الثلاثاء، 28 أغسطس 2012

هابرمآس



يورغن هآبرمس 1345210849251.jpg



تعريف :


يورغن هابرماس فيلسوف وعالم اجتماع ألماني معاصر يعتبر من أهم علماء الاجتماع والسياسة في عالمنا المعاصر. ولد في دوسلدورف، ألمانيا وما زال يعيش بألمانيا.يعد من أهم منظري مدرسة فرانكفورت النقدية له ازيد من خمسين مؤلفا يثحدث عن مواضيع عديدة في الفلسفة وعلم الاجتماع وهو صاحب نظرية الفعل التواصلي.
وصل يورغن هابرماس إلى درجة من الشهرة والتأثير العالمي لم ينجح الرعيل الأول من ممثلي النظرية النقدية الاجتماعية والمعروفة في حقل الفلسفة المعاصرة بمدرسة فرانكفورت في الوصول إليها. فعلى الرغم من الثقل العلمي لأفكار الجيل الأول (هوركهيمر، أدورنو، ماركوزه، إريك فروم…)، إلا أن هابرماس هو الفيلسوف الوحيد الذي فرض نفسه على المشهد السياسي والثقافي في ألمانيا كـ"فيلسوف الجمهورية الألمانية الجديدة" وفقاً لتعبير وزير الخارجية الألماني يوشكا فيشر، وذلك منذ أكثر من خمسين عاماً.
انه بالفعل يعتبر الوريث الرئيسي المعاصر لتركة مدرسة فرانكفورت كما يعبر عن ذلك ايان كريب، وعلى الرغم من أن هناك افكارمشتركة واضحة بينه وبين أسلافه، فإنه نحا بهذه المدرسة منحى مختلفاً. واذا كان ما يجمع أعمال أدورنو وهوركهايمر وما ركوزه الاهتمام الشديد بحرية الإنسان مهما بعدت إمكانية وجود تلك الحرية عن أرض الواقع، فإن هابرماس أقل حماسا في هذا الجانب رغم وجوده.إنه يتحرر من التذبذب بين التفاؤل والتشاؤم ويركز جل تفكيره بدلاً من ذلك على تحليل الفعل والبنى الاجتماعية، ولا جدال في انتماء هابرماس إلى اليسار، إلا أنه، وربما بشكل غير متوقع ينتقد التقاليد الفكرية التي تنتمي إليها، الأمر الذي اتنهى به إلى النأي بنفسه عن الحركة الطلابية التي ظهرت في الستينات. ويمكن النظر إليه، أولا، باعتباره متماسكا بتصور يزاوج بين البنية والفعل في نظرية كلية واحدة.وثانيا، بوصفه مدافعاً عن مشروع الحداثة، بالأخص عن فكرتي العقل والاخلاق الكليين.أما حجته في ذلك فهي أن مشروع الحداثة لم يفشل بل بالأحرى لم يتجسد ابداً ،ولذا، فالحداثة لم تنته بعد. ويظهر أن هذا الموقف يضعه في اتجاه معارض تماماً مع أسلافه بالنظر إلى موقفهم من نقد عقل التنوير، إلا أن موقفه يتضمن الإصرار على جدل التنوير، أي أن عملية التنوير لها جانبان: يتضمن أحدهما فكر البناء الهرمي والاستبعاد، في حين يحمل الجانب الآخر إمكانية إقامة مجتمع حر يسعد به الجميع على الأقل.إن نظرية ما بعد الحداثة تفتقد حسب هابرماس إلى هذا العنصر الأخير.
ا أما المصالح المعرفية فتعني عند هابرماس أننا دائما نطور المعرفة لغرض معين، وتحقيق ذلك الغرض هو أساس مصلحتنا في تلك المعرفة، والمصالح التي يناقشها هابرماس هي مصالح مشتركة بين الناس جميعاً، بحكم أننا أعضاء في المجتمع الإنساني، فيذهب هابرماس إلى أن العمل ليس وحده ما يميز البشر عن الحيوانات، بل واللغة أيضاً، فالعمل يؤدي إلى ظهور المصلحة التقنية، وهي المتمثلة في السيطرة على العمليات الطبيعية واستغلالها لمصلحتنا. وتؤدي اللغة، وهي الوسيلة الأخرى التي يحوّل بواسطتها البشر بيئتهم إلى ظهور ما يدعوه هابرماس "المصلحة العملية" وهذه بدورها تؤدي إلى ظهور العلوم التأويلية. ويذهب هابرماس إلى أن المصلحة العملية تفضي إلى نوع ثالث من المصلحة وهي مصلحة الانعتاق والتحرر، وهذه الأخيرة تسعى لتخليص التفاعل والتواصل في العناصر التي تشوههاعن طريق إصلاحها ومصلحة الانعتاق والتحرر تؤدي إلى ظهور العلوم النقدية.
يتوجه هابرماس في أعماله الأخيرة وبخاصة في" نظرية فعل التواصل" (1984-1987) إلى فلسفة اللغة ابتغاء توسيع أساس التظرية النقدية وقد قدم أطروحة صعبة سنجملها في مراحل ثلاث:
1- المرحلة الأولى: يدعو إلى ضرورة التحررمما يدعوه "بفلسفة الوعي" التي يعني بها الفلسفة التي ترى العلاقة بين اللغة والفعل كالعلاقة بين الذات والموضوع (أي التحرر من منظومة الفكر التجريبي).
2- المرحلة الثانية: يمكن أن يتخذ الفعل صورتين، الفعل الاستراتيجي وفعل التواصل. الأول يتضمن الفعل الغائي العقلاني، في حين أن فعل التواصل هو ذلك الفعل الذي يرمي للوصول إلى الفهم.
3- يترتب على فعل التواصل الأولية عدة أمور:
أولاً، العقلانية بهذا المعنى ليس مثالا نقتنصه من السماء، بل هو موجود في لغتنا ذاتها، إن هذه العقلانية تستلزم نسقاً اجتماعياً ديمقراطياً لا يستبعد أحداً.
ثانياً، ثمة نظام أخلاقي ضمني يحاول هابرماس الكشف عنه، وهو الأخلاق الكلية الذي لا يتوجه إلى تحليل مضمون المعايير بقدر توجهه إلى طريقة التوصل إليها، والتوصل إليها -حسب هابرماس- يكون عبر نقاش حر عقلاني.
ويمكن ملاحظة أن مناقشة هابرماس للرأسمالية الحديثة تفتقد للحماس الذي اتسمت به أعمال الرعيل الأول لمدرسة فرانكفورت. فهابرماس يرى في الرأسمالية، أساساً، مرحلة يمكن أن تنحرف فتؤدي إلى كارثة، لكنها عنده ليست شراً مستطيراً. ولقد ركز شأن الرعيل الأول على ظاهرة الهيمنة التقنية والعقل الأداتي السائد في هذا النظام. وحول ماركس يرى هابرماس أن الجزء المبدع لأعماله أصبح مدفوناً تحت خرسانة النزعة الأداتية والوصفية. ويرى هابرماس أن مسؤولية ذلك على عاتق ماركس نفسه، وعلى تركيزه تركيزاً شديداً على العمل باعتباره الخاصية المميزة للبشر.
لقد وجهت لهابرماس مجموعة انتقادات أهمها اثنان:
1- لم يثبت ولا يستطيع أن يثبت أولوية فعل التواصل على الفعل الاستراتيجي.
2 – مرتبط بالنقد الأول، أن أطروحته حول الانعتاق والتحرر لم تثبت، ليس هذا فقط، بل إن محاولة إقامة النقد على التفرقة بين النقد والحياة اليومية تقوض وضع التحرر الذي يزعمه والمشكوك فيه أصلاً. وبذلك يظهر أن مشروع هابرماس يعاني بمجمله من تناقض في الأهداف، فإن أخذنا مشروعه الأكبر بأوضح معانيه، فسيظهر أن محاولة تأمين أولوية التواصل في فلسفة اللغة، تجهضها تلك التفرقة التي يقيمها بين النسق والحياة اليومية. وهكذا إن إعطاء الأولوية لطرف على آخر في معادلة الفعل أو البنية تقوض النظرية من عروشها.
وإذ أقدم هذه الترجمة لهابرماس أشعر بثقل المهمة لصعوبة أبجديات الفلسفة التي يطرحها، بالإضافة إلى المصطلحات التي صكّها والتي تحتاج منّا وضعها في سياقاتها التي أرادها لها صائغها. إنني أعتبر هابرماس نموذجاً للمثقف الديناميكي الذي يتفاعل مع حركة المجتمع والتاريخ، إيمانا منه أن النظرية تحتاج دائماً إلى أن تدلل على نفسها كلما حاولت أن تطبق نفسها في ميدان أو آخر.

رأي شخصي :

خطر لي تقديم بعض رموز التيارات النظرية والفلسفية المعاصرة، وبيان أوجه من النقاشات المستعرة في المركز الكوني حول مستقبل الاجتماع البشري، خاصة تلك التي تنظر في إمكانية التحول الاجتماعي، منافسة للشجرة الماركسية أو معضدة لها، تنويعاً و تطويراً. ليس في سبيل البحث عن "أصولية" ماركسية، ولكن بغرض تقصي علوم "التحرير" في عالمنا المعاصر بالتضاد مع عقيدة الجمود الرأسمالية باسم "نهاية التاريخ"، وهي عبارة آيديولوجية قحة اتخذت شارة الحق في الدعاية الليبرالية الجديدة تدليساً. أول من اخترت منقذ مشروع الحداثة غزير الإنتاج: يورغن هابرماس.
يعتبر يورغن هابرماس (مواليد 1929م) من أبرز الفلاسفة الألمان المعاصرين، كما يعتبر وريثاً لمدرسة فرانكفورت (ماكس هوركهايمر، ثيودور أدورنو، هربرت ماركيوز، وآخرون). تركز أعماله بالدرجة الأولى على عملية نشوء وتحول (الرأي العام)، بجانب كيفيات وإشكاليات تكوين الأفكار، وفي المحصلة كيفية تخلق (الحوار العقلاني) في المجتمعات الحديثة المتقدمة. بهذا المنظور يمكن اعتبار هابرماس أحد أهم المنافحين المعاصرين عن مشروع (التنوير) الأوروبي. من جهة أخرى يمكن قراءة أعمال هابرماس باعتبارها محاولة لتطوير منهج توليفي في الماركسية أو (النيوماركسية) المعاصرة يستقي من مصادر متعددة، في هذا السياق يمكن إدراك تشديد هابرماس المتكرر على مفاهيم (التشبيك) و(الحوار). من ناحية تطبيقية كان لأفكاره وقع فعال على الكثير من الحركات الاجتماعية في العالم المعاصر، بالدرجة الأولى في أوروبا. من ثم، إذا كان من تصنيف لأعمال هابرماس فهي تتوزع بين ثلاثة قضايا محورية: ركائز النظرية الاجتماعية ونظرية المعرفة؛ تحليل المجتمع الرأسمالي المتقدم؛ الديموقراطية وحكم القانون في محتوى التطور والترقي الاجتماعي.
بجانب اندراج أفكاره ضمن ما يعرف باسم (النظرية النقدية) يمثل فكر هابرماس هيكل تكاملي للفلسفة والنظرية الاجتماعية حيث ينهل من تراث إيمانويل كانط، وفريدريش شيلنغ، وفريدريش هيغل، وفيلهلم ديلثي، وادموند هوسرل، وهانز جورج غادامر، بالإضافة إلى اعتماده الجزئي على كارل ماركس والمدارس النيوماركسية، وإدماجه كل هذا في سياق نظريات علم الاجتماع بخاصة أعمال ماكس فيبر، وإميل دوركهايم، وجورج هربرت ميد، بالتشبيك مع نظريات الفلسفة اللغوية، في المقام الأول لودفيغ فيتغنشتاين، وجون ل. أوستن، وجون ر. سيرل، وكذلك التراث البراغماتي الأميركي: شارلز س. بيرس، وجون ديوي، وتالكوت بارسونز. أوضح هابرماس في عمله المبكر (التحول الهيكلي في المجال العام) أن التصور البرجوازي للديموقراطية ما هو إلا ترجمة لعلاقات البيع والشراء في عالم السياسة، شارحاً أنه، كما في السوق، تنشأ بالضرورة تحت هذه الشروط احتكارات للرأي تحت سيطرة الفئات المهيمنة. في مؤلفه (المعرفة والمنفعة البشرية) ميز هابرماس بين المنافع التقنية التي تدفع البحث الامبريقي التحليلي، وبين المنافع العملية التي تدفع العلوم الانسانية والتي اعتبرها مناط (العقل الاتصالي)، كما فرز مجالاً ثالثاً لمنافع التحرير التي تدفع البحث الفلسفي المختص بكشف ميكانيزمات عرقلة تكون (الإجماع) المضاد أو المعارض بواسطة قوى مختلفة اجتماعية كانت أم نفسية. هابرماس نفسه يعتبر أن انجازه الفكري الأساسي هو تطوير مفهوم ونظرية (العقل الاتصالي) التي تتميز عن التراث العقلاني الأوروبي بموضعة العقلانية في هيكل الاتصال اللغوي بين الأفراد، وليس في هيكل كوني الفاعل فيه هو الإنسان العارف. بهذه القراءة يحسب هابرماس نفسه في صف تراث كانط والتنوير الأوروبي عموماً، وعلى مستوى آخر في صف الاشتراكية الديموقراطية، إذا جاز التعبير، وذلك بتركيزه على إمكانية (تحول) العالم والوصول إلى مجتمع أكثر انسانية وعدلاً ومساواة عبر تحقيق الإمكانيات العقلانية للبشرية. كان هابرماس تلميذاً لكل من ثيودور أدورنو وماكس هوركهايمر، فهو من الجيل الثاني في مدرسة فرانكفورت، لكنه يفارقهما بقطيعته مع الموقف الفلسفي المضاد للتراث الغربي والمضاد للعقلانية الغربية الذي انتهجه الأولون من مدرسة فرانكفورت متخذاً موقفاً بنائياً في تقييمه النقدي للمؤسسات والعقلانية الغربية. في مؤلفه الأساسي (نظرية الفعل الاتصالي) يجادل هابرماس منظري العقلانية وعلماء الاجتماع الكبار بمواجهته الفكرة التقليدية القائلة بالعقل الموضوعي الادراكي الأداتي (الوظيفي) بمقدرات عقلانية أخرى تقوم بمهام ذاتية وبين – ذاتية في النسيج الخصب للتفاعل الاجتماعي، ومنها يخلص إلى تطوير مجال نظري جديد تحت مفهوم (أخلاقيات الخطاب). في مباحثه حول أعمال كارل ماركس يشدد هابرماس على جانب (الأنسنة)، وينطلق منه للاشتغال بالشد والجذب الهيغلي بين النظرية والتطبيق في الفلسفة، مع الدفاع الأكيد عن التصور الكانطي للعقلانية في وجه التفكيك الناقد لمفكري ما بعد الحداثة. لذا تأتي الإشارة إلى هابرماس عادة في سياق النقاش المستعر حول أطروحات ما بعد الحداثة وذلك بالاقتران مع فوكو وليوتار وغادامر، لكن النقاش يبدو في أحيان كثيرة إعادة صياغة وتجديد للمقارعة بين كانط وهيغل، حيث يتخذ هابرماس جانب عقلانية كانط بالتزامه الواثق نحو تراث العقلانية والأخلاق، وفي مركز هذا المشروع مفاهيم كانط حول (العقلانية) و(المشروعية الكونية). وبذا يحاول العودة بماركس إلى ما يعتبره استراتيجية الأخير (الأصيلة) عن طريق إعادة بناء مفهومي كانظ المركزيين وتنقية التراث النقدي من (الصفوية). من هنا يأتي انشغال هابرماس باعادة الاعتبار لأعمال اجتماعية فسلفية طالها نقد مبرح: ماكس فيبر، فيلهلم ديلثي، جورج لوكاش، سيغموند فرويد، ومن المعاصرين جان بياجيه، وشتيفن تولمين. على هذا الأساس عادة ما يصدر النقد الروتيني لأعمال هابرماس من جهة مفكري ما بعد الحداثة، وما بعد البنيوية، وكذلك الحركة الأنثوية. ولعل أقسى حكم صدر ضده كان حكم إدوارد سعيد الذي اعتبر هابرماس ناطقاً باسم الموقف الفلسفي المعارض للسياسة، أو المتجاوز لها بمعنى الحياد.
هابرماس والمجال العام
أكثر بحوث هابرماس اكتمالاً في شأن المجال العام هي مؤلفه (التحول الهيكلي في المجال العام)، كما يعود إيماءاً إلى ذات النقاش في الجزء الثاني من (نظرية الفعل الاتصالي). يميز هابرماس بين ما يدعوه (العالم الحياتي) وبين (النظام). مع أن هذا التمييز يمكن مقارنته بالتقابل بين (المجال الخاص) و(المجال العام) إلا أنهما لا يتماثلان. من جهة يخضع العقل في العالم الحديث لجملة إملاءات تقوم بوظيفتها بحسب عقلانية الغاية والوسيلة، ومثال ذلك النموذجي السوق. ومن جهة أخرى تخضع الأفعال البشرية لإملاء القيم والمثل التي يتم تمريرها عبر الاتصال البشري ويتم تبنيها اجتماعياً لتشكل نسيج العالم الحياتي.

هابرماس ونظرية الاتصال

مساهمة هابرماس الأبرز في (نظرية الاتصال) هي تطوير الجهاز النظري التفصيلي الذي جاء وصفه في الجزء الثاني من (نظرية الفعل الاتصالي). تشغل (القوة) موقعاً مفتاحياً في تصور هابرماس للعقل الاتصالي، وبالاستناد إلى ذلك يحاول مقاربة القضايا التالية: مفهوم ذو معنى للعقل الاتصالي؛ مفهوم للنظام الاجتماعي؛ نظرية ملائمة للعقلانية؛ تشخيص المجتمع الحاضر. يعرف هابرماس (العقل الاتصالي) بأنه عملية دائرية للفاعل فيها دوران: الفاعل المدشن المتحكم في مواقفه عبر فعالية هو عنها مسؤول؛ والمفعول به المتأثر بالإزاحات من حوله باعتباره نتاج مجموعات ينتمي إليها ويتوقف تماسكها الاجتماعي على خاصة التضامن الجمعي، وباعتباره خاضع لعمليات الإدماج الاجتماعي التي من خلالها نشأ وفيها ترعرع. ولعل ما ينتهي إليه المبحث هو وجود لحظة (عقلانية اتصالية) غير قابلة للاهلاك في صلب التشكيل الاجتماعي لحياة الإنسان.

هابرماس والنظرية النقدية
يبدو أن هابرماس هو المنظر الحاضر الوحيد صاحب الاستعداد للدفاع عن تراث الحداثة الأوروبية، فهو المنافح الأول عن التراث العقلاني للتنوير، رغم أنه تلميذ أدورنو الذي أعمل في هذا التراث آلة الشك. هابرماس يعتقد بوجود فرصة دائمة لإنقاذ ما في التنوير من عقلانية، فهو يرى أن ما أنجزه فلاسفة القرن الثامن عشر هو محاولة رائدة منهم لتطوير العلم الموضوعي، والأخلاق الكونية، والقانون الكوني، والفن المستقل، وذلك بحسب المنطق الداخلي لكل من هذه المجالات، بمعنى آخر حسب عبارة هابرماس: حاولت هذه الجماعة من مفكري الحداثة الأبكار ترتيب الحياة الاجتماعية اليومية عقلانياً. مع مساهمته في بيان ميكانيزمات الهيمنة في المجتمع الحديث يتمسك هابرماس بالتقليد الفلسفي الكلاسيكي وعقلانية التنوير. بذل هابرماس جهداً مكثفاً في تقصي فكر التنوير وتراثه من خلال تحليل نقدي لواقعه وتاريخانيته، وأمراضه، وفرصه المستقبلية. عليه، يقف هابرماس تقريباً وحيداً في معارضة التيار الغالب في الفكر الفلسفي المعاصر: أتباع نيتشه الجدد من مفكري ما بعد الحداثة وما بعد البنيوية. عند هؤلاء التنوير محض حكاية كبرى للتقدم والحرية مكانها المناسب سلة القمامة الفكرية، لا تجدي معها محاولات الإنقاذ، ولا بد للعقلانية الأوروبية أن تعلن إفلاسها. أما هابرماس فيعتبر أن الانتقادات الموجهة لمشروع التنوير من هذا المعسكر لا تقف على أية ارضية يعتد بها و فاقدة الحس بالإتجاه، وربما (عدمية). في سياق حوار لم يدم طويلاً مع ميشيل فوكو إتهم هابرماس الأخير باللاعقلانية ما دام قد أعجزه شرح المقاييس التي يعتبرها هابرماس ضمنية في أي إدانه للحاضر. يدافع هابرماس بشدة عن مشروعه إعادة بناء تقليد التنوير الحديث، ضد نقاد الحداثة الذين يعتبرهم من أعداء الحداثة لما في وجهات نظرهم من تضمينات رجعية. افتراض هابرماس أن هنالك امكانية لاستعادة مشروع الحداثة وعلى هذا الأساس يحتج على تشخيص هوركهايمر، وأدورنو، ونيتشه، وهايدغر، وفوكو، وديريدا. أما وسيلته إلى إعادة بناء الحداثة فتتمثل في نظريته (العقل الاتصالي). المهمة التي تواجه هابرماس في هذا الخصوص هي التفوق على تشاؤم الحداثة المتأخرة الذي انغمس فيه رواد مدرسة فرانكفورت (هوركهايمر وأدورنو) بتجاوز محنة العقل المتمحور حول الذات من خلال نموذج (العقل الاتصالي). بحسب هابرماس يكمن الأساس المشترك للاعتقاد في مستقبل الإنسان في الهياكل المشتركة لأخلاقيات الخطاب، وليس في العقل البحت.
في نظريته النقدية يميز هابرماس بين ثلاثة مجالات للمعرفة، لكل منها منهج خاص ومقياس خاص للمشروعية، وهي بدروها تستجيب لثلاثة أوجه للمنفعة البشرية ذات الأصل المستقر في الوجود الاجتماعي: العمل، والتفاعل (الاجتماعي)، والقوة.
(1) معارف العمل: العمل على وجه العموم هو طرائق التحكم في، واستغلال البيئة المحيطة، وهو ما يعرف عادة بالفعل الأداتي (الوظيفي). معارف العمل تقوم على البحث الامبريقي – التحليلي، وتتحكم فيها قواعد فنية، أما مقياس العمل الملائم فهو فعالية التحكم في الواقع. تستند العلوم الامبريقية – التحليلية في أدائها على نظريات تعتمد نسق الفرضية والاستنتاج. على هذا الأساس فإن جميع العلوم الطبيعية البحثية من شاكلة الكيمياء والفيزياء والأحياء تعتبر بحسب تصنيف هابرماس ضمن معارف العمل.
(2) معارف الفعل: مجال الفعل عند هابرماس هو التفاعل الاجتماعي أو (الفعل الاتصالي). بذا تستند العلوم الاجتماعية في مشروعيتها على المثل المتعارف عليها اجتماعياً والتي تحدد بدورها ما هو متوقع من سلوك فردي واجتماعي. مع أنه يمكن تقصي ارتباطات ما بين المثل الاجتماعية وبين الفرضيات الامبريقية – التحليلية إلا أن مشروعية المثل الاجتماعية محلها التفاهم بين الذوات وصولاً إلى تفهم متبادل لمقاصد كل طرف. المقياس المعتمد في هذا المجال من المعرفة هو عملية توضيح الشروط الملائمة للاتصال والتفاعل بين الذوات من حيث المعنى وليس علاقة السببية، وذلك لتحديد ما هو الفعل الملائم. على هذا الأساس يعتبر هابرماس كل العلوم التاريخية – الهرمنطيقية ضمن هذا المجال من المعرفة، على سبيل المثال: العلوم الاجتماعية الوصفية، التاريخ، علم الجمال، القانون، والاثنوغرافيا.
(3) معارف التحرير: مجال التحرير يشمل اجتهاد الذات معرفة نفسها، أو التأمل في الذات. أما مدخل المنفعة إلى هذا المجال فيتمثل في صياغة التاريخ والسيرة بما يوافق الرؤى الذاتية والتوقعات الاجتماعية. التحرير مطلوب إذن من القوى المؤسسية والبيئية والجنسية التي تحد من خيارات الإنسان، ومن التحكم العقلاني في الحياة، والتي يؤخذ بها باعتبارها أمراً واقعاً لا يقوى الانسان الفكاك منه، وواقعة خارج دائرة تحكمه. على هذا الأساس فإن البصيرة المستمدة من الوعي النقدي تعتبر تحريرية بما أنها تسمح بالتعرف على الأسباب الصحيحة والحقيقية لما يواجه الإنسان من مشاكل. معارف التحرير تتأتى من خلال التحرير الذاتي الناتج عن التأمل والذي يفضي إلى (تحول الوعي) أو(تحول المنظور). أمثلة هذا النمط من المعرفة عند هابرماس هي نظريات الأنثوية، والتحليل النفسي، ونقد الآيديولوجيا. يكمن وجه الشبه بين نظرية هابرماس النقدية وبين مشروع ماركس في اتفاق هابرماس مع ماركس على ضرورة الوعي بالتشويه الآيديولوجي للواقع، وضرورة الوعي بالعوامل التي تغذي الوعي الكاذب الذي ما هو إلا انعكاس لمصالح القوى المهيمنة. من هذا الباب يقترب مفهوم (تحول المنظور) أو (تحول الوعي) لدى هابرماس من مفهوم (الوعي) لدى ماركس، وكذلك من مفهوم الوعي (الناجز) المصاحب للبحث العلمي على إطلاقه، من حيث التأكيد على ضرورة التحرر من الآيديولوجيات الجنسية والعرقية والدينية والتربوية والمهنية والسياسية والاقتصادية والتقنية التي تعزز العلاقة الاعتمادية مع القوى المهيمنة. أما وجه الاختلاف فيتمثل في أن (تحول الوعي) عند ماركس يفضي إلى شكل من أشكال الفعل قابل للتوقع، مثلاً التخلص من الملكية الفردية. بالمقارنة، لا ينتج عن (تحول الوعي) لدي هابرماس أي التزام بفعل قابل للتوقع.

أهم الأعمال :

-التحولات البنيوية للأوضاع الاجتماعية

-النظرية والممارسة


-منطق العلوم الاجتماعية


-نحو مجتمع عقلاني


-المعرفة والمصالح البشرية


-التواصل وتطور المجتمع


-الوعي الأخلاقي والفعل التواصلي

-لمحات فلسفية - سياسية


-الخطاب الفلسفي للحداثة


-التبرير والتطبيق


-العقلانية والدين


-مستقبل الطبيعة البشرية


-أوروبا القديمة، أوروبا الجديدة، قلب أوروبا

-الغرب المنقسم

-جدل العلمانية



كتاب يستحق القراءة :

الخطاب الفلسفي للحداثة

http://www.4shared.com/office/5pZ5KH5y/_______.html


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق