الخميس، 6 سبتمبر 2012

الفّن


ترُنيَمة :

إن حَظي كـ دقيق فوق شوك نثروه ..
ثم قالوا لحفاَة يوم ريحِ أجمعوه
صعُب الأمر عليهم فقالوا إتركوه ..
إن أشقاه ربي فهل أنتم تسعدوّه !


..

مدخل :


لم يحل المعنى الحالي لكلمة «الفن» في التداول اللغوي إلا في منتصف القرن الثامن عشر، وفي ماقبل ذلك كان الفن يرتبط بمعناه العام ذي الجذور اللاتينية (art) التي تشير إلى «المهارة» ولاسيما المهارة الحرفية والمهنية. ورغم الجدل المستمر حول معنى الفن الذي احتدم وتشعب للحد الذي أصبح فيه الاتفاق على معنى واحد متعذرًا، بخاصة خلال القرن الأخير، فإن التعريف الأكاديمي التطبيقي لا يزال يعتمد «الإنتاج» والمهارة الحرفية المتطلبة فيه كمركز للثقل في صياغة التعريف الرسمي.
تعرّف الموسوعة البريطانية الفن على أنه «استخدام التصور والمهارة لخلق نتاجات جمالية أو صياغة تجارب شعورية أو تهيئة مناخات تتميّز بحس جمالي». وتعرفه موسوعة إينكارتا بأنه «نتاج النشاط البشري الإبداعي الذي يستخدم الوسائل المادية وغير المادية للتعبير عن الأفكار والعواطف والمشاعر الإنسانية». وإذا كانت هذه التعريفات مستوفية للشروط التكنيكية فإنها، وكثير مثلها، لم تستطع إنهاء الجدل حول فحوى الفن، الأمر العويص الذي قد يجر السائل المتفحص إلى عشرات الأسئلة من قبيل: ما الذي يقرر حجم استخدام أو شرعية تلك المهارات أو حدها الأدنى المطلوب أو مدى انطباق مواصفاتها على النتاج المأمول؟ والأعقد من هذا، ما الذي يقرر أن ذلك النتاج فني أم لا؟ هل هناك مواصفات أو شروط محددة ينبغي على النتاج الفني استيفاؤها من أجل أن يصبح نتاجًا فنيًا إبداعيًا؟ وما هي طبيعة الدور الذي يلعبه الزمان والمكان في التأثير على فنية النتاج ومدى إبداعيته؟ ومن ذا الذي يحكم بأن ذلك النتاج فنيٌ أم لا؟ وهل هذه المهمة منوطة بالفنان أم بالمتلقي؟ وهل ثمة دور أو مسؤولية في هذا الحكم تناط بطرف ثالث قد يتمثل بمقاولي وممولي النشاطات الفنية أو النقاد المحترفين والصحفيين والسياسيين والمؤرخين والنفسانيين وعلماء الاجتماع واختصاصيي نشأة الشعوب وتطور مسيراتها الثقافية؟ تشير جميع هذه التساؤلات إلى حقيقة أن من الصعب الاتفاق على تعريف وافٍ واحد للفن يضع النقاط على جميع الحروف، الأمر الذي يزداد تعقيدًا لأسباب جوهرية منها:
- خضوع قيمة الفن والفنانين لأحكام ذاتية أكثر من خضوعها لأحكام موضوعية.
- خضوع الأحكام الذاتية والموضوعية إلى تأثيرات ظرفية مثل المكان والزمان وثقافة المجتمع ومرحلة تطوره.
- خضوع نطاق الفن إلى توسعات وتغييرات منهجية مستمرة.
تضمّن معنى الفن، إضافة إلى ما هو متعلق بالمهارة، معاني وارتباطات أخرى مثل «التشكيل»، المفهوم المتأتي من فعل التوليف والتركيب التنسيقي فضلًا عما يحيط ذلك التوليف من ميزات الخلق والابتكار والإبداع، وهذا المعنى الأخير هو الذي يشير أكثر من أي معنى آخر إلى ما يسمى بالفنون الجميلة، هذا المصطلح الذي ابتكرته أول أكاديمية للفنون، تلك التي تأسست في باريس عام 1648، إذ كان سبب إطلاق المصطلح هو التمييز بين ما وصف بالفنون الجميلة التي ضمت الرسم والنحت والعمارة عن سواها من الفنون التي انتمت للحرف الفنية. على أن هذا الحصر التكنيكي للمفهوم لم يسلم هو الآخر من الإشكالات، فهناك ما يميز الفنون الجميلة البحتة عن الفنون الجميلة التطبيقية، حيث يستأثر كل منهما بمقامه الاجتماعي ويأخذ تصنيفه وتقييمه بموجب ذلك المقام. واستنادًا إلى هذا التصنيف تتركز خصوصية الفنون الجميلة البحتة بالتعبير الذاتي الإبداعي للفنان الذي يعكس الحاجات الفكرية والنفسية للمجتمع، فيما تختلف عن ذلك الحرف الفنية المتميزة بطابعها العملي والمعبرة عن الحاجات الاستعمالية للإنسان. وبين هذا الطرف وذاك تقع الفنون الإعلانية التي ترتبط بالسوق وتعكس حركته التجارية. على أن مفهوم الفن البحت ارتبط بعنصر التعبير الشخصي للفنان، الأمر الذي لم يتبلور تاريخيًا إلا بعد بزوغ المدرسة الانطباعية في الثلث الأخير من القرن التاسع عشر وشيوع موضوع أن بإمكان الفنان أن يرسم ما يختلج في عقله وليس فقط ماتراه عيناه. أي أن يرسم انطباعاته عن العالم الذي من حوله.
وبالرغم من وضع هذه الأصناف من المفاهيم في خاناتها الخاصة، فهي غير مفصولة عن بعضها بجدران حديدية، إنما تختلط وتتداخل وتتفاعل فيما بينها، ولا يكون مبعث الفيصل في تفريقها إلا الآراء الذاتية والاجتهادات الشخصية، على أن مفهوم التعبير الذاتي البحت عن دواخل الفنان وأفكاره هو مفهوم نسبي حتى في حالات توفّر الحرية المطلقة للتعبير، ذلك أن الفنان الحر إنما يعبر بشكل غير إرادي عن حالة العقل الجمعي وثقافة المكان وتقاليده وموروثاته، أما الفنان المؤدلج الذي يقف على نهاية الطرف الآخر من هذا الخط فإنه يعبر عن الأيديولوجية التي يحملها، خيارًا أم قسرًا، الأمر الذي يدفعه بالتدريج إلى التخلي عن ذاته الصغيرة الحقيقية والالتصاق بالذات الكبرى الوهمية سواء كانت قومية، عنصرية، عشائرية، مذهبية أو حزبية.
يتعرض الجدل حول مفهوم الفن أيضًا إلى فكرة أن الفن لا يمكن حصره بمعنى مفرد، بل قد يكون من الحكمة أن يعتبر الفن كمنظومة لمفاهيم عديدة تعنى بجوانب مختلفة ولكن يربطها رابط واحد. وقد مهد مثل هذا الاتجاه إلى نشوء وجهة نظر أخرى تتمثل في أن الفن ظاهرة اجتماعية تستمد وجودها وتكتسب شرعيتها من ارتباطها المؤسسي بالمنظومات الاجتماعية ، وخاصة المنظومات التي تؤلف سلطة الفن كالمتاحف وصالات العرض والنقاد والمؤرخين والصحفيين. يأخذنا هذا الانعطاف إلى التمييز بين وجهتي نظر متناقضتين: الأولى تعود بنا إلى الفلسفة التولستوية التي تفضي إلى أن المتلقي وحده، هو الذي يقرر فيما إذا كان العمل فنًا أم لا، بصرف النظر عن نية الفنان أو مدى جهده أو سعيه، وليس المقصود بالمتلقي هنا شخصًا مفردًا إنما العقل والضمير الجماهيري الجمعي. وبذلك فإن قيمة الفن تتحدد بمدى التأثير الذي يتركه العمل الفني على عواطف الآخرين والانطباع الذي يثيره في أحاسيسهم. أما وجهة النظر الثانية فتعود إلى الفيلسوف الأميركي جون ديوي وما جاء في كتابه «الفن كخلاصة للتجربة» المنشور عام 1934 الذي يؤكد فيه على الدور الأول لنية الفنان وتوجهاته ويورد مثالًا من عالم الأدب فيقول: إن قطعة أدبية ما يمكن لها أن تعتبر قصيدة شعرية، فقط إذا أراد لها الشاعر أن تكون كذلك وقام بتقديمها للقراء كقصيدة، بغض النظر عما يراه بقية الشعراء أو المؤسسات الأدبية. ويمكن لنفس القطعة أن تكون مقدمة مقتضبة لتقرير صحفي إذا ما شاء الصحفي أن تكون كذلك، وبهذا فإننا نتعامل مع النتاج الأدبي نفسه وهو يلبس لباسين مختلفين، ليس لما يميزه من ميزات فنية متأصلة فيه إنما بسبب ما يراد له أن يكون... تستمد وجهة النظر هذه قوة إضافية وتعمل بفاعلية كبرى إذا ما أضفنا إلى نيات الفنان ومقاصده، مدى شهرته ووزنه في الوسط الفني، ونستطيع أن نرى أن ذلك ينطبق انطباقًا جليًا على ماجرى ويجري في أروقة الفن الحديث والأدب الحديث. فمن ذا الذي يعتبر، على سبيل المثال، رسما بسيطا لعلبة حساء، ماركة كامبل (1968)، أو الأدهى من ذلك، مبولة بورسلين حقيقية (1917) أعمالًا فنية شهيرة من نتاجات الفن الحديث التي كتبت عنها الآلاف من الكتب والمقالات، لولا مقاصد أندي وورهول ومارسيل دوشامب، على التوالي، وما تمتعا به من شهرة ونفوذ في الأوساط الفنية. وجميعنا يدرك أن ذلك أصبح من حقائق الحياة الثقافية التي نعيشها محليًا. فلا أحد منا يشك، مثلًا، بإمكانية رفض نشر أجمل وأروع قصيدة يكتبها شاعر شاب غير معروف في الوقت الذي لا يجرؤ أي أحد على رفض أي ترهة أو تفاهة قد يكتبها شاعر مشهور مثل أدونيس أو محمود درويش، بل ستتبارى دور النشر فيما بينها على الاستحواذ على نشر الترهات والتوافه. ولا ينطبق ذلك فقط على تقدير ما هو فني أو غير فني، إنما ينطبق أيضًا على تصنيف الفنون كما جاء أعلاه. فقد أصبح أندي وورهول، وهو فنان إعلان متواضع الكفاءة، من أعلام الفن الحديث ووُصف بأنه أكثر فناني القرن العشرين تأثيرًا في التراث الثقافي في حين لم يعتبر أحد عشرات الآلاف من فناني الإعلان الآخرين ذوي الكفاءات العالية حتى في عداد الفنانين ناهيك عن أنهم ظلوا يعملون في الظل داخل نطاق حرفة الإعلان.
شمل الجدال حول فحوى الفن وجهة نظر أخرى تعتمد على أفكار الباحث الأمريكي المتخصص بعلم الجمال مونرو بيردسلي الذي يعتقد أن وظيفة العمل الفني والسياق الذي يأتي فيه هما اللذان يقرران مدى فنية ذلك العمل. كما كان من أوجه الجدل أيضًا موضوع اشتراط الفن البحت أن يكون متجردًا من القيم الاستعمالية التي تُعهد مهام إنتاجها عادة إلى الحرف الفنية أو في أحسن حال إلى الفنون التطبيقية. ولعل بعض الاعتراض هنا يلقي تبريره بالاستناد إلى المنطق العقلاني الذي لا يسمح بقبول الغياب المطلق للقيمة الاستعمالية للفن مهما كان ذلك الفن بحتا. فبموجب النظرية الاقتصادية للمنفعة، يشكّل الإشباع والرضا والتمتع بالفن، بخاصة الناجم من اقتناء الأعمال الفنية أكبر القيم الاستعمالية، ويبرر ارتفاع القيمة التجارية للأعمال الفنية في السوق. ونستطيع أن نذهب بذلك إلى مدى أبعد، فنعتبر مثل تلك القيمة الاستعمالية متجسدة حتى في قابلية الأعمال الفنية المقتناة على إرضاء مشاعر الغرور والتباهي في قلوب الناس الذين ينفقون أموالًا طائلة على اقتنائها حتى و إن لم يكن لديهم أي استيعاب أو تقدير حقيقي لقيمة الفن الذي يقتنون، ذلك أن القيمة الاستعمالية التي يحصلون عليها ستقاس عندئذ بمدى ما سيرفع الفن من مستوياتهم الثقافية والاجتماعية ويجعلهم عالي الشأن والجاه في مجتمعاتهم، كما يتصورون. ترتبط هذه الفكرة بالذات بموضوعة «الاستهلاك المظهري» التي قدمها الاقتصادي وعالم الاجتماع الأميركي ثورستن فبلن في كتابه «نظرية الطبقة المترفة» المنشور عام 1899. حيث جاءت هذه الموضوعة في معرض تفسيره لعمليات الإنفاق الباذخة التي تقوم بها الطبقات الاجتماعية المترفة والتي تتعدى إلى حد بعيد ما يحصلون عليه بالمقابل من قيمة استعمالية لقاء ما ينفقون وفق نظرية المستهلك. ومفاد تفسير فبلن أن أولئك الذين ينفقون الأموال الطائلة على أشياء تشكل فيها الأعمال الفنية لمشاهير الفنانين مثالًا كلاسيكيًا إنما هم يحصلون على مقابل متكافئ مع ما ينفقون لأنهم يشترون في ذلك ما يساهم في عرض المنزلة الطبقية والجاه الاجتماعي الذي يرغبون في استعراضه على الآخرين. ولذلك فليس من العجب أن يعجز مبدعون حقيقيون غير مشهورين عن بيع روائعهم بأبخس الأثمان فيما يتبارى عمالقة المال والبورصات على شراء بطاقة القطار التي كان بيكاسو قد شخبط على ظهرها في يوم منسي!!
(في صيف عام 2004 توقع مقيّمو مزاد سوثبي الشهير في نيويورك أن تباع لوحة بيكاسو «صبي يدخن الغليون» المرسومة عام 1905 بمبلغ 70 مليون دولار، لكنها بيعت بعد أيام في نفس المزاد بمبلغ 104 ملايين! وقد علق في وقتها بيب كارمل الخبير بفن بيكاسو قائلًا: «إن هذا الحدث يثبت لنا أن قيمة العمل الفني التجارية في السوق ليس لها أي صلة على الإطلاق بالقيمة الفنية التي يحملها ذلك العمل)!
من الانتقادات الأخرى لفكرة وجوب خلو الفن البحت من القيم الاستعمالية تلك الانتقادات التي تورد أمثلة عديدة على قيم استعمالية ظاهرة أو مستترة للفن مثل استخدام الفن كعلاج ووسيلة في التحليل السايكولوجي، كوسيلة للاتصال والخطاب الاجتماعي والسياسي، وكوسيلة تربوية وتعليمية.






ميــزات الفـــن :

فيما يلي يمكن لنا استقراء ما يميز الفن كنشاط إنساني وحقل اجتماعي من خلال مقارنته بالعلم:
- خلافًا للعلم الذي يهتم باكتشاف الحقيقة الموضوعية المجردة للطبيعة والإنسان، يعنى الفن بإلقاء الضوء على الحقائق الذاتية المتعددة والمتباينة عبر وجهات نظر هي الأخرى مختلفة باختلاف عواطف الفنانين والتجارب التي يخوضونها والبيئات التي ينشؤون فيها والثقافة التي يترعرعون في كنفها.
- خلافًا لما يختص به العلم من تنشئة للتفكير العقلاني وترسيخ للتحليل المنطقي، يتوجه الفن إلى تنبيه وتنمية المراكز الحسية وتحفيز وتطوير قدرات التصور والحدس.
- خلافًا للعلم ذي الاتجاه المحدد والوسائل التحليلية المباشرة الثابتة، يتمتع الفن باتساع رقعة أنماطه ووسائله وتعدد وتباين سبل تطبيقها مما يؤدي إلى لا مركزية الفعل وعدم مباشرة تأثيره ويؤول بالتالي إلى تعدد وتباين تفسيراته وتأويلاته ولامحدودية نطاقها.
- خلافًا للعلم الذي لاتسمح تفسيرات ظواهره بمساهمة أي كان إنما يشترط فيمن يضطلع في تفسير الظواهر العلمية أن يكون عالمًا متخصصًا متدربًا في مجال بحثه وله خبرات محددة في مجال تخصصه، فإن التفاعل مع الأعمال الفنية وتفسيراتها مفتوح لجميع الناس، ولا يشترط مثل ذلك التفاعل والتفسير أية خبرة أو تدريب، ذلك أن الفنون تخاطب مشاعر الناس بغض النظر عن رصيد معارفهم واتساع نطاق ثقافاتهم، وليس من شأنها أن تتابع خيارات الناس وتتقصى صياغات مشاعرهم.






العنـاصر الأساسيـة فـي العمـل الفنـي التشكيـلي :

للفنان التشكيلي أدواته المتميزة التي تمكنه من إنجاز مهمته التعبيرية في العمل الفني مثل الخط واللون والشكل والملمس والقوام والظل والنور والكتلة والفراغ والتوازن والتماثل والنسب والمقاسات والمنظور. ويمكن النظر إلى هذه الأدوات وهي تصطف لتشكيل عناصر العمل الفني الأولية التالية:
- موضوع العمل الفني: صلب وخلاصة ما ينبغي على الفنان تقديمه أو عرضه أو دراسته أو مناقشته فنيًا.
- الإنشاء الفني: الإخراج العام لترتيب عناصر الموضوع الفني وتحديد نظم تفاعلها فيما بينها سواء كان ذلك بالتماثل أو التوازن أو العشوائية.
- التمويه الفني: صياغة جوانب مختارة من جوانب الموضوع، لاسيما تلك التي تتطلب إضفاء الخدعة الفنية كتداخل الأشكال وتلاعبات الظل والنور أو التحدب والتقعر أو المنظور الهندسي الذي يعمل على استحضار الاشكال ذات الأبعاد الثلاثة على سطح ذي بعدين.
- التعبير الفني: توظيف النمط التعبيري السائد في العمل الفني كحركات الخطوط وسرعتها أو قوتها، طبقات الألوان وقوامها وتفاعلاتها، درجات النور والظل، ضربات الفرشاة والملمس الذي تتركه، مادة السطح وملمسها ودرجة امتصاصها للألوان.
- التجريد الفني: عنصر تحوير واقعية الأشياء بموجب اختزال مظاهرالأشكال وإرجاعها إلى هياكلها الأولية عن طريق توظيف ملامحها الشكلية الدنيا.
- الأسلوب الفني: طريقة اختيار الفنان للهيئة التي تترتب وتتحد وتتكامل فيها العناصر التشكيلية السالفة سواء كان الاختيار شخصيًا بحتًا، أو متبعًا لمدرسة فنية معينة، أو مقلدًا لفنان آخر، أو متبنيًا لخليط من هذا وذاك.






عـودة إلى تولستـوي :

في مقالته ذائعة الصيت «ما هو الفن؟» التي نشرها عام 1897، أرسى ليو تولستوي، الفيلسوف والروائي الروسي، المبادئ الأولية لفلسفة جمالية-اجتماعية كانت ولا تزال إحدى الركائز الأساسية لتفسير مفهوم الفن. في هذه المقالة الرائدة ركز تولستوي على مجادلة معظم النظريات الفلسفية الجمالية التي كانت سائدة آنذاك والتي يعود تاريخ نشأتها إلى ما بين القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، والتي يتشكل قوامها في صياغة فحوى الفن على مبادئ غارقة في المثالية ومفاهيم شديدة النسبية مثل الحقيقة والجودة والحسن. وتوطئة لطرح موقفه الفكري المخالف، بدأ تولستوي بتفنيد الموقف الأفلاطوني الذي يقوم على إعطاء تقليد الطبيعة قيمة الإبداع العليا والركون إلى العلاقة المبهمة بين الفن والمتعة في صياغة مبررات وجود الفن، معتبرًا ذلك الموقف موقفًا متأرجحًا مراوحًا في مكانه. ركز تولستوي على حقيقة أن التجربة الفنية تتمحور حول تجربة الفنان العاطفية الوجدانية وإيصالها إلى الجمهور، ولهذا فقد رأى أنه لابد للفن من إقامة الصلة بين الفنان وجمهوره، والاهتمام بنوعية تلك الصلة. فبقدر تمكن الفنان من التأثير على الجمهور واستنباط الأساليب الخلاقة لإلهاب مشاعرهم وكسب عواطفهم، تتحدد جودة الفن. ولذلك فإن مفهوم الفن لدى تولستوي لا يتعدى كونه ذلك النشاط الإنساني الإبداعي الذي يسمح بنقل تجارب الآخرين عبر لغة العواطف ومن خلال مخاطبة الوجدان الإنساني بأدوات تعكس الفكر السائد ووسائل تتناسب مع روح العصر. ويمكن استخلاص الركائز الأساسية لفلسفة تولستوي في الفن بما يلي:
- الرفض القاطع للتفسيرات الميتافيزيقية للفن، وبخاصة رفض موضوع الفن كمتعة مجردة، وتبني المنهج الذي يعتبر الفن شرطًا من شروط الحياة الإنسانية وإحدى المقومات الطبيعية لتفاعل الإنسان مع محيطه الاجتماعي.
- التأكيد على اعتبار الفن نشاطًا إنسانيًا واعيًا يتم بموجبه نقل التجارب الحسية والعاطفية من الفنان إلى الآخرين بواسطة النتاج الفني الذي ينبغي أن يعمل كوسيلة اتصال ثقافية. وبهذا المنطق يتوجب فهم الفن بأنه العملية والوسيلة التي يتم بموجبها نقل التجارب الشعورية التي يعيشها الفنانون إلى محيطاتهم الاجتماعية. وبسبب اختلاف التجارب الشعورية في حدتها وأهميتها وآثارها فإن نجاح الفن سيتركز حول قوة استحضار التجربة سواء كانت انعكاسًا لأحداث حقيقية أم أنها كانت مختلقة من محض الخيال.
- التاكيد أيضًا على كون الفن مناسبة وأداة لانصهار الشعور الإنساني والتحام العواطف، مما يجعله فعالية ضرورية لديمومة الحياة وتطورها. فلولا مشاركة المشاعر وتبادل الأحاسيس بين الناس والتحاور بالتجارب عبر الأجيال والثقافات وحقب التاريخ لتحولت حياة البشر إلى ما يشبه حياة الغاب. وعلى هذا الأساس فإن وجود الفنون وتفعيلها لايقل ضرورة عن وجود اللغات ودورها الأساس في تأمين الاتصال والتحاور والتفاهم الاجتماعي، على أن غياب الفنون أو تجميد دورها من شأنه أن يشل التفاعل الإنساني الإيجابي ويفسح المجال لمزيد من العزلة ويوجد المبرر لتنامي العدوانية والعنف.
- اعتبارالمعيار الأساس في تفريق الفن الحقيقي عن الفن الزائف متمثلًا في قدرة الفنان على استحضار المشاعر ومخاطبة الأحاسيس وإلهاب العواطف وتحقيق الالتحام الروحي بين الفنان والمتلقي من جهة وبين المتلقي ومحيطه من جهة أخرى. وهذا ما يساهم في تحديد قيمة الفنون بمدى قابلية التجارب الشعورية المتجسدة في العمل الفني للنفاذ إلى دواخل الآخرين والتأثير فيها. على أن نطاق هذا التأثير سيعتمد على:
- مدى خصوصية لغة التجربة وفردانية المشاعر المتجسدة في العمل.
- مدى وضوح التجربة ونضوجها.
- مدى صدق الفنان في التعبير عنها.
- التأكيد على ضرورة تعامل المجتمع مع الفن تعاملًا عقلانيًا من حيث مساحة الحيز التي يتطلبها النشاط الفني، ذلك أن التطرف والمبالغة في تقليص أو توسيع هذا الحيز سيؤدي على السواء، إلى نفس الخسارة. فمنع الفنون والتضييق عليها ومحاربتها من جهة، أو الإسراف والإسفاف فيها وتحويلها إلى أدوات مبتذلة، من جهة أخرى، سيقود إلى نفس الطريق العقيم المسدود الذي يفقد الفن فيه معناه وتأثيره.


في النهاية
للفُن أرواحُ تصلي
للفن أياتَ لم تقرأ !
للفَن تلاوات وصلوات ..
الفَن شيئاً ، من اللآشيء
وحلماً وخيالاً تعانقا ..
فأصبح واقعاً يمشي بلا قدَمين
كالظل خلفنا .. كالسراب أمامنا ..
كَـ الحياة .


شُكراً

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق