الثلاثاء، 28 أغسطس 2012

على نهر بيبدرا جلست فبكيت



نبّذة عن صاحب الرواية :

يستأنف باولو كويلو في روايته "على نهر بييدرا هناك جلست فبكيت" رحلته الخاصة لاستكشاف أعماق النفس البشرية، والغوص في تناقضات الكائن الذي يوضع دائماً أمام الخيارات الشخصية الحاسمة للاضطلاع بمصيره الفردي. رحلة استكشاف الذات بحثاً عن حقائقها الدفينة، وعن اختبارات المشاعر التي تجعلها، على الدوام، عرضة لشقاقات الطمأنينة والقلق، السعادة والشقاء، اليقين والحيرة.
كانت بيلار تظن أنها سعيدة، فقد حصنت نفسها حيال الحياة والأمل والحب. غير أن المصادفة شاءت أن تلتقي أحد أتراب طفولتها؛ واتضح لها أنه حُبِيَ بالقدرة على الشفاء وعلى مخاطبة النفوس.
وإذا اختارت بيلار أن تبقى بجواره لبعض الوقت، عاودتها كلّ الأسئلة التي طالما حسبت أنها صارت طيّ النسيان. وعندما أسرّ إليها بحبّه، راحت تشكّك بجدوى حياتها السابقة، حائرة في أمرها. فهل ترضخ لشغفه بها وتفتح له قلبها، أم تواصل عيشها الخالي من أي رجاء؟ تختار بيلار أن تكون دائماً إلى جانبه، في بذله كلّ ما يملك وكل ما حُبِيَ به من قدرات لخدمة الربّ. ولكن هل يُعطى من نذر نفسه لحبّ الله أن يساكن قلبه حبّ امرأة؟
في هذه الرواية، يحاول كويلو أن يطرح، بعمق، مسألة التعارض الظاهري بين الدروب المختلفة التي قد يسلكها الأفراد لكي تتمّ لهم مصائرهم. لأن رحلة سعيهم على الأرض لا تكون مجدية إذا كانت خالية من الحب.




مدُخل :


هناك جلست فبكيت. تزعم الأسطورة أن كل ما يقع في مياه هذا النهر، من أوراق شجر وحشرات وأرياش وطيور، يستحيل حصى في مجراه. أواه، كم أود أن أنتزع قلبي من صدري وأرمي به في مياهه الجارية... فلا يبقى، إذ ذاك، ألم أو ندم أو ذكريات على نهر بييدرا هناك جلست فبكيت انه برد الشتاء... أشعر بدموعي على وجهي، وقد امتزجت بالمياه الجليدية التي تجري قبالتي. في موضوع ما يلتقي هذا النهر نهراً آخر، إلى أن تندفع كل هذه المياه في موضع ما، بعيداً من ناظري ومن قلبي، لتمازج مياه البحر. فلتجر دموعي، على هذا النحو، بعيداً جداً، فأبداً لا يعلم حبي أني، ذات يوم، بكيت لأجله. لتجر دموعي بعيداً جداً، وعندها سوف أنسى النهر والدير والكنيسة في البيرنيه، والضباب والدروب التي سلكناها سوياً. سوف أنسى طرقات وجبال وحقول أحلامي، وتلك الأحلام التي كانت أحلامي، ولم أعترف بأنها كذلك. أذكر لخطتي السحرية، تلك اللحظة التي فيها "النعم" أو "اللا" من شأنها أن تغير حياتنا كلها، ويخيل إلي أن الأمر جرى منذ زمن بعيد، مع أني منذ أسبوع فقط، عثرت على حبي وفقدته. على ضفاف نهر بييدرا كتبت هذه القصة. كانت يداي مجمدتين، وساقاي المثنيتان يسري بهما خدر، فكان علي أن أتوقف عن الكتابة تكراراً. كان يقول: حاولي فقط أن تعيشي.
فالاستذكار وفق على من هم أكبر سناً. ربما كان الحب هو الذي يجعلنا نشيخ قبل الأوان، ويعيدنا إلى صبانا حين يكون الشباب قد ولّى. ولكن كيف لي ألا أستعيد ذكرى تلك الهمينهات؟ لذلك أكتب، لكي أجعل الحزن حديثاً، والعزلة ذكريات، لكي يتاح لي، فور انتهائي من تدوينها، أن أرمي بها في نهر بييدرا. ألم تقل لي المرأة التي استقبلتني، نقلاً عن عبارة نطقت بها إحدى القديسات، إن من شأن المياه، إذ ذاك أن تخمد ما دونته النيران". باولو كويلو بحسه الصوفي، وبادر إلحاقه التأملية، ينفذ إلى عالم الروحانيات التي ينطلق في شعابها مستلهماً من مكاشفات أهل التصوف وعن إحساسات المتدينين واتجاهاتهم خيالاً بل أفكاراً تتيح له العيش في تجربة وجدانية تعبر به أعماق النفس البشرية انطلاقاً من فكرة المحبة, وهو يقول: بأن حكايته هذه هي غير ما يحاول سرده إذ أننا قلما نلاحظ أننا نحيا في غمرة العجائبي. فالمعجزات تحصل من حولنا وعلامات الرب تنير لنا الدرب، والملائكة تجهد في أن تسمعنا صوتها. لكننا، إذ يستغرقنا ما لقنّاه من أن بلوغ الرب له صيغة وقواعده، لا ندلي ذاك انتباهاً، ولا ندرك أنه موجود حيث ينفسح له في المجال ليدخل فالشعائر الدينية التقليدية لها أهميتها، فهي تجعلنا شركاء الآخرين في التجربة الجمعية للعبادة والصلاة. ولكن علينا أبداً ألا نسى أن التجربة الروحية هي أولاً تجربة حب عملية. وليس في الحب قواعد ويبقى لواحدنا أن يحاول اتباع كتب الإرشادات والتحكم بقلبه، وامتلاك خطة مدروسة لتصرفه. غير أن شيئاً من هذا لن يجديه نفقعاً، فالقلب هو صاحب الأمر، وما يأمر به القلب هو القاعدة. لقد أتيح لنا جميعاً أن نتثبت من ذلك بأنفسنا، ووجدنا أنفسنا في وقت ما، نسرّ لأنفسنا منتجين: "إني أتألم لأجل حب لا يستحق عذابي". وتضنينا العذابات لظننا بأننا نعطي أكثر مما نأخذ ولأن حبنا لا يجزي، ولأننا لا نتمكن من فرض قواعدنا. لكننا نتعذب بلا سبب، لأن في الحب بذرة نمائنا وكلما ازددنا حباً، اقتربنا من التجربة الروحية. فالملهمون حقاً، أولئك الذين اشتعلت قلوبهم بالحب، كانوا يتغلبون على كل الأفكار المسبقة السائدة في عصرهم. كانوا ينشدون يضحكون ويصلون، بأعلى صوتهم، ويرقصون ويتشاركون في ما أسماه القديس بولس "الجنوب المقدس". كانوا مغتبطين لأن من يحب قد هزّ العالم، من دون أن يخشى فقد أي شيء. فالحب الحق هو فعل عطاء تام. وبعد... فإن رواية "على نهر بييدرا هناك جلست فبكيت" تدور حول أهمية هذا العطاء بيلار ورفيقها هما شخصيتان وهميتان، لكنهما يرمزان إلى الصراعات التي لا تحصى، والتي هي قسمتنا في بحثنا عن "الشريك الآخر" عاجلاً أم آجلاً، ينبغي لنا أن نتغلب على مخاوفنا، ما دام الدرب الروحي يسلك في كنف اختبار الحب اليومي... الحياة الروحية ليست سوى الحب... وأن تجب هو أن تتحد عاطفياً بالآخر، وأن تكتشف فيه معنى التواصل الروحي. عسى بكاء بيلار على ضفاف نهر بييدرا أن يقودنا على درب مثل هذا الاتحاد العاطفي. تلك هي فلسفة بالو كويلو التي بإمكان القارئ استشفافها من خلال قراءته المعمقة لما وراء سطور هذه الحكاية فبقدر ما عكست هذه الرواية من شفافية العلاقات الروحية والترابط العاطفي السامي بقدر ما عكست من أفكار باولو التي كان بها متأثراً وكما يقول بالثقافة العربية التي أثارت مخيلته وزرعت في نفسه ومن خلال موروث التصوف العربي وقصصه ذاك الاتجاه الروحاني وذاك البحث المتواصل في عمق النفس الإنسانية.



وصفَ وتحليلَ :

كعادة كويلو فرواياته تدور في فلك الدين، الحب، الحياة الإنسانية، و المعجزات. كويلو يحترم الأديان و تعددها بشكل مُرضٍ، و هذا ما يجعله محبوباً للكثير من قرّائه، و على الرغم من أن أبطال الرواية نصارى و أحداثها تدور حول النصرانية و أتباعها و فلسفاتها الدينية فهو لا يقلل من شأن الأديان الأخرى، و هي في نظره تصبّ في علاقة الإنسان بالله مهما كان شكل الدين و كيف كان مسمّاه. اقرأ مثلاً ما قاله على لسان الراهب “بطل الرواية”: ” كان البوذييون على حق، و الهندوس على حق، و هنود أمريكا على حق، و المسلمون على حق، و اليهود على حق، فإذا اتّبع الإنسان بقل صادق درب الإيمان، أمكنه أن يتّحد بالله و أن يجترح المعجزات.
بيلار؛ بطلة الرواية تذكّرني بنفسي كثيرً، أحببت شخصيتها القوية، الهدف الذي كانت تسعى إليه أو بالأصح كونها وحيدة و فقيرة فقد كانت تحاول الخروج من شرنقة الفقر و وضعت لنفسها هدفاً تسير عليه لتحقق حلمها، من خلال البحث عن عمل، إنكبابها التام على تحقيق أحلامها على الرغم من أنها فتاة تحلم بحياة عادية هادئة و مستقرة. لكنها حينما تلتقي بالراهب “أول حبٍ في حياتها” تقرر الاستغناء عن تلك الأحلام البسيطة لتحقق حلماً أكبر، على الرغم من عِلمها بكمّ الأهوال و المصائب التي تحيط طريقها الجديد، لكنها مؤمنة و مستسلمة لقدرها المكتوب. تخليها عن تلك الأحلام نتيجة المخاوِف التي كانت تحيط ذاتها بها، و لها الحق في ذلك؛ فقد كان من الغباء السير خلف مشاعر غير مستقرّة لا تصلها منه سوى رسائل من بلدان متفرقة كان يزورها الراهب بحثاً عن الدين الحقيقي أو الإله، و المدرسة أو المذهب الصحيح للنصرانية. في طريقه التقى رهابنة و قسّيسّين و خيميائيين تعلم على يدهم و انتهج فيما بعد فلسفة التثليث رغم علمهم بأنّ الله واحد، لكنهم في نفس الوقت يؤمنون أن “مريم العذراء” هي الوجه الأنثوي لله و “عيسى” عليه السلام هو الوجه الذكوري لله، تعالى الله علواً كبيراً.
كويلو فتح أمام عينيّ بعضاً من الحقائق عن النصرانية و مذاهبها؛ و لا أعلم صحّة ما يذكره في الرواية من خطئها و هل وردت كما هي في كتبهم المقدّسة أم هي محاولات فنية للنصوص الدينية. هذا الأمر شجّعني على التزوّد أكثر في مقارنة الأديان و القراءة عن الأديان الأخرى.
الجميل كذلك في رواية كويلو قدرته الفائقة على سرد التفاصيل و شرحها بشكل يجعلك تسافر إلى ذلك المكان الذي تحدث عنه ،
يجعلك تتسأءل أين يقع نهر بييدرا! وصفه للضباب و الماء و النوافير و الدير و حتى الطرق التي يسيرون فيها و انتهاء بالمطاعم و المقاهي التي يجلس فيها الراهب مع بيلار في أسفارهم و تنقلاتهم؛ وصف دقيق للغاية يزرع فيك شوقاً لرؤية تلك الأمكنة، وهو وصف لا يُخِل بالنص بل يساعد على رسم الصور الجمالية و معرفة تفاصيل المكان. تماماً كما يقعل نجيب محفوظ في مصر القديمة من خلال رواياته بكل مافيها من حارات و بيوت و مقاهي على الناصية و الميادين و العمائر.




مقتطفات :

من الذي يشعل نار الحكمة؟ و إلى أين تذهب؟ أدركت أن الإنسان، على مثال تلك الشمعة، يحمل في قلبه النار المقدسة للحظات معينة، و لكنه لا يعرف إطلاقاً أين أشعِلت.

إن الشعائر الدينية التقليدية لها أهميتها؛ فهي تجعلنا شركاء الآخرين في التجربة الجمعية للعبادة و الصلاة. و لكن علينا أبداً ألا ننسى التجربة الروحية هي أولاً تجربة حب عملية. و ليس في الحب قواعد.

"ربما كان الحب هو الذي يجعلنا نشيخ قبل الأوان، و يعيدنا إلى صِبانا حين يكون الشباب قد ولّى."

“كان بإمكاني”: عبارة لن نتوصل يوماً إلى إدراك معناها. لأن هناك أموراً في كل لحظة من حياتنا، كان من شانها أن تحصل، لكنها، في آخر الأمر، لم تحصل.

الحكيم ليس حكيماً إلا لأنه يحب و الأحمق ليس أحمق إلا لأنه يزعم أنه يفهم الحب.

الحب أشبه بمخدّر. في البداية ينتابك إحساس الغبطة، بالاستسلام التام. و في اليوم التالي، تطلب المزيد. لم يصبح إدماناً بعد، لكنك استحسنت إحساسك و تظن أنك قادر على التحكم فيه.

الحقيقة دائماً موجودة حيث يوجد الإيمان.

الله واحد و إن سمّي بألف اسم؛ و لكن ينبغي أن نختار اسماً لكي نخاطبه.

السنوات طويلة عاندت قلبي لأني كنت أخاف من الحزن، من العذاب، من الهجر. و لطالما أدركت أن الحب فوق كل هذا، و من الأفضل أن نموت إذا لم نحب.

لم أعد أريد أن أغرق في ظلمات نفسي، فالسقطة من الطبقة الثالثة تحدث من الأضرار ما تحدثه السقطة من الطبقة المئة، و إذا كان لابدّ لي أن أسقط، فلأسقط من المكان الأعلى.

لأن من يريد أن يكون مختلفاً عليه أن يكابِد المشقّات.

طوبى لمن يستطيعون القيام بالخطوات الأولى.

إنّ أول من أفلح في تسلق أعلى قمة من جبال البيرنيه، قال في سرّه إن الحياة بلا مغامرة هي حياة بلا معنى.

لا تنسى أن الحب يبقى، و الرجال، وحدهم، هم الذين يتغيّرون!


تُم


في النهاية ..
شكًراً لهذا السُتيني الذي يأسر قلوبناُ
كُلما دمُعت ريشتُه على ورقً فتحول إلى فيضان ُينتشل قلوبنا
شكراً أيضاَ للأخت العنود على العودة بُنا لـ مرفأ
كُنا نتزود بهَ من المؤُون والأدب وننُهل منه مالامس قلوبناً .

..
لتحميل الرواية

http://www.4shared.com/office/HAcEthBY/______-__.html

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق