الخميس، 25 أكتوبر 2012

والدي وأصدقائُه


ترّتيل :

ذلك العهد لن أحنّ إليه..
إنه عن مناهلي ارتحلا
صرت حراً.. بلغت جنة دنياي..
وجفني بنورها اكتحلا
إنها نعمة أقطّع فيها العمر.
. مستغفراً ومبتهلا
إعف عني ياربي.. بدد همومي..
فلقد عشت مرة رجلا

-
عمر أبو ريشّة

..
كنت متثاقل الخطُى .. فأنا منذو زمن لم يدعوّني والدي إلى مجلس أصدقائه ..
أتيت بخطّى متكاسلة .. وأعينُ تحكي واقع الفتى الذي يريد أن ينهر أباه ويخبره
أنا لا أريد .. لك دينك وليّ دين !
إبتسمت وقلت حسنا يا أبي سأفعل ما تريد .. جلست بعيدًا عنهم ممسكاً
بـ "الدلة " وأسقيهم من خمّرهم المحبوب المشروع .
بدأو يتحدثون وأنا متملل منهم أشعر برغبة في الأنفجار .. أقترب من الساعة
أصرف النظر عنها فأعاود الكُرة . كأنها لاتتحرك .. كأن الزمّن نائماً في بحُيرات الشيطان
أنتظرت .. حتى بدأ شخصً أخر يريد أن يخُرج فحوأ صدورهم .

..
سألهُ وقال أبا خالد ما رأيك في الكُتب الحديثة في هذا العصر ، وكُتب هذا الجيل ؟
ردَ عليه بصوت يملؤه التبّرم وقال :

الكتاب العربي الحديث هو مرآة المستوى الفكري العام في العالم العربي، والتقليد يكتنفه من جانبين، تقليد للسلف في الكتاب الديني، وتقليد للغرب في الكتاب غير الديني، أو الكتاب المتغرب في الفكر وإن كان يناقش قضايا دينية أو غيرها.

قاطعهم والدي وقال :
مرجعية الكاتب تتراوح بين الأمرين، ولا نستطيع القول مطلقًا بالتقليد، ولكن هذا هو الغالب.
وهناك كتب إبداعية لا شك ولكنها قليلة جدًا إذا ما قورنت بالكم الهائل الذي يطبع. وقد تستغرب من استخدام كلمة ديني وليس كلمة إسلامي كوصف لبعضها، لأن بعض الكتب التي تلبس لباس الدين يمكن أن تسميها دينية ولكنها ليست بالضرورة مما يصلح أن تقول عنها كتبًا إسلامية، فالكتب التي تروّع الناس من الدنيا، وتقسم العالم قسمين، وتحتقر العامة من الناس، وتحتقر البدن، والشهوات، ولا تعترف إلا بالروح فقط؛ أنى لهذا المزاج أن نقول إنه إسلامي؟!

رد السائل على سؤالهَ وعليهُم وأسترسل قائلاً :
هذه كتب دينية فقط، ويمكن أن تكون جريمة في حق الدين، تحترم الآية التي فيها والحديث، ولا يمكنك التسليم بصحة وجهة نظر جامعيها ومصففي نصوصها، ثم يقوم المحققون من مفكري الإسلام وعلمائه بالتمييز إلى أي دين تنتمي تلك الكتب. والترويج لمجرد الكتاب الديني مشكلة أصابت الأمة، فحب الناس لدينهم أوقعهم في التسليم لكل من دخل أو أدخل تحت عباءة الدين ما ليس منه.

وكان هناك شخصًا في المجلس أراد المشاركة فدخل من الباب الضيق وقال :
هكذا الكتاب التقليدي الغربي كارثة أخرى، ينتهك مجتمعًا مغلوبًا، يشوه حقيقة المجتمع المنقول عنه، لأنه يمثل غالبًا طرفًا في مجتمعه، ويجعل نصوص الشهوات، وشواذ المذاهب، ومصائب الغرب والشرق هي الثقافة وهي المعرفة، ويسوق الفكر الغربي سياق النصوص المعصومة، والكاملة.

وفي ختام الحديث رد أباخالد وأطرق متزود بحديثه عن ذكرياتُه وأيام دراستَه الجامعية :
أذكر أنني في أول مناقشة ثقافية استطعت أن أناقش فيها مثقفين غير مسلمين احتججت بكتابات كولن ويلسون، وقبل عشرين عامًا كان فاكهة زماننا، فهو مؤلف المنتمي واللامنتمي، ومؤلف: سقوط الحضارة، وكتبٍ غيرها كثيرة، وكنت أتوقع أنه الكاتب الذي يصدر عنه الجميع، فهو شيخهم الأول والأخير ولكن لم يعرفه أحد ممن في القاعة! فذهبت للمكتبة ووجدت أنه ليس له فيها آنذاك إلا كتاب واحد هو رواية من روايات الرعب! وليس له كتاب بعنوان سقوط الحضارة ولكن الناشر اللبناني اخترع العنوان ليبيع الكتاب! ومرت سنين حتى رأيت كولن ويلسون وقد خطفته الخرافات والسحر وأصبح نسيًا منسيًا. فالوسطاء يستطيعون أن يجعلوا الشعوب التي تقرأ الترجمات تعيش خارج الثقافة مع من لا قيمة لهم ولا أهمية، وتغيب بالمقابل أعدادا كبيرة قادرة؛ والنتيجة تقليد في تقليد. ولا ألوم من يقول إن كانت المسألة تقليدًا للغرب فقلدوا رجالنا ولا تقلدوا غيرهم. فالتقليد لا ينفع ولا ينقذ المقلد، وخير منه الاقتداء، والمقتدي عارف ومنتقد، يأخذ ويترك.

..
بعد إنتهاء الحديث . إبتسم والدي وهو يرّى مدى تعلقُي بما قالوا .
قال لي أذهب وأجلب الأواني وأطفي الأضواء .. فربما ستكون هناك ليلة أخرى غداً
أتريد الحضور .. فكرت ربما أريد ، مع أختلافي ،وأجتذابي لطريقة تفكيرهم في الاحاديث
..
قلت حسًنا ربما .
ردً قائلا .. هؤلاء أصدقائي .. فمن هم أصدقائك !
..
حقًا من هم أصدقائي ؟
يالا تساؤلات أبي المفعّمة بالشحُناء الغامضة .
منهّم أصدقائي ..
منهمَ ..
مُنهم ..
الحقيقة أنني لا أملك أصدقاء .. في الواقع
لا أملك ، إلا الموسيقى والكُتب والنقاشات السقيمة مع الذات
و وجوه لم أرُها
نعيش من وراء حواجز كثيرة .. أنا شخصّ
رفضُت الواقع . فرفضّني ..
فبقيت أحاربه خفيّه .. وخلٌُسة ..
لا أصدقاء لدي يا أبي .
هنيئاً مريئاًَ سحاً غدقاً مجلجلاً
لك بأصدقائك .



،،

شُكرًا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق