الاثنين، 3 سبتمبر 2012

زُبيدة جعفر || جيّلنا



قبل البدء


تقول مدام رولان :
" أيتها الحُرية الحبيبة كم من الجرائم الشنيعة تُرتكب بأسمك "



..

كتاب جيلنا هو أحد أهم مؤلفات المناضلة زبيدة جعفر إن لم يكن أهمها على الأطلاق ، فهو يؤرخ لحقبة تاريخية هامة ، عاشتها جنوب إفريقيا
ويكشف الكثير من الأسرار والممارسات البغيضة التي كانت تمارس بحق سكان البلاد الأصليين من السود .
والكتاب صدر بالأنجليزية وظهرت له ترجمة عربية تقع في نحو 390 صفحة من القطع العادي " وقام بالترجمة ربيع وهبة " بدعم من المركز القومي
للترحمة في التابع للمجلس الأعلى للثقافة في القاهرة .

من حيث توصيفه ، فأن كتاب جيلنا يجمع بين السيرة الذاتية والعمل الادبي ، الذي يضيف جديدا إلى فن الرواية والأبداع النثري إلى جانب ذلك
بل بالأحرى قبل كل ذلك يغوص في حياة أمُة
نجحت في إسقاط الظلام ، بشموع النضال .

ومن حيث مضمونه فالكتاب يتضمن مجموعة كبيرة من الحكايات والروايات ، نرى المؤلفة تتوجه بها إلى إبنتها ، روشكا . وفي أفتتاحيتها للكتاب ،
حدثتنا زبيدة جعفر ، عن ألبي ساشيز ، وهو القاضي الذي مثلت أمامه زبيدة في محكمة تاريخية شهيرة عرفت بـ محكمة الحقيقةوالمصالحة . جرت وقائعها عقب إنهيار نظام الفصل العنصري .
ولم يكن المستهدف منها ، إصدار أحكام ضد طغاة النظام البائد ، إنما كان الهدف تضميد الجراح ورفع الروح المعنوية للملايين من المضطهدين السود، وهم سكان البلاد الأصليين والملونين ، وجلهم
من أصول هندية وأسيوية ، لقد روت زبيدة للقاضي حكاياتها ، عن سنوات السجن والتعذيب وإبنتها روشكا التي كادت تفقدها ، وهي مازالت في رحمها ، بعد أن ضُربت بعنف وحقنت ، بمحاليل مؤذية للجنين ، إلا أن مشية الله كانت
أقوى من سموم المحاليل ، سمع القاضي من الأحداث ماتقشعر له الأبدان ، ولما إنتهت ، توجه إليها قائلاً : إذا ماسمحت للذكريات ، أن تنطلق ، وتفيض ، فإن الأمر سوف يصبح ثرياً ومتناقضاً ومضحكاً ومأساوياً ، لكنه سيصبح إنتصارنا ..
إكتبي ، إكتبي ، وبحسب زبيدة جعفر ، فإن كلمات القاضي دفعتها لكي تفرغ جعبة ذكرياتها وألامها ، التي هي ذكريات وألام أمّة في كتاب جلينا .

وبعد أن إنتهت من أفتتاحية كتابها بدأت زبيدة جعفر تسرد حكاياتها من آلام المخاض ، إلى ألام السجن والتعذيب .. مروراً بحكايات عن أبيها
وزوجها ، وماديبيا " نيلسون مانديلا " ، وحكايات عن الناس البسطاء .. ومعاناة اللون والدم وصولاً إلى حكايات التحول والأنتصار .

وفي إحدى حكاياتها التي تشابكت فيها الأحداث والشخصيات تقول أن "فرانز موسترت " له سمعة شديدة السوء في أمور التعذيب لم يكن هو الذي قا بتعذيبي عندما أعتلقت لأول مرة
وكان حظي أنني وقعت في براثن سبايكر فان ديك .المشهور بالشنيع لن ، أنسى طوال حياتي عيني أبي في ذلك الصباح عندما شاهدت سبايكر للمرة الأولى لقد إستيقظت لأجد أبي منحنياً
نحوي قائلاً : زبيدة ، زبيدة . إنها شرطة إنهضي يا إبنتي وبرغم أنني كنت نصف نائمة فلم أكن أبالي لوجود الشرطة وقلت لأبي: لاتقلق سأتحدث معهم .

قلتها وأنا أهم بالنهوض ، أنزلت قدمي من تحت الفراش وبعد مرجحة تردد وكسل ، وضعتها في الخف أسفل السرير كنُت أجري بين مشاهد ومواقع المنتفضين كمكوك لايتوقف شيء ما في عينّي أبي ، أدخل الشك في ثقتي البسيطة وجعلني أساله من بالداخل يا أبي
وفجأة تحولت عيناه البُنيتان ، إلى لون عسلي مخضر ، وضاقت حدقتا عينيه قليلاً مما إعطاني إشارة حمراء بالتريث ، همس أبي برفق ، وازعّه الخوف ، إنه سبايكر فان ديك بنفسه يازبيدة !
فنظرت إذا بعينين سوداويين ، ووجه أبيض كامد وشعر أسود لامع ، يتدلى على جانبَي وجهه وجبينه . إنه هتلر بدون شارب !!

، وتتوالى الأحداث وتنقل زبيدة ، معصوبة العينين إلى المعتقل محاطة بحراسة مشددة ويبدأ سبايكر فصلاً جديداً من فصول الترهيب والتعذيب يخاطب زبيدة ، في غرفة الأستجواب
بل بالأحرى غرفة التعذيب ، ليس لديك الأن ماتقولينه ، لكني سأعطيك مايساعدك على البوح ، أعلم بالضبط مايجب أن أفعله معك
لقد أعدد من أجلك مستحضراً كيميائياً

إذا كنت غير راغبة في التعاون ، ثم يواصل خطابه لها بضحكة صفراء ساخرة ، أتعرفين ماذا سيفعل هذا المستحضر بجنينك ؟!سيقتله، سيحرقه ، بداخل أحشائك .

وفي مشهد أخر من مشاهد الترهيب والتعذيب ، هيا يازبيدة تكلمي كلما أسرعت في الأجابة عن الأسئلة فسأقوم أنا شخصياً بأخذك إلى المنزل .
أما إذا لم تفعلي فستفقدين طفلك ، وزوجك ، لن تريه مرة أخرى ، إنه سوف يشنق نفسه في زنزانته مستعيناً بأغطية الوسادات ، إننا نقوم بالترتيبات لذلك إننا بالفعل أجبرناه على تناول تلك الحبوب الصغيرة وأستطيع أن أشم الرائحة النفاذّة
التي تتبخر عبر مسآم جلده .

تقول زبيدة : وقتها كنت أقول لنفسي لقد جربت المرور بتلك اللحظة ، عدة مرات ودعوت الله أن يعطيني القوة وقلت بإصرار : تستطيع أن تفعل ماتشاء ، لن أوافقك ، لاتتوقع مني أي تعاون معك ، لأنك ببساطة من حُماة سياسة التفرقة العنصرية وأنا أحاربها ، ليس لدي ما أقوله .
وفي موقع أخر من الكتاب ، تتحدث زبيدة جعفر عن زوجة نيلسون مانديلا ، وكيف توطدت العلاقات بينهما والجهود التي كانت تبذل لمساندة المنتفضين ودعمهم كما تتحدث عن شخصيات عديدة من قادة النضال ضد سياسة التفرقة العنصرية البارز في الجبهة الديموقراطية المتحدة التي يرمز لها بـ ( udh )
وتحدثت عن السيدة فيرونكا سميرز ، التي كانت تتزعم معها حملة حياكة الأعلام الوطنية ، لتوزيعها على المنتفضين والمناصرين لجبهة نيلسون مانديلا .

وتصف زبيدة جعفر : لحظة خروج مانديلا من معتلقه إنها اللحظة التي ظللنا ننتظرها كانت الشمس تشرع في الغروب ، عندما ظهرت السيارة المرسيدس السوداء ، التي كانت تقل مانديلا وهي تنزلق ببطء عبر الحشود أمام سيتي هول ، ثم وسط العاصفة الثلجية ، لم يكن لديه نظارة القراءة ، فعرض عليه أحد الرفاق نظارته كنت أرى وجهه بشكل غائم
في وقت الغسق ، فيما بدأ حديثه : " الأصدقاء والرفاق ، مواطنوا جنوب إفريقيا ، أحييكم جميعاً باسم السلام والديموقراطية ، والحرية للجميع وأرسل بتحياتي الخاصة للشعب في كيب تاون ، هذه المدينة التي أصبحت وطني لعقود ثلاثة لقد مثلت مسيراتكم الجماهيرية ، وغيرها من أشكال النضال ، مصدراً دائماً للقوة لجميع السجناء السياسين ، أيها الرفاق ، ليس لدي كلمات مُنمقة
للتحدث اليوم ، فيما عدا القول أن حياتي من اللحظة بين يديكم " .

وفي وصفها للانتخابات التي جرت ، وفاز بها نيلسون مانديلا ، تقول زبيدة جعفر : تكونت خطوط ثعبانية عديدة عبر الحديقة المقاربة للمنزل ، تصل رؤوسها إلى المركز المدني الناس يتحركون نساء ، ورجال بيضُ ، وسود بقبعات وكابات بأغطية رأس ، ومعاطف ومظلات ملوُنة . ترتشق على الخط الذي لاينتهي من الناخبين المتشوقين .
بعد طول إنتظار أتى عليّ الدور قادني أحد الموظفين إلى المائدة ، التي تبرز عندها الأوراق الثبوتية ، غمست إبهامي في الحبر لضمان عدم التصويت مرتين ، دخلت أحد الأكشاك الممُتدة في صف طويل ، رأيت وجه ماديبا " نيلسون مانديلا " ووضعت علامة بجانب حزبه كان يبتسم وآبتسمت أنا أيضا لقد أخترته هو وحزبه ، ليكونوا رعاة الديموقراطية التي حاربنا جميعاً من أجلها .


وبخلاف هذه الحكايات التي تسرد سنوات الكفاح يلفت إنتباهك ، وأنت تطالع كتاب " جيلنا " لزبيدة جعفر حديثها عن الإسلام ، وطبائع المسلمين ، ولجوئها إلى الصلاة ، وقراءة آيات من القرأن الكريم في أوقات المحّن فهي تقول : إن التلاوة العربية المنُغمة لها طريقة لربط الجميع بعضهم البعض ، كُلنا نردد الكلمات نفسها مرة تلوى الأخرى، وهي بطريقة ماتهدئ الذهن وتقوي الروح .

ونراها تحكي عن الشيخ نظيم محمد وعلاقته بوالدها ووجوده في احتفالات العائلة، وشهادته على قرانها وهي تقول " إنه لم يخذلني يوم أن أرسلت له خفية ، رسالة على ورق التواليت من زنزانتي . إن ثمة قوة واثقة في صوته الهادر ، إنه يطمئنني كما يفعل البحر ، عندها يهدر ضد حدود الظلام على شواطئنا .. لقد أراد لنا أن نكون متعلَمين ، بحيث يمكننا أن ننجُز رسالة مهُمة للأسلام وكانت
هذه الرسالة تتمثل في إكتساب المعرفة وسعة العقل "

وحول أهمية كتاب جيلنا يقول القاضي ألبي ساشيز " إن عبقرية هذا الكتاب تكمن في جميمته لقد كتبت زبيدة حول الحُب والشوق ، وتقسيم المجتمع إلى أجناس وكتبت عن الطلاق والقسوة ، وعن اليهود في مدينة نيويورك ، وعن الإسلام وكتبتَ ووصفَت العديد من اللاعبين الذين قاموا بأدوار مهُمة في الصراع والنضال ضد نظام الفصل العنصري "

ونختم بتعليق زبيدة جعفر على كتابها حيث قالت " هو ليس قصة فقط ، وإنما تاريخ جماعات آخترت أن أرويه ، ليس كتاريخ ممُل ، وإنما كواقع يعبر عن مخاطر عاشها شباب في سنوات النٌضج والبلوغ ، في مُجتمع صعب . حافل بكافة صور التفرقة
حتى سعى هؤلاء الشباب إلى تغييره "


تَم

شَكُرا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق