الاثنين، 27 أغسطس 2012

الصوت ..


في الوجود وفي مابعد الوجود هناك كثيراً
ياخالقي من التساؤلات التي تأتيني قبل مناميَ
فأتقلب سويعات كثيرة ، وأحياناً لا أنام !
أنا مصاباً بالأرق ، أو أنا من أصبت الأرق بيَ !
حقاً أريد عقلي يتوقف قليلاً ، أريد أن أعيش بلا هوية
بلا ذاكرة بلا تفكير ، بلا إستنتاج بلا إستقراء .
..
دائماً ماكنت اسأل: الصوت يا إله الكائنات كيف له أن يأتي بالحاجة والترف والموسيقى؟
يأسرني الصوت .. واليوم وأنا أبعثر أوراقي القديمة رأيت كتابة ، وقلت أنها ليست لي ، بل لي ، لا أعرف . ألا وهي "هناك حيث اللاشيء شيء , والشيء روح , والروح نسمة , والنسمة تقاسيم عود ونفخة ناي ".
أشعر بأن حاسة السمع تحتاج دلالاً من نوع خاص , وذوقاً عالياً يتناسب مع تركيبها وما منحها الله من خصائص و وظائف.
فأنا هُنا أحاول أن أقنع نفسي أو أقنع الأخرين بما لدي
فلا تأخذ الأمر بمحمل الجد فهي مجرد فلسفة واقعية
إن شئت أنهل منها وكُن مؤيداً لي أو أتني بفكره أخرى فحقاً لاشيء يستهويني كالقراءة والأدب
والتفكير والتأمل والتدبر في هذا الكون الفسيح وفي عظمةَ وجمال خالَقه .


قرأت فيما قرأت لابن القيم في الروح :
تعلق القلب بالسمع وارتباطه به : أشد من تعلقه بالبصر وارتباطه به . ولهذا يتأثر بما يسمعه من الملذوذات أعظم مما يتأثر بما يراه من المستحسنات . وكذلك في المكروهات سماعاً ورؤية . ولهذا كان الصحيح من القولين : أن حاسة ” السمع أفضل من حاسة ” البصر” لشدة تعلقها بالقلب ,وعظم حاجته إليها وتوقف كماله عليها ووصول العلوم إليه بها ,وتوقف الهدى على سلامتها.

ورجحت طائفة حاسة ” البصر” لكمال مدركها وامتناع الكذب فيه وزوال الريب والشك به ولأنه عين اليقين وغاية مدرك حاسة السمع علم “اليقين” وعين اليقين أفضل وأكمل من علم اليقين ولأن متعلقها رؤية وجه الرب في دار النعيم ولا شيء أعلى وأجل من هذا التعلق.

وحكم ابن تيمية بين الطائفتين حكما حسنا فقال المُدرك بحاسة السمع وأعم وأشمل . والمدرك بحاسة البصر: أتم وأكمل فللسمع العموم والشمول ,والإحاطة بالموجود والمعدوم , والحاضر والغائب, والحسي والمعنوي,وللبصر: التمام والكمال

ليست المفاضلة في نفس الحاستين إذ لا جدوى منه والحاجة إليهما سواء وإنما المفاضلة في المدرك البصري , أو المدرك السمعي, والحق يقال إن المدرك البصري لابد له من مدرك سمعي.
بل إنه يستشهد على باب السُكر بقول موسى:
”ربي أرني أنظر إليك”

:ووجه الاستدلال بإشارة الاية:
أن موسى لما استقر في قلبه وروحه , وسمعه وبصره ,الاستلذاذ بكلام ربه له .فحصل له من سماع ذلك الكلام ,وطيب ذلك الخطاب , ولذة ذلك التكليم جرى على لسانه أن طلب الرؤية له سبحانه في تلك الحال

وقد ذكر الإمام أحمد وغيره:
أن الله سبحانه وتعالى يقول يوم القيامة لداود “مجّدني بذلك الصوت الذي كنت تمجدني به في الدنيا.فيقول يارب, كيف؟ وقد أذهبته المعصية ؟فيقول الله تعالى :أنا أرده عليك.فيقوم عند ساق العرش فيمجده .فإذا سمع أهل الجنة صوته استفرغ نعيم أهل الجنة”
وأعظم من ذلك :إذا سمعوا كلام الرب جل جلاله وخطابه لهم منه إليهم بلا واسطة .وقد ذكر عبدالله بن أحمد في كتاب السنة أثراً في ذلك :كأن الناس يوم القيامة لم يسمعوا القران إذا سمعوه من الرحمن جل جلاله
فهذا صوت لا يلج كل أذن ,وصيب لا تحيا به كل أرض, وعين لا يشرب منها كل وارد ,وسماع لا يطرب عليه كل سامع

قرأت في رسائل إخوان الصفاء وخلان الوفاء(هذا الكتاب لا أنصح به من وجهة نظر شخصية) تحت باب الموسيقى في كيفية إدراك القوة السامعة للأصوات كلاماً ووصفاً أعجبني:
إذ يقولون :
“الهواء لشدة لطافته وخفة جوهره وسرعة حركة أجزائه , يتخلل الأجسام كلها , فإذا صدم جسمٌ جسماً غيره, انسلّ ذلك الهواء من بينهما, وتدافع وتموج إلى جميع الجهات, وحدث من حركته شكل كروي, واتسع كما تتسع القارورة من نفخ الزجاج فيها , وكلما اتسع ذلك الشكل ضعفت حركته وتموجه , إلى أن يسكن ويضمحل . فمن كان حاضراً من الناس بالقرب من ذلك المكان , فبتموج ذلك الهواء بحركته يدخل في أذنه إلى صماخيه في مؤخرة الدماغ, فتحس عند ذلك بالقوة السامعة .

وأعلم أن كل صوت له نغمة وصفية وهيئة , خلاف أي صوت غيره , وأن الهواء يحمل كل صوت بصفاته وهيئته , ويحفظها لئلا يختلط بعضُها ببعض , فتفسد هيئتها , إلى أن يبلغها أقصى مدى إلى مركزها في مقدم الدماغ , وذلك تقدير العزيز الحكيم الذي جعل لكم السمع والأبصار والأفئدة .
وكل جسمين من جوهر واحد , مقدارهما واحد , وشكلهما واحد , نُقرا نقرة واحدة معاً , فإن صوتيهما يكونان متساويين , فإن كان احدهما أجوف , كان صوته أعظم و والأجسام المُلس ,أصواتها ملساء لأن السطوح المشتركة بينها وبين الهواء ملساء , والأجسام الخشنة تكون أصواتها خشنة , لأن السطوح المشتركة بينها وبين الهواء خشنة , والأجسام الصلبة إذا نُقِرت طنت زمناً طويلاً ,والحيوانات الكبيرة الرئات ,الطويلة الحلاقيم , الواسعة المناخر والأشداق , تكون جهيرة الأصوات , لأنها تستنشق هواءً كثيراً وترسله بشدة.


ثم يأتون على ذكر امتزاج الأصوات وتنافرها وتأثر الأمزجة بها:
وأمزجة الأبدان كثيرة الفنون , وطباع الإنسان كثيرة الأنواع , ولكل مزاج وكل طبيعة نغمة تشاكلها ولحنٌ يلائمها .
والأصوات الحادة والغليظة متضادان , ولكن إذا كانت على نسبة تأليفية ائتلفت وامتزجت واتحدت , وصارت لحناً موزوناً , واستلذتها المسامع ,وفرحت بها الأرواح , وسُرّت بها النفوس, وإن كانت على غير النسبة تنافرت وتباينت , ولم تأتلف ولم تستلذها المسامع , بل تنفر عنها وتشمئز منها النفوس , وتكرهها الأرواح”
ثم يفصلون في أصول الألحان وقوانينها, وصناعة الالات وإصلاحها من ذلك أدرجوا باب الموسيقى تحت القسم الرياضي من مجموعتهم.





الصوتُ جغرافيا , الصوت ُوطن , منفى ,
الصوتُ أُمٌ تلهج بالدعاء, مئذنة تصدح بالأذان.
الصوت أنت .. أنفاسك التي يحيأ عليها الكثيرون
الصوت حلماً لامس قلبك .. فبات واقعاً
الصوت بكاء صامت .. لاتفقَهه
الصوت روحاً عذراء لا تُنصت
الصوت ياصوتَي ..
أه
ما أروع خالقك
أيها الصوَت .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق