الخميس، 13 سبتمبر 2012

نفُّس مُهدر



نُصيبك في حياتكِ من حبيبِ
نصيُبك في منامّك من خيالِ.

المُتنبي


-

أعلم أن هناك كثير من البشر يعانُون كما أعاني ، ستار الصّمت وجداره وحده
من يقيهّم من شرّ الدنيا . فبرغم الألم والعناء الذي يتكبدهم فهم يتحاملون على أنفسهّم
خشية الشقاء .. وهم الشقاء ذاته وعُينه بل وليُداً لهم ..
يفرحون لبسمة طفل .. ويتألمون لنُظرة صبّية يتيمة .. يشربون من كأس الأمل ..
ويقتلون كل صبابة تحمل ريحّ الهم والغم إن لامست قلب من يحُبون ومن يعشقون
أنا واحداً من هؤلاء .. أنا واحداً من الذين يودون أن يموت كل شيء بارد .. في ذواتهُم
رغم أنني أمتلك قلباً كالجليد ، يذوب فقط أن أشتدت برّودته .. يالاقوانين ذلك الُلب الفيزيائية .. أريد أن أتعرّى .. أريد أن أرمي كل الاقنعة في وجه هذه اللعنة .. أريد أن أعترف ..
فالأعتراف بالحق رذيلة .. ما أتعس الفضيلة ..

أحيانًا استمع في داخلي إلى صوت يشبه صوتي أو يماثله.. صوت لا يسمعه غيري، تزعجني أحاديثه، يحرمني لذة النوم يزيد من ضربات قلبي، يرصد حركاتي كمؤشر، ويزيد من
ترددي في كل شيء، ومن تعمقي في تفاصيل الأشياء التي أعلم يقينًا أنها لا بد أن تنتهي، فكل شيء ينتهي..! فلا شيء يستحق أن نتعب من أجله، هكذا يراودنا الشعور, ولكن من منا الفذّ الذي يستطيع ألا يشعر بالتعب؟
أوقاتي ضائعة وخطوط قلمي المكسور متقطعة.. فهل لدي ما يستحقّ أن يُقرأ؟
فإن كنت لا تحبُ أن تقرأ ما يكتبه قلم مكسور فتوقف هنا، فليس ثمة ما يستحقُ القراءة!
بماذا يمكن أن أبتدئ؟
فقد تكررت محاولاتي بشكل جاد أن أزن قلمي بين إبهامي وسبابتي، فأجده معوجًا، لا يرى عوجه وكسوره سواي، أخبئُ كسره كما أخبئ كسوري كلها، فأنا أجيدُ الاختباء جيدًا، فاسمحوا لي أن أترك الاختباء قليلاً وأن أفضي ببعض انكساراتي!
سأتحدث عن حكمتي التي يصفني بها الأخرون وعن قوتي في النصحِ، ومحبتي في إظهار الحقائق، والتعامل العقلاني، وربما تضحكون في نهاية الأمر. فجميع هؤلاء لايعلمون بأني أكذب .. خصوصاً في النصح فأنا أنصح ولا أقوم بالأمور التي أنصح بها !تبنيتها وأرددها دون تجربة..
أبادر بالاخذ بأيديهم وأمنحهم من الحياة ما هو أجمل و أخبرهم بأن هناك مصدر قوة في قلوبنا يجب علينا أن نتزود منه كلما هجمّ علينا اليأس وأراد أن ينهشّنا
و أوصيهم بالتجاهل، ولكنني آخر من يطبق هذا الأمر!!

فأنا أكذب على أمي التي تعتقد أني معطاءاً جدًا، وتتوقع أني أفعل أشياء جميلة لغيري، تتوقع أمي أني لو استطعتُ الإحسان بكل ما امتلكُ لفعلت، وأشعر بها تحزن لأني أقلق أو أحملُ هموم الآخرين, وأني أحاول مساعدتهم بما أستطيع به، لكني لستُ نبيلاً إلى هذا الحدّ أبدًا، تتوقع أمي أني من العظماء الذين يرهقون أنفسهم لأجل غيرهم، ولكن أنا لست كذلك !..

وليتني كذلك!
ولكنَ أنا بحالاً أفضل مادمت بعيداً عن هذا الصخب الذي يوارينيَ ويوزايني طوال حياتَي .
أتمنى لو استطعت أن أصل لمرحلةٍ أجبّر بعضَ كسوري، وأمضي ْفي طريقي، فكل ما أخطط له، وما أفكرُ به كثيرًا، لا يأتي أبدًا كما ما خططتُ له، أو ما فكرت به، ومع ذلك أنا لا استطيع أن أكفّ عن التفكير، أو التخطيط دون أن أحقق أي نتيجة.
أسمع كثيرا وأقرأ أحاديث مملة عن التخطيط ووضع الهدف والنجاح وإدارة الوقت، ويؤلفون لأجلها كتبًا، ويقضون في سرد حقائقها وقتًا، ويبذلون جهدًا ويستمرون في إزعاجنا بها! ولكنها أبعد ما تكون عن التنفيذ في حياتنا الواقعية حين لا نملك زمام أمورنا.
ولو ألفتُ كتابًا، حينها سأنصح أن نمارسَ الحياة كما هي.. بلا تخطيط مرهق، وأن على كل من يستطيع التوقف عن التفكير أن يفعل.. فهو في نعيم لن يشعرَ به إلاّ حينَ يفتقده، ككل النعم.
لا شيء يدعوك أن تسبق تصورك لعشرين سنة قادمة.. فهذا هراء كبير يريدون إثباته،
وهذا يأتي من خلال تجربةٍ لي.. تندر الأشياء التي لا أخطط لها، وقليلة هي الأمور التي لا أفكر لأجلها قبل أن تأتي.. ولكن كلها لم تأت كما فكرت، ولم تجئ كما خططت .. فلم العناء؟
هذه ليست كذبة.. أو شعارًا أردده، هذه حقيقة.
لأولِ مرة تخليتُ فيها عن كل شيء، ورأيتُ بها الأمور على ماهي عليه.. من الجميل أحيانًا أن نعيش طموحين ولنا أماني، فالأمنية حين لا تتحقق فهي مقدمة لهموم جديدة..! موت أمنية يعني حياة لـ همّ.
والحياةُ مع أمنية تعني أن نعيش حياتين منفصلتين، حياتنا الواقعية، وحياة أخرى للأمنية
ولكن دون ضمان ..
لا شيء يشبه الأمنيات، فما أن تنتهي إحداها..
حتى تأتي التي تليها، لتعود من جديد ولادة أمانيّ جديدة.. ولتموت مرةً أخرى، وهكذا دواليك..
لا أتخيل العيش بأماني كلها ميتة.. أو أمنيات تولد قبل أوانها، فتأتي عليلة تنبئ بموتها مبكرًا أو بعد ولادتها مباشرة.. في مهدُها قتيلَة . بيديك أو بأفكارك .!
حين أجدي نفسي ضعيفاً أمام الأخرين ، أكتفي بالصمت ، لطالما كنت مكتفياً بالصمت ، سواً مع الأهل
سواً مع الأقارب .,. حتى أنني بعيداً كل البعد عن مايدعى بالتواصل .. أمارسه في طقوس محدده .. لماذا أريد أن أتغير ، هل حقاً الحياة مختلفة وأجمل بالتواصل لا أشعر بذلك .. لماذا لا أملك الرغبة .. !!
هنا أقفُ بخضوع.
عن موتِ أيّ الأمنيات كنت أتحدث؟
عن أي الهموم كنت أتوجع.. !
حينما أرى الأخرين مارّين بقربي ، وهناك من هو أسوء حالاً مني ، أدرك إنسانيتّني ومبادئها
أجد في وجوهّهم ، أشياء تعبيرية ، أشياء تخبرك عن سر الحياة .. أشياء تجذبك نحو فقدان الأمومة ربما ، أو عيش بدون أدنى مايسمى بالحياة الواقعية ! هل هم يشعرون مثلنا ، ربما هناك تفاصيل شاحبة حتى هذه التفاصيل
تفتقدُ الأمور الصغيرة التي تمنحها الحياة لنا كيف يعيشون،؟ كيف يتنفسون . هل هُم أشقياء .. فهم مبدعون في إخفاء كل هذه الأمور تحت الغطاء المسمى بالوجه !؟ أطلقُ نظراتي إليهم وكأني ملكتُ دونهم أشياء .. يطالبوني بمنحُها ... حقاً لهم مستحقات لا أجهلها ولا أريد أن أتذكرها ّ!
لست أدري إن كانت الخطوات التي تتحامل على المشيّ بعيداً خوفاً من تعابير وجوهنا إليهم
فرغم هذا كله ، فهم يكرهون تلك النظرات التي أرسلناها إليهم ..
إلهي أنا لا أعلم ماوجديّ وعيشي ، هل حياتي عبارة عن تخبطات .. هل هي سرمدية الرتابة !
إلهي أريد أن أعرف إجابة وحيدة ..
هل هناك أعمق من أن نهتم بحياة أماني غيرنا، وأن يكونَ جلّ أمانينا ومساعينا ألا تموت أمنياتهم؟
حقاً لستُ أدري .. لست أدري ..!! فلا يزال هناك بيّن أحضان هذه الأتربة قوماً يملكون ما أملك
من قلبّ ، يصلون مثلي خمسًا ، ويتألمون في اليوم عشرَا .. ربما لايعرفون الصباحً أبد
فهم أهل الليلَ قياماً في البكاء ، والنحيّب والتضرع .. إلهي ألطف بمّن أوفى ولمّ يوفُى .. وأرحم ضريراً ، متعافيا .. وأجبر كسر المستضعفّين .. من أم ثكٌلى مروراً بعاشقة صهُباء . ورجُلاً أوحد .
 
 
،،
 
شُكراً
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق