الأحد، 7 أكتوبر 2012

سبهَآن أدم




سبهآن 13494340241.jpg

للفنان : سبهآن أدم


-
يقول المفكّر " أدونيس" :

“يا آدم أبعدني عن آدم” هذا هو الصوت الذي نكاد ان نسمعه يخرج من لوحات سبهان آدم، فيما ننظر اليه.
لا يصور سبهان آدم وجه الإنسان في سياق العبارة القرآنية: “أحسن تقويم” فهو لا يصور ما يراه بل ما يتخيله في الأشياء التي يراها، كأن الوجه في رؤيته طين ممزوج بدمين: واحد إنسي وآخر وحشي. وفصل في هذا المزاج بين ما يسمى سماء، وما يسمى ارض، بين العقل والغريزة، بين الأعلى والأدنى. هكذا يجيء الوجه طالعاً من هيروغليفية المخيلة، كأنه يخرج من رحم الطبيعة في بدائيتها الأولى: نقيضاً لـ “جمالية” العقل والشرع في آن. ويكاد الوجه فيما نتأمله أن يهجم علينا خشناً غاضباً ويبدو أحيانا أنه ليس إلا كتلة من اللحم تلتصق بكتلة أخرى تسمى الرأس. ويبدو الرأس حينا بعين واحدة وحيناً بأكثر من عينين أو بعين فوق أخرى في غير مكانها الطبيعي العادي، كأنه يلتصق هو الآخر، بما يشبه العنق الذي يلتصق بما يشبه الجسم. وتخترق احياناً الكتلة التي تشبه جسم الانسان كتلة أخرى تشبه جسم حيوان-حمار غالباً، أو جسم طير هدهد غالباً. الإنسان، هنا هجين بدئياً. فرأس الإنسان ليس انسانياً إلا بنوع من التأويل البصري. وليس الوجه والحالة هذه “جميلاً” كوجه آدم ولا “مماثلا” لصورة الله. إنه أقرب إلى أن يكون جزءاً مصغراً من جبل، أو قطعة من صخرة أو شامة في جذع شجرة. هكذا يخرب سبهان آدم مصطلحات التمثيل، قاذفاً أشكاله الفنية في محيط من التساؤل والشك والحيرة. ويخيل إلينا كلما تأملنا في إحدى لوحاته أن كارثة تكاد أن تقع. لهذا التشويه، تشويه الوجه والرأس والجسم، غاية تتمثل في تحرير الإنسان من الشكل الذي فرضته تقاليد الجمالية الدينية. أعني تحريره من ضعفه الطبيعي وإضفاء قوة حيوانية عليه. لا يقصد أن يذوب صورة الإنسان في صورة الحيوان، وإنما يقصد انفصال الإنسان عن الشبه والشبيه كأن يقول لنا شكل الإنسان الطبيعي إنما هو شكل غير طبيعي وعلينا، لكي نقرأ الصورة أن نقرأ أولا اللاصورة، أو شكلها المشوه. هكذا يجعل الشكل الانساني يتحرك في الذاكرة الحيوانية الاصلية. كأنه يريد أن ينفخ التحول في ثبات الأنواع، خارقاً نظام التعارض بين الإنسان والحيوان. يجعل الجسم يغوص في البدائي الاولي يدخله في نظام آخر من الرؤية مخرجا، إياه من لعب المشابهات، كأن الإنسان حالة جسمية أكثر مما هو حالة عقلية تختفي “أنا” الجسم في شبكة الشكل. ويبدو الانسان باحثاً عن نفسه يتساءل: هل أنا أنا؟ خصوصاً عندما ينظر إلى وجهه. فالوجه خاتم الشخص. وهو خاتم مكسور بملامح كائنات غير إنسانية، انه محرف عن طبيعته الإنسانية، مشوّه، يردنا إلى إنسان غير طبيعي. لهذا التشويه جمالية خاصة تتمثل في الاحتجاج، والتحريض، والتمرد، والعصيان، تتمثل كذلك في مزج الحياة بالرسم مزجاً عضوياً. اللوحة حياة، والأنا كيان إنساني-حيواني، إنه مزج يزعزع من جهة حدود الهوية الذائبة في اللوحة، ويولد في الشكل، من جهة ثانية، قوة جديدة تتجاوز قوة الإنسان المعهودة.



-
وأيضا " أسعد عرآبي " يقول :

بقيت التوصيفات التي أطلقت في تعميم معنى القبح كقيمة فنية وجمالية مشروعة,"توصيفات ناقصة" و مستهدفة في كثير من الأحيان , و رغم ذلك قدمت باعتبارها مدخلاً إلى مساحات لم تكن في حساب التطور التشكيلي الذي صيغ في القرون الوسطى تحت سقف الكنيسة و عين البابوية اليقظة, وأطرته فيما بعد الذائقة البرجوازية التي لم تعتد هذا الانقلاب الحرج في المفهوم الاعتيادي للوحة.
للوهلة الأولى يبدو الامر مرتبط ارتباط حتمي بظهور التيارات التحريفية بأشكال الفن بداية القرن الثامن عشر انطلاقاً من أوروبا، وتحديداً فرنسا حيث تبلورت فيما بعد و تسربت إلى معظم أرجاء العالم و كانت إحدى صور التغيير الحاصل في البنية الثقافية عموما
لكن بالنظر إلى التجارب المضافة على خط الاكتشاف البصري يبدو الأمر أبعد من ذلك بكثير،تلك التجارب التي ذهبت باللوحة إلى تحقيق شكل من أشكال القطيعة مع المفاهيم الجمالية التي أسست لها عهود الباروك و أعيد ترتيبها بفضل الأبحاث اللونية لبيكاسووماتيس وميرو وكاندينسكي إضافة إلى الانطباعيين الفرنسيين ممثلين بمونيه ورينوار وغيرهم .
ضمن سياق هذا الفهم - الذي يجد له مرجعيات أكيدة وصارمة في أبحاث " فرنسيس بيكون وايغون شيلي" في وقت قريب - لمعت تجربة التشكيلي "سبهان آدم" الذي يشكل حالة نافرة وذات خصوصية في التشكيل السوري لعقد ما بعد التسعينات, وأحد أهم فناني مابعد الحداثة , حسب تعبير مجلة " canvass" الفرنسية.
" أدم" الذي استضافته " باريس" لهذا الموسم في أربع معارض متزامنة في( مركز أندريه مالرو ,أيدي دارتسيت ,كابيني روي,وفا بريك ) وتتمحور جميعها حول صياغات عابثة في " الأسود والذهبي "
حيث يؤكد أدم مرة أخرى على احترافه لغة الانتشار, تبعا لأجندة فنية طويلة,
قادته إلى لبنان ومدريد وروما ونيويورك وحاليا في باريس . وتذهب بمجملها إلى ترجمة فهم مربك وصادم في التعامل مع اللون والقماش وفضاء العمل .
في المجموعة الفنية الأخيرة يعود أدم للعمل عبر مساحة هائلة من التشويه , والإحالات البصرية المتداخلة والسديمية في أن معا .... حيث يقف مدججا برؤية قاتمة ترتبط بأوصالها بمسرحة الألم والخوف والرهاب الذي يعانيه باستمرار .
ومع كل الوقائع التي خضعت للمصادفة ونسجت حياته التشكيلية وفق علامات فارقة, توزعت في ذهنه الفوضوي, وارتجالا ته اللونية العابثة.
يؤكد سبهان أدم على أن تكويناته البشرية السابحة في تضاد معتم , تتشكل في لحظة المصادمة مع الذات , وهي ذات علاقة مباشرة بالتراكم النفسي والمعرفي لديه, لكنه يتوارى خلف سواتر سوداوية مباشرة , وتحرير حقيقي لنزقه الريفي الذي يتواصل معه بنسيج متشعب من الوشائج التي يحاول على الدوام الوصول بها إلى الذروة للقذف بها دفعة واحدة على السطح الأبيض , وذلك وفق مزيج تركيبي من الصياغات اللونية , وتكثيف هائل من البورتريهات المشوهة والمغسولة بالخوف والشلل الذهني , والإعاقات الجسدية الكثيرة ,سيما وأن غالب أعماله تمتد على مساحات كبيرة , وهي مشغولة بمعظمها على قماش غير مثبت , وبتقنيات منوعة ترتكز بشكل أساسي على الأكريليك إضافة إلى مواد أخرى .
أدم الذي يعتبر استنادا إلى بياناته اللوني في العاصمة الفرنسية " باريس " أن رؤيته للفن تتبنى تهديم الموروث الجمالي والدوغمات الكلاسيكية , وخلق نتاج يعمد إلى إعادة ترتيب أدوات الفهم التشكيلي في مناخات الرؤية الحديثة , وإنتاج فن يضيف ويؤثر ويعيد صياغة المعرفة الذهنية والشمولية للفن .
ولذلك فإن الفن المستجد في القرن الواحد والعشرين سيكون " فن التجاوز " وأن الفنان يجب أن يكون ثائرا متفردا ذا خصوصية ترتسم ضمن هذا التجاوز.
المعنى ذاته الذي يشير إليه اسعد عرابي في قراءته لتجربة أدم الأخيرة وذلك بقوله:
" تعانق أعمال سبهان في عروضه الباريسية حشوداً وجماهير من المسوخ البشرية تستعيد انسحاقات الإنسان في شتى مراحله النفسية.
وتتخلص أشكاله وعناصره الاعتيادية من سجنها المحلي لتختنق في زنزانة الوجود العبثي وكأن الفضاء الدرامي على رحابته حبيس قمقم من القمع والضجيج الروحي وقد تقتصر موضوعاته على كائن وحيد مختوم بحبال الشمع المؤسساتي الأحمر كما هي صور كائناته المعلقة من أقدامها وهواجسه اللونية التي تأخذ في غالب أعماله منحى كابوسي مفزع"


عندما تنظر إلى لوحات سبهان أدم .. خصوصاً الجزء العلوي منها ، هناك سرّ
هناك أمر يخفَى على الجميع ، تبدأ في التفسير من أين أتت ، وأين رسمها ، ولماذا هذه الألوان بالتحديد .. كيف له أن يعُبر بهذه الطريقة .. لكن عندما تبصر جميع لوحاته ، ربما ستدرك السر ، .. السرّ أن أدم يحتوي فنَ غريباً من أثر بيكاسو الخالد .. لأن لوحات أدم وبيكاسو . وبراكّ وغيرهم من عمالقة الفن أو المدرسة التكعيبية ..
يحق لك أن تعُبر كيفما تشاء .فالسر أنت ، واللوحة بين مخيّلتك ويديك ..


ــ

شكُراً

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق