد الضحية على أن تصبح أكثر خشونة.
3- اعتقاد الكثيرين أن المتنمرين ضعاف وغير آمنين داخليا، وأنهم يتصرفون بخشونة من الخارج لتغطية مشاعرهم الحقيقية.

خصائص المتنمر

1- القوة (بسبب العمر، الحجم، والجنس).
2- تعمد الأذى (فالمتنمر يجد لذة في توبيخ الضحية أو محاولة السيطرة عليها، ويتمادى عند إظهار الضحية عدم الارتياح).
3- الفترة والشدة (استمرار التنمر ومعاودته على فترات طويلة)، ودرجة التنمر محطمة لاحترام الذات لدى الضحية.
وبوجه عام يميل المتنمرون إلى ان يكونوا مغرورين وأقوياء ومقبولين من أقرانهم، ويتميزون خاصة برغبتهم في السيطرة على الآخرين عن طريق استخدام العنف. ويظهرون القليل من التعاطف تجاه ضحاياهم. كما يتميز المتنمر بأنه محاط بمتنمرين او أتباع سلبيين، وهؤلاء لا يبدؤون بالضرورة بالسلوك العدواني، ولكنهم يشاركون فيه، ويقدمون الدعم والتشجيع للمتنمر، وموافقتهم ترفع من إحساس المتنمر بذاته ومكانته، ويجعل سلوك التنمر مستمرًا.
(دائرة التنمر) الثقافة الاجتماعية المعززة لسلوك التنمر، والمشاركات وردرد أفعال الطلاب في المدرسة عند حدوث التنمر.

خصائص المتنمر عليه (الضحية)
للضحية بالمقابل في موقف التنمر خصائص هي
:
1- قابلية السقوط (فالضحية سريعة الانخداع، ولا تستطيع أن تدافع عن نفسها، ولها خصائص جسدية ونفسية تجعلها عرضة لأن تكون ضحية).
2- غياب الدعم (فالضحية تشعر بالعزلة والضعف، وأحيانًا لا تذكر الضحية المتنمر عليها خوفًا من انتقام المتنمر).
كما يتصف الضحايا بأن لديهم تقديرًا منخفضًا للذات، وعددًا قليلًا من الأصدقاء، وإحساسًا بالفشل، وسلبية وقلقًا وضعفًا وفقدان ثقة بالنفس. ومعظمهم أضعف جسديًا من أقرانهم مما يجعلهم عرضة لهجمات المتنمرين. ولأنهم عاجزين عن تكوين علاقات مع أقرانهم فهم يميلون للعزلة في المدرسة، مما يجعلهم يشعرون بالوحدة والإهمال. كما يخشون الذهاب للمدرسة مما يعيق قدرتهم على التركيز، ويخلق أداءً دراسيًا يتراوح بين الهامشية والضعف، مع الوجود الدائم للتهديد بالعنف مما يشعرهم بالافتقار إلى الأمان، الأمر الذي ينتج عنه الأعراض البدنية والنفسية لديهم (Ballard , et al., 1999 , 40).
أنماط التنمر Patterns of bullying
أ- التنمر الجسدي Physical Bulling
الضرب والركل بالقدم واللكم بقبضة اليد والخنق والقرص والعض...
ب- التنمر في العلاقة الشخصية Relational Bulling
مثل الإقصاء،الإبعاد، الصد، الأكاذيب والإشاعات المغرضة.
ج- التنمر اللفظي Verbal Bulling
ويشمل التهديد والإغاظة والتسمية بأسماء سيئة.
د- التنمر الجنسي Sexual Bulling
ويتمثل في سلوك الملامسة غير اللائقة أو المضايقة الجنسية بالكلام.
هـ- التنمر الإلكتروني Cyberbullying
هو الضرر المتعمد والمتكرر الذي يلحق بالضحية من خلال استخدام أجهزة الكمبيوتر والهواتف المحمولة والأجهزة الإلكترونية الأخرى.

أماكن حدوث التنمر

عادة يحدث التنمر بعيدًا عن الكبار كما في:
· فسحة المدرسة.
· الحصص.
· دورات المياه.
· في المداخل.
· في انتظار الحافلات.
· في حافلة المدرسة.
· في الطريق للمدرسة أو إلى البيت.
آثار التنمر
يشمل التنمر في المدارس الضحايا، والمتنمرين أنفسهم، والتلاميذ الموجودين أثناء موقف التنمر ؛ وكل هذه المجموعات الثلاث تتأثر بموقف التنمر (Banks , 1997 , 3)، (Crabarino , 2003 ,Abs)، (Lipson , 2001 , 62)، et al., 2002 , 11) Bulach,) ويمكن توضيحها فيما يلي:
أولاً: آثار التنمر قصيرة وطويلة المدى على الضحايا

ثانيا: آثار التنمر طويلة المدى
على المتنمرين

يشكل معتادو التنمر على الآخرين في المدارس في سنوات حياتهم الأولى أربعة أضعاف من ينتكسون ويرتكبون جرائم خطيرة نسبيًا حسب سجلات الإجرام الرسمية، وذلك مقارنة بغيرهم من الطلاب العاديين. لذلك لابد من الأخذ بعين الاعتبار من يحتمل أن يصبح متنمرًا أو أن يمارس التنمر ضد الغير، لوقف سيره في هذا المسلك غير الاجتماعي وإعادة توجيهه للتصرف على النحو المقبول اجتماعيا (13، Olweus & Sue , 2002).
ثالثًا: آثار التنمر على الموجودين أثناء حدوث التنمر
يمكن أن يتأثر التلاميذ بالتنمر إما بشكل مباشر أو غير مباشر، وهذه الآثار تتنوع من المشكلات الصحية والنفسية للفرد إلى تبني ورعاية قيم اجتماعية عدوانية، وتبني ثقافة التنمر بالنسبة لمجتمع المدرسة ككل (Juvonen , 2001 , 8).
ومن العوامل المؤدية لحدوث التنمر والتعرض له: يعزو باحثو علم النفس التربوي سلوك التنمر إلى عدة عوامل تتمثل فيها .
ومن الدراسات الأجنبية الحديثة التي تناولت التنمر المدرسي ممثلة بالشكل التالي:
الدراسات السابقة
دراسة أجرتها لي موري (Murry، 2010) بكلية المجتمع بميرتون في لندن عن التنمر في المدارس كشفت نتائجها عن الإحصائيات .
ومن الدراسات الأجنبية الحديثة التي تناولت التنمر الإلكتروني دراسة هندوجا وباتشن (2010) بعنوان: «التنمر الإلكتروني: تحديد الهوية والوقاية والاستجابة»

برامج التدخل لمنع التنمر المدرسي
يشكل ضحايا التنمر مجموعة كبيرة من التلاميذ الذين تتجاهلهم المدرسة إلى حد كبير، وكثير من هؤلاء يكونون هدفًا للمضايقات لفترة طويلة من الزمن، بل لعدة سنوات في الغالب. لذلك فإنه من حقوق الطفل الأساسية وكما حددتها سياسات الأمم المتحدة أن يشعر بالأمان في المدرسة، وأن يعفى من الاضطهاد والإذلال المتعمد والمتكرر الذي يشتمل عليه التنمر، لذلك فلا ينبغي أن يخشى أي تلميذ الذهاب للمدرسة خوفًا من المضايقات والإهانة، ويجب ألا يقلق الآباء من تعرض أبنائهم لهذه الأحداث (Olweus , 1997 , 502).
ولقد أعدت وصممت العديد من برامج التدخل العالمية لمنع التنمر في المدارس والاستراتيجيات المضادة له والتي أثبتت من خلال تطبيقها قدرتها على مواجهة المشكلة لكافة الأطراف المتورطة في موقف التنمر. ومن أشهر هذه البرامج العالمية للتدخل ومنع التنمر المدرسي، والذي يعد من أكثر البرامج شمولا في مواجهة هذه الظاهرة:
برنامج دان ألويس لمنع التنمر المدرسي: Olweus Bulling Prevention Program
يقدم هذا البرنامج إطارًا واضحًا للإداريين والمعلمين وأولياء الأمور يمكن تطبيقه على المستوى الوطني والعالمي كذلك، وعلى امتداد مختلف المراحل الدراسية وعلى مستوى المدرسة والفصل الدراسي والطلاب أنفسهم. ويتحقق بتكاتف وتضافر جهود الإدارة والمدرسين وأولياء الأمور والطلاب، وبجهود المختصين بالمجال من خارج المدرسة، مع ضمان الحصول على التزامهم بالمساعدة في إيقاف التنمر. ويمتد مدى تطبيقه من العام للعام لقياس مدى فعاليته في التقليل من انتشار ظاهرة التنمر والتخفيف من حدة آثارها
ويمثل الشكل رقم أحد البرامج العالمية والاستراتيجيات لمنع التنمر على مستوى المدارس
وسيتم تناول برنامجين من هذه البرامج لمنع التنمر المدرسي بالتوضيح:
أولا برنامج التوسط بين الرفاق
يلتقي الجانبان في وجود الوسيط الذي لا يصدر أحكامًا أو يلقي باللوم على أحد، ولكنه يساعدهم على الوصول إلى حل بأنفسهم.
ويشتمل البرنامج على قواعد أساسية لحل الخلافات هي:
1- الموافقة على حل النزاعات والخلافات وتسويتها.
2- قول الصدق والحقيقة.
3- احترام كل شخص للآخر.
4- الإنصات دون مقاطعة.
5- تحمل مسؤولية تنفيذ الحلول التي تم الإتفاق عليها.
ثانيًا برنامج «عبر عما في نفسك» وبرنامج «اجعل صوتك أو وجهة نظرك مسموعة»
طبقته إدارة مدرسة تريني بيي ستيت الثانوية بكيرنز بأستراليا
- التحدث بصوت مرتفع موجهًا الكلام للمتنمر قائلاً: «أنا لا يعجبني أسلوبك الفظ ومضايقتك المستمرة لي»
- «يجب أن تتوقف عن التظاهر بالتنمر وإيذاء مشاعر صديقي»
- أنا لم أعد أخافك

ومن الممارسات التي طبقت على الصعيد المحلي لمنع التنمر المدرسي في المملكة العربية السعودية:
حملة «إيقاف التنمر بين الأقران» التي أقامها برنامج الأمان الأسري بدعم من وزارة الداخلية، ويهدف إلى مساعدة الأطفال والمراهقين على نبذ التنمر أو العنف الممارس بينهم بجميع أشكاله (دليل الحماية والحد من التنمر: عنف الأقران، 2011، On Line).
ختامًا يقتضي التخلص من التنمر المدرسي بالطبع ضرورة ترسيخ أسس بيئة آمنة داعمة وراعية اجتماعيًا، والعمل على ترسيخ مفهوم الوئام والتفاهم والاحترام المتبادل في المدرسة وفي جميع الفصول الدراسية. علاوة على تقديم المساعدة اللازمة للطالب على الصعيد الفردي وأسرته ومجتمعه بالنفع، وهذا لن يتم إلا بنهج كل مدرسة لمقاربة علاجية متكاملة تعمل على إشراك المدرسين والإداريين والآباء وشبكات الدعم الاجتماعي، بالإضافة إلى الطالب المتنمر نفسه لحل المشكلة، تتناسب مع ثقافة المدرسة والمحيط الاجتماعي لمنتسبيها.


شُكراً

الأحد، 30 سبتمبر 2012

مع الكُتب ..



مدخل

لقد كان اقتناء الكتب مفخرة للرجال والعلماء والوجهاء على مرّ العصور. وكانت خزائن الكتب لا تُعرف بشيء مثلما تُعرف بصاحبها؛ فيقال «الخزانة التيمورية»، و«خزانة الشنقيطي» و«مكتبة طوسون باشا» و«مكتبة حمد الجاسر»، و«مكتبة أحمد زكي باشا»، وهكذا. وكانت منزلة المكتبة مرهونة بكونها تحوي نوادر الكتب، والنسخ الوحيدة، وأوائل المطبوعات. وكم كان الرجل يضرب في الأرض شهورًا بحثًا عن كتاب أو سعيًا وراء مخطوطة. وكم كابد أصحاب الخزائن في سبيل تصنيفها وفهرستها وتهيئة دار تسعها. ولقد اكتسبت بعض المواضع شهرتها بسبب ما فيها من كتب، كما هي حال دير الإسكوريآل، ودير الدومينكان.

فلما كان العصر الرقمي صارت المسألة تتلخص في حجم ما تحويه الأقراص الصلبة للحواسيب من ملايين الملفات والكتب المصورة والكتب المبرمجة. ثم لم تعد حكايات الكتب النادرة أو الممنوعة تحظى بالقدر نفسه من الالتفات.

ففي العصر الرقمي لم يعد في مقدور أحد أن يحجب كتابًا أو يصادره أو يحد من انتشاره. ونتج عن هذا الوضع أن صارت بعض الكتب الورقية لا تجد من يشتريها، ولقد زرت أماكن في كاليفورنيا تبيع كل كتاب بدولار واحد، وكم شعرت بالحرج عندما كنت ألمح في عين البائع تردده في تناول الدولار من يدي.

وأنت عندما تدخل عالم القراءة تتلاشى لديك القيود وتنهار أمامك السدود. ومن الناس من يحاول -عن طريق الكتابة- أن يجعل من حياته حياة مهمة، ومنهم من يحاول الأمر نفسه ولكن من طريق القراءة. وإذا جازت هذه القسمة فأغلب ظني أنني من الصنف الثاني.

والقراءة مثل التصفيق في التجمعات العربية، تصفيقٌ يبدؤه شخصٌ واحد، فيتبعه آخرون، فيدوي المكان بالتصفيق. إننا نقرأ بعض الكتب أحيانًا لا لسبب سوى أن أشخاصًا آخرين تحدثوا عنها. وقد تُعطّلنا هذه القراءات عن كتب أنفع لنا وأولى بأوقاتنا. مع مراعاة أن وصف (الأنفع) هو وصف نسبي، يتوقف على حالة كل شخص وتكوينه الثقافي.

ولكأن نجيب محفوظ كان يصف حالي تمامًا عندما قال هو عن نفسه: «عندما كنت طالبًا بالمدرسة، كنت أصنع دائمًا قائمة تضم أهم الأعمال التي عليّ أن أقرأها، لكن مع قراءاتي كانت هذه القائمة تزداد طولا ولا تقلّ؛ فقد كان كل كتاب أقرؤه يفتح عيني على كتب أخرى أجهلها، وكنت أشعر دائمًا أن الجهل يطاردني وأنا أتعلق بأذيال معرفة بسيطة، رغم أنه لم يمض يوم في حياتي دون أن أحصل فيه على معرفة جديدة باستمرار».

وإن القراءة تستدعي القراءة، فإذا أعجبك الكتاب فإنك تسعى إلى إخوته من أعمال كاتبه، أو تبحث عن كتاب آخر في الموضوع نفسه. وإذا علمت أن فلانًا قد كتب ردًا على كتاب فلان، فإنك تسعى إلى قراءة الردود، ثم الردود على الردود. وكنت في أيام الطلب قد قرأت نحو عشرة ردود على كتاب طه حسين «في الشعر الجاهلي»، وأكثر من هذا العدد في الرد على كتاب محمد الغزالي «السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث». ولم أزل أمارس تلك الهواية المرهقة، هواية قراءة النقائض في عالم الكتب.

ولا أعرف كتابًا أثار من الردود - ثم ردود على الردود- مثلما حدث مع كتاب «في الشعر الجاهلي». وهذا الاهتمام الفائق بالكتاب لم يفلح في التغطية على حقيقة كونه كتابًا متواضع القيمة من منظور العلم. وليس هذا موقف المتحاملين على طه حسين وحدهم، وإنما هو تقدير من يرون أنفسهم من تلاميذه.ومن يقرأ ذاك الكتاب اليوم يعجب لكل تلك الضجة التي أثارها. ناهيك عن أن كتابات شتى أثبتت أن الكتاب ما هو إلا تكرار لأفكار المستشرق مرجليوث.

وحين كنا صبيانًا لم تكن لنا الخيرة من أمر الكتب، كنا نقرأ من الكتب ما لا نختاره؛ فقد قرأنا كتبًا بعينها لأننا لم نجد سواها. والذين هم في مثل عمري وظروف نشأتي قد قرأوا -غالبًا- أعداد مجلة «reader’s digest» التي كانت تنشر بالعربية بعنوان «المختار»، ولعلهم أيضًا قرؤوا أعداد «مجلة المعرفة» التي توقفت عن الصدور في القاهرة منذ نحو أربعين عامًا. وربما قرؤوا أيضًا كتبًا من قبيل: «المنتخب من أدب العرب»، وكتاب «آثرت الحرية»، و«التربية الاستقلالية»، و«اعترافات جان جاك روسو»، و«سر تقدم الإنجليز»، و«صهاريج اللؤلؤ» للسيد توفيق البكري، وهو غير كتاب بالعنوان نفسه للراحل خيري شلبي.

لقد كانت هذه الكتب موجودة في محيط إدراكنا، هذا كل ما في الأمر. وبعد عقود من عمري أحاول أن أجد تفسيرًا لذلك؛ لماذا كنت أصادف هذه النوعية من الكتب تحديدًا؟ ومن الذي كان يضعها في مدى إدراكي؟

لم يطل الأمر على تلك الحال، فقد تعلمت من طول القراءات وتنوعها أن من الكتب ما هو ملوِّث للعقل، ومنها ما هو منتهي الصلاحية، ومنها ما يبطن غير ما يظهر، ومنها ما يحيرك أمره طيلة عمرك، ومنها ما يلازمك مثل لون جلدك وفصيلة دمك.

تعلمت أنْ ليس كل كتاب جدير بالقراءة، وليس كل كتاب يستحق الاقتناء. وفي الوقت نفسه علمت أن خزانة كتبي كانت هي الجامعة الكبرى التي تخرجت فيها. الجامعة التي لا تحدها حدود التخصص، ولا تقيدها قيود الدراسة النظامية، ولا تعوقها أنظمة الدبلومات والشهادات، ولا تقف دونها نظم الترقيات والدرجات.

حديث الشهرة

تولد شهرة الكاتب أو الكتاب ولادة طبيعية بسبب قيمته العلمية ومكانته في مجال تخصصه، لكن هناك شهرة مصطنعة تقف وراءها الماكينة الإعلامية ودور النشر التي تتفنن في صناعة الاهتمامات وتوليد الضجيج حول منتجاتها. لبعض الأسماء ضجيج مبالغ فيه في عالم الكتابة والنشر، فإذا ما وضعتَ أعمالهم على الطاولة وفحصتها فحصًا مدققًا فؤجئتَ بأنها أعمال ساذجة. والمستشرقون في معظمهم هم أكثر من تنطبق عليهم هذه السذاجة، وبخاصة عندما يكتبون عن دقائق مفردات الحضارة العربية في عصورها الزاهرة.

تحدث الناس كثيرًا عن صمويل هانتجتون وكتابه عن صدام الحضارات، لذلك تجدنا مسرعين إلى اقتناء الكتاب وقراءته، لكيلا نكون متخلفين عن النقاش العام الدائر من حولنا. ثم في النهاية نكتشف - وربما نقتنع- أن أطروحة الصدام هي أطروحة غير علمية، وربما هي مرفوضة سياسيًا وأخلاقيًا. ليست مرفوضة على نطاق واسع في وطننا العربي فقط بل وفي بلاد الغرب أيضًا.

وكانت قد علت أصواتٌ بكلام كثير عن رواية «وليمة لأعشاب البحر»، فصار هذا الكتاب تحديدًا من أغلى الكتب ثمنًا لمدة غير قصيرة. ولم يتمكن كثير من الراغبين في اقتنائه من الحصول على نسخة منه، لولا أن تجشم أحدهم عناء تصويره ووضعه على الإنترنت. ثم تنجلي القراءة عن رواية - هي في أحسن تقدير- متوسطة القيمة من منظور الإبداع الأدبي. ثم صار أمرها إلى النسيان.

وأما رواية أولاد حارتنا فأستطيع أن أقول إنها ليست من أفضل ما كتب نجيب محفوظ، لكن ما قيل وما كتب عن هذه الرواية يفوق أضعاف ما كُتب عن بقية أعمال الرجل. بل إن ما كتبه الكاتبون عن «أولاد حارتنا» قد يقارب حجم ما كتبه نجيب محفوظ طيلة حياته. ناهيك عن خرافة حظر طباعتها، فقد كانت هذه الرواية على الدوام متاحة على الأرصفة في مدينتي الأم (الإسكندرية). ولست أظن أن الطلب على أولاد حارتنا قد ازداد مؤخرًا بعد أن صدرت طبعة دار الشروق في مصر. وفي كل مرة أسأل محدثي: «هل قرأتها»؟ تأتيني الإجابة بالنفي. فهل يعقل أن يكون لأحدنا رأيٌ فيما لم يقرأ؟

وكم من الوقت شُغل أناسٌ بالبحث عن نسخة من كتاب «آيات شيطانية»، لا لقيمة الكتاب من الناحية الأدبية، ولكن فقط لحب المشاركة في الاهتمام الإعلامي والسياسي، ولمحاولة فهم ملابسات فتوى الخميني الشهيرة.

وبعدما حُكم على سيد قطب بالإعدام كان كتابه «معالم في الطريق» ينسخ باليد بواسطة الراغبين في اقتنائه. فلما صار الكتاب متاحًا لم يجد من يلتفت إليه إلا نادرًا. وهكذا يتضح كيف أن الجدال العام في المجتمع يدفعنا دفعًا إلى قراءة كتب بعينها، سواء كنا واعين أم غير واعين بآليات التحكم والسيطرة.

حديث الجوائز والترجمات

ما إن يُعلَن عن فوز كاتبة أو كاتب بجائزةٍ ما حتى يهرع الناشرون إلى طباعة أو إعادة طباعة عمله، مع حرصٍ بالغ على ذكر اسم المؤلف مقرونًا باسم الجائزة. ويسارع بعض القراء إلى شراء الكتاب الذي لم يكن ليلفت انتباههم من قبل. وبطبيعة الحال يستغل الناشر الحالة، فيضاعفَ ثمن الكتاب (صاحب الجوائز). إنها حالة شبيهة بمن يسعى إلى مشاهدة فيلم دونما سبب واضح لديه، سوى أنه فاز بإحدى جوائز الأوسكار. هذا كل شيء.

خذ مثلاً رواية «واحة الغروب» التي صدرت أول مرة عن دار الهلال بمصر، فما قرأها غير قلة نادرة من قراءجادين. فلما حصل بهاء طاهر على البوكر العربية سارعت دار نشر ثانية إلى إعادة طباعتها. وافتعل (نقّادٌ) سيولاً من تعليقات على الرواية. شيءٌ مما يشبه النقد، كُتب على عجل، بعضه للمجاملة، وبعضه لمواكبة الأحداث، ومعظمه كتبه أشخاص بحكم وظائفهم في الصحف والمجلات.

ولما صار باولو كويلو حديث الناس- في مصر على الأقل- هُرع كثيرون إلى اقتناء أعماله المترجمة إلى العربية. في حين أن واحدة من أجمل رواياته بقيت سنوات على أرفف مكتبة دار الهلال بمصر - قبل أن تتلقفها دور نشر أخرى- لا تلفت انتباهًا. أتحدث عن رواية «الخيميائي» التي نشرت بعنوان: «ساحر الصحراء».

وقد عاش خيري شلبي دهرًا ينشر طبعات شعبية في دار الهلال وفي الهيئة العامة للكتاب، لكنه بعد أن عرف جوائز الدولة صارت أعماله تحمل اسم كبريات دور النشر الاستثمارية، وبعد وفاته سارع ناشرون خارج مصر إلى إعادة طبع أعماله الأولى التي يصعب العثور عليها.

يتباهى المؤلفون والناشرون بحكاية الكتاب الذي ترجم إلى أربعين لغة عالمية، وبيعت منه مائتا مليون نسخة. وما من كاتب إلا وتجده حريصًا كل الحرص على أن يبرز على الغلاف أن أعماله سبق ترجمتها إلى لغة كيت وكيت. قد تكون الترجمات الكثيرة للكتاب مؤشرا على الاهتمام الواسع به، ولكني أعرف كتبًا تافهة لقيت من عناية المترجمين كل اهتمام. إنها السياسة قاتلها الله؛ فمن يدفع للزمار هو الذي يختار اللحن.

الانبهار بالأسماء

إنّ أوهام الكلمة المكتوبة لا تقل تأثيرًا عن أوهام الكلمة المكتوبة بلغة أجنبية، وكلاهما لا يقلان عن وهم الأسماء الأجنبية. ففي عالم القراءةيخطف الأبصارَ بريقُ الأسماء من أمثال: برنارد شو، وألبرتو مورافيا، وألكسندر دوما، وتشارلز ديكنز، وآرثر ميللر. إنه الرنين الصوتي أو الجرس الموسيقي للاسم، بغضّ النظر عن قيمة ما يُكتب، وبغض النظر عن كون القارئ يعرف شيئًا عن الكاتب. فالأسماء العربية ليس لها تلك الجاذبية أو تلك الهالة. فمن ذا الذي تجذبه رواية لكاتب يدعى حسن أو حمدان أو يونس أو مصطفى أو هزاع أو مقبل؟

وإن العبارة الواحدة إذا قيلت على لسان علم مشهور حازت من الذيوع والبريق ما لم تكن لتحوزه لو أنها سيقت هي نفسها على لسان واحد من غير المشاهير. وبالمثل فإن الكلام الذي يكتب بالإنجليزية اليوم يبدو للناظرين أكثر عمقًا مما لو قيلت ترجمته بنصه بالعربية. وفي جامعاتنا العربية أقسامٌ تتخذ من الإنجليزية لغة للتدريس في ظاهر الأمر، لكن الحقيقة التي أعلمها يقينًا - بحكم وظيفتي- أن لغة التدريس هنالك ليست العربية وليست الإنجليزية، ولكنها حالة من التعاسة اللغوية والإعاقة الذهنية والهدر التربوي. لا أتحدث عن كليات الطب بل أتحدث عن كليات الحقوق والتجارة والآداب.

الذي يدفع للزمار هو الذي يختار اللحن

عنيت بعض دور النشر عناية مريبة بطباعة عناوين بعينها، سعيًا وراء ربح مضمون، في استغلال ظاهر لغريزة البحث عن كل ممنوع ومرغوب. ومن ناحية ثانية صفّقت دوائر معروفة لمؤلفين بعينهم، وطبّلت لكتب بعينها، وزمّرت لقضايا بعينها. فكل من يكتب عن مطالب الأقليات- بالحق أو بالباطل- فهو مفكر كبير، بغض النظر عن ضعف قدراته الأكاديمية، وبغض النظر عن ضحالة تفكيره وتهافت أطروحاته وركاكة تعبيراته. وكذلك كل من يكتب عن بشاعة الختان فهو ليبرالي مرموق، وكل من يكتب عن حقوق المثليين في البلاد العربية فهو باحث قدير. وكل من يكتب عن حق المرأة في تولي مناصب القضاء ورئاسة الدولة فهو العلامة مجدد العصر. وكل من يتتبع هفوات الأقدمين وينقب عن سقطات التاريخ ومنعطفاته المثيرة للّغط فهو إمام المثقفين. وأما من يجمع (أعقاب السجائر من أزقة التاريخ) فلا مانع من أن يُمنح جائزة الدولة التقديرية من أموال دافعي الضرائب.

ومن عجائب التجارة بالأفكار أن تجد ناشرين تخصصوا في نبش الأكفان الثقافية التي طال عليها البلى، فتجد من يأتي بعد ستين عامًا ليعيد نشر كتاب مثل «كتابة اللغة العربية بالحروف اللاتينية»، وكتاب «من هنا..نبدأ»، وكتاب «الإسلام وأصول الحكم». والأجيال الجديدة معذورة؛ إذ لا علم لها بما كان قد كتبه الراسخون في العلم ردًا على تلك الكتب التي يتم إعادة تسويقها - ويا للعجب- على أنها عنوان الحداثة وإنجيل الحداثيين.

كتب برخص التراب

صدق أو لا تصدق: عشرون كتابًا بخمسة جنيهات (أقل من دولار). حدث هذا مرارًا في القاهرة. ليس هناك سر، فقط يريدون التخلص من مخزون راكد لا يكاد يباع منه شيء. وإمعانًا في التضليل يتطوع أحدهم محاولاً أن يظهر الأمر وكأنه جهد من الحكومة لـ«تشجيع القراءة» و«دعم الثقافة»، إلى آخر هذه الكليشيهات الرسمية منتهية الصلاحية.

ولا تخلو المطبوعات المدعومة حكوميًا من مجاملات ومن انحيازات معروفة. وتكون النتيجة تلال من كتب غير مرغوب فيها، تطبع لفلان وعلان، مدير كذا، أورئيس مجلس إدارة كذا، أوعضو اللجنة العليا لكذا، أو الأمين العام لكذا. وهذه كلها ألقاب لا تشفع عند القراء شيئًا. ولا أحد يصدق حكاية تشجيع القراءة بين محدودي الدخل. فمحدود الدخل يحرم نفسه كل شيء من ملذات الدنيا إلا اقتناء الكتب.

لكن أي كتب؟ إنها ليست كتب الحكومة غالبًا، وليست مما يحرره كتبة السلطان. فالمطبوعات التي ترعاها الحكومة تسرق أعمار القراء، ومن يتشكك في هذا فلينظر ماذا تنشر الصحف اليومية الحكومية.

وكنت قد قرأت لأحد المشاهير قوله إنه امتنع عشر سنين عن قراءة الصحف، فتمكن خلال هذه السنوات من قراءة أمهات الكتب وذخائر المؤلفات وكنوز المعارف. إنني أتذكر هذا كلما مر بخاطري كيف أقلعت عن قراءة الصحف بضعة أسابيع، تمتعت خلالها بقراءة تسعة مجلدات كاملة من الموسوعة العالمية The World Book. حدث ذلك قبل أن تقتحم شبكة الإنترنت هدوء حياتي. وتلك قصة أخرى.

حرق الأدباء

لا يحرق الكاتبَ شيءٌ مثلُ إجبار الطلاب على دراسة كتبه في مقررات التعليم. فكم من كتب رائعة يزهد فيها القراء لا لسبب سوى أنها ضمن مقررات الدراسة النظامية.

ولقد خبرت - طالبًا وأستاذًا- كيف أن محتوى المنهج الدراسي لا يعبأ بروائع الأدب، بمقدار عنايته بأشتات غير مؤتلفات من نصوص لا تعبر عن واقع الإبداع الأدبي بقدر ما تعبر عن تصورات الموظفين الرسميين في وزارات التعليم.

العناوين الملتهبة

يبرع بعض الكتاب والناشرين والمترجمين في انتقاء عناوين من شأنها خطف الأبصار، بشكل يغطي على تواضع قيمة الكتاب. من هذه العناوين تلك التي تستخدم مفردات من قبيل «الأسرار» و«الخفايا» و«الدسائس» و«المؤامرات» و«الفضائح» و«الانحرافات» و«الجرائم» و«ما لم ينشر من قبل»!

ويجمع بعضهم في العنوان بين كلمات لا تجتمع معًا إلا في خيال ثمل. ومنهم من يجترئ على مقام الألوهية، ولولا خشية تزيين القبيح لذكرت نماذج من ذاك.

ومنهم من يتاجر بالكتب بمنطق مطاعم المأكولات السريعة؛ فتجد كتابًا يحدثك عن النظرية التي ستقلب نظم التعليم رأسًا على عقب، وآخر يقول لك إن كل أطفال المدارس هم عباقرة من نوع ما، وثالث يوهمك باكتشافات أثرية غيرت كل ما كان معروفًا من تاريخ الكتب المقدسة، ورابع يزعم أن الطبعة الجديدة هي الطبعة الوحيدة المحققة على عدة نسخ خطية عثر عليها مؤخرًا. إلى آخر تلك السماجة التجارية. ويتكشف لأولي العلم أن التحقيق المزعوم قد سبقه قبل عقود تحقيق معروف ومنشور ومتداول.

ومن العجائب في دنيا المقروءات أنك تجد المؤلف يموت فيتبارى القوم في الكشف عما لم يُنشر في حياته، وتمتلئ الصحف السيارة بعناوين من قبيل: «مسرحية مجهولة لشوقي» و«قصة لم يسبق نشرها لتوفيق الحكيم» و«ما لم ينشر من أحلام فترة النقاهة لنجيب محفوظ» و«الجزء المفقود من كتاب....»، وهكذا يجد القارئ نفسه يلهث لكي يستكمل معلوماته أو ليكمل مقتنياته من عزيز المطبوعات. ويقتنص الناشرون الفرصة فيؤكدون على عبارة «الطبعة الوحيدة الكاملة مع استدراكات ما فات الطبعات السابقة».

ومنهم من يصدر الغلاف بعبارة: «بتحقيق فلان بن فلان»، هكذا دونما توضيح أو تعريف، وكأن هذا (الفلان) أغنى عن التعريف من أبي حامد الغزالي! ومنهم من يبرع في التدليس فيختار للمحقق المزعوم لقبًا يحاكي ألقاب أهل العلم في عصر هارون الرشيد؛ فتجد في أيامنا من يسمي نفسه «فلان بن فلان الحنبلي البغدادي المولد نزيل دمشق». وقرأت مرة عمن لقب نفسه بـ«أعلم أهل الدلتا بالنحو والصرف». وكم ذا في دنيا الكتابة والنشر من المضحكات.

استعباط الجمهور

من عناوين الكتب المفرطة في الاستغباء: «تعلم اللاتينية في أسبوع» و«اللغة الإيطالية بدون معلم» و«كيف تتحدث اليونانية بطلاقة في 3 أيام» و«كيف تصبح مليونيرًا» و«طريقك إلى الشهرة والنفوذ». ومن هذه النوعية من الكتب عشرات الإصدارات بعناوين من نحو: «كيف تصبح أديبًا» و«الطريق إلى العبقرية» و«كيف تكسب المال بدون تعب». ومازالت مشاكل العالم كما هي، ومازال الناشرون يطبعون أطنانًا من تلك النوعية من الكتب.

مصادرة يتمناها الكاتب

تولد الكتب في بلادنا ميتة، فإذا صودرت دبّت فيها الحياة. فكم من مطبوعات قرأناها لا لسبب سوى أنها أثيرت حولها مساجلات في الإعلام. وكم من كتب قرأناها لا لسبب سوى أنها كتب كانت قد صودرت يومًا من قِبل سلطات ما في بلد ما، دون النظر إلى جدواها أو مضمونها. وكم يتلهف الناس على الكتاب إذا سيق مؤلفه إلى المحكمة أو حتى السجن وربما المشنقة. في هذا السياق قُرئت كتب تسليمة نسرين وسلمان رشدي ومن قبلهم جوستاف فلوبير صاحب «مدام بوفاري»، ومن القدامى الحلّاج صاحب الطواسين.

يتمنى الكاتب لو صودر له كتاب. فالمصادرة هي الباب الذهبي إلى الشهرة والذيوع ومن ثم زيادة المبيعات. وعرفت مؤلفًا أذاع كذبًا أن السلطات قد صادرت كتابه، هذا في الوقت الذي تكدست نسخ كتابه في المعارض لا تجد من يعبأ بها؛ لأنه كتاب عاطل من أي علم أو فن أو رأي.

وكما أن هناك من يكتب بالمواصفات التي تزكيه لدى لجان الجوائز فإن هناك من يكتب بمواصفات تجعله في مواجهة متعمدة مع سلطات المصادرة. وعلى الجانب الآخر اشتهر ناشرون بتشجيع الأعمال المثيرة للجدل، والجالبة للمزيد من الأرباح.

وقبل نحو ستة عقود أراد أحدهم أن يطبع باكورة كتاباته، فاستدان ثلاثين جنيهًا، وضمها إلى راتبه الشهري، ثم راح يلتمس مطبعة تقبل بطبع الكتاب. ثم حان وقت التوزيع، ولم يكن من الميسور أن تقبل شركة للتوزيع كتابًا مغمورًا، لكاتب ينشر كتابه الأول، وبما لا يزيد عن ألف وخمسمائة نسخة!!

ولما قبلت شركة للتوزيع التعامل مع المؤلف الناشئ، برزت الحاجة إلى الإعلان عن الكتاب والدعاية له. فتبرع صديقٌ له بثمن إعلان في صحيفة. كان الإعلان «لا يوصف بصغر الحجم؛ لأنه لم يكن له حجم على الإطلاق.. ونُشر الإعلان، وكأنه لم ينشر». ولم يشعر أحد في البلاد بصدور الكتاب، إلا المؤلف وصاحب المطبعة.

فلجأ الرجل إلى حيلة قديمة من حيل برنارد شو، الذي كان يؤلف الكتب ويدبج المقالات حينًا من الدهر، فلا يلتفت إليه أحدٌ قط. فهداه التفكير إلى أن يكتب المقالات بتوقيعه الحقيقي، ثم يتبعها بمقالات - باسم مستعار- يسبّ فيها ويسخر من هذا المدعو «برنارد شو» المارق السفيه الذي يعرض حياة المجتمع للخطر الداهم.

استعار صاحبنا تلك الفكرة من برنارد شو، فاختار من أصفيائه طالبًا في دار العلوم، وشرح له كيف أن كتابه راكدٌ لدى الموزعين، «لا يتحرك بين أيدي الباعة ولا تقع عليه العين في زحام الحياة». وكان هذا الطالب مهيئًا لأن يكتب مقالاً في نقد الكتاب، لا يترك كلمة وقحة إلا أقحمها عليه.

لقد فهم الطالب المهمة المنشودة، فراح يستعرض قدراته في توظيف قاموس الهجاء والسباب والشتائم. وأدى المهمة بامتياز، وراح يكيل القسوة في نقده المصطنع، فاستدعى كل ما يحفظ من وقاحات، وزركش بها مقالته، التي برزت للناس بعنوان: «كتاب أثيم، لعالم ضالّ».

وما إن نُشر المقال، حتى انهالت المقالات كالمطر، تهاجم الأستاذ الذي صار فيما بعد مشهورًا غاية الشهرة. وأغلب مَن كتبوا عنه لم يقرؤوا كتابه، وإنما قرؤوا مقالة الهجاء فقط، فأعادوا إنتاجها. ثم جاءت (البُشرى) بأن الشرطة تجمع نسخ الكتاب من الأسواق. ودارت الأيام، واشْتُهِر الكتاب، وطبع منه طبعات عدة؛ ومازال يعاد طبعه حى يومنا هذا. أجل! تولد الكتب في بلادنا ميتة، فإذا صودرت دبت فيها الحياة.

حيلة «برنارد شو» تبدو اليوم ظريفة و- ربما- مقبولة، وبخاصة إذا عرفنا أن بعض (النكرات) قد طوروا طريقته إلى اختلاق مزاعم بتلقي (تهديدات بالقتل من مجهول عبر الإنترنت). وللناس فيما يخترعون من الإفك مذاهب. إن السواد الأعظم من الناس لا يملكون الوقت ولا القدرة على اكتشاف الخداع أو تتبع الأكاذيب عبر السنين.

وتظل بعضُ الكتب لعنةً تطارد كاتبيها وناشريها أبد الدهر، أو قل إن من الكتب ما يبقى «خطيئة جارية» إن جاز التعبير. وكم من مؤلف تتمنى نفسه أن يبيد بيده ما كان قد كتبه بيده ذات يوم. وكم حدثنا التاريخ البعيد والقريب عن مؤلفين أحرقوا مؤلفاتهم أو أوصوا بحرقها أو بعدم قراءتها أو أوصوا بعدم نشرها. ومن المؤلفين من مات ولم يعرف الناس شيئًا عن معظم ما كتبوا.

وهكذا يبوء الكاتب بالإثم، ويفوز القارىء بالمغنم في كل حال؛ فإما أن يستفيد خيرًا يحمد الله عليه، أو يتكشف له خَبث يتنزه عنه.

في النهاية .

للكتب سُحر خاص .. لغة أخرى هي لغة الأقتناء ناهيك عن جمّال القراءة في كتابَ مميز أو نادر
أذكر أن والدي كان يفخر على أصدقائه بأنه الوحيد من بينهم الذي يملك مجموعه سير أعلام النبلاء كاملة بـ طبعُه قديمة .
وأيضا أخر من أصدقائه يملك كتاب الروح لأبن القيم طبعة 1867 م قديمة .. حتى أنها مكتوبة بالألة الكاتبة .. وبعض الكلمات معدلة بخط اليد .
.. لست أعلم ما سُرهم لكنهم يرون أن الكتب هي حياتهم وعشقهم الخاص .. وأنا أيضاً ، أرى أن الأدب هو عشيقتي والكتابة هي زوجّتي !


شُكراً