الجمعة، 26 أكتوبر 2012

أحدُ ما






الليل وحده كان يموج في شوارع المدينة ..
الشتاء الحزين والقلب المثلّج .. هناك على ضفة النهر
كان هناك فقط قلبّ يئّن
قلب تائه ، يسير حيث يرى ذلك الطيف أو الشبح
. يعانق النجم تارة .. ويلتحف الصمت والخّدر تارة
أنهكته الحمى ، والعري ، والفقر والشحّ .. وبكاء الموتى
وحنين الغيْاب .. صاح ، صاح هيهأت ، مايجدي الصياح .
حلّ من التعب ماحل .. فأستلقى دون وعياً منه ونـام
وأخذ أطيطه يدوي في المكان كـ جرس لندن ، كـ بوق
كـ روح تصرخ في أذن وطن بعيد ، بعيد المنال .
رأى حلماً في منامه ، شيء غريب
يتوهمّه .. لا لا بل يراه .. ماهذا يبدو مموج يبدو غائم
يبدون خمر منُسكب .
توارى له بين جنح الليل والظلام .. والبرّد وقال :
أحبك . مثلما تحُب الأمور الغامضة إثارة المنطق .. وفلسفة الجدّال
ونزاع الصراع ، سأخبرك ..
سراً أزرق .. سراً كالوريد .. سراً كالشفايف الذابلة
أنا ..
أحبك مثل النبتة التي لا تزهر .. لأنها عقيمة ..!
فتحتفظ بعذريتها خوفاً من ملك الزهور أن يرمّي عليها بقلب الفُحش
فتهاجمها ملكات النحل . لينتزعوا عذريّتها العبقة ..
لاتعد لنا .. إبقٍِ تائهاً .. أنا خائفة بك .. وخائفة بدونك
وخائفة معك .
أن هذا الليل الكئيب وحده من يشعرني بالأمان .. رغم تلك القصص
الطويلة التي تحملها أسرار الليل وأجنحته المفعمة بالنشاط الزائل .
إن هذا الأمل الوليد في أحشائي .. يكاد يلفظ أنفاسه الأخيرة .
عشّ كما أنت .. بائساً فقيراً مرتحلاً عوداً غضا ..
وأنا سأتبعك في كل أوديتك التي تهيم بها .
فأنا ..
أحبك دون أن اعرف كيف !، أو متى أو أين ؟!
أحبك بلا مواربة، بلا عقد وبلا غرور !
أحبك رغم هذا الجُبن التي تعلوه هامتي الصغيرة ..
أحبك رغم التماثل للموت ، والتماثل للحياة .
هكذا احبك لأني لا اعرف طريقة أخرى
غير هذه، دون أن أكون بحاجة لقربك التائه أو لروحك
أنا لازلت قريبة .. قريبة هُنا ، هُناك .. بعيداً أدنو وأرنو
قريبة حتى أن يدك على صدري ..
على عنقّي على عينيّ وأحزاني
قريبة حتى أغفو حين
تداعب النجوم عينيك لتغفو طويلاً ..
إصحّ .. فالنور لم يسطع بعد .
..
ذلك الرجل التائه البائس .. لم يكن نائماً
بل إنها أصعب طريقة للأحتضار تؤرق
شحوب هذا الليل ..
لم تكن المدينة تفتقد شيئاً أخر ولاتقوأ على ذلك
بُكى ذلك الرصيف .. الشارع . عمود الإنارة ..
الثلج المتساقط ، البرد .. النهر المتجمد ..
لم يكن ذلك الطيف أو الشبح ، إلا ملاكاً
داعب مقلتيه ليسعده دقائق معدودة قبل أن يذهب
لعالم أرواح غيبّي .. هناك حيث الله ،
حيث الخلاص والراحة الأبدية .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق