الأربعاء، 12 سبتمبر 2012

عصفور من الشرّق




ومانيُل المطالب بالتمنّي
ولكُن تؤخذ الدنيا غلابا ..

أحمد شوقي


.


نبُذة :

أديب ومفكر، هو أبو المسرح في مصر والعالم العربي وأحد مؤسسي فن المسرحية والرواية والقصة في الأدب العربي الحديث. ولد توفيق الحكيم بالاسكندرية سنة 1898 من أب مصري كان يشتغل في سلك القضاء وأم تركية، ولما بلغ سن السابعة ألحقه أبوه بمدرسة حكومية ولما أتم تعلمه الابتدائي اتجه نحو القاهرة ليواصل تعليمه الثانوي ولقد أتاح له هذا البعد عن عائلته شيئًا من الحرية فأخذ يعني بنواحي لم يتيسر له العناية بها كالموسيقى والتمثيل ولقد وجد في تردده على فرقة جورج أبيض ما يرضي حاسته الفنية التي وجهته نحو المسرح.

وبعد حصوله على البكالوريا التحق بكلية الحقوق نزولاً عند رغبة والده الذي كان يود أن يراه قاضيًا كبيرًا أو محاميًا شهيرًا. وفي هذه الفترة اهتم بالتأليف المسرحي فكتب محاولاته الأولى من المسرح مثل مسرحية "الضيف الثقيل" و"المرأة الجديدة" وغيرهما، إلا أن أبويه كانا له بالمرصاد فلما رأياه يخالط الطبقة الفنية قررا إرساله إلى باريس لنيل شهادة الدكتوراه. وفي سنة 1928 عاد توفيق الحكيم إلى مصر ليواجه حياة عملية مضنية فانضم إلى سلك القضاء ليعمل وكيلاً للنائب العام في المحاكم المختلطة بالإسكندرية ثم في المحاكم الأهلية. وفي سنة 1934 انتقل الحكيم من السلك القضائي ليعمل مديرًا للتحقيقات بوزارة المعارف ثم مديرًا لمصلحة الإرشاد الاجتماعي بوزارة الشؤون الاجتماعية.

استقال توفيق الحكيم من الوظيفة العمومية سنة 1934 ليعمل في جريدة "أخبار اليوم" التي نشر بها سلسلة من مسرحياته وظل يعمل في هذه الصحيفة حتى عاد من جديد إلى الوظيفة فعين مديرًا لدار الكتب الوطنية سنة 1951 وعندما أُنشئ المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب عين فيه عضوًا متفرغًا وفي سنة 1959 قصد باريس ليمثل بلاده بمنظمة اليونسكو لكن فترة إقامته هناك لم تدم طويلاً إذ فضل العودة إلى القاهرة في أوائل سنة 1960 ليستأنف وظيفته السابقة بالمجلس الأعلى للفنون والآداب.

منحته الحكومة المصرية أكبر وسام وهو "قلادة الجمهورية" تقديرًا لما بذله من جهد من أجل الرقي بالفن والأدب و لغزارة إنتاجه، كما مُنح جائزة الدولة التقديرية في الآداب عام 1961. توفي توفيق الحكيم عام 1987 في القاهرة.


مدخّل :

قبل أن أبدأ في القراءة ظننتها ستكون رواية كلاسيكية جافة كروايات بداية القرن العشرين عن تجربة شرقيّ سافر إلى فرنسا ,, كأنني نسيت أنه توفيق الحكيم!
هذا الكتاب يستكمل رحلة الحكيم بين الروح و المادة ,, الفن و الجفاف ,, السماء و الأرض
مازال يلوّح لنا من بين السحاب الذي يعرف وحده خفاياه
هذا الكتاب لوحة فنية يقشعر لها جسدك ,, أو سيمفونية لبيتهوفن تشحذ مشاعرك ثم فكرك
كما أنه يفيض بالحكمة و الأفكار و يميط اللثام عن حقيقة المدنية الأوروبية و الخيبة الشرقية .
رغم إنها قصة رومانسية تمُيل إلى الحزن ، كعادّة الرومانسياتَ والعشق
دائماً مايكون هناك ألمً وأمل ..
إلا انها تحوي ابعاداً أخري كثيرة ..
فلسفية وسياسية وإجتماعية .. تتبدّي وتتجلّي ، في حوارات "محسن" الشاب المصري
الذي يدرس الفنون والاداب بباريس مع "ايفانوفيتش " العامل الروسي الفقير
الذي يعيش في حجرة حقيرة ، ممتلئة عن آخرها بالكتب
يتحاور الاثنان في كل شئ ، "ايفان" الساخط علي الغرب
يصف اوروبا بالفتاة التي قتلت ابيها وأمها "افريقيا وآسيا "
وعاثت في الكون الفساد ، وانطلقت تعيش في بهرجة ومباهأه .

عن كثّب :

من قرأ سيرة توفيق الحكيم الذاتية فى كتابيه ( زهرة العمر ) و (سجن العمر ) سيدرك أن ( محسن ) بطل القصة و حياته الباريسية ليست سوى جزء من حياة توفيق الحكيم نفسها فى باريس.
أى نفس عبقرية يمتلكها ( الحكيم ) ليكتب مثل تلك الرواية !
فى نظرى ليست براعتها فى الاسلوب و ليست براعتها فى النسيج القصصى لحياة ( محسن ) نفسها
و لكن تتجلى براعتا فى كيفية استخدام توفيق جزء من حياته و تطويعه روائياً لايصال رسالته
لا تركضوا وراء الحضارة الغربية المجردة من الايمان
لا يغريكم صوت آلاتها المجنون
و لا يغرننكم الزيف الذى يعتريها
و للأسف يا حكيم صوتك منذ أربعة و سبعون عاماً لم يُسمع
و ها هو الشرق يستمر فى لهاثه المحموم وراءالغرب و يقتفى أثره بخطى ثابتة
إلي ان انتهي بها الأمر في بيت من بيوت الليل ..
فهل لنداء " الحكيمِ " من يلُبي ؟
..
جذبني اسم الرواية .. استمتعت للغاية بالاسلوب السهل الجميل الخالي من اي تعقيدات .الصفحات كانت تجري بين يديَ بسهولة

الرواية رائعة .. سارت علي خطيين رئيسيين :
الأول علاقة محسن بـ سوزي وما بها من تعقيدات سواء في بدايتها .. وحبه الصامت لها بدون أن يسعي حتي لمعرفة اسمها .. مرورا بالجانب الواقعي والمادي في علاقتهم وصولا للنهاية القاسية .. يبرهن الحكيم أن ليس دائماً الخيال يكون متوافق مع الواقع للأسف.
محسن شخص خيالي حياته بين الكتب والاشعار وموسيقي بيتهوفين .. أراد أن يعيش في عالم من الخيال والمثالية فاصطدم بالواقع الصعب
الخط الثاني وهو الأروع من وجهة نظري .. علاقة محسن بالعجوز الروسي ايفانوفيتش .. الناقم علي المدنية الغربية والراسمالية .. اعجبني جدا حديثهم عن نظام الرّق الجديد وعن مديداً من الظلم الذي يتعرض له العمال في تلك المُدن .. والقرىَ
..أعجبني جدا ذكره لامراض الشرق ايضا في أخر الرواية
كما أعجبني الجزء الحاص بحديثهم عن رجال الدين في عصرنا الحالي واللي اساؤا لرسالتهم لانهم بيدعوا الناس للزهد والعمل للحياة الآخره بينما هم غارقون حتي الثمالة في الترف والبذخ
المشكلة الوحيدة بالنسبة هي تعميمَ توفيق الحكيم في الرواية على الجميع ولمَ يتوارىّ عن ذكر طبقة معينة . أيضا عن أيفان . فلا أعلم أي جانب من جوانب حياته المهنية أو ماذا يعمل في باريس هناك لاتوجد اشارة على ذلك ..
ربما أراد الحكيم أن يجعلنا نخرج من دوامة الواقع ونرى الأخرين كيف يعيشون ضمن الخيالات
والأحلام .. بعيداً عن موسيقة الدُنيا و وتيرتها المتتابعة .


مقتطفات :

" الخيال هو ليل الحياة الجميل ،هو حصصّنا وملاذنا من قسوة النهار الطويل
إن عالم الواقع لايكفي وحده لحياة البشر ، إنه أضيق من أن يتسع لحياة إنسانية كاملة . "


" إن المسئول عن انهيار مملكة السماء هم رجال الدين أنفسهم ! ... أولئك كان ينبغى لهم أن يتجردوا من كل متاع الأرض، و يظهروا فى زهدهم بمظهر المنتظر حقاً لنعيم اَخر فى السماء ... لكنا نراهم هم أول من ينعم بمملكة الأرض، و ما فيها من أكل طيب يكنزون به لحماً، و خمر معتق ينضح على وجوهم المورة، و تحت إمرتهم : السيارات يركبونها، و المرتبات يقبضونها ! ...
إنهم يتكلمون عن السماء، و كل شئ فيهم يكاد ينطق بأنهم يرتابون فى جنة السماء، و أنهم متكالبون على جنة الأرض.
هؤلاء هم وحدهم الذين شككوا الناس فى حقيقة مملكة السماء ...
إن كل ما بناه الأنبياء بزهدهم الحقيقى، و جوعهم، و عريهم، مما أقنع الناس بأن هؤلاء الرسل هم حقاً ينتظرون شيئاً فى العالم الاَخر .. جاء هؤلاء فدمروه! و كانوا أقوى دليل على كذب مملكة السماء، و خير دعاية لمملكة الأرض ... و أنسوا الناس بانغماسهم فى هذه الحياة، أن هنالك شيئاً اَخر غير هذه الحياة ! "



"الحب طفل بوهيمى ! لا يعرف أبداً قانوناً ! إذا لم تحبنى فأنا أحبك، و إذا أحببتك فالويل لك"


" لن يذهب الرق من الوجود ... لكل عصر رقه و عبيُده "


"إذا أردت أن تسلك
طريق السلام الدائم
فابتسم للقدر إذا بطش بك
و لا تبطش بأحد "



" لاشيء يجعلنا عظماء غير ألماً عظيم "



" إني أريد ، أريدُ أن أحّب ..
و لقد زين لى "الحب" أن أحب ...
فأبيْت من جهلى أن أصغى إليه ...
فقبض من فوره على قوس من ذهب!...
و دعانى إلى القتال ... فلبست له الحديد ...
و أمسكت بالرمح و الدرع!...
و نهضت، كأنى "أخيل"!..
أنازل "الحب" فسدد إلىَ سهاماً ...
حدت عنها فطاشت، و نفذت سهامه.
فتقدم إلىَ يتقد غضباً ...
و هجم علىَ فاخترق جسمى ...
و نفذ إلى قلبى!... فانهزمت!...
يا لها من حماقة أن أتق بدروع!...
أى سلاح خارجى ينتصر على "الحب"
إذا كانت المعركة قائمة داخل نفسى ؟!.. "



" يُخيل إلي ّ يا "أندريه" أن هؤلاء الأمريكان قوم خلقوا من الأسمنت المُسلح : لا روح فيهم و لا ذوق و لا ماضي ! .. إذا فتحت صدر الواحد منهم وجدت في موضع القلب "دولاراً"! .. إنهم ليأتون إلي العالم القديم حاسبين أنهم بالذهب يستطيعون أن يشتروا لأنفسهم ذوقاً و لبلادهم ماضياً! .. "


" إن الإيمان لا يصنع، فهو قد يكون عند الإنسان، وقد لايكون، ,وحينما نفقده لا يعود ثانية، أو قد يعود على صورته الأولى."



" إني أفهم الآن موقف آدم عقب اخراجه من جنة السماء ، إني أتخيله قد لبث - بغير حراك – في الموضع الذي هبط فيه ، ومرت به ليال وأيام وهو ينظر إلي السماء ، يرقب كل حركة فيها : إذا رعدت ؛ فهو صوت أبوابها ، تفتح لتناديه من جديد ، وإذا لمع البرق ؛ فهي ابتسامة رضا قد يعقبها انفراج المحنة ، وإذا تساقطت الشهب ؛ فهي همسات غضب ما زال قائما ، وإذا استدار البدر ؛ فهو شفيع وبشير بعودة الهناء القديم ... وكر الزمن وآدم يتمرغ في مكانه بين اليأس والرجاء ، عند ذلك المهبط من الأرض ، يمسح وجهه بأعتاب النعيم ، إلي أن انتزعته غريزة الحياة من هذا القنوط الطويل ، وأرغمته على النهوض ، فقام يدب في الأرض ، ويعيش كما تعيش الأحياء من المخلوقات. "



" عجبًا .. أ لايوجد في باريس إمراة ، ترفض باقّة من الزهر ! "


" إنه يعلم أن المعتزلة اليوم قليل ؛ ولكم يشعر بحب وتقدير لأولئك الذين لا تطيب لهم السكنى إلا داخل أنفسهم ؛ ذلك أن قليلا من الناس من يملك نفساً رحبة غنية يستطيع أن يعيش فيها , وأن يستغني بها عن العالم الخارجي .. إنه يعتقد دائما أن الزاهدين الحقيقيين ليسوا إلا أناساً , لهم نفوس كالفراديس , تشقها الأنهار , وتنيرها الشموس , وتتلألأ فيها الكنوز ؛ فهي عالم من الفتنة والسحر , لا نهاية لبدائعه وأسراره "




تم

في النهاية :
توفيق الحكيمَ ، عصفور الشرقَ كما يطلق عليه
كان واحداً من الأصوات التي أخُرست وظّلت تصرخ من قفلها هناك في الغرَب
هناك خلف البحارَ ، خلف المياه الزرقاء .. وتلك الوحوش المستوحشة في هذه البقاع
إن الحكيم .. نشرّ زُهره في أرجاء باريس حتى عشقَه العرب منذو اللحظة الأولى
هنيئاً لعشاق المارسيليَز .. بصخُبك يا حكيم
..


لتحميل الرواية :


www.4shared.com/office/5DTr6Rc-/____-_.html


شُكراً

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق