الأربعاء، 21 نوفمبر 2012

وجْع



ترنيمّة :

إصبروا عليَّ لأجمعِ نثري.
زيارتُكم عاجلة وسَفَري طويل
نظرُكم خاطف وورقي مُبعْثَر
محبّتُكم صيف وحُبّيَ الأرض.
مَن أُخبر فيلدني ناسياً
إلى مَن أصرخ فيُعطيني المُحيط؟
صــار جسدي كالخزف ونزلتُ أوديتي
صـارت لغتي كالشمع وأشعلتُ لغتي،
وكنتُ بالحبّ.
لامرأةٍ أنهَضتُ الأسوار فيخلو طريقي إليها .

**
أنُسي الحاج







.ذلك العائد من سفره البعيد أتاني ويحمل الأسى في عينه ،وبصوت خجول
دبّ في ضواحي .. روحه .. وأزقّة مخُيلته المجُهضة ..
قال:
أيها الغافي دعني أقصص عليك شيئاً من نوادر الحديث .. وماخطُته الأصابع
من تعب الأيام .. ومن فرح الدّنى .
وترانيم الطهر في دجُى اليأس


ومن بوح مراهقة ملحُدة .. لـ كهل أذعُنت لمطلبه
.. وخذ بعضاً من أوراقي المتهالكة .. وشيئا من الحاضر القادم

وبقايا من بقايا .. وكأس شاي بارد .. .. ورغيفة خبز ساخنة ..
وأدخلها في جوّفي .. كـ نوعاً من الصبّر

كلامها كان .. أكسير الحياة . وشواطيء الأغريق المتهالكة .. وعذريّة بوسيدون

إبنة ألهة البحر .. وأطفالها التسّع ورقّة قلبها التي أتسعت لكل عّباد وعشاق الألهة أنذاك
في أساطير الأساطير وطائر الرخ القديم الذي شّرفته الألهة
أو عانق المزُمجر .. خيالاَ من خيِال

جميل حقًا،

أن يكون هناك طيفاً يواعدك ..ويأتي كيفما تريد منه أن يأتي .. ولا يأتيك على حين غرة .
هذه الفتاة التي كانت .. منسوجة من حرير العبودية .. وترتدي قميص الأنسان . بكعب عاليّ لا يبالي
أخذت شيئاً من قلبي.. ومنحته لعيني وقالت إقرا ..
فقرأت إبداعًا سابقًا لعصري
إبداعاً يحكي ليلة مخّمورة برائحة الشُرق
.. وشيء من ماضي أبي ،
ليست المرة الأولى التي أتلقى إبداع الأخرين فيها
.وأخذه على محمل الجدُ
أعتليت أجنحة الذهاب والعودة . وأنا في رد وصّد
وفجأة .. في عين الظلام وحده ، سرقت مني كل شيء
بقيت بعيداً عن الوجود .. لاثالث لنا .. إلا الله ..
الشيطان .. أختٌشى أنذاك وتاه في خطأه وبقي بعيداً يمُني النفس
بخبث البشّرية والحسد .

في اليوم الثاني بمجرد أن رأيتها ناديتها ..
رغم إنها بعيدة بعيدة . خلف قضبّان الذاكرة

وكانت شبه عارية .. قلبي يا فّتنة
فأختشيت وأغضضّت البصر
بادرتني بالسؤال، هل أعجبك ما قرأت يا غرّاب ..
أرى في عينيك نوعاً من الهيام والضعف
والأستسلام .. عجباً أنا من ألحد في الغموض حتى بات قرين له ..
أنا من تاُه في عرّاه .. فُستره الله بشيء من الماء .
فكيف تقرأني فتاة مرُاهقة على كفٍ من مهلَ
: قلت: مدهش أكثر من رائع ، وكنت وقتها أود أن أخفي سراً يجري في تجاعيد الوجه ،
ينافي عقيدة التوحيد .. يحكي لها أوقات الأمل والضبابية في سفٍر بأوراقها وعينها التي لاتكاد أن تراني
واستدركت ..
وأنا أتظاهر بالذكاء: أحقًا أنتِ .. من عانق هذه الوريقّات ..
فردت عليً بصوت يملُئه الطمأنينة ..
لم تكن أوراقي يا غّض .. هذه قلوصًا من كبدك ..
عراك من مشاعرك .. ياحياة الشمس
إنك جاهل .. في أتفه أشيائك..
كم أنا مشُفقة عليك أيها العربي
كل هذه السماديّر و هذا السواد الذي إستطال هالة قمر
تحت جفنّيك وأهدابك .. عبارة عن موت حيّ
يسرد قصة البقاء .. لهذا الوجود الذي جُبل على فتنة الدهشة والغرابة والفظاعة .

سحقتنيّ بحديثها ، أود التصديق والنفور .. أرغب بالأنسحاب .. تراجعت خطوتين إلى الوراء

أريد الأختباء والأختفاء .. فأمسكت بمعصمي وقالت لاتخف يا "...."
أنا جُزء منك .. جزء من روحك التي تنكرها
أنا تلك الخفية التي ولدت في أول أيام الكريسمسّ
وفي منتصف الحرب ..
أجهضتني أمك في الذاكرة .. أنتزعوك مني
سرقوك من روح الجُند البواسل
وزرعوك في أعقاب ربّات المنازل .
فغصًت في أعماقك بخُتم من ألهة النذُر عند الشرق
لاتخف يا فتّى .. أدُنو وأقترب
..
وشيء كرعشة الخوف .. كـ مُخاض الولادة
قد إستسلمت له أحشائي
ألم يسّري في معدتي .. يُقطعها إرباً إرباً
كأنه أول لقاء .. مع الأحلام
أو عناق لـ طيف فتاّة ..
.
أطبق الصمت علينا وخيّم ماخِيم .. وهي تضع الحنّاء في يدها
كأنها الهُدى على مهد الأيام ستُزف لذاكرتها الراحلة .
وتعافيت من جرأ الصدمة .. وقلت بوجهِ
مرتمي إلى أسفل ذّرة في نواة الأرض
أخشى أن أرمقها فترى يأسيّ وضعفي
وقلت : هلّ لي بالمزيد من تلك ..
فبدأت بالضحك .. وصوتها يعلو .. كم كنت كريهًا أنذاك
ولكن للهِ الحق أن ضحكتها .. شيء من الفردوس
شيئاًَ من دهُاق الجنّة
..
ملأني البحر بماءه .. فغُصت في أعماقه
وحنجّتري تغرغرّ بهِ .. وجسدي دّب فيه النحّل.
أشارت إلي وقالت فلتنتظر قليلاً سأغتسل
وسأسلب العذرية ماتبقى لدي من وفاء ..
وأسرق من عين الشمس . إنتظار من رياء ..
دعني أمرُغ جسدي في وحلّ الروح
وإذا بها تتلاشى كالسراب .. وتبتعد
وتبتعد وأنا أمد لها اليد .. خوفاً من الغد ،
فإذا بالصدى .. ينادي يا "..."
أنت هُنا في جوارحي ـ هنا خلف غطاء الصدر
وستذّكرني وتخشاني ، فأنا هدية الله
أنا عاقبتك الحسناء .. أنا خبايا
وسجايا روحك الضعيفة .
بين عينيك ، إنتصبّت
فكانت أيامك عبارة
عن ضجيج في أطراف الدنى
وسُبل سلبها الوجع
ورحيلّ ، ومفترق طرق .


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق